ترجمة حفصة جودة
أمام شارع استقلال حيث ممر المشاة الأكثر ازدحامًا في إسطنبول، يقف المارة المتقطعين لإلقاء نظرة خاطفة على شاشة تعرض أسعار العملات الرقمية في نافذة لمحل “NakitCoins”.
يدخل حفنة من الناس فقط المحل، لكن التبادل الواقعي الذي يسمح لهم ببيع وشراء البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية، هو مثال حي على ارتفاع شعبية العملات الرقمية الافتراضية في تركيا بسبب محنة الليرة التركية، رغم التاريخ الحديث للتبادلات الفاضحة.
ازداد الاهتمام بالعملات الرقمية بين الأتراك – مثل بقية العالم – عبر السنين، لكن الأزمة الاقتصادية في تركيا دفعت ملايين المراقبين الفضوليين إلى استثمار مدخراتهم في البتكوين والإيثريوم وغيرهما من العملات.
لم ينجذب المتحولون الجدد ببساطة إلى الوعود الاستثمارية للعملات الرقمية، فأسعارها تتقلب بشكل جامح وسريع، لكنهم يرون العملات الافتراضية كمخزن محتمل لحماية مدخراتهم بعد خسارة الليرة التركية لأكثر من 40% من قيمتها العام الماضي وحده.
يقول جيم يلمز الذي أسس “NakitCoins” عام 2018 وافتتح الآن 3 فروع أخرى في البلاد، إن هذا الاتجاه المتزايد نحو العملات الرقمية هو آخر مظهر لبحث عامة الأتراك عن استثمارات موثوقة، ويضيف “يهتم الأتراك كثيرًا بالاستثمار، فقد استثمروا في تبادل العملات الأجنبية والذهب والآن العملات الرقمية”.
أسس يلمز “NakitCoins” لمساعدة الفضوليين بشأن العملات الأجنبية على التغلب على قلقهم بشأن استثمار أموالهم في أداة استثمارية افتراضية جديدة، تحدث فيها التبادلات عبر الأثير فقط.
الهوس بالعملات الرقمية عاد بقوة في الأشهر الأخيرة وتجاوز حجم التداول مليون يوميًا
يقول يلمز: “لدينا بالفعل تبادلات ضخمة على الإنترنت في تركيا، لذا تساءلت لماذا لا يكون هناك شيء ما مادي يمكن للناس أن يذهبوا إليه ويطرحوا أسئلتهم ويتعاملوا مع العملات الرقمية بدلًا من التعامل على الإنترنت؟”.
الكثير من عملاء “NakitCoins” اليوم من الأجانب وفقًا لما يقوله يلمز، لأن التنظيمات الجديدة في تركيا الآن تجعل من الصعب التعامل نقدًا بالليرة التركية مباشرة، لكن يلمز وغيره من العاملين في قطاع العملات الرقمية في البلاد يأملون في أن تسمح لهم التشريعات الجديدة بالعمل بشكل مباشر أكثر.
التشفير
تجاوزت المعاملات اليومية للعملات الرقمية في تركيا المليون في مارس/آذار العام الماضي وفقًا لبيانات “Chainalysis” و”Kaiko” التي اطلعت عليها وكالة رويترز الإخبارية، يأتي هذا الارتفاع نتيجة انهيار الليرة التركية في أعقاب إقالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس البنك المركزي للبلاد في نفس ذات الشهر.
تراجعت الأحجام في أبريل/نيسان بعد أن أعلن البنك المركزي حظر استخدام العملات الرقمية في الدفع، وفي آخر أبريل/نيسان انهارت بورصة عملتين رقميتين تركيتين (ثودكس وفيبتكوين)، ما أطاح بمئات آلاف المستخدمين.
لكن الهوس بالعملات الرقمية عاد بقوة في الأشهر الأخيرة وتجاوز حجم التداول مليون يوميًا بعد أن قام البنك المركزي بسلسلة من خفض أسعار الفائدة لمواجهة التضخم الناتج عن انهيار قيمة الليرة.
تعرض اللوحات الإعلانية والتلفاز بشكل متزايد إعلانات لطرق دخول العامة سوق العملات الرقمية، وتعرض معظم القنوات التليفزيونية قيمة البتكوين جنبًا إلى جنب مع الدولار الأمريكي واليورو.
يقول توران سرت – المستشار بـ”Paribu” أكبر بورصة إلكترونية للعملات الرقمية في تركيا – إن هذا الوعي المتزايد يؤكد أن العملات المشفرة تحل محل العملات الأجنبية والمخازن التقليدية لقيمة المال مثل الذهب بشكل متزايد لحماية المدخرات من تقلبات العملة المحلية.
هذه الشعبية المتزايدة مدفوعة من الشباب المعتادين على العالم الإلكتروني ويحاولون العثور على طريقة لحماية مدخراتهم ضد انخفاض الليرة
ويضيف “في الماضي كان هنا “الدولرة” حيث يحتفظ الناس بأصولهم بالدولار لتجنب تقلبات العملة المحلية، اليوم أصبح “التشفير” هو الاتجاه الجديد.”
