ترجمة وتحرير: نون بوست
في العقود القليلة الماضية، دأبت “إسرائيل” بانتظام على التهديد بشن حرب ضد إيران. نُظمت حملات تحريض في الأمم المتحدة، كما هو الحال سنة 2012، عندما قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو رسما كرتونيا لقنبلة ترمز إلى التهديد النووي الإيراني المزعوم، أو عندما قام بوضع علامة على خريطة غوغل لموقع نووي إيراني مزعوم سنة 2018.
رافقت مثل هذه الدعاية الإسرائيلية في الغالب تصريحات ومواقف عدائية من القيادات العسكرية والمدنية في البلاد، والتي تبادلت الأدوار منذ تولي الجنرال إيغال ألون منصب رئيس الوزراء بالنيابة سنة 1969 (رغم أن رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين، بما في ذلك ديفيد بن غوريون وليفي إشكول، لعبوا أيضا أدوارا عسكرية مهمة).
في الواقع، “إسرائيل” وليس إيران، هي التي تملك قنابل نووية منذ الستينيات، ويُزعم أنها كانت تخطط لاستخدامها خلال حرب حزيران/ يونيو 1967، ومرة أخرى في الأيام الأولى من حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.
اكتسبت “إسرائيل” القدرة على صنع أسلحة نووية من فرنسا التي تآمرت معها للهجوم على غزة وسيناء المصرية سنة 1956، وطالب الإسرائيليون فرنسا ببناء مفاعل نووي في ديمونا.
سنة 1973، أفادت التقارير بأن “إسرائيل” حملت 13 قنبلة نووية وكانت مستعدة لإسقاطها على مصر وسوريا، لولا تدخل الولايات المتحدة بجسر جوي من الأسلحة التي حولت مسار الحرب لصالح “إسرائيل”.
المفارقة أن “إسرائيل” التي تمثل خطرا نوويا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط، تصور نفسها على أنها ضحية لجيرانها. قام هذا الكيان الاستيطاني منذ سنة 1948 على عدد من الركائز، أبرزها إصرارها على استمرار حالة الحرب لتوسيع أراضيها وحماية المستوطنين من أي مقاومة.
اضطهاد مستمر
زعمت العديد من الدول الغربية التي أيدت خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة سنة 1947، والتي منحت “إسرائيل” شهادة ميلادها، أنها تهدف إلى تجنب الحرب ومنع اضطهاد اليهود من الأغلبية العربية في فلسطين.
لكن الدعم الغربي لإقامة دولة استيطانية، فرض على الشرق الأوسط ككل حالة حرب دائمة واضطهادا مستمرا للفلسطينيين، وتعديا على أراضي دول عربية أخرى.
سعت “إسرائيل” لإضفاء الشرعية على حالة الحرب الدائمة منذ فترة طويلة، من خلال تصوير مواطنيها على أنهم ضحايا للفلسطينين والعرب، الأمر الذي يتطلب ردا من “إسرائيل” لحماية وجودها.
كان هذا واضحا لمؤيدي “إسرائيل” الغربيين منذ سنة 1948. بسبب تهجير الفلسطينيين والتعدي على الأراضي التي حددتها الأمم المتحدة، قررت الجيوش العربية الضعيفة وغير المجهزة التدخل في أيار/ مايو من تلك السنة لوضع حد لكل التطهير العرقي والاستيطان، وكان الأمريكيون والصهاينة على دراية بضعف الجيوش العربية.
كان تقييم وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج مارشال على النحو التالي: “هيكل العراق الحكومي بأكمله معرض للخطر بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، ولا تستطيع حكومة العراق في الوقت الحالي أن تتحمل إرسال أكثر من القوات التي قامت بإرسالها بالفعل. وقد عانت مصر في الآونة الأخيرة من الإضرابات، وليس لدى جيشها معدات كافية، بسبب رفضه قبول المساعدة من البريطانيين، وما يلزم لأداء مهام الشرطة في الداخل. لا تملك سوريا أي سلاح أو جيش يُذكر، ولم تتمكن من إنشاء جيش موحد منذ رحيل الفرنسيين قبل ثلاث سنوات. لا تملك لبنان جيشا حقيقيا، بينما تملك المملكة العربية السعودية جيشا صغيرا يكفي بالكاد للسيطرة على القبائل”.
