ترجمة وتحرير: نون بوست
في عامه الثاني والعشرين 22 سنة على رأس السلطة في دولة يبلغ تعداد سكانها 145 مليون نسمة، يمكن لبعض المعايير أن تساعدنا في فهم شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يحظى بوتين بالإشادة بقدر ما يتعرض للانتقادات، ويحتفظ بالهدوء في كل الحالات. تعدّ الحاجة إلى قائد يتمتع بالقوة شيئا متأصلا في الشخصية الروسية، ولا يُعتبر بوتين استثناء. رغم المرور بأوقات صعبة، إلا أنه قال ذات مرة للمخرج الأمريكي أوليفر ستون “يجب ألا تفقد السيطرة أبدًا”، وقد فعل بوتين كل ما في وسعه حتى لا يفقد السيطرة خلال فترة حكمه.
حل بوتين مكان بوريس يلتسين رئيسا بالوكالة مطلع الألفية الجديدة (31 كانون الأول/ ديسمبر 1999)، وكان يُنظر إليه على أنه الرجل المناسب لقيادة البلاد، بعد عقد من الفوضى في أعقاب سقوط الشيوعية. في الوقت الراهن، لا يزال الرجل البالغ من العمر 69 سنة يحكم البلاد ويضع العالم بأسره في حالة تأهب.
هناك حاليا 100 ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا المجاورة، وتحديدا في شبه جزيرة القرم التي ضمها بوتين بعد استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية سنة 2014. بعد ثماني سنوات من احتلال القرم، تهدد روسيا بغزو أوكرانيا مرة أخرى رغم أنها تنكر علنا وجود أي خطط من هذا القبيل، وتراقب عن كثب تهديدات حلف الناتو، المكون من 30 دولة، والذي كانت روسيا قد اقترحت الانضمام إليه ذات مرة.
يعتبر بوتين واحدا من أقدم القادة في العالم المستمرين في المنصب إلى الآن. هذه القائمة يهيمن عليها الطغاة والدكتاتوريون، وهي قائمة مثيرة إلى حد بعيد.
شهد تاريخ روسيا قائدا يُعرف بـ”فلاديمير العظيم”، وهو الذي جلب المسيحية إلى كييف روس سنة 988، ويقف تمثاله شامخا خارج الكرملين.
بعد عامه الأول في السلطة، وهي الفترة التي وثقها منتج الأفلام الوثائقية فيتالي مانسكي، قدم بوتين ملاحظات عن الملوك الذين التقى بهم خلال جولاته الخارجية. قال بوتين لمانسكي في المشهد الأخير من فيلمه الوثائقي الذي صدر سنة 2018، بعنوان “شهود بوتين”، إن “مصيرهم لا يلهمني”. كان الاثنان يتجولان في شوارع موسكو في سيارة بوتين الليموزين المتجهة إلى مقر إقامته الرئاسي خارج المدينة. يضيف بوتين في المقابلة: “حياتهم صعبة. إنها مليئة بالقيود. إنهم لا يملكون مصيرهم، وهذا يستمر إلى الأبد”.
في المقابل، كانت حياة الرئيس المنتخب ديمقراطيا أفضل بكثير، على حد تعبيره، حيث يمكنه ممارسة حياته بشكل طبيعي. ولكن قد يكون من المثير للسخرية، أو الحزن، أو يكون بوتين 2022 بعيدا كل البعد عن ذلك النموذج الذي كان يتبناه ذات يوم؟
في اليوم السابق لتوليه مقاليد الحكم بدلا من يلتسين، وإلقاء الخطاب الرئاسي التقليدي أمام الأمة في بداية السنة الجديدة، نشر بوتين مقالا يُعرف باسم “بيان الألفية”.
كتب بوتين أن البلاد بصدد السير على “الطريق السريع الذي تسلكه البشرية جمعاء”، وتعهد بإقامة “دولة ديمقراطية يسودها القانون” و”مجتمع مدني قوي” للحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات.
نفذ بوتين بعض الوعود الكبرى. رغم أن روسيا لا تزال تعاني من الفقر والمشاكل الاجتماعية الناتجة عنه، لكن بوتين نجح في وقف التدهور الاقتصادي السريع الذي شهدته روسيا في التسعينات، حيث كانت البلاد عرضة لخطر الانزلاق “إلى دول العالم الثاني، وربما العالم الثالث”.
لكن هناك اختلافات كبيرة بين ما كان متوقعا آنذاك وما هو موجود حاليا. روسيا اليوم على خلاف مع جيرانها الغربيين، وهناك اندلاع حرب على هذه الجبهة. كما أن الديموقراطية الروسية والمجتمع المدني ليسا في أفضل حالاتهما.
