يوم مثير في تاريخ العملية السياسية في العراق منذ أول حكومة برلمانية عام 2006، إذ شهدت وقائع الجلسة الأولى للبرلمان العراقي في دورته الخامسة، الأحد 9 يناير/ كانون الثاني، حسم ملف رئاسة البرلمان، ليتشكّل الضلع الأول من بين ثلاثة هي مثلث السياسة العراقية المتمثلة برئاسات البرلمان والجمهورية والحكومة.
وقائع الجلسة
وفقًا للمرسوم الجمهوري الصادر عن الرئيس العراقي المنتهية ولايته، برهم صالح، الذي صدرَ قبل أسبوعَين، انعقد البرلمان العراقي في جلسته الأولى الأحد 9 يناير/ كانون الثاني برئاسة النائب الأكبر سنًّا، وهو السياسي العراقي محمود المشهداني.
ونصَّ جدول أعمال الجلسة على انعقاد الجلسة في الحادية عشرة صباحًا، إلا أن طلب بعض الكتل السياسية لتأجيل انعقاد الجلسة لساعات، أدّى إلى انعقادها في الثالثة والنصف ظهرًا، لتبدأ وقائع الجلسة ومن ثم أداء اليمين الدستورية من قبل النواب الفائزين بالانتخابات الأخيرة.
وبعد ترديد القسم، حدثَت مشادة كلامية بين نواب الكتلة الصدرية ونواب الإطار التنسيقي الرافض لنتائج الانتخابات، حيث أدّى ذلك إلى إصابة رئيس البرلمان (الأكبر سنًّا) بوعكة صحية، ليُنقل بعدها بسيارة إسعاف إلى مستشفى ابن سينا ببغداد، لتكون المفاجأة في زيارة كل من نوري المالكي وفالح الفياض وقيس الخزعلي له في المستشفى، في مشهد وصفه بعض المراقبين بأن انسحابه من جلسة البرلمان كان متعمّدًا لتعطيل الجلسة وعدم انتخاب الرئاسات الثلاث، وذلك بحسب الباحث في الشأن العراقي رياض الزبيدي.
وعلى وقع فراغ رئاسة البرلمان، وبعد اعتذار المرشح الثاني عامر الفائز، الأكبر سنًّا ضمن القائمة التي كانت مفوضية الانتخابات قد أعلنت عنها مسبقًا، تسنّم النائب خالد الدراجي منصب رئاسة البرلمان، حيث دعا النواب إلى بدء الاقتراع السرّي لانتخاب رئيس جديد للبرلمان العراقي، وهو ما أدّى بالمشهداني إلى الاعتراض على ذلك على اعتباره الرئيس الأكبر سنًّا.
إلا أنه وبالعودة إلى رياض الزبيدي في حديثه لـ”نون بوست”، أكّدَ أن ترشيح المفوضية لـ 3 نواب الأكبر سنًّا حسمَ الأمر، ولم يعطِ مجالًا للمشهداني لتعطيل الجلسة بدافع من الإطار التنسيقي، بحسب الزبيدي.
انتخاب رئيس المجلس
في مفارقة هي الأولى من نوعها منذ أول دورة برلمانية عام 2006 عقب الغزو الأمريكي، شهدَ البرلمان انتخاب رئيس تحالف تقدم، محمد الحلبوسي، رئيسًا لمجلس النواب لولاية ثانية على التوالي، وهو ما لم يحدث مع أي رئيس سابق للبرلمان.
