ترجمة وتحرير: نون بوست
بداية من 2016، قرر حكام الإمارات العربية المتحدة الانخراط بشكل كامل في فكرة الإيجابية. وقد قاموا بتركيز وجه مبتسم عملاق على بناية مركز شرطة دبي. كما أنشأوا وزارة التسامح ووزارة السعادة، كما لو أنهم يستلهمون أفكارهم من جورج أورويل. وشرعوا في تمويل الأبحاث وإغداق الأموال على مثقفين بارزين على المستوى العالمي، لدراسة سيكولوجية وعلم السعادة.
ولكن بالنسبة للنساء اللواتي يعشن ككائنات من الدرجة الثانية، والنشطاء الذين حُكم عليهم بالسجن لسنوات بسبب منشورات فيسبوك، والمثليين الذين سُجنوا بسبب تبادل قبلة في العلن، فإن الإمارات بالطبع ليست مكانا سعيدا، وهذه الجهود الدعائية ربما كانت لتفشل لولا الدور الذي لعبه رجل واحد: وهو عالم الاقتصاد المعروف في جامعة كولومبيا، والخبير السياسي في الأمم المتحدة، جيفري ساكس. هذا الرجل ساعد الإمارات على إيصال رسالتها إلى العالم، وقد عمل على شحن هذه الموجة التي تركز على السعادة، وإلقاء الخطاب وراء الخطاب، والربط مع الملفات الكونية الملحة. هذا الرجل وصف القادة الإماراتيين بأنهم نموذجيون وحكماء، وفي إحدى المرات جلس على منصة في دبي مع خبيري اقتصاد من ذوي البشرة البيضاء، ومذيع “سي إن إن” ريتشارد كويست، وساهم في الإشراف على جمع من الإماراتيين والمقيمين في فقرة تشبه ما يسمى “إذا كنت سعيدا وتعلم ذلك صفق بيديك”.
كما أن منظمة غير ربحية يقودها ساكس، وهي شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة، المعروفة اختصارا بـ”SDSN”، حصلت على ما لا يقل عن ثلاثة مليون دولار من الإمارات. تم استخدام هذا المبلغ لتمويل تقرير السعادة العالمي، وهو تصنيف سنوي للدول حسب جودة الحياة، إضافة إلى التقرير العالمي لسياسات السعادة، وهو مجموعة من توصيات السياسات المبهجة ترافق التصنيفات.
كما تبرعت الحكومة الإماراتية بشكل منفصل بمبلغ 200 ألف دولار لجامعة كولومبيا من أجل البحوث في مجال السعادة، وذلك بحسب ساكس الذي قدم لموقع إنترسبت تفاصيل التبرعات لجامعة كولومبيا وشبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة، في معرض رده على أسئلة حول التمويل. كما أن سجلات المصاريف من معهد الأرض، وهو معهد بحثي في جامعة كولومبيا كان يترأسه ساكس سابقا، تؤكد الحصول على تمويل إماراتي، ولكن متحدثا باسم الجامعة رفض تحديد المبلغ.
إلى جانب دوره في الأمم المتحدة، تم تعيين ساكس كخبير في مجال تقنية النطاق العريض للاتصالات، وهندسة الطاقة وكوفيد-19، وهو يرأس لجنة في مجلة لانسيت العلمية مكلفة بدراسة الكلفة الاقتصادية والإنسانية لوباء كورونا
كان سيسهل دحض مشروع السعادة، لو لم يكن يمنح الشرعية لحكومة قمعية. عمل ساكس على تقديم مؤشر السعادة، الذي أصدرته شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة، في كل مكان يذهب إليه، من مؤتمرات غوغل وحتى برنامج “مورنينغ جو” على شبكة “إم إس إن بي سي” الأمريكية، وحتى داخل أروقة الأمم المتحدة، حيث عمل كمستشار لثلاثة أمناء عامين على التوالي، وقام بالربط بين هذه البحوث حول السعادة وأهداف الاستدامة الرسمية.
والملاحظ أن دولة الإمارات التي تمثل اتحادا لسبعة إمارات، وتُحظر فيها الأحزاب السياسية، غالبا ما تأتي متقدمة على بعض الدول الأوروبية في هذا المؤشر، وهي نتائج يتم التباهي بها في الموقع الرسمي للحكومة الإماراتية والإعلام المحلي.
ويرى الباحث ماثيو هيدغز أن ما فعله ساكس “يمثل عملية تبييض”. وفي 2018 أثناء القيام بأبحاث لإصدار أطروحة حول الاستراتيجية الأمنية للإمارات، كان هيدغز قد تعرض للاعتقال على يد الشرطة الإماراتية. وهو يقول إنه قضى سبعة أشهر في غرفة بدون نوافذ، تحت تأثير كوكتيل من المخدرات، ويسمع الصراخ عبر الجدران. وقد قام خاطفوه باستجوابه بشكل متكرر، وفي إحدى المرات استمر الاستجواب 15 ساعة.
وبعد إجباره على التوقيع على اعتراف بأنه عمل لفائدة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني، تمت إدانة هيدغز دون حضور محام، وإصدار حكم بسجنه مدى الحياة. لم يتم الإفراج عنه إلا بعد أن مارست بريطانيا ضغوطا دبلوماسية. ويقول هيدغز: “في اللحظة التي تبدأ فيها بأخذ أموال من دول دكتاتورية من أجل إصدار مؤشرات سعادة، فإن أدب المدينة الفاسدة (ديستوبيا) لا يكفي لوصف هذا الأمر”. ويضيف هيدغز الذي يعمل الآن كباحث دراسات عليا في جامعة إكستر: “إن الأمر يشبه الكابوس”.
