لم يكن عام 2021 سوى حلقة أخرى من سلسلة كفاح المرأة العربية في سبيل حصولها على أوضاع اجتماعية عادلة، وقانون يحمي حياتها ويردع المعنّفين، ورغم وجود بعض الومضات الإيجابية التي شهدناها خلال هذا العام فيما يخصّ المرأة، تبقى السمة العامة للسنة دموية ومقلقة.
نستعرض في هذا التقرير أكثر جرائم العنف قسوة لعام 2021، والتي راح ضحيتها نساء أو حتى فتيات صغيرات، وكانت العديد من هذه الحالات نتيجة استخفاف في تلقّي شكاوى النساء المهدَّدات أو عدم التعامُل معها بالجدّية اللازمة من قبل الشرطة أو السلطات، فوفقًا لجمعيات نسوية، في معظم الحالات تلقّت الشرطة شكاوى من الضحايا بوجود خطر على حياتهن، ولم تقم الشرطة بتوفير الحماية لهنّ، ما أسفرَ عن قتلهن.
سنة حافلة بحالات قتل النساء لرفضهنّ الزواج
اُختتم العام بحوادث قتل متشابهة من حيث السبب، حيث تتشارك جميعها جزئية رفض الضحية للزواج من الجاني، ومن هذه الحوادث المؤلمة نذكر:
مريم الركابي
بعد أشهر من المعاناة في صمت، اشتهرت قصة مريم الركابي، البالغة من العمر 16 عامًا، عبر وسم #الأميرة_مريم و #انقذوا_الأميرة_مريم بعد أن تحولت إلى قضية رأي عام في العراق، حيث تسلّلَ شاب عراقي إلى منزلها في منطقة المنصور ببغداد، ورشّها بمادة “حمض النتريك” الحارقة التي تسبّبت في تشوُّه وجهها، لرفضها الزواج منه.
وتُصارع الفتاة العراقية للبقاء على قيد الحياة بوجه مشوَّه، بعدما كانت تُلقّب بين زملائها في الجامعة بـ”الأميرة مريم” لشدّة جمالها؛ أما الجاني فلا يزال حرًّا طليقًا في حماية “معارف متنفّذين”، وفق أسرة مريم التي تأمل إرسال ابنتها للعلاج في الخارج، حتى تتمكّن من استئناف حياتها مرة أخرى، وتحريك العدالة لاعتقال الجاني ومعاقبته.
كما حظيت قصة “الأميرة مريم” بتفاعل تخطّى حدود العراق والدول العربية، ودعت عارضة الأزياء البريطانية كاتي بيبر، من خلال حسابها الرسمي على تويتر، بالتبرُّع لصالح مريم، قائلة: “مراهقة تبلغ من العمر 16 عامًا، تُركت في المستشفى لأشهر بعد أن رفضت الزواج، ما دفعه إلى اقتحام منزلها أثناء الليل وإغراقها في حامض النيتريك”.
مريم محمد
عثرت الأجهزة الأمنية الأردنية على جثة الفتاة السورية مريم محمد (27 عامًا) مقتولة بـ 15 طعنة في الظهر والصدر والرقبة والكتف، وملقاة على الأرض ملطّخة بالدماء، بالقرب من مجمع الباصات في حي الأشرفية، وسط العاصمة الأردنية عمّان.
وفي التفاصيل التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن “المشتبه بقتلها، رفضت المغدورة الزواج به، وبعد التعرُّف على جثتها، تبيّن بأن مريم من مواليد عام 1994، وأن والدها قدم “بلاغ تهديد” للسلطات قبل مقتلها، في إشارة إلى أنها تعرضت للتهديد قبل الجريمة”.
سلوى الهنيدي
عُثر على الشابة السورية سلوى الهنيدي (22 عامًا) مقتولة في ولاية شانلي أورفا جنوبي تركيا، جرّاء تعرضها لطعنات في صدرها وظهرها من قبل السوري إياد الحسن، وذلك بسبب رفضها طلب الزواج منه.
