ما زال اللاجئون الأفغان يتدفّقون نحو الأراضي الإيرانية منذ تولي حركة طالبان مقاليد الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب الماضي الماضي، حيث أعلن المجلس النرويجي للاجئين عن وصول 3 آلاف لاجئ أفغاني يوميًّا إلى إيران، يضافون إلى أكثر من 3 ملايين لاجئ آخر متواجدين على الأراضي الإيرانية قبل سيطرة طالبان، منهم فقط 780 ألف يحملون تصاريح إقامة، أما البقية فهُم غير مسجّلين بشكل قانوني بحسب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وفي حال تمَّ تسجيلهم بشكل رسمي ستصنَّف إيران كثاني دولة في العالم بعد تركيا في استقبال اللاجئين.
وقد أوضحَ وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في اتصال هاتفي مع نظيره النرويجي، أنه بسبب برد الشتاء يدخل 5 آلاف لاجئ إلى حدود إيران كل يوم، حيث وصل عدد اللاجئين الأفغان الجدد في إيران إلى حوالي 800 ألف، فما الذي يدفع إيران إلى استقبال هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين الأفغان، في ظل الانهيار الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتضخُّم في البلاد إثر العقوبات الدولية المفروضة عليها؟
مراكز الانتشار
تعدّ ايران واحدة من أكبر الدول المستقبلة للاجئين في العالم، وغالبيتهم من أفغانستان، حيث يعبرون إلى الحدود الإيرانية يوميًّا من خلال نقاط غير رسمية، ويعيش في إيران حوالي 2.3 مليون أفغاني لا يحملون أي أوراق ثبوتية أو وثائق إقامة، وأغلبية اللاجئين الأفغان يعيشون في المدن الإيرانية الكبرى مثل أصفهان وخراسان وطهران وكرمان.
ويتركّز الوجود الأفغاني في مدينة كرمان، حيث استقبلت أكبر عدد من اللاجئين الأفغان، ويشكّلون 10% من سكّانها، أي ما يوازي 300 ألف شخص، كما يُمنع إقامتهم في عدة مدن أخرى لاعتبارات تتعلّق بالأمن القومي الإيراني، ويوجد داخل إيران ما يقارب 20 مخيمًا للاجئين، كما أن أكثر من 70% من اللاجئين الأفغان هم من الهزارة والطاجيك (الشيعة الأفغان)، والباقي يتكوّن من مجموعات عرقية أخرى مثل البشتون.
استضافة مقيدة
يتمتّع اللاجئون الأفغان في إيران بعدة امتيازات، لعلّ أبرزها توفير التأمين الصحي وإمكانية الدراسة داخل الجامعات والمدراس الإيرانية على غرار الإيرانيين، كما يمكن للأطفال الأفغان في إيران، بغضّ النظر عن الوضع القانوني لوالدَيهم، الالتحاق بالمدارس العامة مع الأطفال الإيرانيين، إلى جانب توفير برامج التعليم المهني والحرفي للشباب.
كما عملت الحكومة الإيرانية في السنوات الأخيرة على تحسين سياساتها تجاه اللاجئين المسجّلين الممنوحين بطاقة أمايش، وهي بطاقة هوية اللاجئ الأفغاني في إيران، من أجل تحسين وصولهم إلى الخدمات الحكومية المختلفة، وإمكانية حصولهم على معاش تقاعدي وضمان الشيخوخة، كما تقوم إيران بتلقيح جميع اللاجئين الأفغان ضدّ فيروس كورونا، بمن فيهم أولئك الذين لا يحملون وثائق.
يُفرض على اللاجئ غير المسجَّل قيود شديدة على فرص العمل والوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، إلى جانب التهديد المستمر بالاعتداء والاستغلال والترحيل من قبل السلطات الإيرانية.
لكن على النقيض الآخر، تبرز معاناة اللاجئين الأفغان في إيران من خلال جانبَين، الأول فيما يخصّ اللاجئ المسجَّل الممنوع من حقّ تملُّك الأراضي أو السيارات، وكذلك بطاقات الهاتف ورخصة القيادة، كما لا يمكنهم فتح حسابات في البنوك الإيرانية بأسمائهم الشخصية، ويمكن للاجئ الأفغاني العمل في 87 نوعًا مختلفًا من الوظائف يتركز جُلّها في قطاع البناء أو الزراعة أو المهن الصناعية الأخرى، وجدير بالذكر أن هذه القطاعات تأثرت بشكل كبير إثر العقوبات الاقتصادية عقب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018.