تسمح بورصة “Paribu” للأتراك باستخدام حساباتهم البنكية لبيع وشراء العملات المشفرة بالليرة التركية، وقد ازدادت قاعدة مستخدميها من نحو 1.5 مليون في مطلع 2021 ليصل إلى 5 ملايين بنهاية العام، بينما ارتفع حجم التبادل اليومي من 20 مليون دولار باليوم في 2020 لأكثر من 500 مليون دولار بنهاية 2021.
لا تعد البورصات المحلية مثل “Paribu” و”BTCTurk” الخيار الوحيد أمام جمهور المستثمرين في العملات الرقمية بالبلاد، فالبورصات العالمية مثل “Binance” و”Coinbase” تعمل في تركيا أيضًا.
من الصعب تقدير الرقم الحقيقي لمستثمري العملات الرقمية في تركيا لأن بعض البورصات لا تعرض بياناتها للعامة، لكن سرت يقول إن الخبراء يقدرون العدد بين 10 إلى 11 مليون مستثمر.
تقول سيما باكتاس، محامية متخصصة في العملات الرقمية ومؤسسة “CryptoWomen Turkey” وهي منظمة غير ربحية تعقد ندوات وورش عمل لتثقيف العامة بشأن العملات الرقمية: “إذا أسس مستخدمو العملات الرقمية في تركيا حزبًا سياسيًا، فسيكون ثالث أكبر حزب في البرلمان”.
تقدّر باكتاس أن نحو 14 مليون شخص في تركيا البالغ عدد سكانها 84 مليون نسمة يحملون عملات رقمية اليوم، وتقول إن هذه الشعبية المتزايدة مدفوعة من الشباب المعتادين على العالم الإلكتروني ويحاولون العثور على طريقة لحماية مدخراتهم ضد انخفاض الليرة.
الدعايا السلبية لم تمنع العامة من دخول قطاع العملات الرقمية
تضيف باكتاس “لم يكن من الصعب التكيف مع قطاع العملات الرقمية، فلدينا بالفعل إمكانات كبيرة، يأتي بعد ذلك بالطبع موقف الليرة التركية والاقتصاد اليوم الذي يتجه نحو الأسوأ، فيحاول الناس العثور على أداة مالية موثوق بها لحفظ مدخراتهم”.
تحدي الدعايا السيئة
انتشرت شعبية العملات المشفرة رغم سنوات من التحذيرات الحكومية ضد تقلبات هذا القطاع سيئ السمعة، ففي 2017 حذر المسؤولون العامة من انهيار هذا القطاع المتقلب، بينما قالت مديرية الشؤون الإسلامية إن البتكوين وغيرها من العملات الرقمية غير مسموح بها في الإسلام، لأنها تفتقر إلى القيمة الحقيقية كالذهب ومحاطة بالسرية وعرضة لانتهاكات الشبكات الإجرامية.
قوبل الانهيار المفاجئ لبورصة العملتين الرقميتين المحليتين “ثودكس وفيبتكوين” بالتهم الإجرامية وموجة من القصص الجديدة عن خداع الأتراك نتيجة جنون العملات الرقمية، لكن باكتاس تقول إن الدعايا السلبية لم تمنع العامة من دخول قطاع العملات الرقمية.
“حتى قنوات التليفزيون الرئيسية تتحدث عن العملات الرقمية الآن وحتى عندما يعرضون أخبارًا سيئةً عن العملات الرقمية يتجه الأتراك أكثر نحوها، لأنهم لا يبالون بشأن الأخبار السيئة، فهم يرون التلفاز قطاعًا غير موثوق”.
في الوقت نفسه – مع الحظر الحاليّ للدفع باستخدام العملات الرقمية – تعمل السلطات التركية على تشريعات جديدة لتنظيم هذا القطاع بشكل أفضل.
اجتمعت باكتاس وغيرها من خبراء العملات الرقمية مع المشرعين في أنقرة الذين يضعون مسودة لتشريعات جديدة تسهل تسجيل بورصات جديدة للعملات الرقمية وقد تسمح لبورصات مثل “NakitCoins” ببيع وشراء العملات الرقمية بالليرة التركية مباشرة.
قال مصطفى إليطاش نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان يوم 6 يناير/كانون الثاني: “الهدف من ذلك تنظيم القطاع، ومنع الأهداف الخبيثة وحماية المستثمرين ومنع الاحتيال”.
التقى إليطاش بعدد من الخبراء مثل باكتاس وممثلي البورصات لمناقشة نظام التشريعات الجديدة، وهو إشارة كما يقول سرت إلى تفكير الحكومة بشكل جدي في الأمر، يضيف سرت “إنه يحاول فهم المشهد وكان مفيدًا له التحدث مع أفراد المجتمع لفهم القضية بشكل أفضل”.
انتشرت الشائعات بشأن ما تتضمنه قواعد العملات الرقمية الجديدة الرسمية مثل فرض ضريبة بنسبة 40% على أرباح العملات الرقمية، وهو ما نفاه إليطاش علنًا.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية