ترجمة حفصة جودة
خلال دقائق من وصول الحشود إلى المظاهرة في صحراء النقب يوم الخميس، انهمر وابل من عبوات الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والمياه العادمة من الشرطة الإسرائيلية على المتظاهرين الفلسطينيين.
ما كان من المفترض أن يصبح احتجاجًا كبيرًا ضد استيلاء “إسرائيل” على أراضي النقب، تحول سريعًا إلى فوضى، يقول الناشط الفلسطيني من قرية اللقية في النقب رافات أبو عايش: “إنهم يريدون منعنا من التظاهر مرة أخرى، يريدون إجلاءنا من قرانا إلى مشاريع سكنية مخططة في أماكن أخرى، نريد اعترافًا كاملًا بقرانا، نريد اعترافًا كاملًا بملكيتنا قبل أي خدمات أخرى”.
نظم المظاهرة المجلس المحلي للفلسطينيين الذين يعيشون في النقب ردًا على اقتحام الجرافات الإسرائيلية لقرية الأطرش بداية الأسبوع الماضي، احتشد الفلسطينيون من النقب وبقية مجتمع فلسطينيي 48 – الذين يعيشون دخل الحدود الإسرائيلية التي تأسست عام 1948 – قرب مفرق الأطرش-سعوة على طريق 31 لاستنكار استمرار أعمال زراعة الصندوق الوطني اليهودي للأشجار.
في بداية ذلك الأسبوع اقتحمت الشرطة التي تحرس جرارات الصندوق الوطني اليهودي قرية الأطرش لليوم الثالث على التوالي لزراعة الأشجار كجزء من مخطط تشجير مثير للجدل.
يقول سكان النقب إن البرنامج الذي يُنفذ على أرض يعيش فيها البدو الفلسطينيين ويستخدمونها للرعي هو آخر محاولة من سياسة إسرائيلية طويلة المدى منذ عقود تهدف إلى إجلائهم، يقول أبو عايش: “إنهم يريدون فرض واقع جديد على الأرض، لكن الناس هنا لا يريدون أن يستولي أحد على ملكيتهم للأرض”.
هجمات مسعورة
فرقت الشرطة الإسرائيلية مظاهرة يوم الثلاثاء بالعنف قبل أن تبدأ، رغم أن المنظمين قالوا إنهم حصلوا على إذن من الشرطة لتنظيمها، تمركز عدد كبير من القوات الخاصة الإسرائيلية وشرطة الخيالة ووحدة العملاء السريين المعروفة بـ”المستعربين” حول المظاهرة حينما بدأت الحشود في الوصول بحلول الساعة الثالثة عصرًا.
حذرت الشرطة المتظاهرين من خلال مكبرات الصوت قائلة إنها ستفرق المظاهرة خلال دقائق، لكن المتظاهرين قالوا إنه قبل أن يتمكن الأطفال والعجائز من المغادرة، بدأت الشرطة في إطلاق قنابل الصوت والرصاص المطاطي وقنابل الغاز.
يقول أبو عايش: “كنت في الصفوف الأولى، استغرق الأمر 20 ثانيةً فقط بعد إعلانهم تفريق المظاهرة ليطلقوا أول قنبلة صوتية، كان هجومًا مسعورًا على كل الحاضرين”.
وسط الفوضى التي عمّت بعد ذلك، أفادت التقارير أن رجلًا كان يقف بجوار أبو عايش أُصيب برصاصة مطاطية في رأسه، ووفقًا لشهود عيان فقد كان من بين عشرات أصيبوا ذلك اليوم، أُصيب متظاهر آخر يُعرف باسم طالب السويداء – 39 عامًا – بجروح خطيرة وما زال في العناية المركزة في مركز سوروكا الطبي بمدينة بئر السبع.
أدان مركز “عدالة” (المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في “إسرائيل”) ومقره حيفا، استخدام وسائل غير قانونية في أثناء قمع الشرطة، وذلك في خطاب قدمه للنائب العام والمفتش العام للشرطة.
أطلقت الشرطة المياه العادمة كذلك والغاز المسيل للدموع بواسطة طائرات من دون طيار، وهي وسائل لتفريق المظاهرات نادرًا ما شوهدت في النقب
يقول الخطاب: “القانون واضح، يحظر استخدام الرصاص المطاطي والرصاص المعدني المغطى بالمطاط وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين العزل، ويحظر إطلاق الرصاص عليهم من مسافة قريبة أو استهداف الأجزاء العلوية من الجسم”.
بعد القمع الأولي، أُجبر المتظاهرون على التراجع وبدأت لعبة القط والفأر مع الشرطة التي استمرت خمس ساعات على الأقل، أطلقت الشرطة المياه العادمة كذلك والغاز المسيل للدموع بواسطة طائرات من دون طيار، وهي وسائل لتفريق المظاهرات نادرًا ما شوهدت في النقب.
يقول مركز “عدالة” في خطابه: “استُخدم العنف المفرط بما يمثل تهديدًا لحياة المتظاهرين، وهو ما يشكل انتهاكًا خطيرًا للحقوق الفردية والجماعية”.
يوم مجيد
رغم القمع، قال المتظاهرون إن الشعور الذي انتابهم في نهاية اليوم كان إحساسًا متزايدًا بالصمود والفخر والأمل في أن وضع الفلسطينيين في النقب يحظى ببعض الانتباه، قالت هند سلمان – ناشطة محلية من النقب – إن ما شهدته كان يومًا مجيدًا.
قاد المتظاهرين شباب وفتيات بعضهم بعمر 16 عامًا، تضيف هند “لقد أعاد الشباب إيماني، كانت عزيمتهم لا مثيل لها”.
تصدرت حملة لرفع الوعي بشأن وضع البدو في النقب، وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية تحت هاشتاغ #انقذوا_النقب، بينما كان المتظاهرون يواجهون الشرطة، تقول هند: “كان جيل الشباب يقتحم المشهد، كانوا يدركون جيدًا ما سيواجهونه ولم يكن لديهم أي خوف من ذلك”.
اعتقال القُصّر
عاد بعض الهدوء إلى قرية الأطرش بعد أن قال الصندوق الوطني اليهودي يوم الأربعاء إن جراراتهم أنهت عملها في القرية حتى الآن، لكن المشكلة انتقلت الآن إلى المحاكم حيث تدافع المحامون الفلسطينيون المتطوعون للدفاع عن المتظاهرين المعتقلين.
منذ يوم الإثنين، اعتقل على الأقل 130 فلسطينيًا من بينهم العديد من القُصّر، وما زال غالبيتهم معتقلين حتى الآن.
أثقل حجم الاعتقالات الكبير – الذي استمر حتى يوم الجمعة – كاهل المحامين الـ10 من النقب، الذين تطوعوا لتمثيل المتظاهرين كنوع من التضامن مع العائلات، لكن المساعدة جاءت من 5 محامين فلسطينيين آخرين من شمال البلاد، تلك البادرة التي قدرّها سكان النقب وفقًا لأبو عايش الذي كان حاضرًا في المحكمة.
قضى المحامون يومهم كاملًا داخل وخارج قاعات المحكمة لحضور القضايا والدفاع عن موكليهم من الصباح الباكر في الساعة الـ7 صباحًا وحتى وقت متأخر وصل إلى الـ1 صباحًا.
يقول أبو عايش إن حجم الاعتقالات والعنف كان ضخمًا، لكن ذلك لم يكسر روح المتظاهرين، ويضيف “من المفهوم أن العائلات قلقة على أبنائها، فهم في حرب ضد سرقة الأرض، لكن الناس ما زالوا صامدين”.
المصدر: ميدل إيست آي