شهدت عدة مناطق بشرق ليبيا بدء من بنغازي وحتى طبرق بأقصى الشرق الليبي عدة انفجارات كانت أداتها السيارات المفخخة، فبمدينة بنغازي انفجرت سيارة أمام مقهى يملكه متهم بحرق منزل آل الصلابي، ضمن حملة يشنها من يسميهم ما يعرف بمجلس شورى ثوار بنغازي بالصحوات على منازل مؤيدين لمجلس شورى الثوار بالهدم والحرق وسرقة المحتويات بعد أن نزحت تلك العائلات إلى مدن بغرب ليبيا.
وشهدت مدينة طبرق أيضا انفجارا بسيارة مفخخة في شارع رئيسي من شوارع المدينة أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وجرح العشرات، وهي المدينة التي عُرف عنها تمتعها بالأمن والهدوء، وتنتشر بها قوات مؤيدة لمجلس النواب المنحل.
وكان التفجير الأخير الأربعاء أمام بوابة القاعدة الجوية بمنطقة الأبرق شرقي مدينة البيضاء حيث مقر حكومة عبد الله الثني المعينة من مجلس النواب الليبي المنحل، مما تسبب في قتل أربعة ما بين جنود وضباط بالقاعدة وإصابة أقل من عشرة كانوا قريبين من مكان الانفجار.
وكانت سيارة مفخخة انفجرت الأحد الماضي في مدينة شحات بشرق ليبيا، حيث عقد المبعوث الأمم المتحدة الخاص برناردينو ليون مع رئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني، لكن دون وقوع أي اصابات.
كما تعرضت سفارتي دولتي مصر والإمارات في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس لتفجيرين رجحت مصادر أن تكون بسيارات مفخخة تم وضعها بالقرب من مبنى السفارتين، مما تسبب في وقوع أضرار جسيمة مادية في مبنى السفارتين، ودون وقوع قتلى أو جرحى بسبب التفجيرين.
وطرح مراقبون عسكريون تساؤلات حول توقيت هذه الانفجارات، والأسلوب المستعمل فيها، والأهداف السياسية من وراءها، والأطراف التي قد تستفيد من هكذا عمليات بمدن ومناطق لم يعُرف عنها انتشار مجموعات مسلحة ذات نشاط ديني أو عقائدي أو متهمة بالإرهاب، بل تتميز بشبه إجماع وتأييد مجتمعي وقبائلي لعملية الكرامة التي يتزعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ السادس عشر من مايو/أيار الماضي.
وتشير تفجيرات سفارتي مصر والإمارات بالعاصمة طرابلس بحسب المراقبين إلى رغبة لدى منفذيه إلى إظهار العاصمة طرابلس بأنها ليست في منأى عن التطرف والإرهاب، بل إن هذا الإرهاب هو برعاية قوات ما يعرف بفجر ليبيا التي تسيطر عليها، وأن ظاهرة الإرهاب عامة تشمل كل المدن الليبية، وهي رسالة بدأ في بثها المؤيدون للواء المتقاعد حفتر عبر اللقاءات المتلفزة وصفحات التواصل الاجتماعي.
إلا أن ثمة رسالة أهم يحمل تفجير سفارتي مصر والإمارات بين طياته إلى المبعوث الدولي برناردينو ليون أن المؤتمر الوطني الذي يتخذ من العاصمة طرابلس مقرا له لا يصلح بأن يكون شريكا في الحوار السياسي الجديد الذي أعلن عنه ليون مؤخرا بعد لقاءه نوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني العام، وبالتالي عرقلة أي حوار سياسي ينجم عنه وقف ولو مؤقتا لإطلاق النار، قد لا يخدم أطرافا إقليمية أو محلية ترغب في السيطرة على بنغازي وطرابلس قبل التورط في أية التزامات برعاية دولية.
ويرى المراقبون العسكريون أن تنفيذ عمليات تفجير ببوابة مطار القاعدة الجوية بمنطقة الأبرق شرقي مدينة البيضاء، وأخرى بمدينة طبرق بأقصى شرق ليبيا في نفس اليوم يُشتم منها عمل استخباراتي مخطط له بدقة عالية من ناحية التوقيت وتحقيق الأهداف قصيرة الأمد.
