في وقتٍ تخوض فيه الحركة الحقوقية والنسوية نضالًا لإقرار حقوق متكافئة ومتساوية بين النساء والرجال، وتعزيز دور المرأة الأردنية، على صعيد التشريعات والقوانين، بعد سنوات من التهميش، أثار مقترح إضافة كلمة “الأردنيات” إلى الدستور انقسامًا واسعًا، بعدما تسبب بصفعات ولكمات بين النواب تحت قبة البرلمان الأردني وعلى مرأى الجميع، الأسبوع الماضي.
تلك الصفحة طويت، أول أمس الأحد، مع موافقة مجلس النواب على تعديل المادة الأولى من الدستور الأردني بإضافة كلمة “الأردنيات” إليها، إذ كانت تنص المادة قبل التعديل على أن “الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين”، إلا أن المجلس وافق على إضافة كلمة “الأردنيات”، بتصويت 94 من عدد الحضور (120) على التعديل، مقابل رفض 26.
وذهب مؤيدو هذا التعديل، للقول بأن الحرب التي تدور رحاها في كل مكان بشأن ورود كلمة “الأردنيات” في التعديلات الدستورية هي حرب وهمية ومجاملة جندرية صنعت جدلًا لا طائل منه، بينما احتج المعارضون بطرح مخاوف وتساؤلات أبرزها: ماذا لو طعنت إحداهن بعدم دستورية النص في قانون الأحوال الشخصية في المواريث (للذكر مثل حظ الأنثيين) أو طعن أحدهم بعدم دستورية حق المرأة بالنفقة عند الطلاق؟ أو عدم دستورية حق المرأة الحصري بالحضانة وأن تكون حضانة الأطفال مناصفة بين الطليقين، ورأوا أن كلمة “الأردنيات” وإن كانت تبدو في ظاهرها مجرد تأكيد المؤكد، فإنها في المضمون ليست كذلك وليست بريئة المضمون وستفتح بابًا للفتنة والانقسام في المجتمع وستكون سلاحًا في أيد مشبوهة.
ستخلق إشكالًا قانونيًا
الإعلامية الأردنية والناشطة الحقوقية، عروب صبح، أكدت أن التعديل المقترح بإضافة كلمة الأردنيات إلى عنوان الفصل الثاني من الدستور لتصبح “حقوق الأردنيين والأردنيات وواجباتهم” لن تضيف جديدًا، فهو تعديل تجميلي وليس حقيقيًا.
التعديل بشكله الحاليّ يظهر إصرار الدولة على تهربها من تعديل المادة 6 بالنص صراحةً على المساواة بين الأردنيين والأردنيات
وأضافت خلال حديثٍ لـ”نون بوست”: “على العكس ستخلق إشكالًا قانونيًا في باقي المواد التي لا تُذكر فيها الأردنيات صراحةً، وستستخدمها الحكومة للادعاء أمام المجتمع الدولي أنها سجلت إنجازًا لصالح حقوق النساء”.
وترى الإعلامية والناشطة الحقوقية، أن التعديل بشكله الحاليّ يظهر إصرار الدولة على تهربها من تعديل المادة 6 بالنص صراحةً على المساواة بين الأردنيين والأردنيات، ومع هذا الالتفاف لا يمكن النظر – بحسن نية – لكلام من قبيل أن لا داعي للتعديل لأن كلمة “الأردنيين” تشمل النساء كذلك، وتتابع “كنا دائمًا من المطالبين بتعديل نص المادة السادسة وإضافة (الجنس) إليها، لكن ما حصل هو لذر الرماد في العيون عن المسألة الأخطر وهي التعديلات الدستورية التي تجعل الأردن ملكية مطلقة وتفرغ المؤسسات الدستورية من فعاليتها”.
من جهتها، تقول الدكتورة ديما طهبوب، النائب السابق في البرلمان الأردني وعضو حزب العمل الإسلامي: “إننا نسجل تحفظنا على التوصية المرتبطة بإعادة صياغة المادة 6 من الدستور وعنوانها وذكر التمييز”، وأضافت النائب السابق “التعديل قد يفتح الباب لمراجعات خطيرة تخالف القوانين المستندة إلى الشريعة وخاصة قانون الأحوال الشخصية وتضعها في مواجهة المعاهدات الدولية التي تسمو على القوانين المحلية وخصوصيتها”.
وأشارت عضو “العمل الإسلامي” إلى أن الحزب قدم مذكرة مكتوبة للجنة النيابية تتضمن رفض كلمة “الأردنيات” على عنوان الفصل الثاني من الدستور، والتعديل المقترح الذي طرأ على المادة 6 منه، بإضافة بند ينص على “تمكين المرأة”، ويتضمن المقترح إضافة لفظ الأردنيات ليصبح (حقوق الأردنيين والأردنيات).
