ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبحت سماء العراق تمطر غبارا ومواد ملوثة، ولم تعد الأرض الخصيبة بين نهري دجلة والفرات تحصل على ما يكفي من الأمطار لإنقاذ البلاد من الجفاف الذي دمر الزراعة في المنطقة وأدى إلى موجات من الهجرة.
خلال العقديين الماضيين، تدهورت الأوضاع بشكل حاد لا سيما بعد أن قامت تركيا وإيران بتقييد تدفق المياه من خلال بناء السدود والبنى التحتية الأخرى. أصبحت موارد المياه تُستخدم كسلاح سياسي، وباتت العواصف الرملية والترابية أكثر تواتراً في جميع أنحاء العراق. وتشير التقديرات إلى أن البلاد قد تواجه 300 عاصفة ترابية سنويًا بحلول سنة 2023.
بينما يحتفل العراق بالذكرى المئوية لتأسيسه كدولة حديثة، تبدو منظومته البيئية على وشك الانهيار. في ظل الانخفاض الحاد في مستويات تدفق المياه في الأنهار، من المتوقع أن يصبح العراق أحد أكثر دول العالم معاناة من الإجهاد المائي الشديد بحلول سنة 2040، إذ من المتوقع أن تبلغ درجة 4.6 من 5، وفق مؤشر الإجهاد المائي.
في الوقت نفسه، يلعب العراق دورا كبيرا في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تشير تقارير وكالة الطاقة الدولية أن البلاد مسؤولة عن نحو ثمانية بالمائة من انبعاثات غاز الميثان في العالم.
تقر وزارة البيئة العراقية بأزمة المناخ المتفاقمة، والتي تهدد بأن تجعل من العراق بلدا غير صالح للعيش خلال العقدين المقبلين بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف وندرة احتياطيات المياه والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي، والتي تهدد جميعها سلاسل الأمن الغذائي.
ورغم أن العراق يعتمد في الغالب على الأغذية المستوردة، فهو يستخدم أكثر من 63 بالمئة من موارده المائية في مجال الزراعة. ويقول رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار في مجلس النواب العراقي سلام الشمري إن “تقنيات الزراعة في العراق بدائية للغاية. لذلك يتم إهدار المياه بشكل كبير، مع ضعف الإنتاج الزراعي”.
ارتفاع درجات الحرارة
تساهم الزراعة بنحو 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق، ويعتمد عليها نحو 20 بالمئة من القوى العاملة. لكن في ظل تغير المناخ وشحّ موارد المياه وتفاقم الصراعات المسلحة، انخفض الإنتاج الزراعي بنحو 40 بالمئة بين سنتي 2014 و2018، وفقًا للبنك الدولي.
بالإضافة إلى الاستخدام الزراعي، يفقد العراق حوالي 15 بالمئة من احتياطياته المائية سنويًا بسبب التبخر. خلال العقود القليلة المقبلة، تتوقع الأمم المتحدة أن ترتفع درجات الحرارة في العراق بمقدار درجتين، أي أكثر من معدل 1.5 درجة مئوية الذي حددته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. أدى الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، التي غالبًا ما تتجاوز 50 درجة مئوية في الصيف، إلى تلف المحاصيل ونفوق قطعان الماشية في العراق، ناهيك عن تدمير التنوع البيئي للأهوار وتفاقم النقص في المياه الصالحة للشراب. علاوة على ذلك، تندلع الآلاف الحرائق كل سنة في بلاد الرافدين.
الثروة الحيوانية دُمرت بالكامل، ناهيك عن شح موارد المياه، فلماذا يبقى المزارعون والصيادون في أرض ميتة؟ نزح معظمهم إلى المدينة
كافح العراق من أجل إضافة منطقة الأهوار التاريخية إلى قائمة التراث العالمي سنة 2016، بهدف حماية تدفق المياه، لكن سكان الأهوار يعيشون أوضاعا صعبة. حسب تقديرات الحكومة، تضاءلت أعداد الجواميس إلى أقل من 200 ألف بعد أن كانت تبلغ 1.2 مليون، ووصل معدل الملوحة في الأهوار إلى “مستوى خطير من التلوث القاتل نتيجة الجفاف”، وفقا لجاسم الأسدي، المهندس الاستشاري بمنظمة “طبيعة العراق” غير الحكومية.
وقد كشفت المنظمة الدولية للهجرة سنة 2019 أن 21314 شخصًا من محافظات العراق الوسطى والجنوبية نزحوا بسبب ندرة المياه أو ارتفاع نسبة الملوحة في المياه أو الأمراض المنقولة بالمياه. سنة 2012، نزح 20 ألف شخص من المجتمعات الزراعية جراء الجفاف، وأُجبرت العائلات التي تقيم في تلك القرى منذ عقود على مغادرة أراضيها.
في هذا السياق، أوضح كريم حطاب، رئيس نقابة المزارعين المحليين في محافظة ميسان جنوب شرق العراق أن “الثروة الحيوانية دُمرت بالكامل، ناهيك عن شح موارد المياه، فلماذا يبقى المزارعون والصيادون في أرض ميتة؟ نزح معظمهم إلى المدينة، لكنهم لم يجدوا عملا هناك بسبب تزايد معدلات البطالة بشكل يومي”.
سلاح الحرب
تقر الحكومة الفيدرالية بأن العراق وجد نفسه بين مطرقة الظروف البيئية في وسندان النزاعات المسلحة، واللذين تسببا بمزيد من تلوث البيئة وألحقا أضرارا جسيمة بالاقتصاد والمجتمعات والأفراد.
تم استخدام سلاح تدمير البيئة المحلية والبنية التحتية للمياه ضمن أسلحة الصراع في العراق، لا سيما من قبل تنظيم الدولة. كما أُهدرت كميات كبيرة من المياه في الفيضانات الاصطناعية التي تسببت في إتلاف مساحات زراعية واسعة ونضوب احتياطيات المياه، وهو ما دفع الكثيرين إلى الفرار من منازلهم.
يخوض الشعب العراقي معركة شاقة للتغلب على تغير المناخ والجفاف، والذي يضع ملايين العراقيين أمام مستقبل غامض خلال الأشهر والسنوات المقبلة
يشكل مناخ العنف السائد في العراق خطرًا كبيرًا عندما يقترن بزيادة مستويات الفقر ومعدلات البطالة والنمو السكاني في ظل اقتصاد متعثر. في المقابل، لا يبدو أن قضايا المناخ تشكل أولوية بالنسبة للحكومة العراقية. تم تجميد مشروع قانون يتعلق بإدارة الموارد المائية الوطنية والمحافظة عليها منذ سنة 2016، كما أن العراق كان من بين آخر الدول التي انضمت إلى اتفاقية باريس للمناخ.
لمعالجة إخفاقاته البيئية، أطلق العراق مؤخرًا استراتيجية وطنية لمكافحة تغير المناخ، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. لكن التمويل الذي قدمه صندوق المناخ الأخضر البالغ 2.5 مليون دولار لا يكفي لمعالجة حجم التداعيات الكارثية للأزمة البيئية في العراق.
في الواقع، يخوض الشعب العراقي معركة شاقة للتغلب على تغير المناخ والجفاف، والذي يضع ملايين العراقيين أمام مستقبل غامض خلال الأشهر والسنوات المقبلة.
المصدر: ميدل إيست آي