ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت مروى الأطرش وزوجها ماهر وأطفالهما الخمسة قد استيقظوا للتو من نومهم في وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء، عندما تلقوا مكالمة من جيرانهم أبلغوهم فيها بأن الجنود الإسرائيليين على وشك هدم منزلهم الجديد.
تقول مروى لموقع “ميدل إيست آي”: “اتصل بنا الجيران في تمام الساعة الثامنة صباحا، وأخبرونا أن نأتي بسرعة لأن هناك جرافات ومئات من الجنود الإسرائيليين يقفون أمام منزلنا”.
أيقظت مروى (25 سنة) وماهر (45 سنة) أطفالهما، وغادروا شقتهم المستأجرة متجهين إلى قرية قلقس على أطراف مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، حيث كانا يبنيان منزلهم الجديد.
تقول مروى: “عندما وصلنا رأينا مئات الجنود الإسرائيليين يحاصرون المنطقة والجرافات تدمر المنزل. حينها بدأت أصرخ وأفعل كل ما بوسعي للوصول إلى الباب والدخول إلى المنزل”.
وتضيف متحدثة بحسرة عن المنزل الذي كانوا يبنونه منذ ثلاث سنوات: “ظننت أنني إذا تمكنت من دخول المنزل، فلن يتمكنوا من هدمه”.
وتتابع: “عندما حاولت تجاوز الجنود، أخذوا يدفعونني ويضربونني ببنادقهم. في النهاية، لم أستطع إنقاذ منزلنا. في غضون ساعتين، دُمّر المنزل ولم تبق إلا الأنقاض”.
تدمير منزل الأحلام
انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية يوم الثلاثاء مقاطع فيديو للقوات الإسرائيلية وهي تهدم منزل عائلة الأطرش، فيما كانت مروى ووالدتها تصرخان وتتشاجران مع الجنود.
كما انتشر مقطع فيديو يُظهر مروى وهي تواسي ابن زوجها البالغ من العمر 13 سنة، والذي كان يبكي وهو يشاهد الجنود. تظهر مروى المصدومة في الفيديو وهي تمسح دموع الصبي قائلة: “لا تنزعج، سنبني منزلا آخر، أفضل من هذا”.
تقول مروى: “عندما رأيت ابني يبكي ويصرخ وهو يشاهد الجنود وهم يدمرون منزلنا، كل ما كنت أفكر فيه هو كيف سيؤثر ذلك عليه خلال السنوات القادمة، وفي بقية حياته. أردت حينها أن أُخلّصه من آلامه ومعاناته. كنت قلقة من أن يصاب بالاكتئاب. لا أستطيع وصف شعورنا في تلك اللحظة”.
وقال ماهر، وهو يقف بجوار أنقاض منزله، مع زوجته وأطفاله الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و13 سنة، إن ما حدث يوم الثلاثاء كان من أصعب لحظات حياته. وأضاف: “لقد أفنينا سنوات من عمرنا وجهدنا لبناء هذا المنزل، وتأمين مستقبل أطفالنا. لقد كنا نحلم أن نعيش في منزلنا الخاص، بدلا من التنقل باستمرار بين الشقق المؤجرة”.
بعد ثلاث سنوات من البناء، كانت الأسرة تضع اللمسات الأخيرة على المنزل، وكانت على وشك الانتقال إليه. في الأسابيع الأخيرة، كانت العائلة تنقل كل مرة بعضا من الأغراض إلى المنزل، على أمل الانتقال للعيش فيه خلال السنة الجديدة.
يوضح ماهر: “لم يُرسلوا لنا أي تحذير، ولم يتركوا لنا مجالا لإخراج أغراضنا من المنزل. لقد دمروا كل شيء”.
يقول ماهر إنه أنفق خلال السنوات الثلاث الماضية هو وعائلته نحو 350 ألف شيكل (112 ألف دولار) على عملية البناء، ولا يزال مدينا بنحو 150 ألف شيكل للمقاولين وغيرهم.
ويتابع: “كل هذه السنوات من العمل الشاق دُمرت في دقائق. ولم يكن بوسعنا فعل أي شيء لمنعهم. لقد صرخنا، وبكينا، وتوسلنا إليهم أن يتوقفوا، ولكننا كنا نقف في وجه جيش يريد تدمير منزلنا. ما الذي يمكننا فعله؟”.
