ترجمة حفصة جودة
في يوم الإثنين، سرّبت مصادر في الحكومة الإسرائيلية أخبارًا بأن “إسرائيل” أعلمت وزارة الخارجية الأمريكية أنه من الآن فصاعدًا سيتم مناقشة جميع الصفقات التجارية الكبرى بين “إسرائيل” والصين مع واشنطن أولًا.
وفقًا لصحيفة هآرتس، كان القرار مبادرة إسرائيلية وليس خضوعًا لطلب أمريكي مباشر، يأتي الإعلان بعد قيام الحكومة الإسرائيلية بدفع حدود النوايا الحسنة لأمريكا تجاه البلاد في الأشهر الأخيرة.
في سبتمبر/أيلول، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، الكونغرس الأمريكي لعقد جلسة تصويت منفصلة لتمرير تمويل نظام القبة الحديدة الإسرائيلي، وفي أكتوبر/تشرين الأول تجاهلت “إسرائيل” معارضة قوية من الولايات المتحدة ضد التوسع السريع في المستوطنات غير القانونية.
في الوقت نفسه، وفي الأشهر الأخيرة، ضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت على الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارًا وتكرارًا لاتخاذ منهج صارم في المحادثات النووية مع إيران.
كانت التجارة الإسرائيلية مع الصين في المرتبة الثانية بعد تجارتها مع أمريكا، لكن في عام 2020 استوردت “إسرائيل” بضائع بقيمة 7.7 مليار دولار من الصين وصدرّت 4.2 مليار دولار، مقارنة بواردات قيمتها 8 مليار دولار من أمريكا وصادرات قيمتها 13.1 مليار دولار.
تحاول “إسرائيل” بشكل استباقي وبائس التحول إستراتيجيًا نحو الصين والهند والدول غير الغربية لتعويض خسارتها
يشير ذلك إلى أن “إسرائيل” تدير تجارة عجز مع الصين وتجارة فائض مع أمريكا، ومع ذلك، فمن المشكوك فيه إدراك الحكومة الإسرائيلية بشكل كامل لتكلفة استرضاء واشنطن فيما يتعلق بتجارتها مع الصين.
محاولات يائسة
ترجع زيادة التجارة الإسرائيلية مع الصين والدول غير الغربية الأخرى إلى تأثير حركة المقاطعة وسحب الاستثمار والعقوبات “BDS”.
في 2013، حذر بينيت – وزير الاقتصاد الإسرائيلي آنذاك – من تصاعد حملة “BDS” ضد “إسرائيل” بما يهدد التجارة الخارجية للبلاد، ومع اعتقاده بأن دعم حركة “BDS” ظاهرة غربية، سافر بينيت في نفس العام إلى الهند والصين للبحث عن أسواق جديدة لا تعيقها الحركة.
قال عمر البرغوثي المؤسس المشاركة لحركة “BDS” للحقوق الفلسطينية: “تحاول “إسرائيل” بشكل استباقي وبائس التحول إستراتيجيًا نحو الصين والهند والدول غير الغربية لتعويض خسارتها النهائية لممكنيها ومموليها ورعاتها في الغرب، ومعهم درعها السياسي والدبلوماسي الواقي من عقوبات الأمم المتحدة”.
“هذه المحاولة فرص نجاحها ضئيلة نظرًا لأنه في تلك البلاد – على عكس أمريكا وأوروبا – تفتقر “إسرائيل” للنفوذ الإستراتيجي سواء من خلال عذر التاريخ المشحون أم باستخدام جماعات الضغط الفعالة التي تستطيع بسهولة تهديد ورشوة السياسيين والتنمر عليهم للخضوع مثلما يحدث في أمريكا والمملكة المتحدة وكل مكان آخر”.
أزمة البنية التحتية
وسط تنامي الشكوك الأمريكية من زيادة القوة الصينية، استخدمت واشنطن خلال السنوات الأخيرة تأثيرها على “إسرائيل” لإعاقة صفقة سلاح إسرائيلية محتملة مع بكين، وفي عام 2000، أوقفت الولايات المتحدة صفقة كادت “إسرائيل” أن تبيع فيها طائرة تجسس “فالكون” للصين، بينما منعت في 2005 بيع طائرات من دون طيار إسرائيلية من طراز “هاربي” لبكين.
منعت وزارة المالية الإسرائيلية شركة “DP World” ومقرها الإمارات من تقديم مناقصة للحصول على الميناء، ما يعني الاعتماد بشكل أكبر على الشركات الصينية
وفي العام الماضي، ضبطت المخابرات الإسرائيلية عصابة تصدير أسلحة زعمت أنها خططت لبيع طائرات من دون طيار انتحارية للصين.
إجهاض محاولات التصدير تلك يكشف أن صادرات السلاح الإسرائيلية – العلامة التجارية الأشهر في الصناعة الإسرائيلية – تتحكم بها أمريكا، وأن الصين محظورة على تجار السلاح الإسرائيليين.
