ترجمة حفصة جودة
تمتلئ عاصمة المملكة المتحدة بالتاريخ، بعضه يخصها والبعض من أماكن أخرى، فكأقوى إمبراطورية في العالم استمرت لقرابة قرنين من الزمان، أصبحت بريطانيا وجهة اختيار القطع الأثرية عبر العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، أحيانًا بطرق قانونية، لكن في أغلب الأحوال من خلال وسائل مشبوهة قانونيًا وأخلاقيًا.
نتيجة ذلك كان كنزًا من القطع الأثرية يقدرها السياح والمحليون، رغم أن بعض الأصوات تطالب بإعادة تلك القطع الأثرية إلى بلادها الأصلية.
مع ذلك قد يبدو مفاجئًا لسكان لندن وسياحها أن المواقع التي يمرون بها كل يوم تضم معلمًا تاريخيًا يعود لآلاف السنين مثل مسلة كليوباترا، هنا نلقي نظرة على 5 قطع أثرية من الشرق الأوسط موجودة في لندن.
مسلة كليوباترا
تقف مسلة كليوباترا شامخة على ضفاف نهر التايمز على بُعد مسافة قصيرة من محطة مترو الأنفاق “إمبانكمنت”، منقوش عليها الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة.
يبلغ عمر المسلة نحو 3500 عام، وتعد من أقدم الآثار الإنسانية حاليًّا في المدينة، لكن أصولها تبعد عن هذا المكان آلاف الأميال، فقد صُنعت المسلة في عصر الفرعون تحتمس الثالث عام 1460 قبل الميلاد، وتعد واحدة من 3 مسلات متشابهة، وتوجد المسلتين الأخرتين في باريس ونيويورك.
تزن المسلة المصنوعة من الجرانيت أكثر من 200 طن، وقد نُصبت لأول مرة في مدينة هليوبوليس القديمة الموجود الآن في القاهرة الحديثة، أضاف النقوش عليها الفرعون رمسيس الثاني بعد نحو 200 عام لتخليد نجاحاته العسكرية.
يرجع ارتباطها بكليوباترا إلى بداية الألفية الأولى من الميلاد عندما نقلت الملكة المصرية الشهيرة تلك المسلة إلى مدينة الإسكندرية شمال مصر كجزء من إنشاء معبد.
في عام 1819 بعد 18 عامًا من مساعدة القوات البريطانية على طرد فرنسا النابليونية من مصر، أهدى محمد علي حاكم مصر تلك المسلة إلى بريطانيا كبادرة امتنان، ومع ذلك لم تمتلك بريطانيا القدرة المالية لنقلها إلى لندن حتى عام 1877 حيث نجت من مياه خليج بسكاي الغادرة.
تسبب القصف الألماني في ذروة الحرب العالمية الأولى عام 1917 ببعض الأضرار في المسلة التي تبدو واضحة للعيان حتى اليوم، لكن هيكلها الذي يعود لآلاف السنين ما زال سليمًا.
تأثرت المنطقة المحيطة بالحضارة المصرية، يظهر ذلك في المقاعد المصممة بصور جِمال، صُنعت هذه المقاعد من الحديد الزهر والخشب وتواجه النهر، وبخلاف النصب التذكارية أو المقاعد الأخرى حول المدينة، فهذه المقاعد على رصيف مرتفع قليلًا مما يميزها عن غيرها.
صمم هذه المقاعد المعماري الإنجليزي جورج جون فوليامي (1817-1886) الذي صمم أيضًا تمثالًا لأبي الهول يجلس بجوار المسلة، استلهم فوليامي تصميم المقاعد من زيارته لمصر في أربعينيات القرن الـ19، وكان الهدف منها أن تكون مكملة للمسلة.
المنبر المملوكي
يضم متحف فيكتوريا وألبرت الشهير جنوب كينسنغتون منبر السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، يُعتقد أن قايتباي – الذي كان راعيًا للفن – أمر ببناء المنبر في القاهرة بين عامي 1468 و1496، يقع المنبر أمام المسجد باتجاه مكة.
يتميز المنبر المملوكي بالنقوش المزخرفة ويضم كذلك فسيفساءً من العاج، صُنع المنبر من الخشب والعاج ويتميز بأشكاله الهندسية التي كانت شهيرة في عمارة العصر الإسلامي الذهبي، يرمز تكرار الأنماط الهندسية والتصميمات إلى مفاهيم مثل الاتحاد والتوازن.
يضم المنبر كذلك آيات من القرآن، إضافة إلى نقش اسم قايتباي عليه، الذي حكم مصر وسوريا من عام 1468 وحتى عام 1496، تميز السلطان في أثناء حكمه بورعه وموثوقيته، وقد أُشيد به لتأسيس وترميم عدد لا يحصى من المباني الدينية.