يُشار إلى أن ساكس الذي يعد ضيفا دائما على القنوات التلفزيونية، وكاتبا مشهورا سافر في إحدى المرات إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء مع الفنان بونو دعما للفقراء، يعتبر أيضا واحدا من أشهر علماء الاقتصاد في العالم. بعد بداية مسيرته المثيرة للجدل كمدافع عن النيوليبرالية، غيّر توجهاته ليصبح تقدميا، وقام بنشر انتقادات لاذعة للحكومة الأمريكية، وهو ما جعله ضيفا دائما على البرامج السياسية.
وخلال الانتخابات الرئاسية في 2016، أعلن ساكس دعمه للسيناتور برني ساندرز، مانحا حملته شرعية في وقت كان العديد من الخبراء الآخرين يعارضونها. وقد خط ساندرز كلمة الافتتاح في أحد كتب ساكس. كما أن البابا فرانسيس عيّن ساكس في الأكاديمية البابوية للعلوم الاجتماعية، وأنجزت أنجيلينا جولي فيلما وثائقيا حوله.
ساكس البالغ من العمر 67 سنة، يعد الآن واحدا من 17 من المشاهير المدافعين عن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والمكلفين من طرف الأمين العام بالترويج لأهداف نبيلة مثل دعم الحصول على التعليم ومكافحة أزمة المناخ، وإنهاء الجوع بحلول 2030.
وإلى جانب دوره في الأمم المتحدة، تم تعيين ساكس كخبير في مجال تقنية النطاق العريض للاتصالات، وهندسة الطاقة وكوفيد-19، وهو يرأس لجنة في مجلة لانسيت العلمية مكلفة بدراسة الكلفة الاقتصادية والإنسانية لوباء كورونا، وإلى حد وقت قريب كان أيضا يحقق في مصادر هذا الوباء.
ولكن ساكس يحمل جانبا آخر، إذ أنه في 2013 كان قد أثنى على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد فوزه في ثلاثة انتخابات متتالية، واصفا إياه بأنه “يحصل في كل مرة على نسبة أكبر من الأصوات”، متجاهلا بذلك القلق المتزايد حول قمعه للأصوات المعارضة.
ومؤخرا، عمل ساكس على التقليل من أهمية المخاوف بشأن القمع الصيني في هونغ كونغ وإقليم شينجيانغ، وقد قام بذلك في مناسبات من بينها لقاء بالفيديو للحكومة الصينية كان يتم بثه من دار ضيافة مزينة بديكور على الطراز الإيغوري. وفي 2020، أي بعد 16 شهرا على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، سافر ساكس إلى الرياض للتحدث في منتدى تنظمه مؤسسة استثمار سعودية.
وفي بعض الحالات، كانت لساكس علاقات قديمة مع القادة الذين أثنى عليهم. فقد أقامت شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة مراكز تابعة لها في الإمارات والصين، وضم مجلس قيادة هذه المنظمة مسؤولين من هذين البلدين، من بينهم نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الصين لأبحاث التنمية، الذي يتبع لمجلس الدولة الصيني. كما يشغل ساكس منصبا استشاريا في جامعة تسينغهوا في بكين، ولكن هذا الأمر لا يظهر في حسابه في موقع “لينكد إين”، أو سيرته الذاتية المنشورة خارج الصين. وهو يلعب هذا الدور في مؤسسة تهدف إلى الترويج لأهداف السياسة الخارجية الصينية داخل أروقة الأمم المتحدة.
ويقول أرييه ناير، المدير التنفيذي السابق في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، والمشارك في تأسيس هيومن رايتس ووتش: “لقد شعرت دائما بأن جيفري ساكس ليس شخصا مهتما بحقوق الإنسان، وكان دائما يحاول إيجاد مبررات للحكومات القمعية”. وقد أشرف ناير على تمويل أعمال ساكس في بداية القرن الجديد أثناء عمله كرئيس لشبكة مؤسسات المجتمع المفتوح، وقد قال حينها إنه منزعج من أشياء مثل استعداد ساكس للعمل مع الحكومة الإثيوبية.
ذكرت حكومة الإمارات العربية المتحدة أن ساكس انضم إلى المسؤولين في الافتتاح الافتراضي لأكاديمية جودة الحياة، وهو معهد يقوم بتدريب موظفي حكومة الإمارات العربية المتحدة على كيفية إضفاء السعادة على حياتهم المهنية
يعارض ساكس مثل هذه الادعاءات معتبرا أن الدعم المالي الذي تقدمه دولة الإمارات “يساهم في تعزيز جهود الأمم المتحدة لتحسين الاستخدام العالمي لمؤشرات السعادة والرفاهية وتصميم سياسات التنمية الوطنية”. وكتب لاحقًا: “إذا كنت تعتقد أنه من غير المناسب لشبكة حلول التنمية المستدامة قبول أموال من حكومة الإمارات العربية المتحدة من أجل تعزيز العمل الأكاديمي أو أن أتحدث عن إزالة الكربون من قطاع الطاقة في اجتماع مع المملكة العربية السعودية، فأنت حر في كتابة ذلك، على الرغم من أني أعارض هذا الأمر”. (رفض ساكس إجراء مقابلة هاتفية لإعداد هذا التقرير، وبدلاً من ذلك أرسل ردوده عبر البريد الإلكتروني).
في هذا الإطار، كتب قائلا: “أتحدث كثيرًا وأكتب عن أهمية حقوق الإنسان وأهمية الإعلان العالمي وجهود مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”، مشيرًا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي وثيقة تم تبنيها سنة 1948، لتكريس قيم مثل عدم التمييز ومنع الاحتجاز التعسفي. وأكد ساكس أنه لم يحصل على أجر لقاء منصبه في تسينغهوا، وأن شبكة حلول التنمية المستدامة لم تتلق أي تبرعات من الحكومة أو الشركات الصينية أو الأفراد الذين تربطهم علاقات وثيقة ببكين. (الجدير بالذكر أن الشبكة تلقت 30 ألف دولار من “منظمة دولية غير حكومية مقرها بكين تهدف لإزالة الكربون” لتمويل البحوث، على حد تعبيره).
