ترجمة وتحرير: نون بوست
ما هي اعتبارات أرشيف الدولة عند اتخاذ قرار فرض رقابة على الوثائق التاريخية غير السرية؟ حسب الرواية الرسمية، تتعلق مسألة فرض الرقابة على الأرشيف بأمن الدولة وعلاقات “إسرائيل” الخارجية أو الخصوصية الشخصية. لكن قلة قليلة من المؤرخين المطلعين على المواد الأرشيفية يفترضون أن الرقابة ربما تكون شديدة لحماية المصالح الأخرى، مثل سمعة “إسرائيل” أو صورة قادتها.
قدّمت وثيقة من حرب الاستقلال نشرها أرشيف الدولة على موقعه على الإنترنت مؤخرًا نظرةً خاطفةً على مدى شدة الرقابة وراء الكواليس. وتتمثل الوثيقة في محضر اجتماع عُقد في تموز/ يوليو 1948 ناقش خلاله أعضاء الحكومة المؤقتة جرائم الحرب التي ارتكبها جنود ومدنيون يهود ضد الفلسطينيين، من بين أمور أخرى. ولكن بعض الجمل حُجبت من المحضر من قبل الأرشيف. ولكن بسبب خلل تقني، يمكن من خلال النقر بفأرة الحاسوب إزالة التعتيم وكشف النص المخفي.
وقد اتضح أن أول وزير زراعة إسرائيلي أهارون زيسلنغ، الذي كان من بين الموقعين على إعلان الاستقلال، قال في سنة 1948 إنه “يستطيع أن يغفر حالات الاغتصاب” التي ارتكبها اليهود ضد النساء العربيات. مرّت 74 سنة منذ ذلك الحين، بيد أن أرشيف الدولة لا يزال يعتقد أنه لا يجب على الجمهور معرفة ذلك. وقد ورد في تصريح هذا الوزير السابق: “دعونا نقول إن حالات اغتصاب وقعت في الرملة. يمكنني أن أغفر حالات الاغتصاب، لكنني لن أغفر أي أفعال أخرى”. يكتسي التصريح التالي الذي لم يُحجب أهمية إضافية، ويشرح ما اعتبره الوزير فعلًا أكثر خطورة من الاغتصاب أي “عندما يدخلون مدينة وينتزعون المجوهرات بالقوة من أعناق النساء – هذا أمر خطير للغاية”.
بعد عشرين صفحة من نفس المناقشة، حجبت رقابة أرشيف الدولة مرة أخرى الجمل. في هذه الحالة، يمكن إزالة التعتيم عن طريق النقر بالفأرة وكشف الجملة الخاضعة للرقابة. قال رئيس الوزراء دافيد بن غوريون في النسخة الخاضعة للرقابة: “أنا ضد الهدم الكلي للقرى”. حاليًا، كُشف التصريح بالكامل ليتضح أنه أضاف بعد ذلك: “لكن هناك أماكن شكلت ولا تزال تشكل خطرًا كبيرًا وعلينا القضاء عليها. ولكن يجب أن يكون ذلك بشكل مسؤول مع ضرورة التريّث قبل اتخاذ الإجراء اللازم”.
نُشرت هذه المحاضر بناءً على طلب “معهد أكيفوت” لأبحاث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي يكافح للكشف عن مواد أرشيفية خاضعة للرقابة لها أهمية من الناحية العامة والبحثية. ويأتي إصدارها استمرارا لبحث عمل عليه المؤرخ في “معهد أكيفوت” آدم راز، الذي يتابع الجرائم التي ارتكبها اليهود ضد العرب في حرب الاستقلال، والتي وصفها في مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة “هآرتس”.
إن حقيقة اختيار أرشيف الدولة فرض الرقابة على تصريحات وزير الزراعة حول اغتصاب النساء العربيات ودعوة رئيس الوزراء “للقضاء على القرى” الفلسطينية تجعل المرء يتساءل: نُشرت ملاحظات في نفس السياق، بما في ذلك جمل متطابقة، عدة مرات في المقالات والكتب والوثائق الأرشيفية التي يمكن للجمهور الاطلاع عليها. يكشف بحث سريع في كتب غوغل أن ملاحظات زيسلنغ حول اغتصاب النساء متاحة بصيغتها الكاملة في كتالوغ معرض في متحف حيفا للفنون، الذي يمكن العثور عليه أيضا على رفوف المكتبات العامة الكبيرة في “إسرائيل”، بما في ذلك المكتبة الوطنية.
إلى جانب الأجزاء المخفية التي يمكن الكشف عنها، تُعد الصفحات الخمسين الأخرى من المحضر المنشورة على موقع أرشيف الدولة مثيرة أيضا للاهتمام. تُعتبر تصريحات وزير شؤون الأقليات بخور شالوم شيطريت حول الروابط بين اليهود والمواطنين العرب في القرى والمدن الفلسطينية التي احتلتها قوات الدفاع الإسرائيلية، قاسية بشكل خاص.
قال آنذاك إنه كان يأمل كأقلية “عانت لآلاف السنين في الشتات أن نقدر الأقليات وأن نضع سياسة إنسانية عادلة تجاههم… لطالما أعلنا عن رغبتنا في العيش بسلام مع العرب، وأنه لن يكون هناك أي تمييز عنصري أو ديني في دولتنا على الإطلاق بين المواطنين”. لكن وفقًا لشيطريت وُضع هذا الأمل جانبًا: “إنه لمن المؤسف أن أشير إلى أن كل ما اُنجز بالفعل (وهذا أمر معروف جيدا) لن يكون على الأرجح مشجعًا”.
كما وصف شيطريت فيما بعد عمليات الطرد والتدمير والنهب والاعتقالات الباطلة. ومن جهته، علّق بن غوريون على ذلك قائلا: “لقد صُدمنا جميعا من عمليات الكشف الأولى عن الفوضى والسرقة التي شارك فيها المدنيون أيضا. حدث هذا بشكل خاص في يافا وحيفا، وانخرطت فيها جميع الفئات دون استثناء، حتى النخبة المثقفة في القدس”.
أضاف بن غوريون أن الجيش لم يكن المسؤول الوحيد عن الانتهاكات، موضحًا: “أنا أعارض أولئك الذين ينسبون السرقة إلى الجيش فقط، إن البلاء أعمق بكثير من هذا. يفعل أفضل الناس هذا. يسرق غير المقاتلين بقدر ما يسرق المقاتلون. لقد صُدمت من هذه الظاهرة. لم أكن أتوقع أن الأمر سيكون على هذا النحو، ولكنه كذلك”. مع ذلك، حاول تطويع تصريحه بالقول إن الناس يعملون جاهدين “لإنقاذ أنفسهم” نظرا لأن الأوامر الرسمية للحكومة تحظر مثل هذه الأعمال. وأضاف أن الجيش “أكثر إنصافا” في تعامله مع الشعب المحتل من “العديد من الجيوش المخضرمة”. ولم يخضع هذا التصريح للرقابة.
ردا على ما حدث قرر أرشيف الدولة “الكشف عن الوثائق غير السرية ونشرها بالكامل دون أي تعتيم. لقد أدى خلل تقني إلى كشف المقاطع المحجوبة وقراءة النص الأصلي. إن سياسة أرشيف الدولة صارمة وستكون صارمة لحجب أي معلومات سبق أن حدد المجلس التشريعي سببا لإخفائها”.
المصدر: هآرتس