وخلال التحقيقات، تبيّن أن الهنيدي قُتلت على يد إياد الحسن الذي تقدّم بطلب الزواج منها، إلا أنها رفضته، الأمر الذي دفعه لارتكاب الجريمة من خلال انتظارها صباحًا أثناء ذهابها إلى عملها بالمشفى، ثم أقدمَ على طعنها في صدرها وظهرها، ولاذَ بالفرار.
وكانت تعمل سلوى الهنيدي في أحد المشافي بولاية شانلي أورفا، وتعيش مع طفلتها البالغة من العمر 4 سنوات بعد أن توفي زوجها.
قمرة
في قصة مأساوية أخرى، لقيت فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا حتفها بعد ضربها وحرقها بمادة التنر، من قبل والدها وشقيقتها لرفضها الزواج، وفي التفاصيل؛ أقدم لاجئ سوري من أصل فلسطيني في مدينة شانلي أورفا التركية على حرق ابنته لرفضها الزواج، وفرَّ بعدها من المنزل مع ابنته الثانية.
ولاقت جميع هذه الجرائم تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث طالب المتابعون بحقّ الضحايا وبضرورة إنزال أشد العقوبات بالجناة.
ويعدّ هذا الأمر تقدّمًا جيدًا على صعيد مناقشة قضايا العنف ضد المرأة في المجتمع العربي، خصوصًا مع الدور الهام الذي تلعبه وسائل التواصل في زيادة الضغط على السلطات المعنية، لاتخاذ قرارات صارمة أكثر في هذه القضايا.
ويعتبر الحديث بحد ذاته عن الضحايا والجرائم الممارسة في حقهن تقدمًا من نوع آخر، بعد سنوات من محاولات التكتُّم على حالات العنف الأسري، وبالتالي هروب الجناة من العواقب بسهولة أكبر.
نبذة عن العنف ضد المرأة العربية خلال عام 2021
مصر
يشهد المجتمع المصري تصاعدًا في وتيرة العنف ضد المرأة، وكانت عدة تقارير حقوقية سبق أن أشارت إلى ارتفاع المعدل عالميًّا خلال جائحة كورونا، فقد كشفت مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة عن طبيعة جرائم العنف المرتكبة بحقّ النساء خلال تقريرها ربع السنوي لعام 2021، والصادر عن مرصد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات، فوفقًا لهذا التقرير، بلغَ إجمالي جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات 140 جريمة، فيما وصل إجمالي جرائم قتل النساء والفتيات بسبب العنف إلى 60 جريمة، في حين بلغت جرائم الشروع في القتل 10 جرائم.
أما إجمالي جرائم الانتحار لفتيات وسيدات فهي 20 حالة، بحسب التقرير، فيما بلغ إجمالي جرائم الضرب المبرح والذي ينتج عنه كسور أو عاهات مؤقته أو دائمة 6 جرائم، ووصلت جرائم الاغتصاب إلى 17 جريمة، ووقعت 14 جريمة تحرُّش جنسي، فيما وقعت جريمتا ختان إناث.
لاحظ التقرير عودة معدلات التحرش إلى الارتفاع المعهود، بعد انخفاضها خلال العام الماضي خلال الإغلاق أثناء بداية ظهور الجائحة.
الأردن
الأردن ومنذ بداية عام 2021 وحتى تاريخ 28/6/2021، شهد وقوع 12 جريمة قتل أسرية ذهب ضحيتها 13 أنثى، فيما نجت من الموت ابنة وزوجة طُعنتا في حادثتَين منفصلتَين على يد الأب والزوج على التوالي.
العراق
سجّلت السلطات الرسمية المعنية بمتابعة ملف العنف ضد المرأة العراقية نحو 14 ألف حالة عنف خلال العام الجاري، وتسبّب فيروس كورونا الذي انعكس على الوضع الاقتصادي، بالإضافة الى انتشار زواج القاصرات، في تزايُد معدلات العنف الأسري.
وبما أن العراق لا يملك قانونًا للعنف الأسري، فهو يعتمد على موادّ قانونية تسمح للزوج والأب بـ”تأديب” الأبناء أو الزوجة ضربًا، بحسب الخبراء القانونيين.
