ترجمة وتحرير: نون بوست
يقف الوزراء مبتسمين بجانب رئيسهم نفتالي بينيت في مستوطنة ميفو حماه بالجولان المحتل، في اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء يوم الأحد الماضي. تمثل هذه الصورة التي يظهر فيها جميع أعضاء الحكومة الإسرائيلية تقريبًا تتويجًا لمسار طويل من محاولات احتلال الجولان وتهويده، رغم أن الأمم المتحدة تعتبر أنّ هذه المنطقة تابعة للأراضي السورية.
بعد احتلال “إسرائيل” لهذه الهضبة السورية سنة 1967، وضمها رسميا سنة 1981، من المتوقع أن يشهد الجولان زيادة عدد سكانه اليهود من 27 ألف مستوطن حاليا، إلى نحو 50 ألف مستوطن بحلول سنة 2030، بالإضافة إلى 23 ألف درزي وبضعة آلاف من العرب.
تندرج خطط مضاعفة عدد السكان اليهود ضمن استراتيجية واسعة للاستثمار في البنية التحتية (النقل والتعليم والمستشفيات والسياحة والطاقة) بمبلغ إجمالي قدره مليار شيكل (284 مليون يورو). ومن المزمع بناء 7300 منزل جديد في المستوطنات الحالية، و6 آلاف وحدة إضافية في مستوطنتين جديدتين، هما عاصف ومطار. يعدّ ذلك انتصارا جديدا للائتلاف الحكومي بقيادة نفتالي بينيت، حسب رأي توماس فيسكوفي، الباحث المستقل في التاريخ المعاصر، ومؤلف كتاب “فشل يوتوبيا، تاريخ اليسار في إسرائيل” (2021).
ماذا يعني هذا الإعلان من الناحية السياسية؟
تعتبر هذه الخطوة مهمة جدا، وتضاف إلى ما حدث سنة 2019، عندما أصبح دونالد ترامب أول رئيس دولة يعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، متحديا القانون الدولي الذي يعتبر أنّ هذه المنطقة أرضا سورية تحتلها “إسرائيل”. اعتُبر إعلان دونالد ترامب انتصارًا كبيرًا أحرزه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، الذي فقد منصبه في آذار/ مارس الماضي.
منذ ذلك الحين، فعل نتنياهو كل شيء لزعزعة استقرار الائتلاف الحاكم، ومازال يصر على أن هذه الحكومة غير متجانسة ومعرضة للتفكك، وهو ما يحول دون نجاحها في اتخاذ قرارات مصيرية لفائدة “إسرائيل”. إلا أن التحالف أثبت أنه قادر على قيادة البلاد، بالتصويت على الييزانية في تشرين الثاني/ نوفمبر، فضلا عن إعلان مخطط “بيبي” لمضاعفة عدد السكان اليهود بالجولان، وهو ما أظهر أن بينيت عملي أكثر من نتنياهو.
ما هو الهدف من الخطة؟
الهدف الذي ترمي “إسرائيل” لتحقيقه، سواء في الضفة الغربية أو مرتفعات الجولان، هو تهويد المنطقة وتغيير تركيبتها السكانية. يساعد ذلك “إسرائيل” على إحكام قبضتها على الأرض، وإنشاء دولة الأمر الواقع، وإجهاض أي محاولات لإجبارها على الانسحاب. على سبيل المثال، يوجد 700 ألف مستوطن في القدس الشرقية والضفة الغربية، ولا أحد يفكر حقًا في ترحيلهم.
يود بينيت أن يفرض الاعتراف بالجولان كأرض إسرائيلية، ويجعل من انسحابها لفائدة سوريا أمرا مستحيلا من الناحية العملية. أما الهدف الثاني الذي يستتبع هذه الخطوة، فهو عملية التهويد وتحويل الجولان إلى أرض إسرائيلية بالكامل.