تهديد للسلام الدولي
لاحظ أحد أعضاء وفد الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في 4 أيار/ مايو 1948 – قبل أيام من تدخل الجيوش العربية – أن مجلس الأمن سيواجه قريبا سؤالا حول مشروعية “الهجوم المسلح اليهودي على المجتمعات العربية في فلسطين”، وما إذا كان يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وهل يجب على مجلس الأمن اتخاذ تدابير في هذا الشأن.
أشارت مسودة المذكرة إلى أنه إذا دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، فإن ذلك من شأنه أن يدفع القوات اليهودية إلى الادعاء بأن دولتهم هدف لعدوان مسلح وإلى استخدام كل الوسائل لإخفاء حقيقة أن عدوانهم المسلح على العرب داخل فلسطين هو السبب في الهجوم العربي المضاد.
عندما تآمرت “إسرائيل” مع فرنسا للهجوم على سيناء في تشرين الأول/ أكتوبر 1956، كان ذلك جزءا من سياسة الحرب الدائمة التي سعت إليها. رغم إدانات الأمم المتحدة والولايات المتحدة، احتل الإسرائيليون غزة وسيناء ورفضوا الانسحاب لمدة أربعة أشهر. أخيرا لم يكن أمام إسرائيل خيار سوى الانسحاب والمحاولة مرة أخرى بعد عقد من الزمن.
ادعت “إسرائيل” سنة 1967 أنه كان عليها غزو ثلاث دول عربية بصورة استباقية قبل أن تهاجمها، مستخدمة نفس الحجج التي استخدمتها سنة 1948. احتلت “إسرائيل” المزيد من الأراضي واضطهدت الفلسطينيين والسوريين والمصريين. وعلى إثر ذلك، بدأت حربها على لبنان التي انطلقت في شكل غارات جوية في أواخر الستينيات، وانتهت بغزو كامل سنتي 1978 و1982.
سنة 1973، أسقطت “إسرائيل” طائرة مدنية ليبية فوق سيناء، مما أسفر عن مقتل جميع الركاب، وعددهم 106. كان هجوم إسرائيل سنة 1981 على مفاعل نووي في العراق، كان قيد الإنشاء بإشراف فرنسي، تحت ذريعة أن “إسرائيل” “مضطرة للدفاع عن نفسها”.
بالإضافة إلى قتل عشرات الآلاف من المدنيين وتهجير ملايين الفلسطينيين على مدى عقود، شردت “إسرائيل” مليون مصري خلال حرب الاستنزاف أواخر الستينيات، ومئات الآلاف من اللبنانيين بعد غزو لبنان سنة 1978.
آلة القتل
بذريعة الدفاع عن النفس، دأبت “إسرائيل” في السنوات الأخيرة على قصف سوريا ولبنان وغزة بشكل دوري. في غضون ذلك، لا تزال آلة القتل والاضطهاد الإسرائيلية، سواء من الجيش أو المستوطنين، تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، والسوريين في مرتفعات الجولان.
كما تستهدف الشرطة وأجهزة إنفاذ القانون الإسرائيلية بشكل مستمر الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي. مع ذلك، يصر الإسرائيليون على أنهم يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات أولئك الذين “تضطهدهم إسرائيل وتحتل أرضهم”.
تستمر الاعتداءات الإسرائيلية دون توقف، فقد شاهدنا ممارساتها ضد الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، وإجراءاتها العنصرية ضد مواطنيها العرب، والإصرار على حصار مليوني فلسطيني في غزة، وهو ما أثار موجة مقاومة فلسطينية واسعة النطاق في أيار/ مايو الماضي.
منذ تأسيسها، قامت “إسرائيل” بغزو فلسطين والأردن ولبنان ومصر وسوريا، وقصفت العراق والسودان وتونس، واتخذت موقفا عدوانيا تجاه إيران وليبيا واليمن والمغرب والجزائر، وهي الوحيدة في المنطقة التي تمتلك الأسلحة النووية وتهدد باستخدامها. ومع ذلك، تواصل الادعاء بلا خجل بأنها الضحية.
من الواضح أن ذرائع “إسرائيل” ومبرراتها لعدوانها المستمر وفرضها لحالة حرب دائمة على المنطقة ما زالت تعتمد على نفس الحجج وتهدف إلى تحقيق نفس الأهداف التي وضعتها منذ نشأتها.
المصدر: ميدل إيست آي