تم اغتيال شخصيات معارضة، مثل بوريس نيمتسوف، وتسميم المعارض أليكسي نافالني ومطاردته في المنفى، في حين توصف المنظمات غير الحكومية والصحفيون الذين يكشفون عن تجاوزات المسؤولين البارزين بأنهم “عملاء” للغرب.
ما الذي يمكن أن نفهمه من فكر الرجل الذي يقف وراء كل ذلك، والذي يشعر أنه يسلك الطريق الصحيح وأنه أصبح “أقوى من أي وقت مضى”، على حد تعبير المحللة السياسية تاتيانا ستانوفايا؟
شهد تاريخ روسيا قائدا يُعرف بـ”فلاديمير العظيم”، وهو الذي جلب المسيحية إلى كييف روس سنة 988، ويقف تمثاله شامخا خارج الكرملين.
استنادا إلى مقابلات مع محللين وخبراء، وتصريحات سابقة لبوتين، خلص موقع “ذا ستار” إلى أربعة سمات كبرى تميز شخصية الرئيس الروسي، في محاولة لفهم توجهاته وخطواته التالية بشكل أفضل.
فلاديمير المستاء
سنة 1992، حضر بروس ألين اجتماعا لمدة ساعتين في مكتب عمدة سانت بطرسبرغ. كان بوتين يشغل آنذاك منصب مساعد رئيس البلدية، وحضر الاجتماع، لكنه لم ينبس بكلمة حسب ألين.
لا يعرف ألين بوتين عن قرب، لكنه يعرف روسيا جيدا. كان عضوا في المجموعة الأكاديمية المشتركة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة العاملة من أجل السلام النووي في الثمانينات، كما عمل مع ميخائيل غورباتشوف. عندما كان طالب دكتوراه سنة 1985، رفض مبادرات أحد ضباط المخابرات السوفياتية الذي كان يحاول تجنيده كجاسوس.
أفضل ما يعرفه ألين هو التفاوض، وهو يُدرّس ذلك في جامعة هارفارد، ويقول إن التكتيك الأساسي في المساومة عالية المخاطر يتلخص في “التعاطف الاستراتيجي”، أي أن تكون قادرا على فهم منظور الخصم دون أن تنحاز إليه.
بتطبيق ذلك على بوتين، يرى ألين أنه رئيس تشكلت عقليته وأفعاله بشكل كبير على أنقاض صدمة الماضي المظلم والصعب لبلاده. كان الأمر شخصيا بالنسبة لبوتين، بسبب ولادته في لينينغراد في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1952.
حارب والد بوتين، فلاديمير سبيريدونوفيتش، النازيين ببسالة وكاد أن يُقتل بشظية قنبلة ألمانية. بقيت والدته ماريا إيفانوفنا وحيدة، وكان الزوجان قد فقدا طفلا قبل الحرب وفقدا طفلا آخر بسبب مرض الدفتيريا أثناء حصار لينينغراد.
قام النازيون بمحاصرة المدينة لمدة 871 يوما، مما أدى إلى مصرع نحو مليون مليون سوفياتي. تقول التقارير إن والدته ماريا إيفانوفنا أُغمي عليها من الجوع وظن الجميع أنها ماتت، لكنها استيقظت في الوقت المناسب وبدأت تئن، ليتفطن إليها الحاضرون ويخرجوها من بين كومة من الجثث.
عبّر بوتين مرارا عن رفضه للنظام السوفياتي الشمولي باعتباره نظاما متخلفا وغير فعال، لكنه كان يشير إلى مشكلة التشتت الجيوسياسي للروس
يقول ألين: “أنا على يقين من أن جيل الشباب سئم من سماع كل شيء عن أبطال الحرب، لكن الأكيد أنها كانت القضية الأولى على امتداد 50 سنة. لن تزول هذه الصدمة خلال جيل أو جيلين، بل إنها مازالت تعيش بداخل فلاديمير بوتين إلى يومنا هذا”.
حسب ألين، كانت صدمة بوتين الثانية انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد عايشها بشكل مباشر. كان بوتين ضابطا في الاستخبارات السوفياتية، وتم تعيينه في درسدن، التي كانت جزءا من ألمانيا الشرقية، قبل أن يسقط جدار برلين سنة 1989 ويُفتح الطريق أمام الغرب. عاد بوتين لاحقا إلى روسيا، وتولى وظيفة في جامعة ولاية لينينغراد، ودخل معترك السياسة مع رئيس بلدية المدينة عندما تخلصت روسيا من الشيوعية وبدأت بإرساء الديمقراطية.
