ترجمة وتحرير: نون بوست
فرضت كوسوفو قيودًا على تعدين البيتكوين، لتكون بذلك البلد الأحدث في قائمة طويلة من البلدان التي تمنع هذه الصناعة.
إن الحملة التي شنتها الصين على تعدين البيتكوين السنة الماضية والتي بلغت درجة الحظر الكامل في شهر أيلول/ سبتمبر، دفعت شتات المنتجين إلى البحث عن مقرات جديدة. لجأ كثيرون منهم إلى مصادر الطاقة الخضراء للتعدين في الدول الإسكندنافية، في حين استغل آخرون الطاقة التي تولدها المحطات التي تعمل بالفحم والغاز الطبيعي في كازاخستان وإيران وكوسوفو وأبخازيا الصغرى. وبحلول الخريف الماضي، مثلت العملات الرقمية التي وقع تعدينها في كازاخستان وإيران أكثر من ربع العملات الرقمية المنتجة.
استقبلت هذه الدول عددا كبيرا من شركات تعدين البيتكوين رسميًا في الأشهر القليلة الماضية. ولكن الوافدين الجدد يستهلكون كميات هائلة من الكهرباء مما يتسبب في انقطاعات في التيار الكهربائي من طهران إلى ألماتي. تحمل هذه النزعة أنباءً سيئةً خاصة للمتحمسين بشأن مساهمة صناعة البيتكوين في حل مشكلة التلوث في القريب العاجل من خلال الاعتماد بشكل رئيسي على الطاقة المتجددة. تزعم الدول الإسكندنافية في تطور جديد أنها لا تستطيع أن تلبي أهداف الطاقة النظيفة إذا كان التشفير يستأثر بحصة ضخمة ومتنامية من الطاقة الكهربائية التي تولدها الرياح وموارد الحرارة الجوفية.
يمثل هذا الخبر تحذيرًا للدول التي تلجأ إليها شركات تعدين البيتكوين الآن، التي طُرد أغلبها من الصين واختارت الاستقرار في كازاخستان أو إيران، ليتم طردها مرة أخرى. تعد تكساس مثالا بارزًا وربما أكبر جاذب للشركات الناشطة في هذا المجال. يقول أليكس دي فريس، الخبير الاقتصادي الهولندي الذي يراقب موقعه الإلكتروني “ديجيكونوميست” استخدام البيتكوين للطاقة: “إن فكرة تكساس تكمن في أن زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية ستساهم في إصلاح الشبكة الضعيفة. هذه أسخف فكرة سمعتها، لأنه عندما يصل الطلب إلى ذروته في الشتاء والصيف، سيجعل تعدين البيتكوين الإمدادات أقل من ذي قبل، ولن تكون النتيجة جيدة”.
تراجع عدد الدول التي تسمح بتعدين البيتكوين فيه تحذير لتكساس ونيويورك وكنتاكي وكذلك للدول الأوروبية مثل ألمانيا وأيرلندا، التي لا تزال ترحب بهذه الصناعة. دعونا نراجع قائمة الدول التي انقلبت مؤخرًا ضد العملة الرقمية الرائدة في العالم بدءًا من كوسوفو التي أعلنت عن هذا القرار مع بداية السنة الجديدة.
الأزمة في كوسوفو
خلال السنوات الأخيرة، جذبت الكهرباء الرخيصة التي تنتجها محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في كوسوفو عددًا كبيرًا من شركات تعدين العملة الرقمية. ازدهرت هذه الصناعة في دولة البلقان البالغ تعداد سكانها 1.8 مليون نسمة. لكن تعدين البيتكوين هناك يثير سخط الشباب الصرب، المعروفين بتمرّدهم وعدم اعترافهم بكوسوفو كدولة ويرفضون دفع ثمن الكهرباء. وقد أجبرت الانقطاعات في محطات الفحم مؤخرًا الحكومة على استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي باهظ الثمن من جيرانها الأوروبيين. وحوالي 40 بالمئة من الطاقة في كوسوفو مستوردة. وقد أعلنت الدولة حالة طوارئ مدتها ستون يومًا تعتزم خلالها فرض انقطاعات في الطاقة على المنازل والأعمال التجارية، وحظر تعدين البيتكوين يعتبر محور حملتها لمواجهة أزمة الطاقة.
أعلنت الحكومة يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر عن “حظر تعدين العملات الرقمية في جميع أنحاء البلاد”. وتأمل الحكومة أن يساعد تحرير الطاقة التي يستخدمها المعدنون في تجاوز كوسوفو لأشهر الشتاء الباردة. ولكن الرسالة واضحة: الطاقة أصبحت أكثر ندرة في مختلف أنحاء العالم، ويتساءل عدد متزايد من البلدان عما إذا كان من المنطقي تخصيص حصة كبيرة من الطاقة لعملة ذات استخدامات عملية قليلة.
إيران تكافح مرة أخرى
عانت العديد من المدن الإيرانية من انقطاع التيار الكهربائي باستمرار في شهر أيار/ مايو. وعلى خلفية ذلك، فرضت الحكومة حظرًا لمدة أربعة أشهر على تعدين البيتكوين لتخفيف الضغط على محطات الطاقة وتوفير المزيد من الكهرباء للمنازل. بعد فترة وجيزة من رفع الحظر الأول، فرضت طهران حظرا ثانيًا في 28 كانون الأول/ ديسمبر، وكان ذلك قبل ثلاثة أيام من إعلان كوسوفو الحظر الخاص بها على البيتكوين.
حسب التقديرات الرسمية، يستنزف تعدين البيتكوين ما بين 3 و4 بالمئة من إجمالي الكهرباء المنقولة عبر شبكة الطاقة الوطنية. من المنتظر أن يستمر الحظر حتى منتصف شهر آذار/ مارس. تستطيع الحكومة بحلول ذلك الوقت إعادة تعدين البيتكوين الذي يوفر العملة الأجنبية التي يحتاجها نظامها بشدة. تكمن المشكلة في أن ما يزيد عن 60 بالمئة من إجمالي تعدين البيتكوين غير قانوني، ويتم في أماكن لا تتجاوز مساحتها المطبخ، وحتى العمليات ذات الحجم الصناعي باستطاعتها الالتفاف على القانون.
أقرّ الرئيس السابق حسن روحاني بأن التعدين غير المرخص يصعب تقييده ويمكن أن يستمر في استنزاف كميات كبيرة من الطاقة من المنازل والشركات. ومن الواضح أن إيران انقلبت على البيتكوين وهو ما يعني أن مستقبل التعدين حتى بعد انتهاء الحظر مشكوك فيه إلى حد بعيد.
كازاخستان تسحب بساط الترحيب
على غرار الولايات المتحدة، كانت كازاخستان وجهةً مُفضّلة لشركات التعدين الصينية. وقد اكتشفت جامعة كامبريدج في الخريف الماضي أن الدولة الواقعة في آسيا الوسطى كانت تستضيف 22 بالمئة من إجمالي شركات تعدين البيتكوين في العالم. وتم نقل ما يقدر بـ 90 ألف جهاز تعدين تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع وتحل معادلات “ملفات الهاش” أو الرموز العشوائية مقابل البيتكوين، من الصين إلى كازاخستان في غضون بضعة أشهر فقط.
لقد تضاعفت وتيرة التعدين من أيار/ مايو إلى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر في ألماتي، أكبر مدن كازاخستان. واستهلاك الكهرباء السنوي في البلاد عادة ما يرتفع بنسبة 1 إلى 2 بالمئة. لكن تدفق شركات التعدين من الصين وكذلك الوافدون الجدد الذين يسعون إلى تحقيق أرباح ضخمة مع ارتفاع سعر البيتكوين في عام 2021، أدى إلى زيادة الاستهلاك بنسبة 8 بالمئة.
تتمتع كازاخستان باحتياطيات ضخمة من النفط، وفي بداية السنة الماضية تفاخرت كثيرًا بقدرات إضافية لتوليد الكهرباء. ولكن في غضون أشهر، أدى ازدهار البيتكوين إلى تحويل البلاد من الوفرة إلى العوز في إنتاج الطاقة الكهربائية. وعانت البلاد من انقطاع التيار الكهربائي في منتصف شهر تموز/ يوليو. واستجابةً لذلك، فرضت الحكومة في أيلول/ سبتمبر نظامًا يقسم الطاقة بين 50 من شركات التعدين المسجلة. وبعد شهرين من ذلك، سنّت الحكومة تشريعات تُقيّد استهلاك الطاقة لدى كل شركة تعدين جديدة وتحد من الكمية المتاحة لجميع الشركات الناشطة في مجال التشفير إلى مستويات منخفضة للغاية. ونتيجة لذلك، سرعان ما بدأت طفرة البيتكوين في كازاخستان تتلاشى.
