علّقَ البرلمان الليبي المنعقد في طبرق جلساته أول أمس الثلاثاء إلى الأسبوع المقبل، دون اتخاذ أي قرار في خصوص الانتخابات التي تأجّلت، ومصير حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها عبد الحميد دبيبة، في ظلّ الرفض الدولي لمساعي البرلمان للاستفراد بالقرار وإقصاء مجلس الدولة من المشاورات.
فشل البرلمان في الوصول إلى مخطّاطاته
جرى تعليق البرلمان لجلساته دون التصريح عن السبب، وبقيت المقترحات التي طُرحت يوم الاثنين لمعالجة تداعيات تأجيل الانتخابات، التي كان إجراؤها مقررًا يوم 24 من الشهر الحالي، في مكتب المجلس دون التصويت عليها.
وكان بعض النواب قد طرحوا مقترحات بشأن تحديد موعد جديد للانتخابات، وإعادة تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وبحث إجراء تعديلات دستورية، وضرورة تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة 6 أشهر، وإطلاق حوار موسّع بين مختلف الأطراف في البلاد.
يرفض مجلس الدولة الذي يترأّسه خالد المشري انفراد مجلس النواب بالقرار، على عكس ما نصّت عليه مخرجات العملية السياسية.
تضمّنت المقترحات أيضًا مخاطبة مفوضية الانتخابات لتوجيه كتاب توضيحي لمجلس النواب حول بيانها الصادر يوم 22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بشأن تعذُّر إجراء الانتخابات واقتراح تأجيلها إلى 24 يناير/ كانون الثاني المقبل، ومن ثم وضع خارطة طريق. كما اقترح بعض النواب المضيّ قدمًا في العملية الانتخابية، بالإضافة إلى التفاعل مع ما طلبته المفوضية وتشكيل لجنة لمعالجة المشكلات التي أثارتها المفوضية.
جدير بالذكر أن أحد أسباب تعثُّر الانتخابات وتأجيلها إلى موعد لاحق لم يُحدَّد بعد، هو تعنُّت مجلس النواب الذي أقرَّ قوانين تنظِّم الانتخابات دون الرجوع للمجلس الأعلى للدولة، وسمحَ بترشُّح مرشحين مطلوبين للعدالة، وساهمَ في مزيد من الانقسام في البلاد.
ضغط خارجي وداخلي
كان البرلمان يجهّز للإعلان عن تأجيل الانتخابات لعدة أشهر قادمة، مع تغيير الحكومة واستبعاد عبد الحميد دبيبة، لكن بيانات بعض الدول الأجنبية حالت دون ذلك، فقد أكّدت هذه الدول عدم اعترافها بأي حكومة موازية.
في هذا الشأن أصدرت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بيانًا مشترَكًا في 24 ديسمبر/ كانون الأول، أكّدت فيه أن “نقل السلطة من السلطة التنفيذية المؤقتة الحالية (المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة) إلى السلطة التنفيذية الجديدة، يجب أن يتمَّ بعد الإعلان عن نتائج انتخابات برلمانية ورئاسية فورية”.
يعني ذلك أن الدول الغربية الرئيسية ستُبقي اعترافها بحكومة الوحدة الوطنية التي يقودها عبد الحميد دبيبة، ولن تعترف بأخرى قد يعلنها مجلس نواب طبرق من طرف واحد، دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للدولة في طرابلس.
شاهد | عضو ملتقى الحوار السياسي والمجلس الأعلى للدولة عبد القادر حويلي يقول إن قوانين الانتخابات الحالية لن تصل بنا إلى انتخابات ويجب تعديلها من الصفر ويقول إن مجلس النواب يصل بالبلاد إلى طريق مسدود نتيجة عدم التزامه بالتوافق.#ليبيا pic.twitter.com/YHZuXQjgdv
— قناة فبراير (@FebruaryChannel) December 30, 2021
في الإطار نفسه، أصدرت خارجية تركيا بيانًا أوضحت فيه أنه “ينبغي ألا يحدث فراغ في الشرعية والسلطة في ليبيا، إلى أن يتمَّ تشكيل حكومة جديدة عقب الانتخابات”، ما يعني أن أنقرة ترفض ما يسعى إليه برلمان طبرق.
كما شددت بريطانيا في بيان منفصل على أنها “ستواصل الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كسلطة مكلّفة بقيادة ليبيا إلى الانتخابات”، وأنها لا تؤيّد “إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية”، وسبق أن شكّلت أطراف ليبية حكومة ومؤسسات موازية قبل مارس/ آذار 2021.
إلى جانب ذلك، يرفض مجلس الدولة الذي يترأّسه خالد المشري، انفراد مجلس النواب بالقرار على عكس ما نصّت عليه مخرجات العملية السياسية، ويأمل المجلس في أن يذهب البرلمان في مسار توافقي معه ومع الأطياف السياسية الأخرى، للاتفاق في خصوص موعد الانتخابات والقوانين المنظِّمة لها.
