ترجمة وتحرير: نون بوست
تنتظر عائلة سالم التي تعيش في خوف متواصل تهجيرها بشكل قسري في وقت قريب من المنزل الذي عاشوا فيه منذ سنة 1951 – والذي يسكنه حاليًا ثلاثة أجيال.
بعد أن تقدّمت منظمات المستوطنين الإسرائيليين غير الحكومية بدعوى تطالب فيها بملكية بعض المنازل في حي الشيخ جراح الفلسطيني بالقدس الشرقية المحتلة، قضت محكمة إسرائيلية السنة الماضية بطرد عائلة مكونة من 11 شخصًا، بينهم أربعة أطفال، قسرًا بحلول 29 كانون الأول/ ديسمبر 2021.
أوقفت محكمة إسرائيلية عملية الطرد القسري بشكل مؤقت في 23 كانون الأول/ ديسمبر على إثر تدخل من الشرطة في أعقاب اندلاع احتجاجات ومواجهات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية. لكن من المقرر في الوقت الحالي تنفيذ قرار المحكمة في تاريخ غير محدد من هذا الشهر، لاسيما أن الأسرة لم تعد قادرة على تقديم المزيد من الطعون.
في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر، تسلّمت ربة هذا البيت فاطمة سالم البالغة من العمر 74 عامًا إشعار الإخلاء من قبل ناشط إسرائيلي يميني وعضو مجلس مدينة القدس يوناتان يوسف. وادعى هو ونائب رئيس بلدية القدس أرييه كينغ أنهما اشتريا المنزل من أصحابه اليهود الذين كانوا يمتلكون العقار قبل سنة 1948.
أصبحت عائلة سالم من العائلات اللاجئة سنة 1948، عندما طُرد حوالي 700 ألف فلسطيني بالقوة من منازلهم وأراضيهم. في سنة 1951، استأجرت الأسرة هذا المنزل بموجب اتفاقية استئجار محمية من الوصي الأردني لممتلكات العدو، التي تم إنشاؤها للتعامل مع الممتلكات التي استُردّت من اليهود في المناطق التي كان يسيطر عليها الأردن بعد حرب 1948 بين العرب و”إسرائيل”. وفي وقت لاحق، استولت “إسرائيل” على القدس الشرقية خلال حرب 1967.
صرحت فاطمة للجزيرة: “يعيش والداي هنا منذ سنة 1951. ولدت هنا وتزوجت هنا وأنجبت جميع أطفالي هنا. كما أن أبنائي الثلاثة وزوجاتهم وأطفالهم يعيشون في الوقت الحالي هنا”. وأضافت: “ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه ولا يمكننا تحمل تكاليف استئجار منزل جديد. يمكن أن ينتهي بنا المطاف في الشارع خلال فصل الشتاء البارد والممطر”. وقد أكدت أن “حجم الضغط لا يطاق. كلنا نكافح من أجل التمتع بقسط من النوم ليلاً وهذا ما جعل مشاكلي الصحية تتفاقم”.
شكك السكان الفلسطينيون في صحة الوثائق التي قدمها المستوطنون لإثبات ملكية منزل عائلة سالم.
بينما تطبق “إسرائيل” القوانين التي تسمح للمستوطنين اليهود بالاستيلاء على الأراضي والممتلكات في القدس الشرقية التي يزعمون أنهم عاشوا فيها قبل حرب 1948، لا تنطبق نفس القوانين على الفلسطينيين الذين عانوا من الطرد القسري من منازلهم لإقامة ما يسمى بـ “دولة إسرائيل”.
حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن ما لا يقل عن 970 فلسطينيًا، من بينهم 424 طفلاً، معرّضون لخطر الطرد القسري في القدس الشرقية بسبب القضايا المعروضة على المحاكم الإسرائيلية، بشكل أساسي من قبل مجموعات المستوطنين اليهود الذين يحظون بدعم من الحكومة الإسرائيلية. وتجدر الإشارة إلى أن عمليات التهجير القسري والاستيطان تنتهك القانون الدولي.