وتابع قائلا: “أنا فخور بتعاوني مع زملائي في جامعة تسينغهوا”، وأضاف أن عمله في الصين مدفوع بالرغبة في إرساء السلام والتعاون على المستوى العالمي.
في المقابل، يشعر نشطاء حقوق الإنسان بالاستياء من ساكس الذي يسلط الضوء بشكل أساسي عن الانتهاكات الأمريكية، بينما يقلل من شأن الانتهاكات التي تُرتكب في أماكن أخرى من العالم. تملك شبكة حلول التنمية المستدامة مكاتب في نيويورك وباريس وكوالالمبور، وشبكات في ست قارات، ويحضر ساكس بنفسه باستمرار خلال الفعاليات التي تنظمها.
خلال شهر حزيران/ يونيو 2020، عندما خرج الناس في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى الشوارع للاحتجاج على مقتل جورج فلويد، نشر رسالة على الموقع الإلكتروني الخاص بشبكة حلول التنمية المستدامة جاء فيها: “أشكر الزملاء على الجهود التي يبذلونها بشكل يومي من أجل إرساء العدالة في العالم”. وأضاف قائلا: “هذا العمل لا يتوقف أبدًا، ومن الواضح أنه بات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى”.
بعد ثلاثة أيام، ذكرت حكومة الإمارات العربية المتحدة أن ساكس انضم إلى المسؤولين في الافتتاح الافتراضي لأكاديمية جودة الحياة، وهو معهد يقوم بتدريب موظفي حكومة الإمارات العربية المتحدة على كيفية إضفاء السعادة على حياتهم المهنية. ويؤكد معارف وزملاء ساكس السابقون إنه مدفوع برغبة حقيقية في فعل الخير في العالم، لكنهم يشيرون إلى أن الخبير الاقتصادي لم يفقد رغبته في الحصول على النفوذ والسلطة.
دكتور الصدمة وسيّد التنمية
منذ عقود، كان ساكس في نظر الجمهور شخصًا يعيد ابتكار نفسه باستمرار متجاهلا كل المحاولات الهادفة لتشويه سمعته. في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وبصفته خبيرًا اقتصاديًا شابًا في جامعة هارفارد، أمضى ساكس حياته المهنية متمسكا ببعض النظريات عديمة الجدوى، ودعى دولًا مثل بوليفيا وبولندا وروسيا إلى تبني استراتيجية تُعرف باسم “العلاج بالصدمة”. تسببت هذه الإصلاحات الجذرية في تدهور الوضع الاقتصادي لبعض الدول وهو ما جعله يلقب في وقت لاحق بـ “دكتور الصدمة”. وفي سنة 2002، قدمت له جامعة هارفارد حزمة فخمة تضمنت منزلًا مستقلًا بقيمة 8 ملايين دولار في شارع 85 في مانهاتن. (اشترت الجامعة المنزل ولكنها أجرت ثلاثة من طوابقه الخمسة لساكس وعائلته بما وصفه المتحدث باسم “مستوى أعضاء هيئة التدريس العادي”).
بصفته مدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، حوّل ساكس انتباهه إلى إفريقيا، وحصل على تمويل بمئات الملايين من الدولارات لجهود تهدف إلى تحفيز التنمية في جميع أنحاء القارة. كان لمشروع قرى الألفية هدف نبيل: وهو تحسين النتائج الصحية ومستويات المعيشة الأساسية في المناطق الفقيرة. لكن كان لدى ساكس خبرة قليلة في المنطقة ونهجه في ضخ الأموال في المجتمعات ثم قطعها حتى يصبحوا مكتفين ذاتيًا قد صدم بعض النقاد باعتبار استراتيجية ضارة.
عندما تعهّد جورج سوروس بدفع مبلغ قدره 50 مليون دولار لمشروع قرى الألفية من خلال مؤسسات المجتمع المفتوح، أثار ذلك جدلًا داخل المنظمة. كان ناير، الرئيس السابق، من بين الذين عارضوا القرار، وقد أوضح قائلا: “إنه ينتمي للدول التي كان لديها أنظمة استبدادية. لم أكن أرغب في رؤية الموارد الشحيحة التي تُنفق في تلك البلدان”. لكن وفقًا لناير، كان سوروس قد وعد ساكس بالمال وأراد الوفاء بوعده”.
أعجب بعض الأشخاص الذين عملوا مع ساكس بتصميمه القوي على إنهاء الفقر. تم تعيين ريبي هاراوا لرئاسة قرية الألفية في ملاوي، وهو الدور الذي اضطلعت به حتى سنة 2009. في هذا الإطار، أكدت هاراوا أن ساكس كان يملك أسلوبا مقنعًا مع المسؤولين الحكوميين وغيرهم من الأشخاص المؤثرين. وفي إحدى المناسبات، أدت مادونا زيارة إلى القرية. لكن هاروا، التي تعمل في الوقت الحالي في المعهد الدولي لبحوث المحاصيل للمناطق المدارية شبه القاحلة في كينيا، نوهت بأن ساكس كان يفرط في التفاؤل بشأن قدرته على استبدال الاعتماد على المساعدات في بلدان مثل ملاوي من خلال جذب الاستثمارات. وأضافت قائلة: “كان هذا حلمه. وهذه ببساطة ليست الطريقة التي يعمل بها العالم”.