كانت تلك الفترة صعبة، حيث كان الاقتصاد الروسي في أسوأ حالاته. زعم بوتين أنه عمل سائق تاكسي مقابل الحصول على أموال إضافية. وفي مكتب العمدة، كان مسؤولا عن المفاوضات مع الشركات الأجنبية لتوفير الطعام للسكان الجائعين. تم وُجهت له تهم بتلقى الرشاوى والفساد، لكن لم تتم متابعة أو إثبات أي منها على الإطلاق.
ومن تأثيرات انهيار الاتحاد السوفياتي هو أن الكثير من ذوي الأصول الروسية وجدوا أنفسهم بشكل مفاجئ في دول لا ترحب بوجودهم.
عبّر بوتين مرارا عن رفضه للنظام السوفياتي الشمولي باعتباره نظاما متخلفا وغير فعال، لكنه كان يشير إلى مشكلة التشتت الجيوسياسي للروس عندما قال إن نهاية الاتحاد السوفيتي “واحدة من أعظم الكوارث في القرن العشرين. كان الناس يعيشون في بلد واحد. وكان لديهم أقارب وعمل ومنازل. كانوا يتمتعون بحقوق متساوية. فجأة، وجدوا أنفسهم خارج بلدهم”.
فلاديمير المرن
كان فلاديمير بوتين يطمح منذ صغره إلى أن يكون عميلا في الاستخبارات الروسية، لدرجة أنه طرق أبواب مكاتب الاستخبارات الروسية ليطلب المشورة المهنية. مع ذلك، استقال من الاستخبارات الروسية عندما علم أن رئيسها، فلاديمير كريوتشكوف، كان من ضمن الأشخاص الذين حاولوا الإطاحة بالرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف سنة 1991.
هل كان بإمكانه أن يتوقع أنه سيتولى بعد سبع سنوات فقط منصب كريوتشكوف، الذي عينه يلتسين على رأس جهاز الأمن الفيدرالي لروسيا الاتحادية؟
يقول مارك غاليوتي، الخبير البريطاني في الشأن السياسي الروسي، أن “الرأي العام يركز كثيرا على أن أسطورة بوتين جاءت من عمله الجاسوسي، لكن جزءا كبيرا من الدهاء السياسي الذي يتمتع به جاء من ممارسته لفنون الدفاع عن النفس”.
يُتقن بوتين بعض الفنون القتالية مثل الجودو والسامبو، وهي من رياضات الدفاع عن النفس دون أسلحة، وقد أضاف إليها الجيش الأحمر بعض التقنيات.
يشرح غالوتي في كتاب أصدره سنة 2019 بعنوان “نحن بحاجة للحديث عن بوتين”، أنه “مثل أي لاعب جودو، كان بوتين انتهازيا. يستطيع اغتنام الفرص التي تمكنه من الفوز على خصمه، لكنه لا يحدد الطريق بشكل مسبق للوصول إلى مبتغاه، أي أن استراتيجيته تقوم على اغتنام أي فرصة يراها مناسبة بسرعة، بدلاً من الاعتماد على استراتيجية جاهزة”.
يلتسين هو من عيّن بوتين على رأس إدارة مكتب الأمن الفيدرالي، لكن بوتين استخدم موارد الوكالة لتتبع المؤامرات الداخلية التي تُحاك خلف جدران الكرملين
اعترف بوتين بالأبعاد الجيوسياسية لرياضة الجودو خلال المقابلات التي أجراها مع المخرج أوليفر ستون، بين سنتي 2015 و2017.
يقول بوتين: “ينبغي أن تكون مرنًا. في بعض الأحيان، يمكنك أن تفسح المجال للآخرين لتجاوزك إذا كانت هذه هي الطريقة المؤدية إلى النصر”، مضيفًا أنه رغم الميزانيات الضئيلة التي تخصصها روسيا للدفاع والاستخبارات، فإنها أكثر فاعلية وابتكارا من خصومها الأمريكيين.
يتابع بوتين: “المسألة لا تتعلق بامتلاك قدر كبير من القوة بل باستخدام القوة التي لديك بالشكل الصحيح”.
من جانبه، يعتقد مانسكي أن بوتين اكتسب الدهاء خلال فترة عمله في جهاز المخابرات السوفياتي، موضحا أنه ارتقى سلم السلطة في روسيا الديمقراطية الجديدة من خلال تقمّص دور السياسي الليبرالي، والتستر على نواياه الحقيقية.