مع ذلك، فمع أزمة تدهور البنية التحتية، يبدو أن الاستيراد من الصين أكثر أهمية لـ”إسرائيل” من فقدان صفقات التصدير، أشهر حالة لذلك: تخصيص ميناء حيفا البحري، ففي 2014، تراجعت 5 شركات أوروبية عن عروضها على العقد خوفًا من مقاطعتها بسبب عملها في “إسرائيل”.
في العام التالي لذلك، منحت “إسرائيل” المناقصة لمجموعة “Shanghai International Port” المملوكة للصين، لتشغيل مرافق الشحن التجاري لمدة 25 عامًا، ما تسبب في خلاف مع أمريكا، التي قالت إن وجود الصين في ميناء حيفا حيث ترسو السفن الحربية الأمريكية باستمرار للتزود، قد يُستخدم في التجسس.
ورغم افتتاح المحطة في سبتمبر/أيلول العام الماضي، فإن البنية التحتية لميناء حيفا لم تنته بعد، في الوقت نفسه وفي ديسمبر/كانون الأول، منعت وزارة المالية الإسرائيلية شركة “DP World” ومقرها الإمارات من تقديم مناقصة للحصول على الميناء، ما يعني الاعتماد بشكل أكبر على الشركات الصينية.
الضغط الأمريكي
في سبتمبر/أيلول 2020، باعت شركة “Hutchison” في هونغ كونغ حصصها في شركة الاتصالات الإسرائيلية “Partner” بعد رفض ترخيص قيادتها بسبب مخاوف أمنية وضغوط أمريكية.
كانت شركة “Partner” في أزمة منذ 2016 بعد أن أعلنت شريكتها “شركة أورانج الفرنسية” أنها ستنهي كل صفقاتها التجارية مع “إسرائيل”، تعد هذه الخطوة من أكبر عمليات سحب الاستثمار منذ انطلاق حركة “BDS” في 2005.
مع إدراك الكثير من الإسرائيليين إلى تهدم البنية التحتية جزئيًا نتيجة حركة “BDS” سيكتشفون حدود الدعم الأمريكي
في الوقت نفسه، تأخرت بعض خطوط السكة الحديد الخفيفة في تلك أبيب لأن “إسرائيل” راوغت في الإعلان عن المجموعة الفائزة بالمناقصة، كانت الشركات الصينية جزءًا من معظم المجموعات التي قدمت مناقصات للبناء، وقد حظرت واشنطن بعضها بسبب علاقتهم مع صناعة الدفاع الصينية.
في بداية هذا الأسبوع، أصدرت صحيفة جورزاليم بوست تقريرًا تقول فيه إن الولايات المتحدة قلقة من قيام الشركة الصينية بتركيب كابلات بصرية في الأنفاق التي تحفرها من أجل خط السكة الحديد واستخدامها للتجسس.
وفي يوم الإثنين، تباهت شركة الاتصالات الإسرائيلية “Gilat” بعقدها الذي تبلغ قيمته مئات ملايين الدولارات مع عملاق شبكات خلوية في آسيا لم تفصح عنه مع إمكانات النمو، دائمًا ما تعلن الشركات الإسرائيلية عن عقودها لجذب المستثمرين، لكن شركات السلاح فقط هي التي تخفي اسم البلد الذي تبيع له.
ولأن منتجات “Gilat” ذات تصنيف مدني ولا تتطلب إذن تصدير من وزارة الدفاع، فإن السبب الوحيد لعدم كشف اسم الدولة هو كونها مثيرة للجدل سياسيًا كالصين.
منبوذة عالميًا
في يوم الأربعاء، احتج نعوم جروبر – رئيس الأبحاث السابق في مجلس الاقتصاد الوطني الإسرائيلي – في مقال كتبه لصحيفة الأعمال الإسرائيلية “Marker“، ضد وعد “إسرائيل” لأمريكا بتقييد التجارة مع الصين.
حذر جروبر أنه من دون الشركات الصينية، فإن عدد الشركات الأجنبية التي ستسعى لتولي مشاريع البنية التحتية في “إسرائيل” سيكون صغيرًا، ما يعني خسارة الوقت والموارد.
يقول البرغوثي: “قيمة “إسرائيل” للصين – التي توشك أن تصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم- صغيرة جدًا، فاللوبي الإسرائيلي في واشنطن هو السبب الوحيد الذي يجعل “إسرائيل” قوة إقليمية كبرى تمثل مصالح أمريكا في الشرق الأوسط، عندما يضعف هذا اللوبي، فإن الصين لن تستفيد إلا قليلًا من دولة فصل عنصري منبوذة عالميًا مثل “إسرائيل”.
في النهاية، يشير وعد “إسرائيل” للولايات المتحدة بشأن الصين إلى رؤية قصيرة المدى تهدف إلى كسب بعض نقاط مع إدارة بايدن على حساب مصالح “إسرائيل” الاقتصادية بعيدة المدى، ومع إدراك الكثير من الإسرائيليين إلى تهدم البنية التحتية جزئيًا نتيجة حركة “BDS” سيكتشفون حدود الدعم الأمريكي.
المصدر: ميدل إيست آي