أما الجانب الثاني فيتعلق باللاجئ غير المسجَّل، حيث تُفرض عليهم قيود شديدة على فرص العمل والوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، إلى جانب التهديد المستمر بالاعتداء والاستغلال والترحيل من قبل السلطات الإيرانية، وبحسب تقريرٍ للمنظمة الدولية للهجرة، فإن ما يزيد عن مليون أفغاني جرت إعادتهم إلى ديارهم في أوقات متفرقة.
ورغم أن إيران تصرّح وتؤكّد على استقبالها للاجئين الأفغان، ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن سفير طهران لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، في وقت سابق قوله: “إننا نستضيف أشقاءنا الأفغان دون أن نتلقّى أي موارد جديدة من المجتمع الدولي”، إلا أن منظمة الهجرة الدولية أعلنت أن حوالي نصف مليون لاجئ أفغاني عادوا إلى بلادهم من إيران منذ سيطرة طالبان، رُحِّل منهم قسرًا ما يقارب من 400 ألف.
وقد نُشرت عدة تقارير في وقت سابق توثِّق سياسات الحكومة الإيرانية إزاء اللاجئين والمهاجرين الأفغان، تخرق التزاماتها القانونية بحماية هذه الفئة، حيث يتمُّ إرسالهم سيرًا على الأقدام إلى معبر إسلام قلعة في هرات وزرنج في محافظة نيمروز الحدودية.
استغلال اللاجئين تحت راية “لواء فاطميون”
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش عام 2016 تقارير تشير إلى تجنيد إيران العديد من اللاجئين الأفغان للقتال في سوريا تحت “لواء فاطميون”، وهو فصيل أفغاني مسلَّح مدعوم إيرانيًّا، كما أشارت التقارير إلى أنه يتم تجنيد أطفال ما دون عمر 15 عامًا، وهذا ما يعدّ جريمة حرب بحسب القانون الدولي.
ومنذ عام 2012 جنّدت إيران لاجئين أفغان بالغين وأطفالًا في “لواء فاطميون”، الذي قاتل مع قوات بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، وبلغ عددهم ما يقدَّر بـ 50 ألف، قُتل منهم ما يقارب 5000 وأصيب 4000 آخرين خلال الحرب، وفي عام 2017 أعلنت إيران الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وأوقفت التجنيد في “لواء فاطميون”، بحسب تقرير خاصّ نشره معهد السلام الأمريكي.
وأغلبية المقاتلين في “لواء فاطميون” هم من الهزارة، ويقاتلون تحت مسمّى الدفاع عن حرم أهل البيت وخدمة الدين الشيعي، كما أن هؤلاء المقاتلين يتمُّ منحهم فيما بعد عدة مزايا، منها الحصول على جواز السفر الإيراني، وتقديم الدعم المستمر، وحفظ كافة حقوقهم وعائلاتهم حتى بعد مقتلهم.
وكانت قد نشرت “وكالة تسنيم الدولية للأنباء” الإيرانية في وقت سابق أن أكثر من 2000 أفغاني قُتلوا في الحرب الإيرانية العراقية، لكن الأرقام غير المؤكدة تشير إلى مقتل أكثر من 4000 أفغاني في الحرب، وفي تقارير أخرى نُشرت في وقت سابق أشارت إلى أن إيران استغلت الأفغان في أعمال إعادة البناء والإعمار، إبّان الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.
وعند الحديث عن “لواء فاطميون”، فإن تأسيسه بشكل فعلي وحقيقي يعود إلى الحرب الإيرانية العراقية، حيث رأت الحكومة الثورية الإيرانية في الحرب فرصة للشيعة لإثبات إيمانهم والقتال في حرب “الدفاع المقدّس”، كما سماها الإمام الخميني وقتها.
وقد استجاب الكثير من الشيعة في أفغانستان للدعوة بالذهاب إلى إيران، وجرى تدريبهم على يد الحرس الثوري الإيراني، وعملت إيران على استراتيجية براغماتية في تعاملها مع الميليشيات الأفغانية، من خلال بذل المزيد من الجهود في إعادة تنظيمهم وتسميتهم.
وبالإضافة إلى تدريب المقاتلين الشيعة في إيران، أرسلَ الحرس الثوري الإيراني عدة ضبّاط كمستشارين ثقافيين وعسكريين إلى أفغانستان، حيث كان لهم حضور قوي في أقسام وخلايا حركة المقاومة التي حاربت احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان.