ترجمة حفصة جودة
كانت الساعة نحو الـ11 والنصف صباحًا عندما وصلت قوات الأمن اليمنية في مركباتها العسكرية مع بعض العمال وبدأوا في تدمير السياج المحيط بملكية أمين في مديرية الشمايتين بمحافظة تعز.
اشترى أمين – الذي يعيش في العاصمة اليمنية صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون – تلك الأرض عام 1987، وبسبب غيابه أخبروه أن السلطات في تعز قررت مصادرة الأرض، كانت تعز مركزًا لحرب طويلة بين الحوثيين والحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة وحلفاؤها منذ عام 2015 وحتى 2018، حتى تمكنت القوات الموالية للحكومة من طرد المتمردين من المدينة، ومنذ ذلك الحين أصبح الطريق مسدودًا.
يقول أمين: “عندما اتصل أقاربي في تعز لإخباري بما يحدث لم أصدق، إنها أرضي وهي بعيدة عن مناطق الصراع، فلا أفهم ما الذي يحدث، أرسلت أحد أقاربي لسؤال قوات الأمن لكنهم صرخوا به وأخبروه أنها ملكية عامة وأنهم أجرّوها لشخص آخر”.
بعد المصادرة في 2 يناير/كانون الثاني، أرسل أمين محاميه للتحدث مع قوات الأمن في تعز، فوجد أن أرضه صادرها المكتب المحلي لوزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للحكومة اليمنية تلك المسؤولة عن أملاك الحكومة، لأنه لم يعد يعيش في تعز.
يقول أمين: “لا أستطيع مواجهة السلطات، كنت أسمع أن عصابات مسلحة تنهب الأراضي، لكن هذه أول مرة أسمع فيها أن السلطات تصادر الأراضي التي يملكها المدنيون بسبب غيابهم عن تعز”.
يقول أمين: “العصابات المسلحة مجرد عمال تابعين للمسؤولين والقادة العسكريين في تعز، وهؤلاء البلطجية لا يمكنهم القيام بشيء دون ضوء أخضر من السلطات”
يمتلك أمين وثائق قانونية تثبت ملكيته للأرض، لكن بحسب قوله، فالوثائق لن تساعده في استرجاع أرضه، يقول: “العصابات المسلحة مجرد عمال تابعين للمسؤولين والقادة العسكريين في تعز، وهؤلاء البلطجية لا يمكنهم القيام بشيء دون ضوء أخضر من السلطات”.
“السلطات وحدها فقط تستطيع مصادرة أراضي الناس وتقسيمها بين القادة السياسيين والعسكريين”.
يعد أمين واحدًا من آلاف الأشخاص الذين صادرت السلطات ممتلكاتهم في تعز، وهي ممارسة بدأت في مدينة تعز عام 2016 وتوسعت إلى المناطق الأخرى في المحافظة عام 2021 خاصة في مديرية الشمايتين، لكن بينما لا يزال أمين يملك منزلًا وأراضي أخرى في تعز، هناك آخرون فقدوا كل ما يملكون في تلك المحافظة جنوب غرب البلاد.
مصادرة المنازل
أحد الأملاك التي صادرتها سلطات تعز منزل الكاتب اليمني الشهير جمال الشري، أصبح منزل الشري إضافة إلى منازل أخرى في حيّه، تحت سيطرة قائد عسكري تابع للحكومة.
في 2020 قال الشري إن القيادة العسكرية في تعز رفضت إعادة أملاكه بحجة أنها تقع قرب منطقة صراع، وهو ما اعترض عليه الكاتب قائلًا إنه لا توجد أي خطوط مواجهة قريبة، وقال الشري إنه تلقى تهديدات من قادة عسكريين بسبب مطالبته بإعادة منزله.
في نفس هذا العام، عاد محمد مهدي من السعودية إلى تعز حيث كان يعيش سابقًا، ليطالب بإعادة منزله الذي استولى عليه الجيش، حارب مهدي 6 أشهر من أجل حقوقه قبل أن يُقتل بجوار منزله في أغسطس/آب الماضي، تسبب مقتله في غضب واسع بتعز واتهم الناس بعض أفراد “لواء المشاة 17” بقتله، لكن الجيش أنكر تورطه.
قال مروان – أحد مواطني تعز الذي رفض ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية -: “أفضل أن أترك منزلي للقادة العسكريين والسلطات على التضحية بنفسي في أثناء المطالبة به”.