لست بحاجة إلى إذن
قالت قوات الاحتلال الإسرائيلي التي هدمت منزل عائلة الأطرش إن البناء تم دون تصريح من الإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي التي تشرف على عمليات البناء الفلسطينية في أكثر من 60 بالمئة من الضفة الغربية المحتلة.
تلقى ماهر قرار هدم منزله في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما وضعت السلطات الإسرائيلية إشعارا مكتوبا باللغة العبرية – لغة لا يفهمها ماهر – على باب المنزل.
يوضح ماهر قائلا: “اعتقدت أنهم سيرسلون إلينا إشعارا آخر وتحذيرا مدته 48 ساعة قبل الهدم الفعلي، لكنهم لم يفعلوا ذلك. لقد جاؤوا وهدموه مباشرة”. وعندما سُئل عن سبب عدم محاولته الطعن في أمر الهدم لدى السلطات الإسرائيلية، قال إنه يعلم أنه لن يستفيد شيئا، مشيرا إلى أن السلطات الإسرائيلية “لم توافق مطلقا على أي من طلبات الحصول على تراخيص، فلماذا سيوافقون فجأة على طلب الاستئناف؟ هذه أرضي، وهي على ملكي. لست بحاجة إلى أخذ إذن من المحتل لبناء منزلي على أرضي”.
من أجل بناء منازل في المنطقة (ج)، يتعيّن على الفلسطينيين التقدم بطلب للحصول على ترخيص من الإدارة المدنية الإسرائيلية، حتى لو كانت الأرض ملكية خاصة.
منزل عائلة الأطرش هو واحد من ضمن أكثر من 850 منزلا ومبنى فلسطينيا دمرته إسرائيل سنة 2021، وذلك وفقا لوثائق جمعها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
نُفذت أكثر من 80 بالمئة من عمليات الهدم، والتي تسببت بنزوح أكثر من 800 شخص، في المنطقة “ج” بالضفة الغربية، حيث تسيطر الحكومة الإسرائيلية بالكامل على الشؤون الأمنية والمدنية.
من أجل بناء منازل في المنطقة (ج)، يتعيّن على الفلسطينيين التقدم بطلب للحصول على ترخيص من الإدارة المدنية الإسرائيلية، حتى لو كانت الأرض ملكية خاصة. ونادرا ما تتم الموافقة على تصاريح البناء الفلسطينية في هذه المنطقة.
الواقع تحت الاحتلال
وفقًا لمنظمة “السلام الآن” الإسرائيلية، التي ترصد الأوضاع في المستوطنات، أصدرت السلطات الإسرائيلية 98 تصريح بناء للفلسطينيين بين سنتي 2009 و2018، ، من بين 4422 طلبا.
وبين سنتي 2012 و2021، وافقت إسرائيل على خطط لبناء 55704 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وأكد رئيس بلدية الخليل، تيسير أبو سنينة، لموقع “ميدل إيست آي” بأن “الاحتلال يُدمر مئات المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية سنويا، لكنه يسمح للمستوطنين بالتوسع والعيش بحرية، رغم أن وجودهم هنا غير قانوني”.
وأضاف: “المستوطنون اليهود الذين قدموا من أوروبا والولايات المتحدة وبقية أنحاء العالم يحصلون على مساكن مدعومة من الحكومة في المستوطنات بالمنطقة (ج). لكن الفلسطينيين الذين يمتلكون الأرض بالفعل لا يُسمح لهم ببناء منازلهم على أراضيهم”.
ويرفض أبو سنينة المبررات الإسرائيلية لتدمير منزل عائلة الأطرش ومئات المنازل الأخرى، ويقول: “الإسرائيليون يقولون للعالم إنهم يهدمون منازلنا لأنها مبنية في المنطقة (ج)، وأننا بنيناها بشكل غير قانوني. ولكن هذا كله جزء من دعاية كاذبة”.
ويضيف: “لم يُخبروا العالم بأننا نبني منازلنا دون تصاريح لأن النظام الذي وضعوه يمنعنا من الحصول على مثل هذه التصاريح. هذا هو الواقع تحت الاحتلال، وعلى العالم أن يتحرك”.
يقول ماهر وهو ينظر إلى أنقاض منزله: “لن أستسلم. سأقيم خيمة هنا وأعيش فيها إذا لزم الأمر، لكنني لن أغادر. هذه إحدى الأساليب التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لتهجيرنا من هذه الأرض.. يريدون طردنا من وطننا، لكننا باقون وصامدون. حتى لو هدموا منزلنا مئة مرة، سنواصل إعادة بنائه ولن نرحل”.
المصدر: ميدل إيست آي