بدأ العام 2022 بأحداث كبيرة، يبدو أنها ستتصاعد مع مرور الأشهر طيلة السنة التي يتوقع أن تكون ساخنة عسكريًّا وسياسيًّا، بعد سنوات من الجمود السياسي والعسكري في اليمن الذي يدخل عامه الثامن في مارس/ آذار 2022، دون ملامح عن نهاية الحرب.
والثلاثاء 11 يناير/ كانون الثاني 2022، أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، إطلاق عملية “حرية اليمن السعيد” بكافة المحاور والجبهات، بعد تحرير محافظة شبوة من جماعة الحوثي الموالية لإيران في غضون 10 أيام، مشيرًا في مؤتمر صحفي عقده في المحافظة المحرَّرة حديثًا، إلى أن العملية ستكون تنموية واقتصادية لتحرير البلاد ونقلها إلى مصافّ الدول الخليجية.
هذا الإعلان جاء بعد أقل من 24 ساعة من مقابلة مع اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، على قناة “سكاي نيوز عربية”، والذي تحدّث فيها بصيغة رئيس دولة مستقلة عن اليمن، وأن ما حصلَ في شبوة كان بأمر من التحالف العربي، وعملية استكمالها أو وقفها تتحكّم بها المملكة العربية السعودية.
فهمَ اليمنيون من حديث الزبيدي أن المملكة العربية السعودية لا تريد أن تنهي الحرب في اليمن، ولا تريد القضاء على الحوثي، وتحافظ فقط على المحافظات الجنوبية بهدف فصلها عن الشمال، ويبدو أن تلك التصريحات أثارت حفيظة السعودية، وأحدثت إرباكًا في العملية العسكرية التي أطلقتها ألوية العمالقة لتحرير محافظة شبوة ومأرب والبيضاء.
ويبدو أن حديث الزبيدي قد أغضبَ السعوديين، ولم يرضوا عن ذلك، وأرسلوا المتحدث باسم التحالف العربي إلى محافظة شبوة (شرق اليمن) ليعقد مؤتمرًا صحفيًّا، ويتحدث عن الإنجازات التي حقّقها الجيش اليمني (لم يشارك) مع ألوية العمالقة (قوات جنوبية سلفية)، في تحرير محافظة شبوة التي سيطر الحوثي على المديريات الغربية التابعة لها في 21 سبتمبر/ أيلول 2021.
تعيد عملية “حرية اليمن السعيد” إلى الأذهان إعلان التحالف عن انتهاء عاصفة الحزم في 21 أبريل/ نيسان 2015، واستبدالها بعملية إعادة الأمل حينما أعلنت وزارة الدفاع السعودية تدمير الصواريخ البالستية والأسلحة الثقيلة التي تشكّل تهديدًا لأمن السعودية والدول المجاورة، والتي كانت بحوزة الحوثيين، كما قال حينها التحالف، والتي استمرت حتى تاريخ كتابة هذا الخبر (قاربت على اكتمال السنة السابعة دون تحقيق أي نتائج).
إرباك القوات الميدانية
قبل انطلاق العملية العسكرية في محافظة شبوة، اشترطت ألوية العمالقة عدم إشراك أي قوات قتالية إلى جانبها، وخصوصًا القوات الحكومية، ومنحها الفرصة لإدارة المعركة، متعهّدة باستعادة المناطق التي احتلّها الحوثي في محافظة شبوة ومأرب خلال 30 يومًا وبعملية سريعة وخاطفة، وقوبلت شروطهم حينها بالموافقة.
أعلنت ألوية العمالقة عن 3 مراحل من عملية أطلقت عليها اسم “إعصار الجنوب”، تمكّنت خلالها من السيطرة على عسيلان ومن ثم بيحان وأخيرًا عسيلان خلال 10 أيام، ودخلت محافظة مأرب وسيطرت على أول مديرية من مديرياتها (حريب) في ساعات معدودة، متجاوزة سقف التوقعات التي كانت تعتقد أنها ستواجه مقاومة من الحوثيين، لكن خطوطهم الدفاعية انهارت سريعًا.
