يعيش الشارع السوداني حالة من الضبابية في المشهد السياسي جراء الصدمة التي أحدثتها استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، التي رغم توقعها أربكت كل الحسابات على شتى المسارات، لتضع البلاد أمام مفترق طرق وسط تكهنات عدة بشأن ملامح وطبيعة المرحلة المتبقية من عمر الفترة الانتقالية.
مجلس السيادة الانتقالي الذي اجتمع بالأمس لبحث الاستقالة، ناقش إمكانية تشكيل حكومة كفاءات مستقلة في أقرب وقت ممكن، فيما أشارت بعض المصادر لـ”الجزيرة” أن الاجتماع ذكر بعض الأسماء المقترحة كبديل لرئيس الوزراء المستقيل، هذا في الوقت الذي شدد فيه عبد الفتاح البرهان على ضرورة تشكيل الحكومة بتوافق جميع السودانيين.
الساعات الماضية شهدت تسريبات من بعض وسائل الإعلام المحلية السودانية تتعلق بالأسماء المرشحة لخلافة حمدوك، وسط تعتيم شديد من المجلس وقياداته، تضمنت موافقة البعض واشتراط آخرين، بجانب الرفض التام من بعض الأسماء التي وصفت قبول المنصب في الوقت الحاليّ بأنه دعم للانقلاب العسكري الذي قام به البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وكان السبب الرئيسي في تأجيج المشهد الحاليّ.
إبراهيم البدوي.. المرشح الأبرز
يتصدر بورصة الترشيحات وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي، إذ أفادت مصادر سودانية لصحيفة “الشرق” السعودية أن هناك مشاورات يجريها مجلس السيادة مع البدوي لتولي منصب رئاسة الوزراء، لافتة إلى أن أنه يجري مشاورات مع مقربين له لدراسة هذا العرض.
ويتمتع البدوي بذات المواصفات التي رجحت كفة حمدوك حين طُرح اسمه لأول مرة على مائدة الترشيحات في 2019، إذ عمل قبل ذلك في البنك الدولي، وتربطه علاقات قوية بالمؤسسات المالية الدولية، وهو السبب الذي جاء به ضمن تشكيلة حكومة حمدوك الأولى، وهو ذات السبب الذي ربما يعيد طرح اسمه مرة أخرى على أمل قدرته على استعادة الدعم الذي فقدته البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
أما صحيفة “الراكوبة” فنقلت عن مصادر صحفية أن البدوي وضع عدة شروط لقبول المنصب الجديد، أبرزها أن تشكل كتلة شباب الثورة ضلعًا أساسيًا من التوافق الوطني، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه لن يستلم مقاليد سلطة مختلف عليها بين مكونات الشعب السوداني.
وعلى النقيض من ذلك، نقلت صحيفة “السوداني” عن وزير المالية السابق أنه لم يتلق أي عرض رسمي حتى الآن، موضحًا “لم يكن هناك عرض بالمعنى الحرفى، إنما (شورى) أو استمزاج رأيي بخصوص ترشيح اسمي، وعليه لم أتقدم بشروط، إنما برؤية مفادها أن الأولوية يجب أن تكون لبناء ميثاق وطني وتوافق عريض؛ يرتكز إلى الفضاء السياسي الذي أوجده هؤلاء الشباب، ثم بعد ذلك لكل حدث حديث”، وأضاف “هذا هو التوصيف الدقيق لما دار حول ترشيحي”.
ويتمتع البدوي بخبرة اقتصادية كبيرة، سواء على المستوى الأكاديمي أم الوظيفي، إذ تخرج في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم عام 1978، ثم حصل على الماجستير من جامعة نورث كارولينا الأمريكية عام 1981 ثم الدكتوراة من الجامعة ذاتها في الاقتصاد والإحصاء بعدها بعامين.
إدريس وابيا.. في صدارة الترشيحات
يأتي رئيس المنظمة الدولية للملكية الفكرية، كمال إدريس، في المرتبة التالية بقائمة الترشيحات، إذ يتمتع بعلاقة قوية مع العسكر تؤهله لمنحه الفرصة لتولي رئاسة الوزراء، مع العلم أن علاقته بالشارع ضعيفة للغاية، وهو ما يقلل من فرص قبوله شعبيًا.
واستمرارًا لسياسة العناد التي يتبعها البرهان مع الشعب، نقلت صحيفة “السوداني” أن إدريس هو المرشح الأبرز لخلافة حمدوك، لكنها أشارت إلى أنه غادر الخرطوم متوجهًا إلى العاصمة البريطانية لندن، ما يعني أن المشاورات معه لم تصل إلى نتيجة أو اتفاق، وإن كان ذلك لا يعني غلق الباب بالكلية.