ويقول نص البيان الرسمي لحزب العمل الإسلامي: “لنا في التعديل مأخذ قانوني يؤثر على كامل البنية القانونية للدستور فيما يتعلق باستعمال لفظ مصطلح معين للدلالة على معنى ثابت يستخدم في كامل نصوص الدستور للدلالة على ذات المعنى أينما استخدم، وهو لفظ “أردنيون”، فهو لفظ دل أينما ذكر على الأردنيين والأردنيات ممن يحمل الجنسية الأردنية”.
لذا، بحسب البيان “فإن إقحام لفظ أردنيات في عنونة الفصل تؤثر على معنى لفظ الأردنيين، إذ إنه لا يوجد في كامل الدستور أي ذكر لمصطلح أردنيات، إن استخدام هذا اللفظ قانونيًا يفرض وجود حقوق خاصة لكل فئة فيما سيذكر لاحقًا وهذا ليس موجودًا حاليًّا، ونتخوف مما يمكن أن يتم إيجاده لاحقًا”.
مفتاح التمكين
على منحى آخر، ترى الناشطة الأردنية البارزة هدى العمارين، أن التعديلات الدستورية الأخيرة قد تساهم بشكل مباشر في إنصاف المرأة، وتدفع إلى مزيدٍ من التمكين، بل هي مفتاح التمكين وتحقيق العدالة والحماية للمرأة، لافتةً إلى أن البعض شكك أن إضافة مصطلح “الأردنيات” إلى عنوان الفصل الثاني من الدستور مجاملة جندرية، “لكني مقتنعة بهذه التعديلات التي جاءت ضمن إطار رسالة جلالة الملك لتعزيز مشاركة المرأة والتحديث والإصلاح السياسي”.
وأضافت عضو حزب الوسط الإسلامي، خلال حديثها لـ”نون بوست”، “لقد تابعت خريطة الطريق التي مشت فيها التعديلات على الدستور الأردني وأيضًا مناقشاتي المستمرة مع العديد من السياسيين وذوي العلاقة، فإنني مقتنعة تمامًا أن التعديلات قد خضعت لنقاشات معمقة وطويلة، وأن إضافة كلمة “أردنيات” تمت مناقشتها من مختصين”.
الإصرار على الإطار النقاشي التصعيدي من البعض لن يعيق مسيرة النضال نحو العدالة التي تسعى لها كل سيدة في مجتمعات ذكورية هدفها استغلال المرأة وتهميش دورها
عن أسباب الجدل الحاصل، ترد العمارين قائلةً: “باعتقادي أن أسباب الجدل القائم حيال القرار يتلخص في اتجاهات كثيرة ومنها الاتجاه الاسلامي الذي يرى أن المرأة مصونة ومكتملة الحقوق وليست بحاجة إلى تشريعات وحقوق وإضافة لفظ الأردنيات لا حاجة له وسيفرض إشكاليات قانونية، معتبرين أنها تتضمن تبعات وآثارًا ستنشأ لاحقًا بابتداع قوانين تمس منظومة الأسرة وتؤثر على النسيج الاجتماعي”، وتتابع “لقد شاهدنا ما شاهدناه في الآونة الأخيرة من لغط وحرب وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل في طياتها تنمرًا واضحًا على من يؤيدون التعديلات لأسباب أهمها عدم فهمهم العميق لمثل هذه التعديلات ومحاربتهم المرأة لمجرد أنها امرأة”.
ووجهت عضو حزب الوسط الإسلامي حديثها للذين يربطون بين التعديلات الدستورية واتفاقية “سيداو” الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي وقع عليها الأردن عام 1992، نافية وجود هذه العلاقة، لأن الأردن تحفظ على بنود جنسية المرأة والبنود التي لا تلتزم بأحكام الشرع الذي هو مصدر التشريع لدينا، مؤكدة أن الإصرار على التصعيد في النقاش من قبل البعض لن يعيق مسيرة النضال نحو العدالة التي تسعى لها كل سيدة في مجتمعات ذكورية هدفها استغلال المرأة وتهميش دورها.
انعكاسات القرار على المستقبل
شددت العمارين على أن هذا التخصيص في الدستور وإضافة كلمة “الأردنيات” هدفه التأكيد على حماية القانون لهذه الشريحة الاجتماعية وتعظيم دورها الفاعل في بناء المجتمع، وانسجامها بشكل كامل ضمن مبدأ الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
وتخلص بالقول: “نحن أحوج الآن إلى نشر ثقافة حقوق المرأة في المجتمع الأردني وتعزيز البرامج التوعوية الشاملة بشأن قضايا التمييز والعنف التشريعية والخدماتية، عن طريق تعزيز الجهود الوطنية الرسمية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية، وبشكل خاص الوزارات المعنية والجامعات نظرًا لأهمية دورهم في المجتمع دون المساس بالقيم الأخلاقية لمجتمعنا الإسلامي”.
