ترجمة حفصة جودة
مع إعلان إجراء الانتخابات العامة اللبنانية في شهر مايو/أيار، يخشى خبراء الإعلام والنشطاء من تقويض السياسيين الراسخين للعملية الديمقراطية بنشر وتضخيم المعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثلما فعلوا في الماضي تمامًا.
ينظر المواطنون اللبنانيون إلى تلك الانتخابات البرلمانية القادمة كأول خطوة تجاه تخليص أنفسهم من الطبقة السياسية الفاسدة التي فشلت في الاستجابة للثورة ووباء عالمي وأحد أكبر انفجارات العالم غير النووية وأزمة مالية ساحقة، لكن المؤيدين المحافظين والجيوش الإلكترونية العدوانية للنخبة السياسية قد تقف في طريق ذلك.
تنتشر المعلومات الخاطئة بشكل كبير في لبنان بالفعل، لكن المعلومات المضللة – التي تتميز بنيتها المتعمدة للخداع – أثبتت ضررها الكبير على الحركات الديمقراطية والاجتماعية عبر العالم، وبالنظر إلى الدورات الانتخابية السابقة في لبنان والأحداث المعروفة، فلبنان ليس بمنأى عن ذلك.
تقول زهيرة حرب، مدير برامج الصحافة الدولية والإعلام والعولمة في جامعة سيتي بلندن التي تجري أبحاثًا واسعةً عن انتشار المعلومات المضللة في لبنان: “في أثناء احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019 ثم انفجار بيروت في أغسطس/آب 2020، رأينا انتشارًا وتدفقًا كبيرًا للمعلومات المضللة”.
“فخلال أسابيع قليلة من الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حاولت الطبقة الحاكمة نزع الشرعية عما يفعله الناس في الشوارع، فبدأنا نسمع القصص عن التعاون مع حكومات أجنبية ودخول أموال من الخارج وشيطنة كل ما يُشار إليه على أنه منظمة غير حكومية ووضعهم كلهم في سلة واحدة”.
أضخم القوى السياسية والعسكرية في لبنان هو حزب الله، الحزب السياسي الإسلامي الشيعي والجماعة العسكرية التي تمتلك واحدًا من أكثر الجيوش الإلكترونية نشاطًا وفاعليةً
محاربة تلك المعلومات المضللة التي ينشرها السياسيون ستكون معركةً شاقةً، فالمعلومات التي كشفها فرانسيس هوغن “كاشفة الفساد” تؤكد أن فيسبوك يتجاهل المناطق غير الناطقة بالإنجليزية تحديدًا عندما يتعلق الأمر بمراقبة المعلومات المضللة أو الأخبار الزائفة.
يشكل لبنان تحديًا أكثر خطورةً نظرًا لاستخدام أشكال مختلفة من اللغة العربية من بينها اللهجة المحلية اللبنانية وكتابة الكلمات العربية بحروف إنجليزية وانتشار الملاحظات الصوتية، هذا يعني أن الكثير من المراقبة متروكة للمستخدمين للإبلاغ عن المحتوى الخبيث، يمثل ذلك طريق آخر يمكن أن تزدهر فيه الأجندة الخاصة للأحزاب المنظمة.
يقول هادي الخوري، خبير الأمن السيبراني المقيم في باريس: “إنها قضية جيوش إلكترونية وموارد، إنهم يملكون وسائل الدفع لمثل هذه القوة وتنظيم المعلومات المضللة”.
أضخم القوى السياسية والعسكرية في لبنان هو حزب الله، الحزب السياسي الإسلامي الشيعي والجماعة العسكرية التي تمتلك واحدًا من أكثر الجيوش الإلكترونية نشاطًا وفاعليةً.
يقول أيمن مهنا المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير (منظمة غير حكومية رائدة في مجال حرية التعبير بالمنطقة): “سيحاول الجيش الإلكتروني لحزب الله مراقبة أي أصوات معارضة له أو أي منشورات ضد حسن نصر الله قائد الحزب”.
“إذا ظهرت أي صورة أو كلمة “حزب الله” أو “نصر الله” في أي مقال يصورهم بشكل سلبي، سيبلغ الجيش الإلكتروني عنه بشكل ممنهج مما يتسبب في حذفه”.
منصات اليوم مثل فيسبوك وواتساب تمثل الناقل الأساسي للمعلومات المضللة، التي يمكن استخدامها لإشعال توترات طائفية بتضخيم خطاب الكراهية
يسبق استخدام المؤسسات السياسية اللبنانية الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وحتى الإنترنت، فبعد اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل عام 1982، أُلقي اللوم على الفلسطينيين والمسلمين الشيعة في الصحف والإذاعة، الذي أدى جزئيًا إلى مذبحة صبرا وشاتيلا، تبين لاحقًا أن القاتل عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي.
لكن منصات اليوم مثل فيسبوك وواتساب تمثل الناقل الأساسي للمعلومات المضللة التي يمكن استخدامها لإشعال توترات طائفية بتضخيم خطاب الكراهية، في أكتوبر/تشرين الأول قُتل 6 أشخاص بعد أن تحولت مسيرة مخططة لحزب الله وحركة أمل إلى اشتباكات في حي الطيونة ببيروت.
بينما تبادل المسلحون إطلاق النار في شوارع بيروت، انتشرت الأخبار سريعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ادعى بعض المستخدمين أن الصراع كان كمينًا للمتظاهرين، بينما رسم آخرون صورةً لحي تحت الحصار.
تقول حرب: “يمكن للأخبار الزائفة أن تسبب ضررًا كبيرًا لأنها تولد خطاب كراهية وتؤدي في أشكالها المختلفة إلى الإضرار بالأبرياء ماديًا وعاطفيًا ونفسيًا”.
