ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقًا لرواية استثنائية سريّة للغاية عن اجتماع اطلع عليه موقع “ميدل إيست آي”، أخبر جورج بوش الابن توني بلير بأنه لا يدري من قد يحل محل صدام حسين في العراق بعد أن يطيحوا به و”لا يهتم كثيرًا لذلك”.
كان الرئيس الأمريكي السابق مبتهجا بشأن التبعات الممكنة لغزو العراق خلال اجتماع حاسم جمعه مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في مزرعته في تكساس سنة 2002، أي قبل سنة تقريبًا من اندلاع الحرب.
ورد في المذكرة التي كتبها كبير مستشاري بلير للسياسة الخارجية في ذلك الوقت: “لم يكن يعرف من الذي سيحل محل صدام إذا قمنا بإسقاطه ومتى يكون ذلك. لكنه لم يهتم كثيرًا، لقد كان يعمل على فرضية أن أي شخص يأتي سيكون أفضل”.
اعتقد بوش أن “النظام العلماني المعتدل” في عراق ما بعد صدام حسين سيكون له تأثير إيجابي تجاه كل من المملكة العربية السعودية، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، وإيران – لكن المذكرة توضح أن بوش لم يرد التصريح بذلك علنًا.
حسب بوش، من الضروري ضمان أن يكون العمل ضد صدام معززا للاستقرار الإقليمي بدلاً من تقويضه. وقد طمأن بوش الأتراك بأنه من غير الوارد تفكيك العراق ونشوء دولة كرديّة.
تكشف المذكرة أيضًا كيف أن بلير في وقت مبكر من نيسان/ أبريل 2002، أي قبل أكثر من ثمانية أشهر من دخول مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة إلى العراق، كان يدرك أنهم قد يضطرون إلى “تعديل نهجهم” في حال منحهم صدام حرية التصرف.
جمعت بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني علاقةٌ وثيقة، لا سيما في أعقاب هجمات القاعدة في 11 أيلول/ سبتمبر، التي تعهّد بلير بعدها “بالوقوف إلى جانب أصدقائنا الأمريكيين”. وثّق الاثنان وائتمنا بعضهما البعض أكثر مما فعل بعض زملائهما.
يُعتقد أن هذه هي الإشارة الأولى لاستراتيجية انتهت بإنشاء “الملف المضلل” سيئ السمعة من المعلومات الاستخباراتية الملفقة لتقديم ذريعة للحرب، ليتبين لاحقًا أن تفاصيل رئيسية منه كانت مجرد أكاذيب.
وتؤكد هذه المذكرة النتائج الأساسية للتحقيق العام حول الحرب الذي قاده جون شيلكوت والذي خلص في سنة 2016 إلى أن المملكة المتحدة اختارت الانخراط في الغزو قبل تبلور الخيارات السلمية، وأن بلير تعمّد المبالغة في تضخيم التهديد الذي يشكله صدام، وأن بوش تجاهل المشورة بشأن التخطيط لما بعد الحرب.
كتب هذه المذكرة ديفيد مانينغ، كبير مستشاري السياسة الخارجية لبلير، بعد يوم واحد من الاجتماع الذي عُقد في مزرعة الرئيس في كراوفورد بتكساس يوم السبت الموافق للسادس من نيسان/ أبريل 2002. وبخلاف بوش وبلير، لم يحضر سوى قلة من المسؤولين من كلا الجانبين، ودار معظم النقاش بينهما على انفراد.
جمعت بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني علاقةٌ وثيقة، لا سيما في أعقاب هجمات القاعدة في 11 أيلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، التي تعهّد بلير بعدها “بالوقوف إلى جانب أصدقائنا الأمريكيين”. وثّق الاثنان وائتمنا بعضهما البعض أكثر مما فعل بعض زملائهما.
كانت المملكة المتحدة داعمًا ومشاركًا رئيسيًا في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في أفغانستان في تشرين الأول/ أكتوبر 2001. وبات العراق، الذي خضع لفترة طويلة لعقوبات الأمم المتحدة بسبب برامج أسلحة صدام حسين، نصب عيني الولايات المتحدة منذ إطلاق ما يسمى “الحرب على الإرهاب”.
في مذكرة أخرى أُرسلت إلى بلير قبل أسابيع من اجتماع كراوفورد، نقل مانينغ أن كوندوليز رايس، مستشارة الأمن القومي للرئيس بوش، أخبرته خلال العشاء أن بوش يحتاج فعلاً إلى دعم بلير ومشورته، وهو يشعر بالغضب من ردود الفعل التي يتلقاها في أوروبا.