بتمويل حكومي، اشترى المتحف المنبر عام 1869 من فرنسا بعد أن أرسله المسؤولون المصريون هناك مع قطع أثرية أخرى، واليوم يضم متحف فيكتوريا وألبرت أكثر من 19 ألف قطعة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتراوح بين ملابس إلى صناعات فنية وأعمال خزفية.
مدفع تركي
يقع المدفع العثماني على طريق وايت هول وسط لندن، وقد استولى عليه الجيش البريطاني في أثناء قتاله ضد نابليون في مصر عام 1801، استولى البريطانيون على المدفع بعد حصار الإسكندرية أثناء الحروب النابليونية.
كانت فرنسا الثورية قد دخلت في سلسلة حروب ضد جيرانها الأوروبيين وغزت مصر تحت حكم نابليون – القائد العسكري الشهير ثم الإمبراطور لاحقًا – بحثًا عن مصادر جديدة للدخل، لكن مثل بقية حملاته الأوروبية توقفت نجاحات نابليون في مصر بعد أن أجبرته القوات العثمانية والبريطانية المتحالفة على التراجع.
اليوم، يوجد المدفع التركي أمام مبنى هورس جاردس الذي يمر به ملايين السياح والمحليين سنويًا لزيارة معالم ويستمنستر.
وفقًا للصحيفة المعدنية على المدفع، فقد صنعه مراد بن عبد الله قائد المدفعية عام 1524، وقد نُقش أيضًا على المدفع “سليمان العصر، السلطان الأعظم، قائد مدافع التنين، التي عندما تتنفس تهدر كالرعد، لتسوي حصون الأعداء بالأرض، عام 931 من الهجرة”، ورغم أن المدفع نفسه من أصول تركية، فإن العربة التي تحمله مصنوعة في المملكة المتحدة من إدارة النقل الملكي.
حجر رشيد
اكتشف الجنود الفرنسيون حجر رشيد في مصر عام 1799، وسُلم لاحقًا للبريطانيين بعد هزيمة نابليون، كُتبت النصوص على الحجر بثلاث لغات التي تضم إعلانًا لبطليموس الخامس الذي يعود عصره إلى القرن الثاني قبل الميلاد، يضم النص: الهيروغليفية والكتابة المصرية الديموطيقية واليونانية القديمة.
بالنسبة لعلماء المصريات في القرن الـ19 فقد عمل الحجر كشفرة، فأمكن استخدام الكتابة اليونانية القديمة لفك رموز الهيروغليفية.
كان استخدام نظام الكتابة قد نُسي لأكثر من 14 قرنًا، لكن مع فك رموز حجر رشيد، أمكن تفسير النقوش المكتوبة على القطع الأثرية المصرية القديمة، ومع ذلك احتاج الأمر جهدًا عظيمًا لفك الشفرة، حدث ذلك عام 1822 عندما تمكن الفرنسي جين فرانسوا شامبليون من اكتشاف معناها.
يعد وجود القطع الأثرية مثل حجر رشيد في المتحف البريطاني – الذي يقع بجوار ميدان راسل في لندن – أمرًا مثيرًا للجدل، وقد طالب النقاد كثيرًا بإعادة القطع الأثرية إلى بلادها الأصلية، ورغم مطالبات عودة الحجر إلى مصر، فقد ظل في المتحف حيث يزوره 6 ملايين شخص سنويًا.
تمثال الأسد المجنح
يضم المتحف البريطاني أيضًا تمثال الأسد المجنح الذي يعود إلى العصر الآشوري الجديد عام 883-859 قبل الميلاد، يمثل الرأس البشري الذكاء، بينما يرمز جسد الأسد إلى القوة أما الأجنحة فتمثل السرعة.
اكتشف عالم الآثار البريطاني أوستن هنري ليارد التمثال خلال عمله في شمال العراق بين عامي 1845 و1851، بمدينة نمرود (الموصل اليوم)، وقد نُقل التمثال إلى لندن عام 1852.
صُنع التمثال من الجبس لحراسة مدخل قصر الملك الآشوري آشورناصربال الثاني، وكان يُعتقد أن هذا المخلوق الخرافي يقدم الحماية للقصر الملكي ويحرسه من قوى الفوضى والشياطين.
أهم ما يميز التمثال، الخمسة أرجل، التي صُنعت بعناية ليبدو طويلًا وجالسًا بثقة وثبات عند رؤيته من الأمام، بينما يبدو متقدمًا بشكل حاسم نحو الشر عند رؤيته من الجنب، يُعرف هذا الكائن أيضًا باسم “لاماسو” كما ذُكر في ملحمة جلجامش، وعادة ما وُجدت مثل هذه التماثيل في مداخل الطرق.
المصدر: ميدل إيست آي