غالبا ما كان ساكس في دائرة الضوء، فقد كان بعض الأشخاص يشيرون إلى أنه بدا على استعداد لتلقي التمويل من أي شخص تقريبًا من أجل تحقيق أهدافه. وفي ظل بدء مشروع قرى الألفية، تعقبت الكاتبة نينا مونك مسيرة ساكس، وسجلت مشاهد حولتها في النهاية إلى كتاب بعنوان “المثالي”.
تبين أيضًا أن مقياس السعادة هو أداة تسويقية رائعة، حيث تفاخر وزير في حكومة بوتان في منشور للمنتدى الاقتصادي العالمي بأن عدد السياح الذين يزورون البلاد قد تضاعف ثلاث مرات بين سنتي 2012 و2019
في مرحلة ما، شجع ساكس مفوض المقاطعة في كينيا على النهوض بإمكانيات منطقته. طرح على المسؤول الكيني السؤال التالي: “ما هي احتمالات جذب مستثمرين من الإمارات العربية المتحدة؟”. في مناسبة أخرى، وصف ساكس تبرعات الحكومة والشركات الصينية باعتبارها مصادر محتملة لتمويل أعماله التنموية. وقال لمونك إن “المبالغ المطلوبة صغيرة للغاية” لذلك “إذا انتهى الأمر بقدومها من طرف الشركات، أو من الصين، أو من خلال المساهمات الفردية، فهذه لن تكون النقطة الرئيسية بالفعل، بل تكمن النقطة الأساسية في أن يحدث ذلك”.
صرّح ساكس لموقع “الإنترسبت” بأن مشروع قرى الألفية لم يتلق أي تمويل من قبل الإمارات أو الصين، لكنه لم ينس أن يذكر أنه نظرا لرفض الدول الغربية الاستثمار في قراه، كانت الصين تمول البنية التحتية التي يحتاجها الناس في جميع أنحاء إفريقيا. وبالنسبة لرأيه الذي طرحه خلال تلك الفترة بخصوص القرارات المتعلقة بقبول الأموال من أجل مشاريعه، والذي يفيد بأن الغاية تبرر الوسيلة، فإنه سيطبقه أيضًا في أعماله في أماكن أخرى حول العالم.
بعد أن تلاشى مشروع قرى الألفية في أوائل 2010، برز ساكس كصاحب صوت تقدمي قوي في الولايات المتحدة، حيث تحدث وكتب بإسهاب عن تزايد مظاهر عدم المساواة ومحنة المهاجرين، كما كان مرشّحا قويا لرئاسة البنك الدولي، حتى أنه ظهر خلال احتجاجات “احتلوا وول ستريت”، مما أثار انزعاج النشطاء الذين تذكروا ماضيه النيوليبرالي.
لاحظ ساكس أن الاستياء من الرأسمالية يشهد ازديادًا وأن هناك اعترافًا متزايدًا بأن المؤشرات الاقتصادية التقليدية وحدها غير كافية، وقد أصبح يدعو لحل واحد تم طرحه في ذلك الوقت وهو “قياس السعادة”. في البداية، ركز ساكس على بوتان، الدولة الصغيرة في جبال الهيمالايا التي تروج لفكرة “السعادة القومية الإجمالية”، وهي فكرة اقترحها ملك بوتان لأول مرة في السبعينيات للترويج لها كفردوس مثالي.
في سنة 2011، دعا مندوبو بوتان الأمم المتحدة إلى تبني القرار عدد 65/309، الذي اقترح على الدول الأعضاء النظر في قياس السعادة جنبًا إلى جنب مع مقاييس الأداء الاقتصادي مثل الناتج المحلي الإجمالي. وبعد فترة وجيزة، سافر ساكس إلى تيمفو، عاصمة بوتان، للمشاركة في رئاسة اجتماع حول الإيجابية، تلا ذلك تعاون بوتاني مع مدرسة كولومبيا للشؤون الدولية والعامة ومعهد الأرض، بالإضافة إلى خطاب شكر قدمه ساكس لحكومة بوتان.
في ربيع سنة 2012، تحدث ساكس في “اجتماع رفيع المستوى” للأمم المتحدة بقيادة بوتان حول الرفاهية، وبعد ذلك بوقت قصير أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 آذار/ مارس يوما عالميا للسعادة. (لم يكن ساكس المثقف البارز الوحيد الذي تبنى فكرة قياس الشعور بالرضا، فقد تحدث أيضًا زميله في كولومبيا جوزيف ستيجلز، عن هذا الأمر خلال اجتماع الأمم المتحدة، لكنه رفض الإدلاء بتصريح للإنترسبت عن طريق مساعده).
تبين أيضًا أن مقياس السعادة هو أداة تسويقية رائعة، حيث تفاخر وزير في حكومة بوتان في منشور للمنتدى الاقتصادي العالمي بأن عدد السياح الذين يزورون البلاد قد تضاعف ثلاث مرات بين سنتي 2012 و2019. علاوة على ذلك، ساعدت الحملة في تبديد المخاوف بشأن التمييز العنصري الذي تمارسه حكومة بوتان ضد جماعة لوتشامبا العرقية. كتب الصحفي المقيم في نيودلهي، فيشال أرورا، في سنة 2014 أن السعادة القومية الإجمالية تمثّل “غطاء لعدم كفاءة سجل حقوق الإنسان”، وسيتكرّر نموذج بوتان في دولة الإمارات العربية المتحدة.
