ترجمة وتحرير: نون بوست
اختارت مجلة التايم مؤخرًا إيلون ماسك الذي يعتبر أغنى شخص في العالم، وهو الرئيس التنفيذي لشركتي “سبيس إكس” لاستكشاف الفضاء وتسلا لصناعة السيارات الكهربائية، ليكون شخصية العام لسنة 2021. في الفقرة الأولى من ملفه الشخصي الطويل المرافق للجائزة، ورد أن هذا الرجل “يطلق الأقمار الصناعية في المدار ويسخّر الشمس”، ويتحكم في أسعار سوق الأسهم بإشارة منه، فضلا عن أنه يحب مشاركة التغريدات بينما يكون في الحمام.
أما الفقرة الثانية من ملفه الشخصي فهي مخصصة للخوض أكثر في موضوع “قضاء حاجته”. وقد سبق أن نشر الملياردير البالغ من العمر 50 عامًا تغريدة عن ذلك شاركها مع متابعيه على تويتر البالغ عددهم 66 مليون شخص مساء يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد أن أشار سابقًا إلى أن نصف تغريداته على الأقل “كتبها بينما كان يجلس على عرش من البورسلين” (في إشارة إلى المرحاض).
كان من الأجدر اختيار شخص لهذا اللقب يهتم حقًا بتخفيف المعاناة البشرية بدلاً من شخص يطارد رؤية بائسة لكون مستقبلي مركزه إيلون ماسك وتحت إدارته
من المفترض أن تظهر مقدمة الملف الشخصي البعد الإنساني الواقعي لرجل الأعمال الجنوب أفريقي الطموح الذي يسعى إلى استعمار المريخ والذي منح نفسه مؤخرًا لقب “ملك التكنولوجيا في تسلا”.
في الفقرات التالية من ملفه الشخصي، تقدم مجلة التايم ما يبدو أنه اعتذار بالنيابة عن شخصية العام، موضحة أن ماسك يُصوّر عادة على أنه شرير خارق متغطرس من عمالقة التكنولوجيا والفضاء، إلا أنه في النهاية مختلف. ويأتي هذا التقييم مباشرةً بعد مقابلة لماسك قلل فيها من شأن التهديدات التي يفرضها فيروس كورونا ومن انتهاكه للوائح الصحة المحلية من خلال استمرار مصانعه في العمل، ورغم كل ذلك ترى مجلة التايمز أن “الحيز الكبير للبؤس البشري يمكن أن يبدو فكرة ثانوية بالنسبة لرجل يضع نصب عينيه المريخ”.
كان من الأجدر اختيار شخص لهذا اللقب يهتم حقًا بتخفيف المعاناة البشرية بدلاً من شخص يطارد رؤية بائسة لكون مستقبلي مركزه إيلون ماسك وتحت إدارته. لا عجب في ذلك، لأن هذه المجلة هي التي منحت أدولف هتلر لقب رجل العام في سنة 1938.
من خلال الإشارة إلى أن “هذا الرجل يطمح إلى إنقاذ كوكبنا ويبحث عن كوكب جديد للعيش فيه”، تؤكد التايم أنه يمكن اعتبار ماسك أكبر مساهم خاص في جهود مكافحة تغير المناخ. للحصول على رؤية أكثر واقعية، قال لي ماكس آجل، مؤلف الكتاب الشهير “صفقة خضراء جديدة لأجل البشرية”، في رسالة بريد إلكتروني “إذا اتخذ التدمير الرأسمالي للبيئة شكلاً بشريًا فلا شك أنه سيبدو مثل رجل الأعمال الجنوب أفريقي الطموح إيلون ماسك”. ونبّه آجل إلى أن “الشكل الجديد للتفرقة العنصرية سيتجلى في رحلات سفن الفضاء التي يصورها قطب تسلا، التي سوف ينبعث منها كمية ثاني أكسيد كربون في بضع دقائق تفوق ما يفرزه الفقراء في حياتهم كلها”.
تعتبر الرأسمالية في طبيعتها معادية للإنسان بشكل أساسي وهو ما يمكن فهمه من تصريح كيمبال شقيق ماسك وشريكه، الذي قال إن موهبة إيلون أنه “لا يتعاطف مع الناس”.