فشل هؤلاء في الوصول إلى هدفهم لا يعني أنهم سيرفعون الراية البيضاء ويتوجهون إلى طاولة الحوار مع باقي الأطراف السياسية والمؤسسات الليبية.
نهاية الأسبوع الماضي، حذّر خالد المشري مجلسَ النواب من اتخاذ أي خطوة دون التشاور مع المجلس الأعلى للدولة، ودعاه إلى عدم القفز على الاستحقاقات الموجودة في الاتفاق السياسي، معتبرًا أن أي خطوة سيتّخذها البرلمان بشكل منفرد ودون التوافق مع المجلس الأعلى للدولة، سيكون مآلها الفشل، سواء تعلّقت بخارطة الطريق، أو بإقرار قوانين، أو بأي محاولة لتعديل السلطة التنفيذية.
وسبق أن أعلن مصدر حكومي عودة الدبيبة لممارسة مهامه كرئيس للحكومة، عقب توقُّفه جرّاء الترشُّح للانتخابات الرئاسية التي تأجّلت، وأوضح المصدر أن “من حق الحكومة قانونًا الاستمرار في أداء مهامها بسبب تأجيل الانتخابات، وعودة الدبيبة لعمله لا تخالف اتفاق ملتقى الحوار السياسي”.
ويصرّ دبيبة على تسليم السلطة إلى حكومة منتخَبة من الشعب، كما قال في تصريح صحفي: “لن أترك ليبيا للعبث بها مرة أخرى، وسأواصل تحمل مسؤولياتي من أجل الوطن، هناك مؤامرات تُحاك ضدي شخصيًّا”.
لعبة صالح وحلفائه
يتبيّن ممّا سبق أن برلمان طبرق الذي يقوده عقيلة صالح فشلَ هذه المرة في فرض رؤيته وتوجهاته، أي أن لعبة عقيلة صالح وحلفائه قد فشلت حاليًّا، لكنهم لن يتوقفوا عن مساعيهم الرامية إلى السيطرة على ليبيا مهما كلّفهم الأمر.
يتكون حلف صالح من وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، والعضو السابق بالمجلس الرئاسي أحمد معيتيق، وسفير ليبيا السابق في أبوظبي عارف النايض، وكان هؤلاء قد اجتمعوا قبل أيام في مدينة بنغازي للتحضير لمرحلة ما بعد 24 ديسمبر/ كانون الأول، من خلال تشكيل حكومة جديدة لا يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتغيير أعضاء المجلس الرئاسي، ووضع خريطة طريق للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.
لا انتخابات بدون دستور ولا دستور بدون مجلس نواب نظيف شرعي منبثق من صوت الشعب
لا مجلس سرق صناديق اصوات الشعب وزيفها
ودعم انقلابي على الثوار والثوره
وفصل شروط الانتخابات علي مقاس عميل استخباراتي متخلف العقل والدين مجرم حرب #ليبيا#فريق_مجاهدون
— Omar Al-Mukhtar’s granddaughter???? (@OmarAlMakhtar86) December 22, 2021
سبق أن قال فتحي باشاغا في فيديو متداول: “هذه الحكومة (أي حكومة الدبيبة) عمرها ينتهي يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول عند الساعة الثانية عشر (ليلًا) ودقيقة، وفي هذا التوقيت تنتهي شرعيتها”، وأضاف: “القوة الفاعلة على الأرض تجلس مع بعضها، وفي يدها الحل والربط”.
وكان المجتمعون في بنغازي يأملون أن يفتحَ لهم مجلس النواب الطريق لتنفيذ خطتهم ويمنحهم الشرعية، ليحظوا بالاعتراف الدولي ولا يكونوا مجرد كيانات موازية تسعى لاغتصاب السلطة، لكن خطتهم فشلت.
يرى باشاغا وحفتر وصالح أنهم أهل الحل والربط في ليبيا الآن، فحفتر يسيطر على الشرق وباشاغا له كلمة مهمة في الغرب، فهو من مصراتة، وصالح أهميته تكمن في رئاسة البرلمان، وسبق أن ترشّح الثلاثة لرئاسة الحكومة والمجلس الرئاسي لكن فشلوا في ذلك.
فشل هؤلاء في الوصول إلى هدفهم لا يعني أنهم سيرفعون الراية البيضاء ويتوجّهون إلى طاولة الحوار مع باقي الأطراف السياسية والمؤسسات الليبية، فهم عازمون على السيطرة على البلاد مهما كلّفهم الأمر، ما يعني أن ليبيا ستكون على موعد مع حرب قادمة إذا لم يتدارك مجلس النواب أمره ويرجع إلى الاتفاقات السياسية السابقة.