ترجمة وتحرير: نون بوست
يقدر تعداد سكان الأردن بحوالي 10 ملايين نسمة، وهو يقع في قلب الشرق الأوسط. تقوم سياسة الأردن الخارجية على ثلاث ركائز: التحالف مع الولايات المتحدة، السلام مع “إسرائيل”، وتعزيز التعاون مع دول الخليج. وبناء على ذلك، تأتي علاقته مع الصين في مرتبة ثانوية. مع ذلك، تجمع بين الدولتين وجهات نظر ومصالح مشتركة في مجال محاربة الإرهاب الدولي وتطوير المشاريع الطموحة، لا سيما في مجال الطاقة النووية المدنية.
قبل سنة تقريبًا، عبّر وزير الخارجية الصيني وانغ يي في العاصمة الأردنية عمان عن استعداده لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في إطار مبادرة طريق الحرير الجديد. وعلى هذا النحو، توسعت العلاقة الصينية الأردنية التي كانت في البداية قائمة على التجارة لتكتسب بعدًا سياسيًا ودبلوماسيًا.
يعزى هذا التقارب إلى حقيقة إدراك بكين أن الأردن دولة مستقرة وحاسمة في الدبلوماسية الإقليمية رغم ما لديها من نقاط ضعف (تضرر الاقتصاد بشدة من تداعيات الوباء وتدفق عدد كبير من اللاجئين معظمهم من أصل فلسطيني – حيث تستضيف البلاد مليوني لاجئ منذ عدة عقود – ينضاف إليهم 1.3 مليون لاجئ سوري منذ 2011).
علاقات تاريخية
في خضم الحرب الباردة، لم يتردد ماو تسي تونغ في التعبير عن دعمه للفلسطينيين ضد “إسرائيل” بعد انتقاد تدخلها في السويس في سنة 1956، لتتخذ بذلك الدبلوماسية الصينية المنعطف الأول في منطقة الشرق الأوسط.
في 1970، أدينت القوات الأردنية بسحق الفدائيين الفلسطينيين، لكن تشو إنلاي – وزير السياسة الخارجية الصينية آنذاك – كان يدرك أن دعم المقاومة الفلسطينية في هذه الحالة فيه مخاطرة بإحراج جمهورية الصين الشعبية والتشكيك في المبادئ الأساسية التي تدعو إليها رسميًا، خاصة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
في سنة 1977، قررت بكين إقامة علاقات دبلوماسية مع عمان. وبعد خمس سنوات، استُقبل العاهل الأردني الحسين الثاني في بكين وكان على رأس وفد من جامعة الدول العربية. وكانت هذه الدعوة لفتة من دينغ شياو بينغ، خليفة ماو تسي تونغ، ليذكّر بتمسك الصين باحترام سيادة الدول.
تعرف بكين طبيعة العلاقة التي تجمع بين الأردن و”إسرائيل”، حليف الولايات المتحدة. ورغم حرمانهم من لقب خادم أولى القبلتين والحرمين الشريفين بعد توحيد آل سعود لأراضي الحجاز في سنة 1924، لا تزال العائلة الهاشمية تحتفظ بمكانة كبيرة في العالم العربي.
كانت سياسة “الإغواء” التي اتبعتها الصين في العالم العربي ناجحة لاسيما مع مصر التي وقّعت في نيسان/ أبريل 1978 اتفاقية عسكرية مع بكين. تاريخيًا، سمحت العلاقة الصينية الأردنية بإعادة انتشار المبادرات الدبلوماسية الصينية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
منذ ذلك الحين، زاد حضور الصين وشركاتها في المنطقة بشكل مطرد. سواء تعلق الأمر بالمجال الاستراتيجي أو الاقتصادي، فإن تنسيق المبادرات الصينية يتم من قبل مبعوث خاص للشرق الأوسط (حاليا تشاي جون، وهو دبلوماسي محنك ومستعرب وسفير سابق في فرنسا وليبيا)، الذي يعتبر همزة الوصل بين جميع السفراء الصينيين العاملين في المنطقة وشي جين بينغ نفسه، وذلك دليل على مدى أهمية هذه المنطقة بالنسبة لرئيس الدولة الصيني. والهدف الرئيس من ذلك ضمان حفاظ الصين على إمداداتها من الطاقة، ومنع المسلمين في الصين من التأثر بصعود الحركات الجهادية.
تعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي
أبرم كل من شي جين بينغ والملك الأردني عبد الله الثاني اتفاقية شراكة استراتيجية في سنة 2015 من شأنها توسيع نفوذ بكين وتعزيز مبادرتها الاستثمارية العالمية “طريق الحرير الجديد“. بالنسبة للصين، مثّل هذا الاتفاق سبيلا لكسب موطئ قدم لها في المنطقة انطلاقا من عمان، وذلك في سياق استراتيجي هيمت عليه الحرب في سوريا وعنف تنظيم الدولة.
يرى الأردنيون أن هذا الاتفاق استجاب لرغبتهم في تنويع الشركاء الاقتصاديين الذي يعد من أهداف رؤية الأردن 2025. وعلى غرار رؤية قطر أو المملكة العربية السعودية، تتصور رؤية الأردن تحولًا في الاقتصاد والطاقة ومشاريع البنية التحتية.