بعد الاشتباكات، اعتُقل 19 شخصًا من بينهم أفراد في القوات اللبنانية، لكن مستوى تدخل القوات اللبنانية الفعلي في القتال ما زال غير واضح، ومع ذلك فهو يعزز أنماط التصويت الطائفي في انتخابات الجامعة في أكتوبر/تشرين الأول.
يقول مهنا: “لا يصوت الناس عادة وفقًا للسجل الحافل أو الاقتصاد، لكنهم يتطلعون إلى حماية هويتهم الطائفية، الشيء الأكثر أهمية في الانتخابات هو طرح الأسئلة”.
لا تخشى الطبقة السياسية في لبنان استخدام المعلومات المضللة والعنف الجسدي، لكنهما مجرد أسلوبين وسط ترسانة من التكتيكات التي يستخدمونها ضد المعارضين المتطلعين للتغيير، لقد جعلت سنوات من التمويل الأجنبي واختلاس أموال الدولة مختلف الأحزاب تمتلك المال والتنظيم السياسي المتطور الذي يجعلها متشوقة لنشر رسالتها.
يقول جين قصير الصحفي والناشط السياسي: “تجني وسائل الإعلام التقليدية المال من الظهور التليفزيوني في أثناء الانتخابات، وهو أمر غير قانوني في الدول الأخرى”.
“هنا تلعب الميزانية دورًا ضخمًا لأن الأحزاب الراسخة تمتلك القدرة على دفع قدر كبير من المال للظهور في البرامج وقت الذروة، هذا يعني أن ما يُشاهده الناس هو ما دُفع لأجله المال”.
وبينما يظل التلفاز مصدرًا كبيرًا للأخبار للمواطنين في لبنان، فإن الكثير من مقاطع الفيديو ونقاط الحوار تنتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، قال تقرير لموقع “الباروميتر العربي” في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إن 33% من المواطنين اللبنانيين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار.
يبدو التنقل بين تعقيدات وسائل الإعلام اللبنانية أمرًا صعبًا في الأيام العادية، فـ70% من وسائل الإعلام المطبوعة والإذاعية والتليفزيونية ذات انتماء سياسي مباشر نوعًا ما، وفقًا لموقع “Media Ownership Monitor”.
تقول حرب: “المشكلة الرئيسية في لبنان أن المنظمات الإعلامية والصحفية أصبحت جزءًا من لعبة المعلومات التي تلعبها الطبقة الحاكمة، أعتقد أن معظم المعلومات المضللة في لبنان مصدرها أفواه السياسيين أكثر من كونها قادمة من مقاطع فيديو مزيفة أو صور ملفقة”.
ورغم أن حرية الصحافة في لبنان كانت قويةً نسبيًا في المنطقة، فإنها تراجعت 5 مراتب في مؤشر حرية الصحافة العالمية لـ”مراسلون بلا حدود” العام الماضي، يرجع جزء من هذا التراجع إلى أفعال الحكومة اللبنانية التي تقمع النقد عندما لا تنشر معلوماتها المضللة.
التدخل الأجنبي من خلال تمويل مرشحي المؤسسة ليس بالجديد، ومع مواجهة الدولة أزمة اقتصادية ساحقة، ستستفيد الأحزاب الحاكمة من يأس ناخبيها
وفقًا لمنظمة “SMEX” (منظمة غير حكومية متخصصة في الحريات الإعلامية) فإن أعضاء البرلمان اللبناني وشخصيات سياسية يرفعون قضايا “قذف وتشهير” أو “إهانة الرئيس اللبناني” ضد الصحفيين والنشطاء.
تحاول بعض المبادرات اللبنانية محاربة تلك السيطرة على السرد، وقد أصدر تقرير “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” أدوات مهمة يمكن للصحفيين والمواطنين استخدامها للتأكد من صحة المعلومات مثل الصور وأحجام الحشود.
قال مهنا إن مؤسسة سمير قصير ستمول محتوى إبداعي للانتخابات على قنوات التلفاز الرئيسية، بشرط حصول كل المرشحين على وقت حر ومتساوٍ مع إمكانية تقصي الحقائق على الهواء مباشرة.
ورغم أن هذه المبادرات مهمة لمحاربة المعلومات المضللة، فإن المؤسسة اللبنانية تمتلك المزيد من الوسائل الأخرى للفوز بالانتخابات، فالتدخل الأجنبي من خلال تمويل مرشحي المؤسسة ليس بالجديد، ومع مواجهة الدولة أزمة اقتصادية ساحقة، ستستفيد الأحزاب الحاكمة من يأس ناخبيها.
يقول قصير: “هناك خدع أخرى يمكن أن يستخدمها النظام لتأمين أصوات الناخبين الذين اعتادوا التصويت له، نظرًا لمدى بؤس الوضع، وفي بعض الأحيان لم يعد يتعلق الأمر بالرأي”.
“إذا وُعد أحدهم بـ100 دولار فسوف يأخذها، لأن الناس يتضورون جوعًا وهم في موقف مؤلم ولا يمكن لأحد أن يلومهم صدقًا”.
مع اقتراب الانتخابات، ستصبح المعركة ضد المعلومات المضللة شاقة على لبنان، وستقع معظم المسؤولية على عاتق الصحفيين المستقلين.
تقول حرب: “يلعب الصحفيون دورًا في تقصي الحقائق، وفي دولة مثل لبنان فالصحفي ومتقصي الحقائق يتحولان إلى شخص واحد، فبينما هم في العادة شيئان مختلفان، فإنهما يُدمجان الآن معًا”.
المصدر: العربي