أوفت قوات العمالقة بتعهّداتها وحققت انتصارات سريعة، غير أن عقد المؤتمر الصحفي للتحالف العربي في محافظة شبوة، والذي نسبَ الانتصارات إلى الجيش اليمني ونائب الرئيس علي محسن الأحمر (محل خلافات كبيرة بين المكونات السياسية اليمنية التي تتّهمه بتأخير حسم المعركة بهدف أجندة خاصة به)؛ أثار العديد من التساؤلات، وما إن كان ذلك رفضًا قاطعًا من التحالف العربي لإعادة هيكلة الشرعية اليمنية وتصحيح مسارها، أو رفضًا من قبل أحد المكونات الموقِّعة على اتفاق الرياض لتنفيذ بنوده.
قالت مصادر عسكرية لـ”نون بوست” إن ألوية العمالقة التي تسلّمت مهام تحرير مديريات مأرب من سيطرة الحوثيين، تفاجأت بإعلان التحالف عن عملية “حرية اليمن السعيد”، دون وجود اتفاق وملامح واضحة عن سير خطط المعركة، مشيرًا إلى أنها أوقفت تقدُّمها ليوم كامل حتى يتّضح لها تفاصيل تلك العملية.
المصادر التي طالبت عدم الإفصاح عن نفسها لكونها غير مخوَّلة بالحديث لوسائل الإعلام، اعتبرت أن إعلان التحالف دون تنسيق مع القوات الأخرى المتواجدة في الساحل الغربي، أو القوات التي يتمُّ بناؤها في محافظة حضرموت والدفع بها إلى مواجهة الحوثيين في مناطق أخرى، أربكت القوات العسكرية التي تقاتل في الميدان، وهو ما منحَ الحوثي استعادة أنفاسه وحشد الكثير من المقاتلين بهدف صدّ هجمات ألوية العمالقة، وتنفيذ عمليات هجومية.
توقيت إعلان “حرية اليمن”
وفقًا لمصادر “نون بوست” التي انفردت بموضوع سابق عن عملية عسكرية منتظرة، فإن عملية عسكرية متكاملة يتمُّ الإعداد والتحضير لها بشكل كامل، ستنطلق بعد أن يتمَّ تأمين محافظة شبوة ومأرب، في كل من محافظة تعز وإب والحديدة والضالع والبيضاء وحجة في توقيت واحد، وفقًا للاتفاق، لكن إعلان التحالف بهذه الكيفية وفي هذا التوقيت قد يغيّر تلك الخطة في انتظار تفسيرات جديدة وعن أسباب ذلك.
لكن إعلان تلك العملية جاء قبل يوم من جلسة مجلس الأمن حول اليمن لمناقشة التطورات العسكرية، وكذلك بعد أن تمَّ التحدُّث بمؤتمر صحفي عن عسكرة الحوثيين لميناء الحديدة الخاضع لقرارات مجلس الأمن الدولي، ورفضهم تنفيذ تلك القرارات واستمرارهم في السيطرة عليه، وهو ما يهدد الملاحة الدولية؛ قد يكون جسّ نبض لردّة فعل المجتمع الدولي حول تلك العملية.
وما يؤكد ذلك هو أن العملية العسكرية التي أعلن عنها التحالف لم تنطلق، ولم تتحرك الجبهات، ولا يوجد ما يشير إلى أن هناك عملية عسكرية، سوى ما يحدث في مديريات جنوب مأرب التي سلّمت مهام تحريرها إلى ألوية العمالقة، بهدف تأمين محافظة شبوة بالكامل.
فيما يبدو أن هناك محادثات كبيرة تحصل خلف الكواليس، وهو ما يشير إلى رفض المملكة العربية السعودية مصطلح دولتَين شمالية وجنوبية على الأقل خلال الحرب.