“لقد أصبحتَ متواطئًا”
في أوائل سنة 2018، هربت ابنة حاكم دبي من الإمارات العربية المتحدة على متن جيت سكي، بمساعدة مدرب الكابويرا الفنلندي الخاص بها وجاسوس فرنسي سابق. في مقطع فيديو مروّع، اتهمت الشيخة لطيفة بنت محمد آل مكتوم والدها بحبس أختها قبل سنوات وتقييد حرياتها الأساسية. وانتهت هذه الاتهامات بمواجهة حامية في المياه الدولية، اقتحمت خلالها قوات كوماندوز هندية اليخت الذي كانت تختبئ فيه لطيفة، واعتقلتها وسلمتها للسلطات الإماراتية، بينما احتُجزت صديقتها الفنلندية تينا جوهياينن لمدة ثلاثة أسابيع قبل إطلاق سراحها.
بالنسبة للكثيرين، مثّل هذا الحادث دعوة للاستيقاظ للقمع الذي يحصل في البلاد، لكن ساكس كان يستلم المال من والد الشيخة لطيفة، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، للتحقيق والبحث في الغايات التي كانت الأميرة ترغب بشدة في تحقيقها لنفسها، واستمر في القيام بذلك. قال ساكس لموقع” الإنترسبت”، إن معظم الأموال الإماراتية المخصصة لمشروع السعادة الذي يعمل عليه ساكس قد جاءت من مكتب الشيخ محمد وتم التبرع بها إلى شبكة حلول التنمية المستدامة ما بين 2017 و2021.
تذكر المنظمة غير الربحية “مكتب رئيس الوزراء لدولة الإمارات العربية المتحدة” كجهة مانحة على موقعها على الإنترنت، إلى جانب أكثر من عشرين جهة أخرى. (على الرغم من أن الحرية الانتخابية محدودة في الإمارات العربية المتحدة، إلا أن الشيخ محمد يحمل لقب رئيس الوزراء). بعد القبض على الشيخة لطيفة، استلمت شبكة حلول التنمية المستدامة ما لا يقل عن مليون دولار من طرف مكتب الشيخ محمد. وفي سنة 2019، اتُهم الشيخ محمد مرة أخرى بإساءة المعاملة بعد هرب إحدى زوجاته، الأميرة هيا بنت الحسين، إلى المملكة المتحدة مع طفليها، وطلبها اللجوء السياسي.
على الرغم من أن ساكس لا يتلقى راتبًا من شبكة حلول التنمية المستدامة، وفقا لاستمارات الضرائب الخاصة بها، إلا أن هذه المنظمة غير الربحية ساعدت في تمويل أبحاثه في كولومبيا، وذلك وفقا لسجلات الإنفاق والإقرارات الضريبية الخاصة بمعهد الأرض. وعندما سُئل عما إذا كان قد أعرب عن قلقه بشأن المعاملة التي تتلقاها الشيخة لطيفة، اختار عدم الرد.
تعتقد جوهياينن، التي عاشت في دبي لمدة 17 سنة قبل أن تساعد الشيخة لطيفة على الهروب، أن مشاركة ساكس في مجال أبحاث السعادة أمر مقلق للغاية، حيث قالت: “الإمارات دولة تخضع لسيطرة الشرطة ويتم فيها مراقبة جميع تحركاتك، فتخاف من انتقاد أي شيء على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بك لأنك تخشى العواقب. فكيف يمكن أن يكون الناس سعداء بالعيش في مجتمع كهذا؟”
أنشأ ساكس شبكة حلول التنمية المستدامة في أعقاب قمة الأمم المتحدة لسنة 2012 في ريو دي جانيرو، أين ناقشت الدول الأعضاء أهداف التنمية المستدامة. وأُعلن عن بداية عمل المنظمة غير الربحية خلال بيان صحفي صادر عن الأمين العام آنذاك بان كي مون، الذي أوضح أن الشبكة الجديدة ستساعد “الأعمال التجارية والمجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى على تحديد ومشاركة أفضل المسارات لتحقيق التنمية المستدامة.”
وعلى الرغم من استخدامها اسم الأمم المتحدة، تم تسجيل شبكة حلول التنمية المستدامة على أنها منظمة غير ربحية في ولاية ديلاوير، ولكنها من الناحية العملية، تعتبر طفل ساكس. قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لموقع “الإنترسبت” إن “الأمم المتحدة و شبكة حلول التنمية المستدامة يتعاونان في مجموعة من المشاريع والمنتجات المعرفية”، لكنه أضاف أيضًا أن المنظمة غير الربحية “ليس لها علاقة قانونية رسمية مع الأمم المتحدة”. ولفترة من الوقت، كانت الأعمال الإدارية الخاصة بشبكة حلول التنمية المستدامة تتم في معهد الأرض في كولومبيا.
أهداف الأمم المتحدة، التي أنشئت المنظمة غير الربحية للترويج لها، فضفاضة ومفتوحة إلى حد ما للتأويل مما يترك مجالًا كبيرًا لعمل شبكة حلول التنمية المستدامة. على الرغم من أن أهداف التنمية المستدامة تهدف إلى الحد من الفقر والظلم، إلا أنها تتجنب استهداف نوع من التغييرات الهيكلية الجادة التي من شأنها أن تقلل فعليًا من عدم المساواة وتحسن الظروف المعيشية في البلدان النامية، وذلك وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن فيليب ألستون، المقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن الفقر المدقع والرئيس المشارك لمركز جامعة نيويورك لحقوق الإنسان والعدالة العالمية. كما أن هذه الأهداف لا تتطلب التزامات بحقوق مدنية وسياسية محددة، مما يجعلها جذابة للأنظمة الاستبدادية.
بالنسبة للقادة الإماراتيين، الذين يسعون إلى توسيع نفوذ بلادهم على الصعيد العالمي، توفر الاستدامة والسعادة طريقًا إلى الأمم المتحدة. قال كريستيان كوتس أولريشسن، الزميل في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس: “من خلال إنشاء شراكات دولية مع مؤسسات عالمية مرموقة مثل مؤسسة كولومبيا ومع أفراد مثل جيفري ساكس، يكسب ذلك دولية لدولة الإمارات هيبةً ويساهم في ترسيخ مكانتها”.
تشير النماذج الضريبية لسنتي 2017 و2018 المقدمة إلى المدعي العام لولاية نيويورك إلى أنه في تلك السنوات، كانت الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر مانح حكومي لشبكة حلول التنمية المستدامة، بعد الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي. ولم يتمكن موقع “الإنترسبت” من الحصول على قوائم المانحين الحكوميين للسنوات اللاحقة.
قام مجلس الإمارات للتنافسية – وهي مجموعة حكومية – بتمويل الأبحاث في معهد الأرض بشكل منفصل منذ سنة 2013. تنحى ساكس عن منصب مدير المعهد في سنة 2016 لقيادة منظمة أصغر تحت مظلته، وهو مركز التنمية المستدامة.
في البداية، كانت تبرعات الإمارات إلى معهد الأرض ومنظمة حلول التنمية المستدامة موجّهة نحو العمل على مؤشر السعادة العالمي. ويتم حساب التصنيفات باستخدام بيانات من استطلاع غالوب العالمي، حيث يُطلب من الناس من جميع أنحاء العالم الإجابة عن أسئلة حول الرضا عن الحياة بمقياس من 1 إلى 10. حاول ساكس وزملاؤه شرح ترتيب كل بلد من خلال تقييم الأدوار التي تلعبها مختلف العوامل بما في ذلك الدعم الاجتماعي، متوسط العمر المتوقع، وتصورات الفساد، ثم قام بمقارنة النتيجة بدولة خيالية غير سعيدة تسمى ديستوبيا.
أولريشسن: ” إن البحث عن السعادة في الإمارات يتطلب نوعًا من “الجمباز الأخلاقي”، عليك أن تتخذ موقفا ينطوي على غض الطرف عن الكثير من التطورات الداخلية في البلاد، وإلى حد ما، تصبح متواطئًا”.
لكن بينما تصدرت دول شمال أوروبا الترتيب كالعادةً، لم تكن الحكومات في أسفل القائمة تكترث للمظاهر الواضحة للقمع، حتى أن بعض الدول القمعية كانت حسب الاستطلاع تبلي بلاء حسنًا. وفي أحدث تقرير احتلت السعودية مرتبة متقدمة على إسبانيا، وكانت البحرين قبل اليابان.
كان ترتيب الإمارات العربية المتحدة عادة جيدًا كذلك. وفي أحدث تقرير، احتلت البلاد المرتبة 19 من أصل 95 دولة في السعادة الإجمالية للفترة 2017-2019. بالنسبة لعام 2020، تراجعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى المرتبة 27 في نفس التقييم، لكن ساكس وزملاؤه حرصوا على توضيح أن هذا التراجع يعود إلى انخفاض الرضا عن الحياة بين العمال المهاجرين والسكان الأجانب في الإمارات، الذين يشكلون 88 في المئة من إجمالي السكان.
وأضاف التقرير أن تقييمات حياة المولودين في الإمارات زادت. لم يرد ساكس على سؤال حول التحيز المحتمل في الاستطلاع. ويظهر أحد الأسئلة الشائعة في الفهرس أن فريقه يفسر فقط النتائج ولا يحددها، التي تستند إلى نتائج استطلاع غالوب.
تكمن إحدى المشكلات الرئيسية في المؤشر في تصميمه: يُجري ممثلو “غالوب” مقابلات مطولة مع الأشخاص عبر الهاتف أو في منازلهم. لكنهم يواجهون قيودًا على كيفية ومكان جمع البيانات؛ في الصين مثلا، استبعد المسح سكان التبت، وحتى سنة 2020، استبعد سكان شينجيانغ، حيث يسود استياء واسع النطاق من القمع الحكومي. في الإمارات أيضًا، تم إجراء استطلاع غالوب في باللغتين الإنجليزية والعربية فقط، مما أدى إلى استبعاد العمال المهاجرين من جنوب آسيا الذين قد لا يتمكنون من الإجابة بهذه اللغات. في الأماكن الأخرى، حيث يتم مراقبة الكلام أو تقييده، قد لا يقول الناس دائمًا الحقيقة حول مدى سعادتهم.
غالوب نفسها لديها علاقات مع الإمارات العربية المتحدة تثير التساؤلات. من 2010 إلى 2012، كان للشركة الاستطلاعية مركز في أبو ظبي بتمويل من ديوان ولي العهد. وقال مسؤول تنفيذي في غالوب لشركة “إيست كومباني” إنه بينما حافظت منظمة “غالوب” على سيطرة تحريرية كاملة على المشاريع، ساعد القادة الإماراتيون في اختيار الموضوع. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة غالوب لم ترد على الأسئلة المرسلة بالبريد الإلكتروني.
قال أولريشسن إن البحث عن السعادة في الإمارات يتطلب نوعًا مما أسماه بـ “الجمباز الأخلاقي”، حيث قال: “عليك أن تتخذ موقفا ينطوي على غض الطرف عن الكثير من التطورات الداخلية في البلاد، وإلى حد ما، تصبح متواطئًا”.
“شراكات وثيقة”
إن قيادة ساكس لمجلس السعادة العالمي، المجموعة التي تضع توصيات السياسة لمرافقة التصنيف السنوي للسعادة، جعلته أكثر قربًا من الحكومة الإماراتية. أعلنت دولة الإمارات عن تشكيل المجلس في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في اليوم العالمي للسعادة في 2017. وفي مقابلة لها مع الحدث، ربطت وزيرة السعادة الإماراتية آنذاك، عهود بنت خلفان الرومي، الجهود بأهداف التنمية المستدامة. قال ساكس “للإنترسبت”، إنه تم تخصيص مليون دولار بالكامل من تبرعات الشيخ محمد إلى منظمة حلول التنمية المستدامة للمجلس.