وجاء انتخاب الحلبوسي بالاقتراع السرّي المباشر للنواب الحاضرين في الجلسة الأولى، التي شهدت ترشيح كلٍّ من الحلبوسي والسياسي محمود المشهداني لمنصب رئاسة البرلمان، إلا أن تحالفات تقدم مع كل من تحالف عزم والحزب الديمقراطي الكردستاني والتيار الصدري أهّل الحلبوسي للفوز بـ 200 صوت برلماني، مقابل 14 صوتًا فقط لمحمود المشهداني.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب الصحفي رياض الحمداني في حديثه لـ”نون بوست”، إن انتخاب الحلبوسي رئيسًا لمجلس النواب يعدّ الأول من نوعه في انتخاب رئيس لمجلس النواب لولاية ثانية، لافتًا إلى أن فوز الحلبوسي لم يكن ليتمَّ لولا اتفاقه قبل يومَين مع تحالف عزم بزعامة خميس الخنجر، وضمان أصوات 69 نائبًا سنّيًّا لانتخاب الحلبوسي.
وأضاف الحمداني أنه سبق لتحالف تقدم أن اتّفقَ مع التيار الصدري المتصدّر لنتائج الانتخابات، واتفاقه كذلك مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، ليضمنَ بذلك الحلبوسي منصب رئيس البرلمان، فضلًا عن تولي النائب حاكم الزاملي منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، والنائب الكردي شيخوان عبد الله نائبًا ثانيًا، بحسبه.
اعتراض الإطار التنسيقي
لم تأتِ نتائج الجلسة البرلمانية الأولى كما كان يطمح إليه الإطار التنسيقي الرافض لنتائج الانتخابات، حيث إن الإطار سعى ومنذ أسابيع للدخول في الكتلة البرلمانية الأكبر مع التيار الصدري، وتشكيل حكومة توافقية كالتي شهدتها البلاد منذ عام 2006.
إلا أن الوقائع جاءت مخالفة، وهو ما رفضته قوى الإطار المتمثلة بتحالف الفتح ودولة القانون وغيرهما من الكتل المنضوية في الإطار التنسيقي، حيث أبدى الأخير رفضه لآلية اختيار رئاسة البرلمان الجديدة، فيما وصف ذلك بالتفرُّد اللامسؤول وأكّد أنه سيتصدّى له.
وذكر الإطار في بيان تابعه موقع “نون بوست” ما نصّه: “تابعنا خلال الأسابيع الماضية كل المحاولات المخلصة من أجل منع الوصول إلى الانسداد السياسي وتعميق الأزمة الاجتماعية والسياسية الناتجة عن التلاعب بنتائج الانتخابات، وبعد أن قدمنا كل التنازلات خدمة للصالح العام وللسلم المجتمعي وصولًا إلى تحديد عقد موعد الجلسة الأولى للبرلمان من قبل رئيس الجمهورية، وقد حاولنا جاهدين منع انزلاق الأمور إلى هذا التخندق الحاصل الذي شاهدناه اليوم”.
سيلجأ الإطار التنسيقي للمحكمة الاتحادية إلى الطعن بوقائع الجلسة الأولى وما نتج عنها، وبالتالي ستنظر المحكمة في الشكوى والتي تشير التوقعات إلى ردّها لعدم وجود ثغرات قانونية فيها.
وأضاف بيان الإطار أن ما حصل “ينذر بخطر شديد وقد أثار استنكارنا ما حصل اليوم من اعتداء على رئيس السن لمجلس النواب وإثارة الفوضى في جلسة المجلس، مما دفع رئيس السن إلى طلب تعليق الجلسة للتدقيق القانوني بعدم تقديم لائحة طعن قانونية بضوابط الترشيح، ولكن الهجوم عليه أفقده القدرة على الصمود ونُقل إثر إصابته إلى المستشفى، وللأسف الشديد استمرت بعض الكتل باجراءات الجلسة دون أي سند قانوني”.
وتعليقًا على ذلك، يقول الباحث القانوني مصطفى العبيدي إنه رغم بيان الإطار التنسيقي، إلا أن جلسة البرلمان من الناحية القانونية كانت صحيحة، على اعتبار أن الجلسة البرلمانية ترأّسها خالد الدراجي، وهو واحد من الأسماء الاحتياط ضمن القائمة التي أصدرتها المفوضية لرؤساء البرلمان الأكبر سنًّا، بحسبه.
