أثارت عملية انتخاب رئيس مجلس النواب الأسبوع الماضي، وتجديد الولاية الثانية لرئيس المجلس محمد الحلبوسي، العديد من الخلافات داخل أروقة المجلس وخارجه، فقد شهدت مرحلة ما بعد الانتخاب، ذهاب قوى الإطار التنسيقي الشيعي للطعن في شرعية عملية الانتخاب أمام المحكمة الاتحادية، ما أسفر عن إصدار المحكمة أمرًا ولائيًا بالإيقاف المؤقت لعمل هيئة الرئاسة.
كما شهدت بغداد تصعيدًا أمنيًا خطيرًا، وذلك عبر استمرار الهجمات الصاروخية على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، أو حتى في استهداف المقرات الحزبية التابعة لحركة تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني، فضلًا عن استهداف قاعدة بلد الجوية عبر 3 طائرات مسيرة انتحارية، ورغم عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن هذه الهجمات، أو حتى عدم وضوح الجهة التي تقف خلفها، فإن نظرة بسيطة إلى التصريحات التي صدرت بعد انتخاب الحلبوسي، من قيادات أو شخصيات مقربة من الإطار التنسيقي الشيعي، توضح حقيقة الجهة التي تقف خلفها.
شهدت بغداد خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة من الهزات الأمنية، منها ما جاء كردة فعل على عملية انتخاب الحلبوسي، ومنها ما جاء بسبب تمسك الصدر بخيار الأغلبية الوطنية
إن عملية انتخاب الحلبوسي لرئاسة مجلس النواب، جاءت بعد تفاهمات واسعة توصل إليها المكون السني مع الحزب الديمقراطي الكردستاني والتيار الصدري، وهي جزء من صفقة شاملة تؤسس لأرضية سياسية تقوم عليها فكرة الأغلبية الوطنية التي يتبناها السيد مقتدى الصدر، وهو ما جعل قوى الإطار التنسيقي الشيعي، وتحديدًا جناح الصقور الممثل بالفصائل المسلحة، تشعر بحالة من العزلة السياسية، خصوصًا أنها الطرف الأكثر تضررًا من هذا التقارب.
فهي ترى أن فكرة الأغلبية الوطنية القائمة على ثلاثية (تقدم والديمقراطي والتيار)، ليست إلا عملية سياسية على أرض الواقع، الهدف منها تحويل الخسارة الانتخابية التي منيت بها قوى السلاح، إلى خسارة سياسية ثم أمنية، خصوصًا مع رفع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لشعار حل الفصائل المسلحة ونزع سلاحها.
كما شهدت بغداد خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة من الهزات الأمنية، منها ما جاء كردة فعل على عملية انتخاب الحلبوسي، ومنها ما جاء بسبب تمسك الصدر بخيار الأغلبية الوطنية، مع ضرورة الإشارة إلى أن هناك أسباب أخرى أكثر أهمية أبرزها التعثر الإيراني في إيجاد “خلطة عطار” يمكن إقناع الجميع بها، وتحديدًا حلفاؤها الذين لم يعد الكثير منهم راضخًا للمطالب الإيرانية، وهو ما يتضح في فشل مسؤول ملف العراق في فيلق القدس الجنرال عبد الرضا تنسغيري ومسؤول ملف العراق في الخارجية الإيرانية والسفير الإيراني السابق في العراق الجنرال حسن دنائي فر، في إقناع الأطراف السياسية العراقية بضرورة الذهاب نحو التوافق السياسي وعدم التفرد بالقرار السياسي أو حتى تغيير التوازنات السياسية الشيعية، وهي كلها جهود إيرانية جاءت قبل عملية انتخاب الحلبوسي، إلا أنها لم تغير شيئًا حتى الآن على أرض الواقع في العراق.
إيران تعود مرة أخرى للمشهد العراقي
يمكن القول إن إيران لم تخسر شيئًا حتى الآن في العراق، فقد يصل الكثير من المتابعين للشأن العراقي إلى خلاصة مفادها أن ما يجري الآن في العراق من خسارة لحلفاء إيران وعدم الانصياع لشروطها ومطالبها وتبني خيارات سياسية عراقية بعيدًا عن المصلحة الإيرانية، بأنها تترجم حقيقة الخسارة الإيرانية في العراق، إلا أنه من جهة أخرى يجب ألا يغيب عن ذهن المتابع لهذا الشأن، أن إيران طوال دورها في العراق، وتحديدًا بعد عام 2003، لم تربط نفوذها بطرف سياسي شيعي دون الآخر، بل كان لها في كل مرحلة خيار يخدم مصالحها، فراهنت على رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي خلال الفترة من 2006 – 2014، ثم راهنت على مقتدى الصدر وهادي العامري خلال الفترة من 2018 – 2021، والآن ستعيد الرهان على الفائز في صراع الإرادات خلال المرحلة المقبلة، وما ترحيبها بنتائج الانتخابات وعملية انتخاب الحلبوسي إلا مقدمة واضحة للمراحل المقبلة.
طمح الصدر إلى أن يكون الرجل الأول الذي ينبغي على إيران أن تتحاور معه في العراق، وعدم القبول بحالة المساواة بينه وبين باقي القيادات السياسية والفصائلية الشيعية
جاءت الدعوة الإيرانية لزعيم تحالف الفتح هادي العامري وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، لزيارة طهران يوم أمس الأول، لتوضح حقيقة وطبيعة الدور الذي من الممكن أن تلعبه إيران خلال الفترة المقبلة، وأعتقد أنها كانت دقيقة في خياراتها هذه المرة، فالعامري يتبنى خيار الذهاب مع الصدر مقابل الحصول على مناصب حكومية في الحكومة المقبلة، والخزعلي هو الآخر لا يرفض فكرة الذهاب مع الصدر في مقابل الحصول على ضمانات بعدم المساس بسلاح الفصائل.
ورغم أن الأخبار الأولية القادمة من إيران تتحدث عن طلب القيادة الإيرانية من العامري والخزعلي، ضرورة أن يكون هناك توحيد للخطاب وتخفيف للتصعيد في العراق والتعامل بإيجابية مع دعوة الصدر، فإن هذه المطالب الإيرانية تؤشر إلى أن إيران ستراهن على الصدر في المرحلة المقبلة، فالصدر من حيث المبدأ ليس له خلاف مع إيران، وإنما خلافه مع الدور الإيراني في العراق.
يطمح الصدر إلى أن يكون الرجل الأول الذي ينبغي على إيران أن تتحاور معه في العراق، وعدم القبول بحالة المساواة بينه وبين باقي القيادات السياسية والفصائلية الشيعية، وهو ما تخشى منه هذه القيادات، من أن نجاح الصدر بتشكيل الأغلبية الوطنية والتحاور المباشر مع إيران، سيقضي بالنهاية على وجود هذه الفصائل وتأثيرها، فإيران قد تصل إلى قناعة نهائية بأنها لم تعد بحاجة لها، وما يجري الآن هو حالة عدم ثقة من المرحلة المقبلة، فكل طرف “التيار والإطار” يبدو غير قادر على التعايش مع الآخر، ومن ثم فإن حالة عدم الثقة هذه قد تؤسس لأرضية يمكن من خلالها فتح الباب لحالة الصِدام بينهما، وهو ما لا ترغب به إيران بالنهاية.