لم تدر الشابة السورية آيات الرفاعي أن مصيرها سيكون مشؤومًا عندما تزوجت من غياث الحموي الذي أنهى حياتها يوم ضرب رأسها بالحائط بمساعدة والدي زوجها، ليكون السؤال، كيف لأبوين أن يساعدا ابنهما على قتل زوجته بهذه الطريقة؟ وكيف، بالأساس، يقتل رجل زوجته؟، وأين المجتمع من كل المبادئ الأخلاقية والضوابط الدينية؟
رغم وحشية القصة، وقسوة تفاصيلها، إلا أنها ليست الوحيدة أو الأولى، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة في ظل غياب الردع القانوني في دولة يحكمها مجرمون، ولا سيما أن الجاني (الحموي) هو عنصر من عناصر جيش الأسد ومن مرتبات الحرس الجمهوري الذي افتعل مجازر عدة في سوريا خلال سنوات مضت.
ولا شك أن جرائم القتل ضد النساء لا تقتصر على مناطق سيطرة النظام، حيث نجدها تتكرر أيضًا في مناطق سيطرة المعارضة أو مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ”قسد”، وتأخذ صداها مؤقتًا على مواقع التواصل الاجتماعي وسرعان ما تنتهي القصة في دولة اللاقانون وغياب المساءلة.
جريمة مروعة
كشفت رهف الرفاعي، شقيقة الضحية آيات، تفاصيل الجريمة، فقد أكدت في حديث إذاعي محلي، تلقي عائلتهم للتهديدات والمضايقات من عائلة الزوج لإجبارهم على التراجع عن الشكوى وسحبها، قائلةً: “آيات لم تكن تخبر عائلتها بحقيقة ما تتعرض له في بيت زوجها، خوفًا من عائلة زوجها وخشية من أن يأخذوا منها طفلتها”، مشيرة إلى أن آيات تزوجت صغيرة في عمر الـ16 عامًا، وعندما توفت كانت تبلغ 20 عامًا.
وأوضحت أخت الضحية أن والدة زوج آيات أرسلت رسالة إلى عائلة آيات وأخبرتهم أن آيات مريضة، وبعد ساعات أرسلت للعائلة رسالة تقول فيها إن آيات توفيت في المستشفى، وحينها اتصلت رهف بزوج آيات للاستفسار عما جرى، فأخبرها بأن ما حصل هو خلاف بسيط بين آيات ووالدته، فقدت آيات على إثره وعيها ونقلوها إلى المستشفى حيث فارقت الحياة.
لكن اكتشف أهل الضحيةا عند وصولهم للمستشفى أن ابنتهم ماتت إثر ضرب عنيف بعد أن رأوا آثار علامات زرقاء على الجثة، وبدأت تتكشف خيوط الجريمة التي حاول القاتلون إخفاءها عبر التعاون مع بعض موظفي المشفى، إذ تم توقيف الزوج ليوم واحد فقط، وبعد ذلك خرج كأن شيئًا لم يحصل، لكن منشورًا لصديقة الضحية وجارتها في ذات البناء على موقع فيسبوك، أكد كمية الظلم الواقع على آيات وكيف أن زوجها وأمه وأبيه كانوا يعذبونها، إذ كان الزوج يعنف آيات باستمرار، فيما كان أهله يستخدمونها كخادمة.
تهديدات من القاتل
في يوم الجريمة، اعترضت آيات على زواج زوجها من امرأة أخرى، راجيةً إياها ألا يفعل، ولكن مع إصراره على ذلك، بدأ يضربها لتعود إلى منزل أهلها، ولكن خوفًا على مستقبل طفلتها لم تكن ترضى الرجوع إلى أن ضربها زوجها بالحائط بوحشية حتى تقيأت وغابت عن الوعي، ما دفع الزوج وأهله إلى نقل زوجته إلى المستشفي بعد ساعتين تقريبًا من الجريمة، زاعمين أن آيات ضربت نفسها بالحائط فجأة، وفق ما جاء في منشور على موقع فيسبوك.
