ترجمة وتحرير: نون بوست
صرّح مقاتل أوكراني يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة أنه “يريد فقط أن يقتل الروس”، وطلب الكشف عن هويته من خلال رمز ندائه العسكري “نينجا”. وذكر هذا المقاتل أن “الروس ينتشرون في جميع أنحاء كازاخستان”، التي كانت سابقا من الجمهوريات السوفيتية في آسيا الوسطى، مؤكدا أنه يخشى بشدة أن يقع في الأسر من جديد.
منذ سنة 2015، يقاتل “النينجا” في أوكرانيا ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا وكان على الخطوط الأمامية حتى آخر هذا الصيف كمتطوع في صفوف وحدة متشددة تُعرف باسم “القطاع الأيمن”، وهي ميليشيا قومية متطرفة سيئة السمعة.
لا يرغب هذا المقاتل القادم من كازاخستان في شيء أكثر من العودة لميدان المعركة، لكنه يواجه مشكلة تتمثل في انتهاء صلاحية تأشيرته. وقد أعرب عن استيائه قائلا: “لقد رحلّني الأوغاد الأوكرانيون، هكذا تُعامل هذه الحكومة الأجانب الذين يقاتلون من أجلها”.
وأضاف أنه “يعمل في الوقت الحالي “مستشارا أمنيا” في دولة خليجية يفضل عدم الكشف عن اسمها خوفًا من أن تتعرض حياته للخطر ويقع عرقلة خططه المستقبلية للعودة إلى أوكرانيا، هو يدعي أنه من المحتمل أن يقع استدعاؤه للخدمة العسكرية في وقت قريب جدا.
“أنا أجاهد”
حشدت روسيا ما يقارب 100 ألف جندي بالقرب من حدودها مع أوكرانيا مما أثار مخاوف من شن غزو محتمل للبلاد. وتشير التقارير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما يخطط لشن هجوم في وقت قريب من هذا الشهر.
منذ سنة 2014، كانت أوكرانيا محور صراع بين موسكو والبلدان الغربية بعد أن أطاح المتظاهرون برئيسها الموالي لروسيا. وقد ردّت روسيا على ذلك من خلال غزو أجزاء من البلاد وضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين الموالين لروسيا في الصراع المحتدم شرق البلاد.
عندما اندلع القتال لأول مرة، كان الجيش الأوكراني يعاني حالة من الفوضى جراء الفساد المستشري وعقود من الإهمال. وقد لعبت كتائب المتطوعين دورًا حاسمًا في الدفاع عن البلاد ضد الزحف الروسي.
جذبت مجموعات مثل “القطاع الأيمن” مقاتلين من جميع أنحاء جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة. قدم الكثير منهم من مناطق شهدت نزاعات في الفترة الأخيرة مثل الشيشان وجورجيا وناغورنو كاراباخ.
كان المجندون مثل “نينجا” حريصين على نقل القتال إلى أرض عدوهم القديم في موسكو. وبما أن بوادر الحرب تلوح في الأفق، زاد تعطشهم للقتال. لكن الحكومة الأوكرانية ربما يكون لها وجهة نظر أخرى. فقد أطلقت سلسلة من الإصلاحات لتحديث الجيش. والمجندون البالغ عددهم 250 ألفا باتوا الآن أكثر انضباطًا وتدريبًا، ناهيك عن أنهم اكتسبوا خبرة قتالية فعلية من القتال في شرق البلاد.
تلقت البلاد 2.5 مليار دولار من المساعدات الأمنية من واشنطن منذ سنة 2014، وتمكنت من تعزيز ترسانتها الحربية بصواريخ جافلين الموجهة المضادة للدبابات والطائرات المسيرة التركية.
يُنظر إلى الميليشيات المتطوعة على أنها تشكل تهديدا للاستقرار، لذلك حاول المسؤولون في كييف كبح جماحهم. وهم يخشون أن يخاطر المقاتلون الأجانب بتشويه صورة أوكرانيا بينما تحاول تقديم نفسها كدولة غربية مسؤولة قد تنضم يومًا ما إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وقد وقع دمج معظم وحدات المتطوعين في الجيش النظامي والحرس الوطني.
رغم تعطشّهم لمحاربة الروس، أثار المقاتلون المسلمون الأجانب مثل “النينجا” قلق السلطات الأوكرانية. وحيال هذا الشأن، أوضح المقاتل الكازاخستاني الملقب بـ “النينجا” ضاحكًا: “يمكنك القول إنني أجاهد”.
“هناك معطى لابد من فهمه، نحن لسنا مقاتلين فحسب، بل نحن مسلمون وهناك خوف كبير من أن تربطنا وسائل الإعلام بتنظيم الدولة والقاعدة”، وذلك في إشارة إلى قلق كييف من تصوير هؤلاء المقاتلين على أنهم من المتطرفين.