أيسلندا تقول لا للوافدين الجدد
تستفيد أيسلندا من الوفرة الشهيرة للطاقة الحرارية الجوفية الرخيصة، التي جعلتها نقطة جذب لشركات التعدين في السنوات الأخيرة. تجري كل من شركة “جينسس” و”بيتفوري” من هونغ كونغ وشركة “هايف” الكندية عمليات كبيرة في الدولة الجزيرية. لكن أيسلندا معروفة أيضا بكونها موطن مصانع صهر الألمنيوم ومراكز البيانات التي تشترك مع شركات التعدين بالشهية الكبيرة للكهرباء.
في الوقت الحالي، تعاني أيسلندا من اختناقات في إمدادات الطاقة. وتلعب صناعة البيتكوين دورا كبيرًا في النقص الحالي في الكهرباء. وقد أجبرت هذه الأزمة الحكومة على قطع الإمدادات عن صناعاتها الأساسية. ومن جهتها، أعلنت شركة الطاقة الوطنية “لاندزفيركجن” في السابع من كانون الأول/ ديسمبر أنها لن تقبل بعد الآن طلبات الكهرباء من شركات تعدين العملات الرقمية الجديدة.
تسعى السويد لإلغاء التعدين في الداخل وفي جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي
في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، كتب اثنان من كبار المسؤولين السويديين رسالة مفتوحة إلى المسؤولين في دولتهم، وقدما طلبًا إلى الاتحاد الأوروبي يمكن أن يقوّض آمال صناعة تعدين البتكوين في التحول إلى صديق للبيئة – وهي وجهة نظر داعمين لها مثل إيلون ماسك وجاك دورسي.
دعا رئيس وكالة حماية البيئة السويدية ورئيس هيئتها الإشرافية المالية قادة الدولة إلى وقف جميع عمليات تعدين البيتكوين، كما طلبا من الاتحاد الأوروبي – المؤلف من 27 دولة – فرض حظر شامل على هذه الصناعة. والسبب وراء هذه الدعوات جديد، إذ لم يكن مصدر قلقهم المباشر البصمة الكربونية سيئة السمعة للبيتكوين، وإنما استخدامها المكثف للطاقة المتجددة التي نحن بأمس الحاجة إليها لجعل الصناعات التقليدية صديقة للبيئة.
أكثر من 50 بالمئة من الطاقة الكهربائية في السويد قادمة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية، وهي تسجل واحدة من أعلى نسب توليد الطاقة الصديقة للبيئة في العالم. وكانت طاقتها الكهربائية عامل جذب للعديد من شركات التعدين الصينية. وأشار المسؤولان إلى أن الطاقة التي يستهلكها تعدين البيتكوين تضاعفت بالمئات ما بين نيسان/ أبريل وآب/ أغسطس.
ستحتاج السويد إلى الكهرباء التي تستهلكها البيتكوين الآن من أجل تزويد مشاريع مثل محطات شحن السيارات الكهربائية. ويقول المسؤولان: “إذا سمحنا بتعدين الأصول الرقمية في السويد، فإننا نخاطر بأن تصبح الطاقة المتجددة المتاحة غير كافية لفرض التحول الطاقي المطلوب من أجل المناخ الذي نحتاج إلى إجرائه”، بما في ذلك تصنيع الصلب الخالي من الشوائب وصناعة البطاريات.
من وجهة نظرهما، يعتبر التخلص من صناعة البيتكوين ضروريًا لتحقيق الأهداف الصارمة لاتفاق باريس للمناخ. وقد قدما بعض الأمثلة المعبّرة، زاعمين أن التعدين داخل حدود السويد يستهلك كمية من الكهرباء تعادل استهلاك 200 ألف منزل، وأنه “من الممكن حاليًا قيادة سيارة كهربائية متوسطة الحجم لمسافة 1.8 مليون كيلومتر باستخدام نفس الطاقة التي يتطلبها تعدين عملة بيتكوين واحدة”. إن استنتاجهم ليس مواربًا، فتعدين البيتكوين “ليس استخدامًا منطقيًا لطاقتنا المتجددة”.
