ترجمة حفصة جودة
لمدة 11 يومًا في شهر مايو/ أيار، كانت فاطمة شبير تنام بصعوبة، فعندما اندلعت جولة القتال الأخيرة في غزة بين الإسرائيليين والفلسطينيين يوم 10 مايو/ أيار، ودّعت المصوِّرة المستقلة ذات الـ 24 عامًا والدتها، وخرجت من بيتها لتوثِّق قصص جيرانها في غزة حيث أنهكَ الرعب حياتهم.
تضمّن الصراع موجات من الغارات الإسرائلية الجوية قبل الفجر وإطلاقًا للصورايخ من أرض غزة، وقد شكّل الفلسطينيون الغالبية العظمى من القتلى البالغ عددهم 250 شخصًا.
كانت الخسائر فادحة بين الأطفال تحديدًا، فوفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قُتل 66 طفلًا فلسطينيًّا إضافة إلى طفلَين من الجانب الإسرائيلي، ولم يتمكّن عدد لا يُحصى من الناس من النوم أثناء الليل نتيجة الانفجارات، بينما اضطر كثيرون لإخلاء منازلهم التي يعيشون فيها قبل قصفها.
أثناء اليوم، صوّرَت شبير مشاهد الدمار والفوضى، وفي الليل كانت تظلُّ مستيقظة لتعديل صورها والاستماع إلى الأخبار في الإذاعة، التي تخبرها أين ستذهب في اليوم التالي، كانت الغفوات القصيرة والأدرينالين ما يمكّنها من مواصلة العمل.
تقول شبير: “في البداية كانت والدتي تهاتفني كل يوم لتسأل عن أحوالي وكيف تسير الأمور، فطلبتُ منها أن تتوقف عن الاتصال لأنني كنت أشعر بالخوف في كل مرة تهاتفني، كنت أخشى على عائلتي ولم أكن أريد أن أسمع أخبارًا سيّئة”.
عندما أعلنت حماس و”إسرائيل” وقف إطلاق النار يوم 21 مايو/ أيار بعد 11 يومًا من القتال، عادت شبير إلى منزلها لكنها استمرت في المغامرة بالخروج لتصوير ما يحدث، وفي يوم 24 مايو/ أيار ذهبت إلى بيت حانون -بلدة تقع شمال شرق قطاع غزة المحاصر-، كانت تعلم أن الأحياء بأكلمها هناك قد دُمِّرت، لكن بعض السكّان تمكّنوا من مغادرة منازلهم قبل قصفها، وأرادت شبير أن تصوِّر الناس وهُم يعودون إلى منازلهم.
التقت شبير بالطفلة رغد (4 سنوات) مع والدها، فتقول: “كانت كل عائلة تنظر إلى ما حدث لمنزلها في حزن شديد، وكانت رغد خجولة للغاية عندما التقيتها فساعدني والدها على التحدُّث معها، ذهبنا معًا إلى منزلهم ومشت رغد معي وهي تحمل دميتها الدب، انتقلنا من غرفة إلى غرفة في المنزل الذي لم يكن يضمُّ سوى الأنقاض والحوائط المتهدِّمة”.
عندما وصلوا إلى غرفة نوم رغد، قالت شبير: “سألتها عن غرفة نومها فوقفَت في صمت تام كما لو كانت تتذكر كل شيء”، حينها التقطت شبير تلك الصورة التي فازت بجائزة، لطفلة صغيرة تقف وسط الأنقاض في غرفة ذات فجوة كبيرة في الجدار، بينما تنظر خارجًا نحو مبانٍ أخرى بوضع مماثل.
تقول شبير: “هذه الصورة تلخّص مشاعر كل شخص في الحي ممّن فقدوا منازلهم”، انتقلت رغد وعائلتها إلى منطقة أخرى في غزة حيث استأجروا منزلًا صغيرًا، وتقول شبير: “ذهبت لرؤية رغد مرة أخرى، كانت تبدو كالملاك، لم تكن تتحدث كثيرًا لكن عينَيها ممتلئتان بالحزن، ما زالت تتذكر كل شيء وتفتقد منزلها القديم وأصدقاءها في الحي”.
في الوقت نفسه، كانت شبير تأخذ استراحة من دراسة الصحافة في جامعة الأزهر بغزة، حيث ركّزت على عملها في التصوير الصحفي، وعلّمت نفسها التصوير ونشرَت صُورها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حصلت على متابعة دولية.
في عام 2020، بدأت في الحصول على مهام من وكالات دولية من بينها Getty Images للتغطية في مسقط رأسها، وتقول شبير إنها واجهت العديد من التحديات كمصوِّرة صحفية أنثى، وأسوأها وجهات النظر المجتمعية التي ترى أن المرأة التي تذهب لالتقاط الصور في المناطق الخطيرة لا بدَّ أن تكون “سيّئة”.
تقول شبير: “عندما تذهب إلى أي حدث تجدُ الجميع يحدقون فيك، ثم يبدأون في التعليق بشكل مؤذٍ”، لكنها لم تتأثر كثيرًا رغم ذلك، حيث تضيف: “كل ما يحدث حولي يستحق التوثيق، أشعر بالمسؤولية تجاه الناس من حولي، أن تكون أصواتهم مسموعة وصورتهم مرئية”.
فاز ملف صُورها عن 11 يومًا من الصراع بجائزة Anja Neidringhaus Courage في التصوير الصحفي هذا العام.
بينما ابتعدَ التسليط الإعلامي عن غزة منذ شهر مايو/ أيار، ما زالت شبير هناك مصمِّمة على مشاركة قصص الناس عن الحزن والأمل، تقول شبير: “أريد أن يعرف الناس كيف تبدو الحياة هنا حقًّا، فالحرب هنا كل يوم، نحن في حصار والكهرباء تنقطع باستمرار ولا مياه صالحة للشرب، هناك الكثير من الأشياء التي يعاني منها الناس كل يوم لكنهم يجدون طريقة للعيش، إنهم فقط يواصلون حياتهم”.
المصدر: “ذي غارديان“