ألد خصوم موسكو
ليس جميع المقاتلين المسلمين من الخارج، ذلك أن أوكرانيا على الرغم من كونها بلدا ذي أغلبية مسيحية أرثوذكسية إلا أنها أيضًا موطن تتار القرم، وهم مجموعة عرقية من أصول تركية مسلمة يبلغ تعدادها حوالي 280 ألفًا ويشكلون ما يصل إلى 12 في المئة من السكان في شبه جزيرة القرم – موطن أجدادهم.
على غرار شبه جزيرة القرم الواقعة في البحر الأسود، لطالما كان التتار في مرمى نيران موسكو، حيث وقع ترحيلهم من قبل ستالين بشكل قسري من موطنهم في سنة 1944 ولم يتمكنوا من العودة إليه من معسكرات العمل في آسيا الوسطى إلا في فترة الثمانينيات.
كما اتُهمت روسيا بمضايقة واستهداف هذه الأقلية التي عارضت على نطاق واسع ضمها لشبه جزيرة القرم. ولكن موسكو تنفي أن يكون لها أي دوافع سياسية من هذه الخطوة وتزعم أنها لا تعتقل سوى “الإرهابيين”. وكل هذه الذكريات المريرة والتوترات الأخيرة جعلت التتار من ألد خصوم موسكو.
أشار رينات، وهو جندي من تتار القرم يخدم حاليًا في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية في الخطوط الأمامية: “عندما يأخذ شخص ما منزلك ويحاول الإساءة إلى أسرتك، إذا كنت رجلاً حقيقيًا، فعليك حمل البندقية وحمايتها حتى آخر رمق”.
تحدث خاي -وهو مقاتل مسلم- بفخر عن “القطاع الأيمن” وهي ميليشيا قومية تعرضت لانتقادات شديدة من الغرب والعديد من المسؤولين الأوكرانيين نظرًا لأنها على حد تعبيرهم تساعد على الترويج لأيديولوجيا اليمين المتطرف
وأكد رينات، الذي يقاتل منذ سنة 2012، أنه “مستعد مع رفاقه للقتال في حالة الغزو الروسي”. وأضاف “معنوياتنا العسكرية مرتفعة للغاية”، وذلك في إشارة لوضع الجيش الأوكراني حاليًا مقارنةً بسنة 2014 وتحسّن كل شيء من الذخيرة والتكتيكات إلى خبرة الجنود.
يقاتل العديد من التتار روسيا منذ بداية الحرب، وبات مصيرهم مرتبطا بنتيجة هذا الصراع. فبعد أن كانوا مجرد مجموعة من المتطوعين، أصبحوا قوة قتالية على درجة عالية من الاحترافية.
خاي جندي من التتار ينحدر من إيفباتوريا في شبه جزيرة القرم، كان جنديًا متطوعًا في “القطاع الأيمن” إلى غاية سنة 2019 عندما وقع دمج مجموعته التكتيكية ضمن القوات المسلحة الأوكرانية.
مثل بقيّة المقاتلين المسلمين الذين اتصل بهم موقع “ميدل إيست آي”، تحدث خاي بفخر عن “القطاع الأيمن” وهي ميليشيا قومية تعرضت لانتقادات شديدة من الغرب والعديد من المسؤولين الأوكرانيين نظرًا لأنها على حد تعبيرهم تساعد على الترويج لأيديولوجيا اليمين المتطرف.
وعندما سُئل عما إذا كان يواجه أي تصرفات عدائية، قال خاي: “كمسلم شعرت بالاحترام والاهتمام من قبل رفاقي”.
لم يمانع رستم محمود أوغلو أبلياتيفوف، وهو من تتار القرم ومقاتل سابق في تنظيم “القطاع الأيمن”، من نشر اسمه بالكامل، حيث يقول إنه مصنف كعدو في قوائم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.
يقول رستم لموقع ميدل إيست آي: “فتشوا منزل والدتي البالغة من العمر 80 سنة، في شبه جزيرة القرم، وأخبرني صديق في وزارة الدفاع أن جميع بياناتي الشخصية، بما في ذلك أسماء أولادي وأحفادي قد تسربت إلى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي”.
يضيف رستم أنه كان فخورًا بالخدمة في “القطاع الأيمن” الذي كان يعج بالمغامرين والمقاتلين المتفانين وبعض النازيين الجدد؛ ويروي قائلاً: “لقد تشاركت سريرا واحدا في الخطوط الأمامية مع مقاتل يحمل وشم هتلر، ولم يسبب لي أي مشاكل”.
رغم الجهود المبذولة لدمج التنظيم في القوات المسلحة الأوكرانية، تُواصل بعض وحدات “القطاع الأيمن” العمل بمفردها على الخطوط الأمامية؛ حيث يمكن للمقاتلين السفر من كييف إلى هناك. ويقول نينجا، وهو مقاتل كازاخستاني، إنه على اتصال بقائده للعودة إلى إحدى هذه الوحدات.
ويضيف: “الجيش يتعاون مع القطاع الأيمن. أحيانًا يتعرض المقاتلون على الجبهة لقذائف الهاون أو نيران القناصة وتحتاج إلى شخص للرد عليهم”. لكن أوكرانيا تبذل قصارى جهدها لعدم تصعيد النزاع إلى درجة تستفز روسيا، “لذلك أرسلونا لإطلاق النار عليهم. لأنهم يستطيعون القول إننا غير نظاميين”، على حد تعبير نينجا.