واتهم بعض المراقبون المخابرات المصرية بالضلوع في عمليات تفجير شرقي ليبيا وذلك بهدف عرقلة مسار الحل السياسي والمبادرة الجديدة التي يدعو إليها حاليا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا برناردينو ليون واليت من المتوقع أن تضم أطرافا سياسية وعسكرية فاعلة على الأرض وفي مقدمتها المؤتمر الوطني العام، خاصة بعد حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية القاضي بعدم دستورية الفقرة 11 بالتعديل الدستوري السابع، مما سحب بساط الشرعية من مجلس النواب المنحل والتي كان متنازع عليها.
وأكد محللون أن أحد أهم هذه العمليات التي استهدفت مثلا مدينة طبرق التي تبعد عن قرب تجمع للجماعات الإسلامية المتشددة 175 كم غربي طبرق وهي مدينة درنة، مما يصعب معه مع هذه الجماعات التي تتقوقع هذه الأيام داخل المدينة تحسبا لهجوم مسلح قد يشنه موالون لحفتر على المدينة مما يصعب معه تنفيذها لعملية بطبرق تحتاج إلى تنقل وتخطيط ليس بمقدور هذه الجماعات القيام به في الظروف الحالية لمدينة درنة الساحلية.
وأشاروا إلى أن عمليات التفجير تلك بمدن ومناطق لا عهد لها بمثل هذه الأعمال قد يكون بهدف إيجاد المبرر الاجتماعي المحلي والدولي لتوجيه ضربات لمدينة درنة شرقي ليبيا، واستمرارها ببنغازي، خاصة وأن الموالون لحفتر يواجهون ليس فقط صعوبات في السيطرة على بنغازي رغم محاصرتهم لها من أغلب مداخلها، بل من المتوقع أن يقعوا تحت طائلة القانون الجنائي الدولي بسبب ارتكابهم جرائم تطهير عرقي ضد سكان من مدينة بنغازي ينتمون إلى مدن غرب ليبيا، إضافة إلى عمليات القتل والتنكيل والتعذيب خارج نطاق القانون وبدون إجراء تحقيقات أو الإحالة لمحاكمات قضائية عادلة، بالإضافة غلى حرق المنازل ونهب محتوياتها وهدمها بالنسبة لكل من يستبه فيه بتعاطفه أو انتماءه لما يعرف بمجلس شورى ثوار بنغازي.
وهي جرائم في تحريكها دوليا قد توقع قائد عملية الكرامة نفسه اللواء خليفة حفتر أو أعضاء مجلس النواب الليبي المنحل بطبرق والذين منحوا عملية الكرامة غطاء شرعيا بالإعلان عن تبنيها، تحت طائلة القوانين الدولية ذات العلاقة بجرائم الحرب والتهجير الجماعي والقتل بسبب الانتماء والهوية.
ولذا كان من المهم لأكبر داعمي عملية الكرامة إقليميا وهما مصر والإمارات بضرورة خلق حالة تعاطف محلي حول عملية الكرامة وقائدها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وكذلك بعث رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن المتطرفين الإسلاميين لم يعد خطرهم محصورا فقط بمدينتي درنة وبنغازي، بل وصلت أيديهم إلى كل مدن شرق ليبيا، وباعتبار أن المصريين الأكثر خبرة بطبيعة وجغرافيا المدن الليبية خاصة الشرقية منها بحكم انتشارهم وعملهم فيها، فرجحت مصادر أن تكون المخابرات المصرية وراء تنفيذ هذه العمليات والتي أودت بحياة عسكريين ومدنيي بالأبرق وطبرق شرقي ليبيا.
بينما يرى مختصون في شؤون الجماعات الإسلامية أن تنفيذ هذه العمليات قد تكون وراءها جماعات إسلامية متشددة بشرق ليبيا أو فصائل داخلها مخترقة من قبل أجهزة مخابرات، تحقيقا للهداف السابقة المشار إليها بالتقرير، أو توسيع دائرة الحرب مع حفتر وإشغال قواته بمناطق أخرى لتخفيف الضغط على مدينة بنغازي، منعه من محاولة هجوم مدينة درنة الساحلية بشرقي ليبيا.
المصدر: ليبيا الخبر