“حساسية استثنائية”
كانت خطة الغزو في ذلك الوقت سرًا تشددوا في كتمانه حتى داخل الدوائر العسكرية الأمريكية العليا. ولاحظ مانينغ أن “خلية صغيرة جدًا” فقط في القيادة المركزية الأمريكية شاركت في وضع الخطط، مع إبقاء معظم المسؤولين العسكريين رفيعي المستوى خلف الكواليس.
كتب مانينغ: “هذه الرسالة حساسة بشكل استثنائي وقد أمر رئيس الوزراء بضرورة الاحتفاظ بها بإحكام شديد، وعرضها فقط على من هم بحاجة حقيقية للمعلومة، ولا ينبغي طبع نسخ أخرى منها”.
كانت المذكرة موجهة إلى سايمون ماكدونالد، السكرتير الخاص لوزير الخارجية جاك سترو، وتم توزيعها على مجموعة من كبار المسؤولين البريطانيين الآخرين: جوناثان باول رئيس أركان بلير، ومايكل بويس رئيس أركان الدفاع، وبيتر واتكينز السكرتير الخاص لوزير الدفاع جيف هون، وكريستوفر ماير السفير البريطاني في واشنطن، ومايكل جاي السكرتير الدائم في وزارة الخارجية.
وخلال اجتماع مزرعة كراوفورد، أبلغت رايس أن “99 بالمئة” من القيادة المركزية الأمريكية لا يعلمون بشأن خطط حرب العراق. ويروي مانينغ كيف استغلت حرب بوش وبلير مسألة إرسال مفتشي الأسلحة إلى العراق.
كان كلا الزعيمين يشعران بالقلق إزاء مستوى المعارضة الأوروبية للتدخل العسكري في العراق، وتشير المذكرة إلى أن بوش أقر “أننا بحاجة إلى إدارة جانب العلاقات العامة بعناية فائقة”.
كتب مانينغ: “قال رئيس الوزراء إننا بحاجة إلى استراتيجية علاقات عامة موازية تسلط الضوء على مخاطر برنامج صدام لأسلحة الدمار الشامل وسجله المرعب في مجال حقوق الإنسان. ووافق بوش بقوة”.
وأضاف: “سيؤكد رئيس الوزراء للشركاء الأوروبيين أن صدام قد حصل على فرصة للتعاون. وإذا فشل صدام في ذلك – كما هو متوقع – سيجد الأوروبيون صعوبة أكبر في مقاومة المنطق القائل بضرورة اتخاذ إجراء للتعامل مع نظام شرير يهددنا ببرنامجه لأسلحة الدمار الشامل”.
كان بلير قلقًا من احتمال أن يأذن صدام حسين لمفتشي الأمم المتحدة بدخول العراق والسماح لهم بالقيام بأعمالهم – وهو ما حدث فعلاً فيما بعد. وقد عاد المفتشون إلى العراق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 وظلوا هناك حتى 18 آذار/ مارس 2003، قبل يوم واحد من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق.
أبلغ هانز بليكس، كبير مفتشي الأمم المتحدة، مجلس الأمن في شباط/ فبراير 2003 بأن العراق أبدا تعاونًا مع عمليات التفتيش، وقال إنه لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل.
بعد محادثة خاصة مع الرئيس الأميركي، قال بلير لمانينغ : “لقد أقرّ بوش بأن هناك مجرد احتمال أن يأذن صدام لهم بالدخول ومباشرة أعمالهم الخاصة. وإذا حدث ذلك سيتوجب علينا أن نعدّل مقاربتنا بناء على ذلك”.
الجدل حول لقب “فارس”
تم تسريب مذكرة مانينغ لأول مرة إلى صحيفة “ديلي ميل”، وسط الجدل الذي خلفه منح لقب “فارس” لتوني بلير. وقد حصل موقع “ميدل إيست آي” على نسخة من نص المذكرة، التي نُشرت للعموم. وجمعت عريضة لسحب لقب “فارس” من بلير أكثر من مليون توقيع.
هذه هي ثاني مذكرة ترى النور كتبها مانينغ عن العراق. فقد نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” في سنة 2004 تفاصيل مذكرة أخرى أرسلها الدبلوماسي البريطاني إلى بلير بشأن الاستعدادات لاجتماع كراوفورد. وفي مذكرته المؤرخة في 13 آذار/ مارس 2002، أخبر مانينغ بلير عن عشائه مع رايس وخلاصتهم أن الفشل “لن يكون خيارًا”.
كتب مانينغ: “من الواضح أن بوش ممتن لدعمك وقد وثّق أنك تتعرض لانتقاد شديد. وقلتُ إنك لن تتزحزح عن دعمك لتغيير النظام ولكن كان عليك إدارة الصحافة والبرلمان والرأي العام المختلف تمامًا عن أي شيء في الولايات المتحدة. وأنك لن تتراجع أيضًا في إصرارك على أنه في سعينا إلى تغيير النظام، يجب أن يتم ذلك بحذر شديد وأن نحقق النتيجة الصحيحة. وأن الفشل ليس خيارًا مطروحًا”.