وعن رفض الإطار التنسيقي لذلك، يرى العبيدي في حديثه لـ”نون بوست” أن الإطار التنسيقي سيلجأ للمحكمة الاتحادية للطعن بوقائع الجلسة الأولى وما نتج عنها، وبالتالي ستنظر المحكمة في الشكوى، والتي تشير التوقعات إلى ردّها لعدم وجود ثغرات قانونية فيها، بحسبه.
انتخاب نائبَي الرئيس
وبعد أن اُنتخِبَ الحلبوسي رئيسًا لمجلس النواب، فتحَ رئيس البرلمان الأكبر سنًّا خالد الدراجي الباب للترشيح لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، ليشهد البرلمان ترشيح التيار الصدري للنائب حاكم الزاملي يقابله منافسًا النائب حميد الشبلاوي.
ووفقًا للاقتراع، حصل الزاملي على أصوات 182 نائبًا، فيما لم يحظَ الشبلاوي سوى بـ 34 صوتًا مقابل 14 ورقة اقتراع باطلة، وهو ما أكّد فوز الزاملي بمنصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي.
وبعد ساعات على اختيار الزاملي، شرعَ المجلس باختيار النائب الثاني، حيث تنافس على المنصب كل من النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيخوان عبد الله مقابل النائبة سروة عبد الواحد، فيما جاءت نتائج التصويت بفوز عبد الله بـ 180 صوتًا مقابل 33 صوتًا لسروة عبد الواحد.
انتهت وقائع الجلسة الأولى للبرلمان في دورته الخامسة بعد 12 ساعة على بدايتها، ليكتمل الضلع الأول في مثلث العملية السياسية بالعراق بحسم الجدل حول رئاسة مجلس النواب.
وبعد إتمام الرئاسات الثلاث، اعتلى رئيس البرلمان الجديد ونائباه منصب الرئاسة وألقى الحلبوسي كلمته الافتتاحية، لتشهد اللحظات الأخيرة لوقائع الجلسة فتح الباب لانتخاب رئيس الجمهورية خلال 15 يومًا، ومن ثمّ مداخلة لرئيس الكتلة الصدرية حسن العذاري، مقدّمًا فيها إلى رئاسة البرلمان قائمة بأسماء وتواقيع الكتلة النيابية الأكثر عددًا، لتُرفع الجلسة الأولى في تمام الساعة الحادية عشر ليلًا بتوقيت بغداد.
وفيما يتعلق بما كان قد قدّمه الإطار التنسيقي من قائمة بالكتلة الأكبر قبيل انتخاب الحلبوسي رئيسًا للبرلمان، وبالعودة إلى الباحث القانوني مصطفى العبيدي؛ فإن الإطار كان قد قدّمَ لرئيس البرلمان الأكبر سنًّا، محمود المشهداني، قائمةً بالكتلة الأكبر وجاءت متكوّنة من 88 نائبًا، ما أثار خلافات مع الكتلة الصدرية على اعتبار أن تقديم طلب إعلان الكتلة الأكبر تكون لرئيس البرلمان المنتخَب وليس لرئيس البرلمان الأكبر سنًّا، وهو ما يعني أن الكتلة الصدرية ومن حيث القانون تعدّ هي الكتلة الأكبر.
انتهت وقائع الجلسة الأولى للبرلمان في دورته الخامسة بعد 12 ساعة على بدايتها، ليكتمل الضلع الأول في مثلث العملية السياسية بالعراق بحسم الجدل حول رئاسة مجلس النواب، بانتظار 15 يومًا لانتخاب رئيس الجمهورية الذي لن يكون صعبًا وفقًا للتفاهمات بين الحزبَين الكرديَّين الرئيسيَّين، ليبقى الضلع الثالث في الثالوث العراقي وتسمية رئيس الوزراء وسط كمّ كبير من التخندقات، وتهديدات العديد من الأطراف باستخدام السلاح وعدم السماح للتيار الصدري بالتفرُّد بالمشهد السياسي الشيعي.