الحصار
زاد الاهتمام الإعلامي بقضية عائلة سالم بفضل الزيارات التي قام بها 22 دبلوماسيًا أوروبيًا لمنزلهم، والذين كانوا يتابعون تزايد وتيرة عمليات الإخلاء والهدم للمنازل الفلسطينية خلال السنة الماضية.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تعرّض ما لا يقل عن 317 فلسطينيًا للتهجير القسري من منازلهم في القدس الشرقية في سنة 2021، في حين هُدم 161 مبنى بذريعة عدم وجود تصريح بناء وهي من الوثائق التي تُصعب السلطات الإسرائيلية الحصول عليها.
وأشار رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة سفين كون فون بورغسدورف إلى أنه صُدم من قرار إخلاء منزل عائلة سالم وحثّ “إسرائيل” على إلغائه.
أخبر فون بورغسدورف وسائل الإعلام عندما زار الموقع في 23 كانون الأول/ ديسمبر: “يتعرض 11 شخصًا يعيشون في منزل عائلة سالم للتهديد بالإخلاء في الأيام القليلة المقبلة، خلال عيد الميلاد ومنتصف الشتاء”.
وأضاف: “بالنسبة لي، وبصفتي مسيحيًا، يصعب تصوّر ذلك. هذه أرض محتلة. للناس الحق الكامل في العيش هنا. تمّ إجلاؤهم سنة 1948 من القدس الغربية ووجدوا ملجأ هنا. وبعد 70 سنة، تريد السلطات طردهم مرة أخرى وتحويلهم إلى لاجئين مرة أخرى.هذا غير إنساني وغير عادل”.
أشار إبراهيم سالم، نجل فاطمة، إلى أن “المستوطنين جعلوا حياتهم بائسة، لاسيما في عطلة نهاية الأسبوع، حيث يعيشون تحت وطأة الحصار الذي يفرضه عليهم المستوطنون الإسرائيليين من الجانبين”. وأضاف أن “القوات الإسرائيلية أغلقت الحي لمنع أنصار العائلة وأصدقائها من الانضمام إليهم والتضامن معهم”.
صرح إبراهيم للجزيرة بأن: “مجموعات من المستوطنين تتحرك تحت حماية الشرطة وتقوم بتوجيه الشتائم ورمي الحجارة على أفراد العائلة ومنزلنا، الذي طالبونا بمغادرته وأخبرونا بأن ملكية المنزل والأرض تعود إليهم. في المقابل، تكتفي الشرطة بالمراقبة دون أن تحرك ساكنا. ولكن إذا رد أي فلسطيني بشكل لفظي أو بالحجارة، فإنه يتعرض للضرب والاعتقال”.
يوم الجمعة الماضي، تعرض إبراهيم وفاطمة للاعتداء من قبل المستوطنين والشرطة، ما انجر عنه نقل فاطمة إلى المستشفى في سيارة إسعاف.
حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أطلقت القوات الإسرائيلية قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية واعتدت بالضرب على السكان والناشطين والصحفيين. وقد أصيب صحفي واحد على الأقل وشرطي من حرس الحدود الإسرائيليين خلال هذه الاشتباكات.
“توقع المزيد من العنف”
خلال السنة الماضية، تسببت عمليات الإجلاء المرتقبة لعائلات فلسطينية أخرى في حي الشيخ جراح في اندلاع مواجهة عسكرية بين الجماعات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة المحاصر والجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 11 يومًا.
في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر، رفضت أربع عائلات فلسطينية من الشيخ جراح تواجه خطر التهجير القسري بالإجماع عرض التسوية الذي قدمته محكمة إسرائيلية، التي طالبتهم بقبول ملكية المستوطنين للأرض التي تقع عليها منازلهم في القدس الشرقية.
وفقًا لتقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة، أصبحت قضية حي الشيخ جراح رمزًا لخطر التهجير القسري الذي تواجهه العديد من العائلات الفلسطينية في القدس الشرقية بهدف إقامة أغلبية يهودية في المدينة وخلق حقائق ديموغرافية نهائية على أرض الواقع”.
المصدر: الجزيرة