في تشرين الأول/ أكتوبر، أمرت الهيئة الفيدرالية شركة تسلا بدفع ما يقارب 137 مليون دولار لموظف سابق أسود البشرة زعم – حسب واشنطن بوست – أن العمال يتعرضون لظروف عمل تشبه “ما كان يحدث في عصر قوانين جيم كرو”، حيث الإساءات العنصرية متفشية والمشرفين يرفضون معالجة هذه المسألة.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، رفعت ست نساء دعاوى منفصلة ضد شركة تسلا بتهمة التعرض للتحرش الجنسي المزعوم في مكان العمل، وأكدت العديد منهن أن سلوك ماسك المبتذل على تويتر يشجع على السخرية الجنسية وغيرها من الإساءات في بيئة العمل التي يهيمن عليها الذكور.
ينضاف إلى ذلك حقيقة أن ماسك تعمّد تعريض حياة الموظفين للخطر أثناء الجائحة إلى جانب انتهاكات أخرى لقوانين العمل، بما في ذلك تهديداته للعمال الذين يرغبون في تكوين نقابات، وهو ما يدعو إلى القلق بشأن مآل فكرة المريخ برمتها.
بينما يغرد أغنى رجل في العالم بعيدًا عن عرشه الخزفي نحو مستقبل أكثر وحشية يعكس استبداد النخبة والمأساة الجماعية، يبدو أن ما يحدث “مسألة قذرة” للغاية في الواقع.
ولكن على أي حال، لماذا يجب على العمال أن يكلفوا أنفسهم عناء محاولة ممارسة قدر ضئيل من السيطرة على وجودهم في حين أن ماسك – الذي تصفه التايم بأنه رجل في صورة إله أزرق البشرة (في إشارة إلى الإله فيشنو لدى الهندوس) – يعرف ما هو الأفضل لهم؟ مرة أخرى، يبدو أن ماسك وحده فقط من يعرف ما هو جيد للجميع، حيث نقلت عنه التايم أنه “إذا دفع ضرائب للحكومة الأمريكية تتناسب مع ثروته الخيالية، فلن يعود ذلك بالخير على الشعب، “لأن حكومة الولايات المتحدة” بطبيعتها ليست مضيفة جيدة لرأس المال.
لا شك أن الحكومة الأمريكية ليست أهلا لذلك، بالنظر إلى مقدار المال الذي ضخته في مشاريع ماسك الخاصة، بما في ذلك قرض فيدرالي قيمته 465 مليون دولار لشركة تسلا في سنة 2009. كما استفاد ماسك وشركاته على مر السنين من مليارات الدولارات من الإعانات العامة والعقود الحكومية. مع ذلك، عندما قام السناتور الأمريكي رون وايدن بنشر تغريدة على تويتر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عبر فيها عن تأييده لضريبة الدخل للمليارديرات، رد عليه ماسك بتغريدة ساخرة – تظهر مدى نضجه – علّق فيها على صورة وايدن الشخصية.
تطرقت التايم إلى مختلف هذه الوقائع من خلال الإشارة إلى أنها تداعيات عقل فذ ومعقد بشكل رائع: عقل “مهرج، عبقري، مثير للجدل، صاحب رؤية، صناعي، رجل استعراض، وغد” بالإضافة إلى كونه “جنوب أفريقي خجول يعاني من متلازمة أسبرجر”، عاش طفولة قاسية وتغلب على مأساة شخصية سعيًا وراء طموح كوني”. وقد اعتمدت المجلة عبارة القيادي الصارم لتلطيف شخصيته الاستبدادية في التعامل “الأسطوري” مع موظفيه. كما يقال إن تسلا تتبع “نهج عمل صعب”.
أثار اختيار التايم إيلون ماسك ليكون شخصية هذا العام الجدل فعلا، لكنه يجسد بشكل مناسب مدى سوء هذا العام من حيث الرأسمالية والأمراض المرتبطة بفيروس كورونا وتغير المناخ. وبينما يغرد أغنى رجل في العالم بعيدًا عن عرشه الخزفي نحو مستقبل أكثر وحشية يعكس استبداد النخبة والمأساة الجماعية، يبدو أن ما يحدث “مسألة قذرة” للغاية في الواقع.
المصدر: الجزيرة