قامت وزارة الدفاع العمانية منذ ما يقرب من العامين بعقد صفقة مع شركة “الفضاء البريطاني” لتصنيع عشرين طائرة من طراز تايفون وهوك مقابل اثنين ونصف مليار جنيه إسترليني، على أن يبدأ تسليم هذه الطائرات تدريجيًا بداية من عام 2017، ونظرًا للأنباء المتواردة عن تدهور صحة السلطان قابوس مؤخرًا يبزغ السؤال التالي: ما شكل الإدارة التي سيتم تسليم هذه الطائرات لها؟
تولى السلطان قابوس الحكم في العام 1970 بانقلاب على أبيه السلطان سعيد بن تيمور، بعد أعوام قليلة من رحلته الطويلة إلى المملكة المتحدة حيث درس بالأكاديمية الحربية الملكية وخدم بالجيش البريطاني لمدة عام، كانت القوات العسكرية البريطانية والقوات الجوية الملكية من أهم العوامل الحاسمة في الانقلاب وما تبعه من تحديات، وتحدي ثورة إقليم ظفار الاشتراكية المدعومة من مصر عبد الناصر سابقًا والصين كان أخطر هذه التحديات، إلا أن نجاح قابوس في هذه التحديات وانطلاقه في إعادة تشكيل وتحديث السلطنة كان مبهرًا، وترك أثرًا ضخمًا على المستقبل السياسي للمنطقة.
مثل هذه القصة من تدخل القوى الغربية في تشكيل الوضع السياسي الداخلي لدول منطقة الخليج قد تكرر مرارًا على مدار التاريخ الحديث للمنطقة، وبالتالي يصبح وضع كل من هذه القصص وصفقات السلاح المليارية مع الغرب وحقيقة تمركز إنتاج النفط في العالم في المنطقة في إطار واحد فكرة جيدة تكشف الكثير، فعلى مدار سنوات من بيع النفط للغرب ومراكمة أمواله؛ تحولت دول الخليج إلى المستورد الأكبر في العالم للمعدات العسكرية من الغرب – الولايات المتحدة وبريطانيا تحديدًا -.
أتت صفقة الطائرات العمانية لتنقذ شركة الفضاء البريطاني من الإفلاس وطرد قرابة الستة آلاف عامل نتيجة لفشل خطة الاندماج مع شركة إيرباص الأوروبية مقابل 25 مليار جنيهًا بريطانيًا، ومن الطريف أن هذه الشركة ذاتها كانت بطلة صفقة طائرات لايتنينج مع المملكة العربية السعودية عام 1967 التي تحدث عنها الكاتب “عامر محسن” في مقاله عن التسلح الخليجي في جريدة الأخبار اللبنانية.
كانت هذه الطائرة قد صُممت خصيصًا للتصدي للطائرات السوفيتية في حالة هجومها على المملكة المتحدة، ولم تمتلك أي نوع من القابلية للطيران على ارتفاعات منخفضة أو قصف الأهداف الأرضية (أي كل ما احتاجته السعودية في حالة تورطها في خلاف عسكري في شمال اليمن تحديدًا)، بمجرد الانتهاء من تصميم الطائرة وإنتاجها بشكل واسع اتضح للإدارة السياسية عدم جدوى المشروع وفضلوا الانضمام للمظلة العسكرية الأمريكية الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية والاقتصادية؛ وترتب على ذلك أن توجب التخلص من مخزون الطائرات المنتجة وتعويض تكاليف التصميم والصناعة الهائلة، تمكنت أموال النفط من أن تسمح للسعودية بشراء عشرات الطائرات وعوضت الشركة البريطانية عن خسائرها بل وجلبت بعض المكاسب.
غالبًا ما كانت التطورات التكنولوجية في الدول المتقدمة صناعيًا تأتي نتيجة لأبحاث في مجال الصناعات الدفاعية يصبح من الممكن استخدامها في الحياة المدنية، كثير من تكنولوجيا الاتصالات والحواسيب التي نستخدمها بشكل يومي مثال على ذلك؛ ونتيجة لذلك يصبح من الممكن تعويض الأموال الطائلة المنفقة على البحث والإنتاج العسكري باستخدام هذه التكنولوجيا في الإنتاج المدني اليومي على مدى بعيد، إلا أن في البلاد المستوردة للسلاح وتلك التي لا تحارب حروب جادة كدول الخليج تحديدًا لا يوجد أي سبيل لدفع كلفة التسلح إلا من خلال ريع أنشطة أخرى، أي النفط تحديدًا في حالة الخليج، ومع بقاء الأسلحة والمعدات الغربية في المستودعات تظهر كلفة التدريب والصيانة اللازمين لإبقاء هذه المعدات في حالة من الجاهزية؛ وبالتالي من الممكن بسهولة رؤية أين تذهب أموال النفط التي يدفعها الغرب بكل سعادة لدول الخليج لتشغيل المصانع، فهي في حقيقة الأمر لا تلبث في الخزائن الخليجية كثيرًا إلا لتذهب إلى خزائن الشركات الأمريكية التي دفعت أقل منها ثمنًا للوقود المشغل لآلياتها.
تساءل الصحفي براين وايتاكر في مقال له في جريدة الغارديان عن السبب وراء عدم مطالبة السفير الأمريكي في الرياض بتقعيل الحياة الديموقراطية في المملكة كما فعل نظيره ببيروت.
فمن الواضح أن موقع الأنظمة الحاكمة في الخليج كحلفاء وأصدقاء في الحرب والتجارة يسبق كل القيم المؤسسة للولايات المتحدة في الأهمية، ومن الواضح تمامًا كذلك أن توزيع التكلفة المرعبة للصناعات والبحوث العسكرية في الولايات المتحدة على عمليات الإنتاج المدني والاستخدامات السلمية للتكنولوجيا المنتجة لم يعد كاف من الناحية الاقتصادية؛ وبالتالي وجود سوق ذي قدرة شرائية كبيرة وطلب مستمر هو حاجة لا بد منها.
لذلك يمكننا تفهم عدم تحمس الولايات المتحدة لتحكم حكومات منتخبة على أسس ديموقراطية وقادرة على اتخاذ قراراتها التجارية والدفاعية بشكل علمي رشيد في سوق السلاح واحتياطي النقد الأكبر في العالم، فإعجاب مجموعة من الرجال المعينين من قبل الملك في المجالس المحلية السعودية بالطائرات الأمريكية الحديثة سيختلف تمامًا عن موقف لجنة برلمانية مختصة تمتلئ بالخبراء الذين يعلمون تمامًا أن الولايات المتحدة تبيعهم طائرات الـ F15 برادارات طائرات الحرب العالمية الثانية.