بعد أن استعادت الحكومة حي مروان من الحوثيين عام 2016، استولت السلطات على منزله بعد أن غادر تعز إلى محافظة إب، عند عودته اكتشف مروان أن قادة الجيش الذين يديرون المحافظة يسيطرون على ممتلكاته.
يقول مروان: “إذا كانت السلطات هي العدو، فمن سيساعدني إذن؟ لا أحد يجرؤ بالطبع على تقديم شكوى ضد السلطات، ومن فعلوا ذلك إما قُتلوا أو خسروا أموالهم لدى الوسطاء دون أي نتيجة”.
لا يرغب مروان في أن يكون مصيره مثل بعض جيرانه الذين طالبوا بإعادة منازلهم فأُرسلوا إلى السجن، والآن يستطيع بالكاد تحمل تكلفة إيجار المنزل الصغير الذي يعيش به لأنه عاطل عن العمل، يقول مروان: “أدعو الله كل يوم أن يساعدني وكل المظلومين في تعز لاستعادة منازلنا من أيدي السلطات”.
البيع للبلطجية
يمتلك محمد أحمد – مغترب يمني في السعودية عمره 58 عامًا – أرضًا في مديرية الشمايتين بتعز، ولفترة من الوقت رفض تصديق أن أحدهم قد يستولي على أرضه التي اشتراها قبل 30 عامًا.
يقول أحمد: “كل شيء ممكن في تعز، فالمحافظة يديرها البلطجية والمجرمون، أما المحافظ فهو خارج اليمن ولا يدرى ما يحدث هنا، قبل 6 أشهر صادر مكتب الأوقاف بعض الأراضي التي يملكها أقاربي وعندما كادوا يصادرون أرضي، قررت بيعها للبلطجية بثمن بخس، لأن السلطات لا يمكنها مواجهة البلطجية”.
ادعى مدير مكتب الأوقاف في الشمايتين منير المسني أنهم لا يصادرون أراضي الناس، بل إنهم يستعيدون الأراضي المسروقة
لم يكن أمام أحمد خيار آخر إلا بيع أرضه للبلطجية، لأنهم بحسب قوله ليسوا فقط جزءًا من الحكومة، بل إنهم من يديرون المحافظة بالفعل.
أكد فايز سعيد – محامٍ في تعز – أن مكتب الأوقاف في الشمايتين صادر بعض الأراضي، وقال إن المديرية استقبلت عددًا كبيرًا من العائلات النازحة من مناطق الصراع في البلاد، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأراضي.
يقول سعيد: “من لا يعيشون في تعز وليس لديهم من يحمي ممتلكاتهم في الشمايتين، من الأفضل أن يبيعوا ممتلكاتهم، فإذا لم تنهبها العصابات المسلحة، سيصادرها مكتب الأوقاف”.
ممتلكات عامة
ادعى مدير مكتب الأوقاف في الشمايتين منير المسني أنهم لا يصادرون أراضي الناس، بل إنهم يستعيدون الأراضي المسروقة، يقول المسني: “هذه الأراضي كانت لمكتب الأوقاف قبل مئات السنين، لكن الناس باعوها قبل مئات أو عشرات السنين، يعتقد الناس أنها أراضيهم لكنها أراضٍ عامة”.
“إننا الآن نستعيد أراضي الأوقاف التي بيعت، فحتى لو كان الناس يملكون الوثائق ويستخدمون تلك الأراضي لعشرات ومئات السنين فهي لا تزال أراضي الأوقاف”.
قال المسني إنهم يؤجرون الأراضي الآن لمستأجرين جدد مقابل رسوم سنوية لمواجهة أي شخص يقف في طريق مكتب الأوقاف والسلطات، لم يقدم المسني أي أرقام بشأن الممتلكات التي صادرتها السلطات، لكنه قال إنهم صادروا بعض الأراضي وسيواصلون مصادرة المزيد في الأشهر القادمة.
يقول أمين – الذي صادر مكتب الأوقاف أرضه – إنه يملك كل الوثائق التي تثبت ملكيته للأرض وقد بنى سياجًا حولها منذ 25 عامًا، مضيفًا “إذا كان مكتب الأوقاف يملك الوثائق التي تثبت ملكيته للأرض فعليه أن يذهب إلى المحكمة ويرفع شكوى، ويمكنني أن أرسل محاميًا بالنيابة عني، لم يكن عليهم أن يتوجهوا مباشرة إلى الأرض ويدمروا السياج ويأجروها لآخرين”.
المصدر: ميدل إيست آي