ومن أبرز الأسماء التي فرضت نفسها خلال الساعات الماضية، مدير جامعة إفريقيا بالسودان، البروفيسور الهنود ابيا كدوف، الذي تجمعه هو الآخر علاقة جيدة بالعسكر، فيما ذكرت بعض المصادر الإعلامية أنه بات أقرب المرشحين وأن هناك مشاورات جادة بينه وبين بعض قادة الجيش دون الإفصاح عن مخرجات تلك المباحثات.
وأوضحت المصادر أن كدوف الحاصل على الدكتوراة في القانون العرفي من جامعة لندن، تعرض لضغوط خلال الساعات الماضية من أسرته وبعض زملائه لرفض هذا المنصب الذي سيضعه في مرمى مشاركة الانقلابيين في السلطة، لافتة إلى أنه رغم ذلك ربما يرضخ لإملاءات قادة الانقلاب وإغراءاتهم.
مضوي ومادبو.. ليسا بمعزل عن المنصب
وفق ما نقلت صحيفة “عكاظ” السعودية عن تقارير سودانية فإن مجلس السيادة اتصل بالأكاديمي مضوي إبراهيم، عضو هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم، لتولي منصب رئيس الوزراء، إلا أنه وفي تصريح آخر له لوسائل إعلام سودانية أكد أنه لم يتم التشاور معه من أي جهة.
وأوضح الأكاديمي السوداني أنه لن يقبل المنصب المطروح، لافتًا إلى أن العسكر عرضوا عليه رئاسة الوزراء بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين وُضع حمدوك قيد الإقامة الجبرية، لكنه رفض، مضيفًا “لن أشارك في الانقلاب العسكري”.
ويعد مضاوي المولود في 1956، أحد أبرز الأسماء اللامعة في المجال الحقوقي، فكان له دور كبير في فضح الانتهاكات الحقوقية في دارفور، بجانب أنه المؤسس والمدير السابق لمنظمة السودان للتنمية الاجتماعية، واستطاع أن يحقق شهرة عالمية بسبب تعرضه للسجن أكثر من مرة.
كما طُرح اسم خبير الحوكمة والمستشار في التنمية الدولية، الوليد مادبو، بين قائمة الترشيحات، لما يتمتع به من خبرة دولية مشهود بها، هذا بجانب الثقة الكبيرة التي يحظى بها لدى الشارع، وتؤهله لتولي منصب رئيس الوزراء في هذا الظرف الحرج، رغم علاقته غير الجيدة مع المكون العسكري.
ويرى مادبو أن إجراء الانتخابات في الظروف الحاليّة أمر مستحيل في ظل الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد، محذرًا من أن الإصرار على إجرائها سيدخل السوادن في أتون حرب ويمكن مجموعات معينة من العودة للحكم، في إشارة إلى قوى نظام الإنقاذ الفلولية.
الخبير الدولي كان قد طالب بتدخل إقليمي ودولي للحد من هيمنة المؤسسة العسكريةـ محمّلًا قادة المكون العسكري تداعيات التصعيد الذي يعرفه الشارع، منوهًا أن المعضلة الكبرى التي تواجه السودان هي طريقة الحكم المعتمدة، وذلك خلال التصريحات التي أدلى بها على هامش مشاركته في برنامج المسائية على”الجزيرة مباشر“.
أسماء أخرى ربما تفرض نفسها خلال الساعات القادمة في ظل المشاورات المكثفة التي يجريها أعضاء المجلس السيادي مع بعض التيارات والقوى للتوصل إلى البديل في أقرب وقت، امتصاصًا للصدمة التي أحدثتها استقالة حمدوك، فيما تبقى المفاجآت واردة، فمن المحتمل أن يستعين العسكر بأحد أبناء المؤسسة العسكرية رغم تداعيات هذا الاختيار.
تأتي تلك التحركات بالتزامن مع تصعيد الحراك الثوري، حيث أكدت لجان المقاومة والتنسيقات استمرار الفعاليات الاحتجاجية، داعية للمشاركة في موكب 4 يناير/كانون الثاني الحاليّ، تحت شعار “لن تسيروا وحدكم”، رافعة شعارات إسقاط العسكر وتسليم السلطة للمدنيين.
ضبابية مطلقة تخيم على الأجواء السودانية في انتظار تداعيات زلزال الاستقالة التي وضعت الجرس في رقبة البرهان، فيما يترقب الشعب السوداني ما سيتمخض عن المشاورات المكثفة التي يجريها الجنرالات مع القوى السياسية للوصول إلى البديل المناسب لخلافة حمدوك قبل الانزلاق إلى الهاوية، مع التأكيد مجددًا على أن المناخ الآن مهيأ لكل السيناريوهات.