إضافة إلى ذلك، فإن التحالف العربي أرادَ من خلال ذلك إرسال عدة رسائل، أولها إلى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي قال إنه على استعداد لمساندة الجمهورية العربية اليمنية، وهو الاسم الذي كان عليه اليمن قبل الوحدة بين الشمال والجنوب عام 1990، حيث إن السعودية تحارب من أجل يمن واحد موحَّد، ويمكن تأجيل الخلافات السياسية إلى ما بعد الحرب، على اعتبار أن ما يتحدث به عيدروس الزبيدي يخدم الخطاب الإعلامي الحوثي الذي يروِّج أن التحالف العربي يريد تقسيم وتجزئة اليمن.
وثانيًا إلى الشعب، بالقول إن التخلُّص من الحوثيين مقابل دمج اليمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي، كمغازلة وتحريض للقتال كصفّ واحد من أجل ازدهار وتنمية اليمن، وهو ما ربط عملية “حرية اليمن” بذلك، وفيما يبدو أن هناك محادثات كبيرة تحصل خلف الكواليس، ما يشير إلى رفض المملكة العربية السعودية مصطلح دولتَين شمالية وجنوبية على الأقل خلال الحرب، أما الرسالة الثالثة فهي للحوثي عن أن السلام معكم أصبح من المستحيل ولا بدَّ لليمن أن يتحرر منكم.
ويبدو أن للرسائل دلالات عميقة لا تنحصر فقط في طبيعة المواجهة المستقبلية مع الحوثيين الموالين لإيران والرافضين لإنهاء الحرب في اليمن بالطرق السلمية، بل أيضًا هي لبعض القوى التابعة للشرعية، بأن أي محاولة لخلط الأوراق ستؤدّي إلى عزلها، لا سيما أن هناك استعدادًا وتناغمًا بين تلك القيادات في حضرموت، بهدف السماح للحوثي بدخولها من الشمال الغربي للمحافظة التي تربطها حدود إدارية (محافظة الجوف).
الموقف الدولي
كما هو معتاد، عندما تتحرك الجبهات في اليمن لصالح الشرعية والحكومة اليمنية، يتصاعد القلق الأممي والضغط بهدف وقف المعارك، بهدف منح فرصة للعملية السياسية، لكنهما توقفا واختفيا عندما سيطر الحوثي على محافظة الجوف واقترب كثيرًا من السيطرة على محافظة مأرب بالكامل، التي هي غنية بالنفط والغاز وآخر معاقل الحكومة الشرعية في اليمن.
اعتبر المبعوث الدولي إلى اليمن، هانز غروندبيرغ، في إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن الدولي الأربعاء 12 يناير/ كانون الثاني 2022، أنَّ التصعيد العسكري يقوِّض العملية السياسية ويعقّدها، ويطيل أمد الحرب في اليمن، لكن من الواضح أن التحالف العربي قدّمَ الكثير من المبررات حتى لا يكون هناك ثغرة لدى الأمم المتحدة لمحاولة وقف الحسم العسكري.
الفيديو الذي نشره التحالف العربي في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2021، يكشف كيف حوّل الحوثيون مطار صنعاء الدولي إلى محطة إطلاق العمليات العسكرية، وكشفَ أيضًا عن فيديو يتحدث خبير في حزب الله اللبناني عن أهمية الأمم المتحدة، وإنقاذها للحوثيين في ديسمبر/ كانون الأول 2018 بوقف سيطرة القوات الحكومية على ميناء الحديدة.
هذا إضافة إلى ما أُعلن عنه في 8 يناير/ كانون الثاني 2022، بأن ميناء الحديدة أصبح منطقة عمليات عسكرية، يتمُّ من خلاله استيراد الصواريخ البالستية وإيصال المقاتلين الأجانب، ما يدلُّ على تجاهل كل المحاولات الدولية التي من شأنها السعي لإيقاف العملية العسكرية المنتظرة.