تعتبر تقارير المجلس غير موضوعية بشكل غير مبرر، حيث تمتدح حكومة الإمارات. في فترة ما، ضمّت عضوية مجلس السعادة العالمي مسؤولًا حكوميًا إماراتيًا: هي عائشة بن بشر، المدير العام لهيئة دبي الرقمية، وهو برنامج تضمّن تركيب الآلاف من كاميرات المراقبة في جميع أنحاء دبي.
كانت بن بشر المؤلف الرئيسي لفصل عن المدن الذكية في تقرير 2018 الذي أشاد بالتعاون التكنولوجي بين دبي الرقمية والشرطة المحلية للحصول على التغذية الراجعة حول المخالفات المرورية. زعم هذا الفصل أن المشروع، المسمى “هابي تو باي”، لا يزيد الشفافية فحسب بل يمنح الناس أيضًا وسيلة للتعبير عن آرائهم لقيادة المدينة”. ولم يذكر التقرير توسع هيئة دبي الرقمية في استخدام تقنية التعرف على الوجه. لم تستجب بن بشر لطلبات الموقع للتعليق.
كتب ساكس، في نفس التقرير، عن حملة السعادة الإماراتية قائلا: “تقع على عاتق العلماء والقادة الأخلاقيين في كل مكان مسؤولية تشجيع المبادرة المهمة لدولة الإمارات العربية المتحدة ومساعدتها على النمو”.
قال ديفيد كاي، أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في إيرفين والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير: “استخدام الإمارات لتكنولوجيا المراقبة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان – وأشهرهم أحمد منصور، الذي يقبع في السجن الآن، لممارسة حقه في حرية التعبير – يمثل تحذيرًا بحد ذاته”. وأضاف: “فكرة أن حكومة بمثل هذا النهج الشنيع لتكنولوجيا المراقبة سيُثنى عليها بفضل مدن المراقبة التي تسعى لبنائها أمر غير معقول”.
أضاف كاي أنه لم يكن لديه معرفة محددة بعمل ساكس في السعادة وأهداف التنمية المستدامة مشيرا إلى “أن أي منظمة لحقوق الإنسان ستكون حذرة في أخذ الأموال من الإمارات العربية المتحدة أو التعاون معها بأي شكل آخر، معظمهم سيرفضون ذلك من حيث المبدأ “.
ومع ذلك، قد لا تكون علاقة ساكس بدولة الإمارات العربية المتحدة فريدة من نوعها. تمتلك شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة مركزًا في بكين، يقع مقره في معهد أهداف التنمية المستدامة التابع لجامعة تسينغهوا، والذي تأسس سنة 2017 على هامش مؤتمر كبير لمبادرة الحزام والطريق الصينية. ويرأس ساكس اللجنة الأكاديمية الدولية للمعهد.
سعى وفد الصين في الأمم المتحدة إلى ربط مبادرة الحزام والطريق، وهي مشروع ضخم لتمويل البنية التحتية وبسط النفوذ الصيني عبر أكثر من 130، بأهداف التنمية المستدامة. أدت حملة الصين الأوسع نطاقًا لكسب النفوذ داخل الأمم المتحدة إلى دخول ثلاث أعمال إلى السجن في الولايات المتحدة، حيث أدين الثلاثة باستخدام مشاريع مرتبطة بالاستدامة لرشوة رؤساء سابقين في الجمعية العامة للأمم المتحدة. (كما اتهم أحد المسؤولين السابقين في الأمم المتحدة، ولكنه توفي في 2016 قبل المحاكمة، بعد أن سقط عليه برميل).
واجه ساكس تحقيقا بسبب صلاته الواضحة بأحد الأشخاص المدانين في تحقيقات الرشوة، على الرغم من أنه ينفي أي صلة به.
في حالة واحدة على الأقل، تم إنشاء مركز من مراكز شبكة حلول التنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة، مثل المركز الموجود في بكين، بعد تلقي التبرعات المقدمة إلى المنظمة غير الربحية. وقال المالك العقاري جيفري تشيه لصحيفة آسيان بوست إنه منح شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة 20 مليون دولار على مدى خمس سنوات، لإنشاء مركز جيفري ساكس للتنمية المستدامة في جامعة صن واي الماليزية.
يقول ساكس ردا على ريتشاردسون: “لقد كنت أكتب وأتحدث عن الصين منذ عقود. وجهة نظري الشاملة تتلخص في أهمية السلام والتعاون بين الولايات المتحدة والصين، وليس عقلية الحرب الباردة السائدة في واشنطن، والتي ربما تطغى تفكيرك”.
أكد ساكس أنه تلقي تبرعات تشيه، وكتب أن بعض الأموال ذهبت مباشرة إلى شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، بينما ذهب جزء آخر إلى البرامج المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة في ماليزيا، لكنه قال إن مركز بكين تم إنشاؤه بشكل مختلف.
وأضاف ساكس أن “شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة هي شبكة تطوعية من المنظمات وخاصة الجامعات.. تمول الجامعات نفسها بنفسها.. هناك تحويلات قليلة للأموال من وإلى المؤسسات الأعضاء”.
بحسب موقعه على شبكة الإنترنت، يركز مركز بكين على تعزيز “الشراكات الوثيقة” مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. قال ساكس مؤخرا في خطاب فيديو لبعثة الأمم المتحدة في الصين إنه “معجب إلى حد كبير بمبادرة الحزام والطريق”.