ويحتاج إقرار المواد حتى تكون نافذة، المرور بمراحل دستورية، فتحول إلى مجلس الأعيان (الغرفة الثانية) لمناقشتها، وحال الموافقة عليها تحول إلى الملك للمصادقة عليها، ومن ثم تعلن بالجريدة الرسمية لتصبح سارية المفعول.
والتعديلات الدستورية التي يناقشها البرلمان هي توصيات من لجنة تشكلت في يونيو/حزيران الماضي بأمر ملكي بهدف تحديث المنظومة السياسية، ويبلغ عددها نحو 30 مادة.
تجنيس أبناء الأردنيات
فتح التعديل الباب أمام تخوف البعض من تجنيس أبناء الأردنيات والمساواة في الميراث و”منح الحرية” للفتيات عند الوصول لسن معينة، إذ تعتبر دانييلا القرعان، الباحثة الأردنية في الشؤون السياسية والقانونية، أن الأردن “يتعرض لضغوط خارجية من أجل تغيير تركيبه”، رافضة التجنيس لغير الأردنيين، مشيرة إلى أسباب من بينها الفقر والظلم والبطالة وعدم تكافؤ الفرص بين الأردنيين ما يجعلهم أولى بأي فرص اقتصادية من غيرهم.
الحكومة تعامل أبناء الأردنيات كأنهم وافدون لا يملكون الحق الدائم بالإقامة والعمل في الدولة، وتقيد قدرتهم في التملك والسفر من الأردن والعودة إليه
وتقول: “الوطن البديل والهوية الجامعة والتجنيس والاتفاقيات والصفقات ومجتمعات المنظمات الدولية وكذلك التعدي على نصوص وأحكام الشريعة الإسلامية واختلاف التركيب الديمغرافي جميعها باتت مشاريع تحاوط الأردن وتؤثر على تركيبته الوطنية”.
وترى أن “إضافة هذه الكلمة لها علاقة وطيدة بهذه المشاريع التي يرفضها المجتمع الأردني، فالتجنيس ومنح أبناء الأردنيات الجنسية الأردنية ومنح اللاجئين الهوية الوطنية الأردنية والجنسية الأردنية وأرقام وطنية هي بوابة ومفتاح للتوطين وإقامة الوطن البديل على التراب الأردني”.
وكان وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، موسى المعايطة، قد قال إن تخوفات البعض من تأثير التعديل على قضايا الأحوال الشخصية “لا مبرر لها لأن الدستور حصر صلاحية القضاء في هذه المسائل بالمحاكم الشرعية التي تطبق أحكام الشرع الحنيف”، (وفق المادة 106 من الدستور)، مضيفًا أن “موضوع منح الجنسية الأردنية قضية ينظمها قانون الجنسية الذي لا يمكن تعديله دون الرجوع إلى هذا المجلس”.
وينص قانون الجنسية على أن الأردني هو “من ولد لأب متمتع بالجنسية الأردنية”، لكنه لا يشير إلى اكتساب الجنسية مباشرة من الأم الأردنية، ما يضع أبناءها أمام عراقيل اجتماعية وقانونية. في السياق تقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن: “الحكومة تعامل أبناء الأردنيات كأنهم وافدون لا يملكون الحق الدائم بالإقامة والعمل في الدولة، وتقيد قدرتهم في التملك والسفر من الأردن والعودة إليه وتحمل كلفة التعليم الجامعي والحصول على الرعاية الصحية الحكومية”.
يمكن القول أن الذين وقفوا على الحياد في موجه التعديلات الدستورية قد أثاروا استغرابًا حول سرعة قرار مجلس النواب الأردني، مقارنة بتعديلات حاصلة في دول عربية أخرى مثل مصر حين احتاجت دراسة لثلاث سنوات من قبل لجنة متخصصة في التشريع والقانون، بينما أقرت الأردن التعديلات خلال أقلّ من ثلاثة أشهر.
في المقابل، فإن تساؤلات عدة لا تزال تبحث عن إجابات لها في الشارع الأردني بشأن مستقبل قانون الانتخابات وملامح آلية مشاركة المرأة الأردنية فيه، خاصةً أن القانون كان يمنحها حق “الكوتا” قبل إجراء التعديل الأخير.