للأسف لم تساعدني الظروف على قراءة الرواية التهمة 1984 للكاتب جورج أوريل فبطبعي لا تروقني القراءة الإلكترونية ولظروف وجودي خارج حدود ما يسمى بالوطن لن أتمكن من القراءة الورقية للرواية، ومن باب “عِّلم في المتبلِّم” أضع بين أيديكم هذه السطور.
1: من جورج أوريل للشرطة المصرية نشكركم على حسن تعاونكم معنا
للأسف يمكنني أن أجزم أن 90% ممن شاركوا في هاشتاج “#الرواية 1984” لم يسمعوا عنها قبل ذلك ومعرفتهم الأولى بها بعد نشر خبر اعتقال الطالب حامل الرواية في القاهرة، ولمن لا يعلم فالدعاية السوداء أكثر صدًا وتأثيرًا من الدعاية الإيجابية، فدخولك على عنوان صادم لشيء ما يكون أكثر لهفة من دخولك على عنوان لشيء مُسلَّم به بالنسبة لك، وطبقًا لكثير من الإحصائيات فالدعاية السوداء هي الأكثر ترويجًا لسلعة ما، فالشهرة التي حظى بها شخص مثل توفيق عكاشة بالتأكيد سببها الأساسي شهرته أنه شخص سفيه ومعتوه مثلاً.
ولنترك “التريند” هو الذي يتحدث، ولنترك إحصائيات البحث في جوجل هي التي تقرر ما إن كانت الرواية أصبحت الأشهر على مدار الأيام السابقة أم ماذا، على الأقل يا صديقي يمكنك متابعة الإعلام الأيام السابقة ولترى فيضان الحديث عن الرواية والتنظير المقيت والإسقاطات المبتذلة.
2: ع الدنيا السلامة
فور سماعي بالخبر حاولت التأكد من كون الطالب تم اعتقاله بسبب الرواية أصلاً أم أنها سبب ثانوي، وفي اعتقادي أن عقلية الـ 50% لو قرأت الرواية هو إنجاز يمكن وصفه بأنه جبار، فتحول عقلية الضباط من مشاهدة المقاطع الساخنة والتندر بحكايا الشذوذ الجنسي داخل الأقسام والسجون إلى كتابات جورج أوريل لهو أمر في غاية السعادة على الأقل فحكايات الشذوذ عفا عليها الزمن والمقاطع الساخنة غاية في السوء.
ولا أخفيكم سرًا، فاعتقالي لم يخل من تلك الحكايات في القسم وسيارات التريحلات حتى وصل الأمر بأحدهم التحرش “مجازًا” بإحدى المحبوسات جنائيًا أمام أعيننا مقابل أن يعطيها “سيجارة” ويفك لها “الحديد”، ونفس الرجل في آخر ترحيلة لي قبل الإفراج طلب مني بصفتي “طري ومن بتوع النت” إخباره بأفضل المواقع الإباحية وحفظها على هاتفه وبعد رفضي لما طلب قام بتعسيفي بشدة، لكن على الفور قمت بتهديده بإخبار كل المساجين أنه “*ول” وكان يطلب مني معاشرته!
وبإسقاط مثل هذه العقليات على عقلية ضابط يقرأ لأوريل فإننا أمام حالة تستحق التكريم رميًا بالرصاص، فقراءة هذه الرواية أمر يستوجب الاعتقال للمدنيين فما بالك بالعسكريين يا حضرة الضابط!
لكن للأسف لن يُعتقل الضابط لأنه لا يعرف من أوريل أصلاً، فقد أخبرني صديقي في العمل أن أحد الطبعات لتلك الرواية مرسوم عليها “كاب” عسكري، وفي مصر أصبح كل ما له علاقة بالعسكرية تهمة واضحة.
3: لا والله ما حكم عسكر
أيضًا أُخبركم بشيء في نفسي، أعتقد أنه لا جُرم في ذكره، منذ الانقلاب العسكري وقطعت على نفسي عهدًا أن أي شيء سيء يحدث في الداخل المصري أو حتى في الخارج يجب إلصاقه بالانقلاب وبقيادته وبمؤيديه ويجب التعليق عليه حتى ولو ببذاءة، فاعتقال طالب يحمل رواية حتى وإن كانت تطعن في شرف والدة السيد الرئيس – لا أطال الله له عمرًا – هي جريمة بكل المقاييس والأعراف، ناهيك عن إنها تتحدث عن أنظمة إبيض شعر من عاصروها، فالسيد الرئيس ليس نبيًا مُرسلاً من عند الله ليكون لا مُعقب لحكمه، أمّا المُثقفون الذين صدعوا لنا رؤوسنا بالحريات والحقوق العامة فلا أراهم إلا مُنكسي الرؤوس ساكتين سكوتًا مُقلق في الحقيقة، آمل أن يفيقوا قبل أن يتحوّل الشباب من حمل روايات تفضح جرائم السلطة إلى حمل “سيديهات” ساخنة تفضحهم وتفضح أعراضهم.