يضيف مانسكي قائلا: “يلتسين هو من عيّن بوتين على رأس إدارة مكتب الأمن الفيدرالي، لكن بوتين استخدم موارد الوكالة لتتبع المؤامرات الداخلية التي تُحاك خلف جدران الكرملين”.
حسب مانسكي، “كان بوتين يعلم أن الإدارة تبحث عن شخص ما لتولي منصب الرئيس، وكان يدرك أنهم لن يجدوه بسهولة، وأنه يمكنه أن يكون الرجل المناسب لهذا المنصب”.
عندما اقترح يلتسين على بوتين أن يتولى منصب الرئاسة، رفض قائلاً إنه غير متأكد من رغبته في تقديم تضحيات كبيرة. لكن مانسكي يرى أن ذلك الرفض لم يكن سوى تكتيك ظرفي، ويقول: “رفضه لم يكن حقيقيا، بل مجرد خطة تمويهية لنيل ثقة يلتسين، فقد كان يدرك أنه لو قبل المنصب منذ المرة الأولى لكان ذلك مثيرا لاستياء يلتسين”.
فلاديمير الثابت على مبادئه
من بعض النواحي، كان فلاديمير بوتين سياسيا ثابتًا على مبادئه بشكل مذهل، متمسكا بأجندته التي تقوم على تحقيق الاستقرار، منذ اليوم الذي تولى فيه منصب الرئيس بالنيابة حتى اليوم.
كتب بوتين في بيان الألفية: “لم تعد روسيا تتحمل المزيد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإصلاحات الجذرية. بلدنا وشعبنا لن يتحمّل تفككا جذريا جديدا”.
في ذلك الوقت، لم يقترح أن تتبع روسيا النموذج الأمريكي أو البريطاني، بل دعا إلى تأسيس حكومة مركزية قوية تُشرف على إرساء مبادئ الديمقراطية والاقتصاد وسيادة القانون.
كتب بوتين: “بالنسبة للروس، فإن إرساء دولة قوية ليس أمرا خارج عن المألوف ينبغي عدم التفكير فيه، بل على العكس تمامًا، فهم يرون أنه مصدر وضامن للنظام وقوة دافعة رئيسية لإحداث أي تغيير”.
من جهتها، تقول تاتيانا ستانوفايا، مؤسِسة شركة الاستشارات السياسية “آر. بوليتيك” إن “بوتين لا يؤمن بمبادئ الديمقراطية التقليدية، التي تقتضي وجود معارضة قوية ونُخب تتناقش في البرلمانات، بل يؤمن بالإدارة الجيدة والسياسة الفعالة والنخب المسؤولة التي يجب أن تعمل من أجل المصلحة الوطنية وتحظى بدعم المجتمع”.
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن مفهوم بوتين للديمقراطية أيضًا الالتزام بالقيم التقليدية للروس وضرورة احترامها، بما في ذلك حب الوطن والتضامن الاجتماعي، مع ما يقتضيه ذلك من تضحية الفرد بمصالحه من أجل المجموعة.
وترى ستانوفايا أن بوتين يعتبر نفسه الضامن لتلك القيم، والزعيم والحامي، والرجل الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد، والذي يعرف ما هو الأنسب لروسيا. بالنسبة له، لا يوجد فرق بين مصالح روسيا الخارجية ومصالحها الوطنية.
ينطبق الأمر ذاته على تعامله مع المجتمع المدني. لطالما حذّر الغرب مما يواجهه الصحفيون الروس ومنظمات حقوق الإنسان والمتظاهرون والأقليات الدينية، والتي تُتهم في روسيا بـ”العمالة” و”التطرف” و”الإرهاب”.
تقول ستانوفايا في هذا السياق إن “بوتين لا يعتبر مثل هذه القضايا مدنية ولا اجتماعية. من وجهة نظره، يُعتبر هؤلاء مغامرين ومحتالين… ومجرد أدوات في أيدي القوى الأجنبية التي ترغب في زعزعة استقرار روسيا”.
فلاديمير المحاصَر
يعتقد بوتين أنه محاصر من عديد الجبهات، وأن هناك من يسعى للإطاحة به. في الواقع، يجسد بوتين صورة حاكم يعاني من جنون العظمة، يعيش في برجه العاجي بعيدا عن مشاغل شعبه وما يجري على أرض الواقع.
يقول المحلل العسكري الروسي بافيل فيلغنهاور: “بعد أن قضى أكثر من 20 سنة في السلطة، فقد بوتين عقله، مثل أي شخص آخر في مكانه”. أن تكون قياديا سياسيا لا سيما في روسيا، فذلك ينطوي على الكثير من المخاطر.