وتعتبر مرتفعات الجولان حاليا وجهة مفضلة للشباب الإسرائيلي، الذي لا يترددون في الذهاب إلى هناك لقضاء عطلات نهاية الأسبوع والتخييم. ألا يمكن القول بالتالي إن الجولان أصبحت جزء لا يتجزأ من “إسرائيل”؟
يكمن الفارق الكبير بين الجولان والضفة الغربية في أنّ “إسرائيل” ضمت الجولان رسميًا سنة 1981، في حين أن الضفة الغربية موضع نقاش حتى وليست رسميا جزءًا من “إسرائيل”. يجد الإسرائيلي في الضفة الغربية إشارات ترشده إلى “منطقة أ” و”منطقة ب”، لتحذيره من الدخول، وقد ولّد ذلك شعورا إسرائيليا بالخوف في الضفة الغربية، وهو أمر غير موجود في الجولان.
وفي الضفة الغربية، توجد أماكن ذات بعد ديني تخلق توتراً سياسياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على عكس مرتفعات الجولان التي تهتم بها السلطات الإسرائيلية في المقام الأول بسبب أهميتها الاستراتيجية والعسكرية. يمكن انطلاقا من الجولان السيطرة على لبنان والأردن وسوريا. وبالإضافة إلى ذلك، توجد موارد مائية كبيرة في المنطقة.
في الواقع، تحتدم المنافسة حاليا بين حزبين يساريين، أحدهما في المعارضة، والحزب الآخر يريد أن يكون جزءًا من الحكومة، حتى لو كان ذلك يعني المجازفة وقبول لعبة الإجماع لتعزيز التحالف الحكومي.
وأخيرًا، هناك العامل الديموغرافي. ففي الضفة الغربية، توجد مناطق حضرية مهمة مثل رام الله ونابلس والخليل، ويبلغ إجمالي عدد الفلسطينيين فيها 3 ملايين نسمة. أما في الجولان، هناك توازن في عدد السكان: يوجد نحو 25 ألف عربي، غالبيتهم من الدروز ويُعرّفون أنفسهم على أنهم سوريون، و27 ألف إسرائيلي. ترسخ هذه الفكرة في أذهان الناس الاعتقاد بأن الجولان ملك لـ “إسرائيل”، ولهذا السبب يقبل الإسرائيليون بالخطة الاستيطانية الجديدة.
لكن بالنظر إلى تاريخ “إسرائيل”، وموقف اليسار من الاستيطان، كيف يمكن لحزب علماني اشتراكي مثل ميرتس أن يتبنى خطة للتهويد وتوسيع الاحتلال، وأن يظهر في الصورة التي التقطت خلال مجلس الوزراء يوم الأحد؟
ضع في اعتبارك نقطة مهمة. في تشرين الأول/ أكتوبر، دعت حكومة نفتالي بينيت لتقديم منح لبناء 3000 منزل جديد في الضفة الغربية. اعترض وزراء ميرتس (بمن فيهم نيتسان هورويتز، وزير الصحة)، مؤكدين أن هذه الخطوة لا تخدم السلام، ما أجبر بينيت على أن يلتقى بمحمود عباس في رام الله.
في الكنيست، لم يجد أعضاء القائمة الموحدة (لا سيما الذين يمثلون الحزب الشيوعي الإسرائيلي) صعوبة في إدانة الخطة، وأكدوا أن مجرد وجود وزراء يساريين في الصورة لا يعني عدم تعارض هذه الخطة مع القانون الدولي.
في الواقع، تحتدم المنافسة حاليا بين حزبين يساريين، أحدهما في المعارضة، والحزب الآخر يريد أن يكون جزءًا من الحكومة، حتى لو كان ذلك يعني المجازفة وقبول لعبة الإجماع لتعزيز التحالف الحكومي. تحتل “إسرائيل” منطقة الجولان، لذا فإن أي مشاركة في الحكومة تعزز هذا الاحتلال وترسّخه.
المصدر: ليبيراسيون