دفعت العائلة القاتلة في المشفى بعض الرشاوى حتى يتم إنهاء القضية بوقتها، حتى أتى أهلها واكتشفوا العلامات الزرقاء على جسمها فبدأوا بالحديث مع الشرطة من أجل تشريح الجثة وكشف ما حدث لابنتهم، وهنا يقول أبو الضحية آيات: “حين وصلت إلى المستشفى تفاجأت بخبر وفاة آيات، كما تفاجأت بعدم وجود زوج ابنتي ووالديه، الذين اعترفوا بارتكابهم للجريمة لاحقًا”، ويضيف الأب “عند الكشف على جثة ابنتي تأكدت أن ما جرى معها هو شروع بالقتل، هناك كدمات زرقاء على جسدها ورقبتها، والدم على رأسها”، مشيرًا إلى أنه “حينما جاء زوج الشابة الضحية إلى المستشفى ادّعى أنها توفيت بسبب التسمم بعد وجبة العشاء”، قائلًا: “هنا راودنا الشك خاصة عندما أخبرنا الطبيب أن الدلائل تشير إلى تعرّضها للضرب على رأسها”، وبيّن الوالد أن زوج ابنته ووالديه طالبوه بالتنازل عن القضية مدّعين أنها تسممت، وأنها “لم تتعرض للضرب أوالتعنيف”.
لم تكتفِ عائلة الزوج بارتكاب الجريمة وإنكارها، بل تجاوز الأمر إلى توجيه تهديدات إلى والد آيات وعائلتها بالسجن في حال اتهامها مجددًا بفعلته، وهي التهديدات ذاتها التي طالت صديقة آيات التي نشرت الموضوع على منصات التواصل الاجتماعي، إلى أن انتشرت القصة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصدرت وزارة الداخلية التابعة لنظام الأسد بيانًا أكدت فيه أن “الضحية آيات الرفاعي تعرضت للضرب من زوجها ووالده ووالدته”، وأوضحت الوزارة أن “زوج الضحية اعترف أن والده ووالدته كانا يضربان زوجته المتوفية باستمرار بقصد تأديبها وتعليمها، وفي يوم وفاتها تعرضت للضرب من والده مرتين”.
وأضاف غياث الحموي أنه حصل بعدها شجار بينه وبين زوجته فأقدم على ضرب رأسها على الحائط ثم تركها بالغرفة، وبعد نحو ساعة حضر ابن شقيقه الحدث وشاهدها بحالة مزرية وتم إسعافها، وختمت الوزارة أن والدي الجاني اعترفا بضرب المغدورة، وقالت إنه تم التحرز على الأدوات التي كانوا يقومون بضربها بها.
استبداد مجتمعي
ما زالت تداعيات قصة الرفاعي تتصاعد في دمشق، لكن هذه القصة سلطت الضوء على كمية القهر الذي تعيشه الكثير من النساء السوريات. في هذا الخصوص، تقول البروفيسورة في جامعة مانشستر البريطانية رهف الدغلي في تعليقها على الجريمة إنها مرتبطة بالأصل بالعنف المتأصل من النظام السوري، مشيرة إلى ضرورة النظر إلى جذور العنف الأسري على أنه عنف قانوني وتطبيع لمفهوم العسكرة على مستوى الدولة قبل العائلة، فبحسب رأيها، إن العنف في سوريا مقنن سياسيًا والنظام البعثي المستبد استخدم ورقة التضحية بحقوق النساء لأن بقائه قائم على ثقافة العنف في الأساس.
وتضيف الدغلي “يجب النظر أيضًا إلى معاقبة النظام السوري المجرمين كمحاولات تجميلية لكسب التعاطف الشعبي”، كما ترى أن فرض قوانين تعاقب العنف الأسري ليست كافية، وإنما يجب اقتلاع الاستبداد من جذوره، سواء سياسيًا أو اجتماعيًا، لأن كلا الجانبين ينعكسان على المواطنين.
مع كل قصة امرأة تقع ضحية لعنف أسري يودي بحياتهايجب تسليط الضوءعلى ان جذرالعنف الاسري هوعنف قانوني وتطبيع لمفهوم العسكرة على مستوى الدولةقبل العائلة. في #سوريا العنف مقونن سياسيا والنظام البعثي المستبد استخدم ورقة التضحيةبحقوق النساءلان بقائه قائم على ثقافةالعنف.#حق_آيات_الرفاعي
— Dr Rahaf Aldoughli رَهَفْ (@r_aldoughli) January 4, 2022
في سياق الحديث عن الجريمة التي حصلت بحق آيات وغيرها من النساء السوريات يقول الكاتب والباحث محمد خير موسى: “لا تكادُ تمرّ جريمةٌ في غاية البشاعة بحق امرأةٍ في مجتمعاتنا التي تعشش فيها الجاهلية حتى تطالعنا الأيام على عجلٍ بجريمةٍ أشد بشاعةً وأقسى وطأة”، ويضيف قائلًا أن “آيات الرفاعي ما هي إلا نموذج لظاهرة ممتدة في المجتمعات التي تطغى فيها جاهلية الأعراف وجاهلية الأفكار، وكثيرات في مجتمعاتنا مثل آيات غير أنهن لم تفارق أرواحهن أجسادهن تحت الضرب، ولكنهن يعشن الحياة ذاتها التي عاشتها آيات ويذقن القهر والظلم الذي ذاقته وعاينته”.