تعرض بوتين لمحاولات اغتيال عديدة، بعضها على يد شيشانيين مستائين من الحربين الوحشيتين الروسيتين على الشيشان، والبعض الآخر على يد أشخاص مهووسين، مثل الشخص الذي ادعى أن بوتين جاسوس ألماني يعمل لصالح النازيين.
تسامح بوتين مع تلك المؤامرات معتبرا أنها ضريبة نجاحه السياسي، لكن شيئا وحيدا لم يكن يتسامح معه، وهو أمر ورثه من عمله مديرا لجهاز المخابرات الروسي: الخيانة. أوضح بوتين أن الخيانة هي الخطيئة الوحيدة التي لا يمكنه أن يتجاوز عنها أو يتردد في معاقبة مرتكبها.
خلص تحقيق بريطاني في وفاة الجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو، متسمما بالبلوتونيوم، سنة 2006، إلى أن المهمة حظيت بموافقة بوتين نفسه. تم تسميم جاسوس روسي آخر، وهو سيرغي سكريبال، سنة 2018 بغاز الأعصاب نوفيتشوك، وهي عملية تورطت فيها وكالة التجسس العسكرية الروسية.
نفت روسيا تورطها في هذه العمليات، لكن بوتين لم يستطع إخفاء ما يجول بخاطره عندما سُئل في إحدى المناسبات عن محاولة اغتيال سكريبال، حيث أجاب قائلا: “لقد كان مجرد جاسوس خائن للوطن”.
وفقًا لفيلغنهاور، يعتقد بوتين أن قوات حلف الناتو المعادية تريد محاصرة روسيا، وسيستمع لآراء جنرالاته الذين يحذرونه من أن حياته معرضة للخطر.
ما يثير القلق أكثر أن الاتهامات بالتجسس باتت تُوجه نحو حلف الناتو. يواجه الحلف اتهامات روسية بأنه نكث الوعد الذي قطعه سنة 1990 بأنه لن يستغل انهيار الاتحاد السوفيتي للتقدم شرقا، أي على الحدود مع روسيا. في الوقت الحالي، يعتبر هذا التعهد وتفاصيله الدقيقة من أكثر القضايا إثارة للجدل.
على العموم، لم تكن علاقة بوتين بالغرب دائمًا عدائية. في فترته الرئاسية الأولى، حاول التقرب من الغرب، حتى أنه تساءل خلال إحدى المناسبات عن سبب عدم دعوة روسيا للانضمام إلى الناتو.
تقول ستويانوفا في هذا السياق: “كان يعتقد أن روسيا يمكن أن تنضم إلى مصاف الدول المتقدمة وأن تلعب في نادي كبار قادة العالم”.
سرعان ما تلاشى هذا الأمل بعد رفض الولايات المتحدة مقترح روسيا لإنشاء تحالف لمكافحة الإرهاب سنة 2001. بعد سنة واحدة، انسحبت واشنطن من معاهدة مشتركة لمكافحة الصواريخ الباليستية، ثم دعمت الثورات في جورجيا سنة 2003 وأوكرانيا في 2004 و2005. تبددت آمال بوتين بإقامة علاقة تعاون مع الدول الغربية وتحولت المعادلة إلى صراع مع الغرب.
مع استمرار توسع الناتو، وانضمام معظم دول أوروبا الشرقية إلى الحلف على مدار الثلاثين عامًا الماضية، أضحت المعركة قريبة من الحدود الروسية.
لهذا السبب، ينشر بوتين في الوقت الراهن قواته على حدود أوكرانيا، بينما تقف قوات الناتو على أهبة الاستعداد في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، مع وجود طائرات مقاتلة في رومانيا وسفن حربية في البحر الأسود.
وفقًا لفيلغنهاور، يعتقد بوتين أن قوات حلف الناتو المعادية تريد محاصرة روسيا، وسيستمع لآراء جنرالاته الذين يحذرونه من أن حياته معرضة للخطر.
في الشهر الماضي، قال بوتين: “إذا تقدّمت هذه البنى التحتية أكثر، أي إذا نُشرت منظومات صواريخ أميركية وتابعة للحلف الأطلسي في أوكرانيا، فإن المسافة الزمنية لبلوغها موسكو ستتقلص إلى 7 أو 5 دقائق”.
في هذا الشأن، يوضح فيلغنهاور: “ما يثير قلق بوتين في الوقت الحالي هو أن تستهدفه الولايات المتحدة باعتباره الشخص الوحيد الذي يعرقل هيمنتها على العالم”.
المصدر: ذا ستار