أصبحت الصين تدريجيًا من القوى كبرى في المنطقة – على المستوى الاقتصادي في المقام الأول – وهي تطمح لتحقيق أهداف استراتيجية واضحة. ولا شك أن الصين تنوي ترسيخ هذه السياسة متعددة المزايا على المدى الطويل. وفي نهاية المطاف سوف تعزز الصين وجودها في المنطقة من خلال مشاريع إعادة الإعمار في كل من سوريا ولبنان.
يمثل لبنان نقطة عبور أساسية في المنطقة بأسرها، فهو بوابة لدول المشرق مثل الأردن وسوريا والعراق، ودول الخليج العربي أيضا التي تعتمد على علاقاتها التجارية مع لبنان. وبما أن 73 بالمئة من واردات البلاد تعتمد على الممر البحري، فإن تعزيز البنية التحتية اللبنانية في المجال البحري يعد أمرًا ضروريًا. وتقوم التجارة في هذا البلد على ديناميكية البنية التحتية الرئيسية، المتمثلة في الموانئ البحرية، وهو بالضبط ما تبرع فيه الصين.
يبدو أن تعزيز التعاون بين الصين والأردن في مجال الطاقة النووية المدنية قد أثمر بالفعل، لأن المملكة العربية السعودية المجاورة تعرب بدورها عن اهتمامها بمشروع مماثل. كما تكتسي مشاريع تحلية المياه أهمية كبيرة بالنسبة للأردن، الذي يعد من بين أكثر البلدان التي تعاني من نقص المياه في العالم. يشعر العديد من المراقبين بالقلق إزاء حالة الجفاف الهيكلي، حيث يمر الأردن بأشد حالات الجفاف في تاريخه ولعل الأسوأ لم يأت بعد. وقد يستمر هطول الأمطار في الانخفاض مقابل استمرار متوسط درجة الحرارة في الارتفاع بشكل حاد.
إلى جانب التعاون الصيني الأردني في القطاعات المذكورة أعلاه، عزّز البلدان علاقتهما الثنائية ضمن الأطر الدبلوماسية والمؤسسية. وقد انعقد منتدى التعاون العربي الصيني في دورته التاسعة في تموز/ يوليو الماضي برئاسة مشتركة بين البلدين.
سيظل الأردن ساحة للمواجهة بين القوى الإقليمية والخارجية (إسرائيل والولايات المتحدة والصين وروسيا). وفي خضم هذه التطورات، سوف تحتفظ عمان بمكانتها الفريدة والتاريخية باعتبارها نافذة دبلوماسية الشرق الأوسط للفهم العالم.
بالنظر إلى اعتماده الشديد الأردن على تدفقات التمويل الخارجي، التي تتأثر بالوضع الدولي وتهديدات البيئة الإقليمية المتغيرة، يحاول هذا البلد زيادة المبادرات الدبلوماسية للحد من هشاشة البلاد في مجال الطاقة خاصة في ظل تدهور المالية العامة للبلاد.
ينبغي على هذه “الدولة العازلة” الاستفادة من دعم المانحين الأجانب وخاصة الصينيين. فقد بلغ إجمالي الواردات الصينية من الأردن 356 مليون دولار سنة 2019 قبل جائحة كوفيد-19. وقد رحّبت السلطات الصينية بمشروع محطة توليد الكهرباء باستخدام النفط الصخري وهي لا تزال قيد الإنشاء، وأعلنت الصين عن المساهمة بـ 1.6 مليار دولار في بنائها.
من المتوقع أن يساعد هذا المشروع الرائد للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط على تقليل تكاليف الطاقة في الأردن وخلق فرص عمل محليًا وتحفيز تبادل الخبرات في مجال الهندسة بين عمان وبكين. لكن أشغال بناء هذا المشروع تُحزر حاليا تقدما محتشمًا. وقد لعب تفشي الوباء وانغلاق النظام الصيني على نفسه دورًا هاما في إعادة الصين تنظيم علاقاته وإعادة النظر في المشاريع التي بدأتها وسياستها الخارجية بشكل عام.
تسلّم الأردن عدة دفعات من لقاح شركة سينوفارم الصينية. وتعتبر هذه التبرعات الجزء الظاهر من الجهود التجارية الأكبر للصين، التي تحاول إعادة إطلاق مشروع “طريق الحرير الجديد” وإضفاء الشرعية عليه. أصبحت الصين في سنة 2020 أكبر مصدّر للأردن لكن بسبب الاضطرابات المرتبطة بالوباء وتدهور المشهد السياسي انخفضت الواردات من الصين.
يظل التعاون الصيني الأردني في المجال الأمني ومبيعات الأسلحة متواضعًا ولكنه أساسي. تمكنت بكين من خلال تسليم شحنات الطائرات المسيّرة أو التبادلات بين الأجهزة الأمنية، وبفضل شبكتها الدبلوماسية، من اكتساب نفوذ يضمن أمن مصالحها.
سيظل الأردن ساحة للمواجهة بين القوى الإقليمية والخارجية (“إسرائيل” والولايات المتحدة والصين وروسيا). وفي خضم هذه التطورات، سوف تحتفظ عمان بمكانتها الفريدة والتاريخية باعتبارها نافذة دبلوماسية الشرق الأوسط للفهم العالم.
المصدر: لا تريبون