القتال “تحت أي ظرف”
مع ظهور خطر غزو روسي في الأفق، صعدت قضية الميليشيات إلى السطح مرة أخرى. ورغم جهود كييف لتحديث القوات المسلحة، إلا أن معظم الخبراء العسكريين يتفقون على أن الجيش الأوكراني لن يحظى بفرصة تذكر لصد هجوم روسي واسع النطاق.
يتعلم الآلاف من المدنيين الأوكرانيين المهارات القتالية للدفاع عن بلادهم ضمن مجموعات متفرقة في حالة حدوث اجتياح روسي، ويأمل بعض المسؤولين في أن التهديد بحرب عصابات طويلة الأمد يمكن استخدامه كسلاح دعائي لردع بوتين.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، حذر نظيره الروسي من أن موسكو ستواجه تمردًا واسع النطاق إذا قامت بغزو أوكرانيا.
ويقول الجنود التتار الذين تحدثوا إلى ميدل إيست آي عبر تطبيق واتساب، إنهم يأسفون لجهود كييف لتفكيك الميليشيات، منها ثلاثة مجموعات ذات أغلبية مسلمة تملك مهارات قتالية كبيرة ودوافع قوية للمشاركة في المعارك. تألفت وحدتا جوهر دوداييف والشيخ منصور من مقاتلين شيشانيين، بينما تشكلت وحدة القرم أساسًا من المقاتلين التتار.
يقول يفين هلوشينكو، وهو زعيم ديني مسلم وقائد عسكري يُطلق عليه “الإمام عبد الله”، إن المسؤولين في كييف رفضوا طلبات تتار القرم لتشكيل وحدة مسلمة بالكامل داخل الجيش الأوكراني؛ ويضيف: “لم يكونوا يريدون شيئًا ذا طابع ديني أو عرقي”.
وقال خاي: “نحن نعتبر هذا نوعًا من الخيانة”، مضيفًا: “حل الميليشيات الإسلامية وأنواع أخرى من هذه الوحدات، هو أمر يبعث على اليأس ولا يخدم المصالح الوطنية”، خاصة في الوقت الحالي الذي تواجه فيه كييف خطر غزو روسي جديد.
حصدت الحرب في دونباس أرواح ما يقرب من 14000 شخص خلال السنوات الثماني الماضية، وعلى الرغم من أن الصراع كان محصوراً في الشرق، فقد تأثر جميع الأوكرانيين تقريبًا بالنزاع. لكن بالنسبة للعديد من تتار القرم، فإن المعركة تعتبر معركتهم الشخصية.
تتار القرم من أشد المعارضين لروسيا ويقاتلون على الخطوط الأمامية منذ 2014، لكن الجنود يقولون إنهم يفضلون القتال في وحدات مسلمة بالكامل.
قضى رينات أولى مراحل طفولته في معسكر اعتقال للتتار في أوزبكستان قبل أن يُسمح له ولوالديه بالعودة إلى شبه جزيرة القرم. وهو يقول إنه سيقاتل روسيا “مهما كانت الظروف” حتى لو كان جندي عصابات. ويرى أن كتيبة المسلمين “في هذه الحالة” ستكون أكثر “فعالية”.
عبّر ميدجيت، وهو تتري آخر في الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا، عن مشاعر مماثلة بقوله إن الوحدة “المكونة من مسلمين ملتزمين بشكل كامل” ستكون “نموذجية” لأنه لن يكون هناك كحول ومخدرات، مؤكدا أنه يحظى باحترام رفاقه المسيحيين: “[نحن] نعيش كعائلة و[نحن] مستعدون للقتال”، ومشكلته الوحيدة أنه يكون من الصعب عليه في بعض الأحيان الحصول على طعام حلال.
إن الدافع المشترك بين التتار وأبناء وطنهم هو الرغبة في القتال. ووفقًا لاستطلاع أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، قال 58 بالمئة من الرجال الأوكرانيين إنهم سينضمون للمقاومة المسلحة إذا غزت روسيا البلاد.
يقول ميدجيت إن الوضع حاليا في الخط الأمامي طبيعي، حيث تتم الاشتباكات بالبنادق والمدافع الرشاشة، وفي بعض الأحيان تطلق عليهم القوات المدعومة من روسيا قاذفات القنابل اليدوية المحمولة وقذائف هاون 82 و120 مليمتر.
وهو يشك في إمكانية اختراق الروس لخط دفاعهم، ولكن إذا كان الأمر كذلك فهو واثق من أن الجيش الأوكراني يمكنه شن هجوم مضاد. وإذا فشلت كل الأساليب الأخرى فسوف ينضم إلى مجموعات حرب العصابات لمواصلة المعركة، قائلا: “خياري الأول سوف يكون وحدة إسلامية”.
المصدر: ميدل إيست آي