ويشير موسى إلى أن “تربية الفتاة على أن تحمّل الظلم والاضطهاد والقهر هو ضربٌ من البر بالزوج وأمه وأبيه يؤسس لهذا التشوه الذي تعيشه مجتمعاتنا البائسة”، داعيًا إلى ضرورة تعليم الفتيات أن بر الزوج أمرٌ حسن غير أن الخضوع للاضطهاد والظلم قبيح، وأن التمسك بالأسرة إلى الرمق الأخير ضروري، غير أن هذا لا يعني الرضا بالإهانات والقهر والضرب.
يكمل موسى قوله “هذا الاستبداد المجتمعي هو امتداد للاستبداد السياسي الذي ترضخ له الشعوب، والاستبداد السياسي ينعكس استبدادًا وقهرًا على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والأسرية”.
حالات يومية
في السياق ذاته، تواصلنا في “نون بوست” مع طبيب يعمل في أحد مستشفيات دمشق رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، يقول: “آيات ليست الحالة الوحيدة في دمشق، حيث تستقبل المشافي يوميًا نساء يتعرضن للعنف وتبدو عليهن آثار التعذيب، وهذه الآثار إما عبر الضرب بالعصي أو عيدان الحديد أو الضرب باليد”، ويشير الطبيب إلى حالات أخرى تعرضت للتعذيب بالكهرباء أو إطفاء السجائر بأجسادهن.
ويضيف الطبيب أن “هذه الظاهرة ليست حديثة، ما يستوجب إقرار تعديلات قانونية بهذا الخصوص، خاصة أن بعض الجرائم تتستر عليها قوة الأمن نفسها بعد تقديم الجناة رشاوى كبيرة، واليوم لا يوجد رقيب ولا حسيب، وفي الحالات القليلة يتم التحقيق والقضاء مثلما حصل في حادثة آيات لأنها انتشرت إعلاميًا وأخذت بعدًا كبيرًا ليس إلا”.
عنف السلطات
يتمثل عنف النظام ضد المرأة في آخر عشر سنوات بالقتل والاعتقال والاغتصاب في المعتقلات، وهذا ما ذكره تقرير سابق للشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت فيه: “ما لا يقل عن 28618 أنثى قتلنَ في سوريا منذ مارس/آذار 2011، 93 منهن بسبب التعذيب، و10628 أنثى لا تزال قيد الاعتقال/الاحتجاز، إضافة إلى 11523 حادثة عنف جنسي استهدفت الإناث”، مشيرًا إلى أن غالبية الانتهاكات كانت على يد النظام السوري.
وتتوزع نسب القتلى من النساء على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، فقد قتل النظام السوري 21996، فيما قتلت القوات الروسية 1593 امرأةً، وقتلت 981 على يد تنظيم داعش، و83 على يد هيئة تحرير الشام، وقتلت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” 260 أنثى، فيما قتلت جميع فصائل المعارضة المسلحة المعارضة 1318 أنثى، وقتلت 961 أنثى إثر هجمات لقوات التحالف الدولي، و1426 أنثى قتلنَ على يد جهات أخرى.
أشار التقرير أيضًا إلى أنَّ ما لا يقل عن 10628 أنثى لا تزال قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بينهن 8497 على يد قوات النظام السوري، و44 على يد هيئة تحرير الشام، و869 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و942 على يد المعارضة المسلحة/الجيش الوطني، وأضاف التقرير أن 276 أنثى منهن اعتقلهن تنظيم داعش قبل انحساره ولا يزلن قيد الاختفاء القسري.
ستبقى حالة المرأة السورية المعنفة على ما هي عليه، ما لم يكن هناك قانون ينصفها أو مجتمع يحترم حقوقها، وهو ما لا يمكن توقع حدوثه في المستقبل القريب في ظل وجود نظام ديكتاتوري وجهات سياسية أخرى فاسدة أخلاقيا وساقطة حقوقيا.