كما شهد العراق عدة جرائم مفجعة خلال هذا العام، حازت على تفاعل العالم العربي وحتى الغربي أحيانًا، ومنها:
حقّ حوراء
هزت قضية الطفلة حوراء، والتي تبلغ من العمر 7 أعوام، قبل أيام الرأي العام بالبلاد، بعد كشف الجهات الأمنية عن اعتقال الجاني، في حين طالب نشطاء عبر وسم #حق_حوراء بإنزال أقصى العقوبات بالمغتصب.
واللافت في هذه الجريمة هي أن الجاني ينتمي إلى الجهاز الأمني، فهو منتسب للشرطة العراقية، كما أن هذه الحادثة هي الثانية التي يقوم بها هذا الشرطي، وأن ضحيته السابقة قتلتها عائلتها.
وتصدّر وسم #حق_حوراء منصات التواصل الاجتماعي في العراق، بعد الكشف عن تفاصيل الجريمة، حيث طالب عراقيون بتشديد العقوبات على جرائم الاغتصاب والتحرش، بالإضافة إلى إجراء فحص وتفتيش دوري على منتسبي الأجهزة الأمنية، بسبب تكرار جرائم التعذيب والقتل والاغتصاب من عناصر عاملة في صفوفها.
موظف يقتل زوجته ويزوِّر شهادة الوفاة
أقدمَ موظف في دائرة الصحة في محافظة ذي قار على قتل زوجته، وتزوير وثائق الوفاة، حيث جعلَ أسباب الوفاة “طبيعية”.
وذكر شقيق الضحية، الدكتور مهدي الصالحي، أن “شقيقتي تعرضت لضرب مبرح من زوجها بسبب طلبها منه أخذ طفلهما الصغير إلى الطبيب كونه يمرُّ بوعكة صحية، وعندما قام بضربها نقلها للمستشفى التركي، وأخرجها من المستشفى بعد ساعة واحدة على إدخالها إليها”.
وأضاف أن الجاني ووالده الذي يملك رتبة عقيد بوزارة الداخلية، أخرجاها من المشفى دون علاجها، أو وجود فحص طبّي كافٍ، وبعد يومَين من إخراجها تعرّضت لوعكة صحية أفقدتها الوعي، وتمَّ نقلها للمستشفى وتوفيت هناك.
وأوضح الصالحي أن “شقيقتي أبلغت والدتي وشقيقاتها أنها تعرضت لضرب مبرح من زوجها، وقامت بتصوير نفسها وحفظ الصور لديهن، وعند نقلها للمستشفى ووفاتها بعد ذلك، تمَّ إخراج الصور والتسجيلات الصوتية”.
وأضاف: “إن شهادة الوفاة التي أُخرجت لها في أول مرة، كانت بسبب تكسّر في كريات الدم، وعندما قرر قاضي التحقيق إحالة الجثة إلى الطب العدلي، اتّضح أنها توفيت بسبب الضرب المبرح في جسدها، وأن هذا الضرب تسبّب لها في توقُّف الكليتَين عن العمل، وحصول نزيف داخلي لديها مع كسر في الجمجمة، وغيرها من العوارض الصحية التي كانت نتيجة الضرب”.
هذه مجرد لمحة سريعة عن الوضع العام في بعض الدول العربية، ويجب التنويه إلى أن معظم دول المنطقة لا تملك سجلّات ودراسات رسمية حول الانتهاكات وحالات العنف، التي يمكن الرجوع إليها لحصر العدد الفعلي لهذه الجرائم. وهنا تلعب منصات التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في فضح المجرمين، خصوصًا أن هذه المنصات هي الوسيلة الوحيدة في العديد من الدول لرصد حالات العنف ضد المرأة.
في النهاية، من الصعب حصر جميع قصص القتل أو التشويه أو أشكال العنف الأخرى ضد المرأة، بسبب انتشار الكثير من القصص على مدار العام الفائت، ما يثبت أننا ما زلنا نعيش في الدوامة نفسها من اضطهاد الإناث، مع عدم وجود سلطات تتحمل مسؤولية حمايتهن. في هذه الأثناء، لا يمكن لأهالي الضحايا سوى اللجوء إلى الرأي العام للضغط على السلطات، وتحصيل شيء من بقايا حقّ الضحايا المهدور.