كما هو الحال مع الإمارات العربية المتحدة، تثير مواقف ساكس من قضايا حقوق الإنسان في الصين استغراب الخبراء، حيث قلل من شأن المخاوف المتعلقة بمعسكرات الاحتجاز في شينجيانغ، من خلال التسويق لرواية تفشي الإرهاب، مثلما فعلت الولايات المتحدة بعد 11 أيلول/ سبتمبر.
في مقال رأي بعنوان “مزاعم الإبادة الجماعية في شينجيانغ غير مبررة”، شارك في تأليفه الباحث القانوني ويليام شاباس، قال ساكس إن بالرغم من “وجود تهم مؤكدة عن انتهاكات لحقوق الإنسان.. يجب علينا فهم سياق الممارسات الصينية في شينجيانغ، بشكل يشبه دوافع الولايات المتحدة لغزو دول في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، وهو وقف إرهاب الجماعات الإسلامية المسلحة”. يُذكر أن شاباس مثّل حكومة ميانمار ضد تهم الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.
علاوة على ذلك، ظهر ساكس مؤخرا في حدث استضافته منظمة “لا للحرب الباردة”، وهي مجموعة غالبا ما تعمل لتعزيز المصالح السياسة الخارجية الصينية، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان. اشتبك أنصار المنظمة في الآونة الأخيرة مع المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ خلال مسيرة مناهضة للعنصرية في لندن.
وتقول صوفي ريتشاردسون، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في الصين، عن تورط ساكس في منظمة “لا للحرب الباردة”: “كان هناك قول مأثور عندما كنت في الجامعة، وهو من الجيد أن تكون متفتحا، ولكن ليس لدرجة أن تتخلى عن عقلك”.
يقول ساكس ردا على ريتشاردسون: “لقد كنت أكتب وأتحدث عن الصين منذ عقود. وجهة نظري الشاملة تتلخص في أهمية السلام والتعاون بين الولايات المتحدة والصين، وليس عقلية الحرب الباردة السائدة في واشنطن، والتي ربما تطغى تفكيرك”.
تظهر في الفيديو الشيخة لطيفة بنت محمد آل مكتوم وهي تتحدث من مكان مجهول.
“مذهب السعادة”
في الربيع الماضي، تحدث ساكس في مؤتمر السعادة الافتراضي مع لويس غاياردو، مؤلف كتاب “لماذا تعدّ السعادة مهمة لاستمرار الجنس البشري”، ورئيس منظمة السعادة العالمية، وهي منظمة غير ربحية مقرها فلوريدا قدمت جوائز لقادة الإمارات العربية المتحدة. خلال المؤتمر، هاجم ساكس دونالد ترامب الذي كان قد خسر منصبه، وأثنى بعد ذلك على الحكومة الصينية لتحكمها في انخفاض عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا.
سأله غاياردو سؤالا حول العدالة، مشيدا بنهج قادة دبي في تحقيق السعادة. أجاب ساكس: “لقد ذكرت ثلاثة أماكن، كانت فيها قائدة مبادرة السعادة امرأة، وهي نيوزيلندا، واسكتلندا، والإمارات”. كان يشير على الأرجح إلى وزيرة السعادة الإماراتية السابقة عهود الرومي، أو وزيرة تنمية المجتمع الحالية حصة بنت عيسى بوحميد، وقال: “لا أعتقد أنها مصادفة. يبدو أن الرجال أكثر تشددا في التعامل مع الصراعات، وأكثر تسببا في الانقسام. النساء على الأرجح أكثر اهتماما بالناحيتين النفسية والبيولوجية”. وتابع أن السعادة “تصبح أسهل مع النساء”.
لم تكن السعادة هدفًا يسهل تحقيقه بالنسبة لابنة المتبرع الإماراتي الرئيسي لمنظمة ساكس. في الشهر الماضي، بث برنامج “بانوراما” على إذاعة “بي بي سي” البريطانية لقطات مسرّبة للشيخة لطيفة وهي محتجزة في فيلا نوافذها تغطيها قضبان معدنية دون الحصول على مساعدة طبية. وخلال فرارها الفاشل، ذكرت الشيخة لطيفة أن قوات الكوماندوز حقنتها قسرا بالمهدئات قبل إجبارها على ركوب طائرة خاصة. وقد طلب مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان من حكومة الإمارات العربية المتحدة تقديم دليل على أن الشيخة لطيفة لا تزال على قيد الحياة. ولم يكن المفوض قد تسلم ما طلبه من أدلة قبل تنظيم مهرجان السعادة.
في وقت لاحق، ظهرت صور الشيخة لطيفة مع أدلة تؤكد تعرّض هاتفها للاختراق من خلال برنامج التجسس “بيغاسوس”. وفي الشهر الماضي، استشهدت محكمة بريطانية بحادثة اعتقالها في قرار يأمر الشيخ محمد بدفع 554 مليون جنيه إسترليني (أو حوالي 734 مليون دولار) لزوجته السابقة الأميرة هيا وطفليها بعد هروبهم سنة 2019 من الإمارات.
في حديثه عن النساء في فعاليات مهرجان السعادة، لم يذكر ساكس الشيخة لطيفة أو الأميرة هيا، أو حقيقة أن القانون الإماراتي لا يزال يمنح الرجال سيطرة فعلية على زوجاتهم، وإنما ركز على أهداف الأمم المتحدة. حيال هذا الشأن، قال: “هناك شيء واحد أود لو يكون متاحًا لنا جميعًا وهو تعيين المزيد من النساء في المناصب السياسية وإشراكهن في السلطة. وهذا ما ينص عليه الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة “المساواة بين الجنسين”.
المصدر: ذي إنترسبت