النرويج تنسج على منوال السويد
انضم أحد كبار الشخصيات النرويجية إلى قضية المسؤولين السويديين بعد أيام من تقديمهما البيان المتعلق بحظر تعدين البيتكوين. قال بيجورن أريلد غرام، وزير الحكومة المحلية والتنمية الإقليمية ، إن “النرويج تدرس حاليًا تدابير سياسية لمواجهة التحديات المتعلقة بصناعة تعدين العملات الرقمية، وذلك بالنظر إلى الحلول المقترحة من قبل المنظمين السويديين”.
يعتقد غرام أنه من الصعب تبرير تزويد صناعة تعدين البيتكوين بالطاقة المتجددة. تواجه النرويج، كما هو الحال في السويد، تحديًا صعبًا لتوليد ما يكفي من الطاقة الصديقة للبيئة للتخلي بشكل كامل عن الوقود الأحفوري في صناعات الألومنيوم والصلب. ترتفع أسعار الألمنيوم وكذلك شهية القطاع للطاقة. قامت النرويج مؤخرًا بمد كابلات سوف تمكنها من تصدير طاقتها المتجددة عبر أوروبا مما يكسبها إيرادات كبيرة، مقابل إنتاج ما يكفي لاستخداماتها المنزلية فقط – دون احتساب تعدين البيتكوين. لا نعرف ما إذا كانت النرويج ستنسج على منوال السويد، لكن مسألة ما إذا كان بإمكان أوروبا السماح بتواصل صناعة تعدين البيتكوين وتحقيق أهدافها المناخية شديدة الصعوبة أصبح الآن موضوعًا ساخنًا.
لا تنسوا أبخازيا الصغيرة
شهدت هذه المنطقة المطلة على البحر الأسود، التي انفصلت عن جورجيا في منتصف التسعينيات، سلبيات تعدين البيتكوين قبل إيران وكازاخستان. في سنة 2020، برزت حوالي 625 مزرعة تعدين في جميع أنحاء البلاد التي يبلغ عدد سكانها 250 ألفًا، العديد منها تقع في المطابخ وغرف النوم. وفي نفس السنة، أدى تعدين البيتكوين إلى زيادة استهلاك الكهرباء بحوالي 20 بالمئة. وبحلول منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، عانت المنازل والمصانع في جميع أنحاء أبخازيا من انقطاع التيار الكهربائي. وبحلول نهاية السنة، حظرت الحكومة رسميًا هذه الصناعة، أعقبتها حملة مداهمة للمنازل والشركات كسرت الأبواب وقطعت الكابلات.
كلما زاد عدد الدول التي تحظر تعدين البيتكوين، قلّ الترحيب بهذه الصناعة، وزاد الضغط على شبكة توزيع الكهرباء. هذا هو التحدي الذي ستواجهه قريبًا مناطق مثل تكساس وكنتاكي وألبرتا، التي تعد أفضل الوجهات بالنسبة لشركات التعدين في ظل تضاؤل الخيارات. هناك الكثير من الحديث حول كيفية إبرام شركات التعدين شراكات مع محطات توليد الطاقة التي ستزيد من إنتاج الطاقة الإجمالي، وأن المُعدّنين سيغلقون أبوابهم في فترات الذروة مما يوفر المزيد من الكهرباء للمنازل والشركات.
ربما لخص الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الوطنية في أيسلندا الموقف بشكل أفضل بقوله: “لن يقوم أحد ببناء محطة توليد طاقة للبيتكوين. هناك الكثير من عدم اليقين بشأن مستقبل هذه الصناعة”. وحسب دي فريس، فإن شركات تعدين البيتكوين تحقق أرباحا أكبر عندما تقوم بتشغيل معداتها باهظة الثمن على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع”. ويضيف: “ليس لديهم أي حافز على الإطلاق للتوقف عن العمل في فترات الذروة”.
إن مشكلة البيتكوين ببساطة تكمن في أنها تزيد الطلب على الطاقة في وقت لا يملك فيه العالم ما يكفي منها.
المصدر: فورتشن