أخبر مانينغ بلير أنه يجب التعامل مع قضية التفتيش عن الأسلحة “بطريقة تقنع الرأي الأوروبي والعالمي أن الولايات المتحدة مُدركة … لإصرار العديد من الدول على الأساس القانوني”. وفي نفس الزيارة، قيل لبلير إن بوش يريد أن يستشيره: “إنه يريد دعمك أيضًا، ومازال يواجه تعليقات القادة الأوروبيين الآخرين بشأن سياسته تجاه العراق”.
ظهرت المذكرة أثناء تحقيق العراق، لكنها لم تُنشر أبدًا ولم يُشر إليها إلا بشكل غير مباشر من قبل رودريك لين، عضو فريق التحقيق، عندما أبرز مانينغ أدلته في سنة 2010. قال لين مخاطبًا مانينغ: “من الواضح أنك كنت أقرب شخص إلى مصدر المعلومات الموثوقة في هذا الشأن”.
تلقى بلير عددًا من التحذيرات من كبار المستشارين قبل الاجتماع مباشرة. وكتب بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي للحكومة البريطانية، إلى بلير أن الهرولة لخلق صلة بين العراق والقاعدة حجة “غير مقنعة حتى الآن بصراحة”.
حتى لو نجحوا في الإقناع بأن التهديد الذي يمثله العراق يجب أن يؤخذ على محمل الجد بسبب استخدامه للأسلحة الكيماوية في حربه ضد إيران في الثمانينيات، “فإنه لا تزال لدينا مشكلة إقناع الرأي العام بقبول فكرة التهديد الوشيك من العراق. ولابد من مناقشة هذه المسألة بكل صراحة من قبل رئيس الوزراء والرئيس”.
في 25 آذار/ مارس 2002، كتب جاك سترو، وزير الخارجية آنذاك، إلى بلير أن ثمار اجتماع كراوفورد ستكون قليلة ومخاطرها عالية. وحذر من “الفِخَاخ القانونية الواضحة التي يمكن تجنبها”، وكتب سترو أن تغيير النظام في العراق ليس مبررًا للتدخل العسكري، مشيرًا إلى أنه “يمكن أن يشكل جزءًا من تنفيذ أي استراتيجية، ولكنه ليس هدفًا”.
أما المشكلة الثانية كانت ضرورة الحصول على تفويض جديد من مجلس الأمن الدولي بشأن أي تدخل عسكري. حيال هذا الشأن، كتب جاك سترو “من المرجح أن تعارض الولايات المتحدة أي فكرة تفويض جديد. أما من ناحية المشورة القانونية، قد يكون الحصول على تفويض جديد في هذه الحالة مطلوبًا”. وأضاف “في حين أن هذا الأمر غير مرجح إلى حد كبير بالنظر إلى موقف الولايات المتحدة، فإن مشروع قرار ضد العمل العسكري، مع 13 صوتا لصالحه (أو ممتنعين عن التصويت)، واثنين يستخدمون حق النقض قد يكون سيئا للغاية في هذه الوضعية”.
الأقرب إلى مصدر المعلومات الموثوقة
ظهرت المذكرة أثناء تحقيق العراق، لكنها لم تُنشر أبدًا ولم يُشر إليها إلا بشكل غير مباشر من قبل رودريك لين، عضو فريق التحقيق، عندما أبرز مانينغ أدلته في سنة 2010. قال لين مخاطبًا مانينغ: “من الواضح أنك كنت أقرب شخص إلى مصدر المعلومات الموثوقة في هذا الشأن”.
ومضى لين سائلاً مانينغ عما إذا كان اجتماع كراوفورد نقطة اتخاذ القرار بالنسبة لبلير. فأجاب مانينغ بأنه كان يعتقد في كراوفورد أن التفكير الأمريكي قد “تطور إلى مستوى جديد”. وقال إن بوش أنشأ فريقًا وطلب منهم تزويده بعدة خيارات، وتمت دعوة مسؤول بريطاني فيما بعد إلى مقر القيادة المركزية الأمريكية في تامبا، فلوريدا، للاطلاع على هذه الخيارات.
عند الاتصال به للإدلاء بتعليق، أفاد متحدث باسم مانينغ لموقع “ميدل إيست آي” بأن ” السير ديفيد يكرر مجددًا أنه لا يملك أي شيء ليضيفه إلى الأدلة التي قدمها إلى تحقيق تشيلكوت بخصوص جميع المراسلات المتعلقة بهذه الفترة”. كما تقدم موقع “ميدل إيست آي” أيضًا بطلب لبوش وبلير من أجل التعليق.
الموقع: ميدل إيست آي