أدّت الحرب في سوريا -حتى نهاية عام 2020- إلى نزوح أكثر من 12 مليون سوري إلى مناطق أخرى فيها وإلى الخارج، وتركّز العدد الأكبر منهم في البلدان المجاورة الثلاث، تركيا والأردن ولبنان، وفرضت أعدادهم الكبيرة ضغطًا على سوق العمل المحلية والخدمات العامة، وكذلك في مسائل وقضايا الوئام أو الاندماج المجتمعي.
لذلك، وبعد مرور كل هذه السنوات، يمكن القول بوضوح إن السوريين باتوا يحتاجون إلى فرص حقيقية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وإلى أكثر من مجرد شعورهم بالأمان والكرامة والأمل، بل بتحقيق ذلك فعلًا من خلال المشاركة الفعّالة في المجتمعات الجديدة، وأهم أشكال هذه المشاركة العمل والتوظيف وتحمُّل المسؤولية والحصول على حقوقهم الإنسانية والأساسية.
منذ العام 2014 تُصنِّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سوريا على أنها بلد المنشأ الأول للاجئين على مستوى العالم، ويتركّز أكثر من 80% منهم في الدول المجاورة وبعض الدول العربية.
كشفَ تقريرٌ للأمم المتحدة أن هناك ما يزيد عن 5.5 ملايين “لاجئ مسجّل” في الدول المجاورة لسوريا، أو بلدان أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتى 10 فبراير/ شباط 2021، وأغلبهم من النساء والأطفال بنسبة 66%، ويعيش 1.8 مليون سوري في المخيمات العشوائية، وقد تضاعفت في لبنان -على سبيل المثال- نسبة الأطفال الذين يعملون وهم في سنّ يتراوح بين 5 و17 عامًا، فارتفعت من 2.6% عام 2019 إلى 4.4% عام 2021.
وتبلغ أعداد السوريين اللاجئين إلى تركيا أكثر من 3.6 ملايين، وإلى لبنان نحو 865 ألفًا، وإلى الأردن 664 ألفًا، وإلى العراق 243 ألفًا، كما يوجد في مصر نحو 131 ألف لاجئ سوري.
أغلب السوريين في تركيا هم من المحافظات السورية الشمالية، ونزح أغلبهم إلى الولايات التركية المجاورة لمحافظاتهم مباشرةً، فضمّت أورفا عددًا كبيرًا من أهالي دير الزور والرقة.
كما وثّق تقرير أصدرته الرابطة السورية لكرامة المواطن، تحت عنوان “الانتقام، القمع، الخوف”، الأخطار التي تواجهها القلّة من السوريين اللاجئين الذين عادوا إلى مناطق النظام في سوريا تصديقًا منهم لوعود الأسد، أو الذين أُجبروا على العودة من دول اللجوء، وكشفَ التقرير عن التدهور الكبير الحاصل في تلك المناطق مع انهيار اقتصادي وخدماتي شبه كامل، وصيرورة سوريا دولة فاشلة تُمارَس فيها جهود واسعة للتغيير الديموغرافي بإشراف وإدارة إيران وروسيا.
كما كشفَ تقرير جديد للرابطة المذكورة كيف استمرّت الاعتقالات العشوائية والتعسُّفية والاحتجاز من قبل الأجهزة الأمنية دون تُهمة، وذكر التقرير أن أكثر من ربع الذين تمّت مقابلتهم اُحتجزوا بأنفسهم أو تعرّض أحد أفراد أسرهم للاعتقال التعسفي من قبل الأجهزة الأمنية.
ومن بين هؤلاء تمَّ اعتقال 75% خلال السنتَين الماضيتَين، واضطرَّ أكثر من 70% من المعتقلين إلى دفع رشوة لإطلاق سراحهم، وكان الضرب والتعذيب والإذلال من الممارسات الشائعة في الاحتجاز، ونُقل العديد من أقارب الذين تمّت مقابلتهم إلى أماكن مجهولة وبعد ذلك لم يُسمع أي خبر عنهم مرة أخرى.
أغلب السوريين في تركيا هم من المحافظات السورية الشمالية، ونزحَ أغلبهم إلى الولايات التركية المجاورة لمحافظاتهم مباشرةً، فضمّت أورفا عددًا كبيرًا من أهالي دير الزور والرقة، واتّجه أغلب الحلبيين إلى غازي عنتاب وكلس، والكثير من أهل إدلب إلى أنطاكية والريحانية.
كذلك كان أغلب من لجأوا إلى العراق هم من المحافظات الشرقية المجاورة للحدود العراقية كدير الزور والحسكة، ولجأ أغلب السوريين من محافظتَي حمص وريف دمشق إلى لبنان، كما لجأ إلى الأردن القريبة منهم الكثير من أهل درعا، ولجأ إلى مصر وغيرها من الدول السوريون من مختلف أنحاء سوريا.
يبيّنُ هذا الإنفوغرافيك مناطق توزُّع اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري، حسب إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2020، مع عددهم في مصر أيضًا:
السوريون في تركيا
توزّعَ السوريون في تركيا على ولايات تركية مختلفة، وأكبر وجود لهم في إسطنبول وفي الولايات الجنوبية، غازي عنتاب وأورفا وكهرمان مرعش وهاتاي، واختلفت شروط حياتهم عمومًا بين ولاية تركية وأخرى، استنادًا إلى أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية.
– على الصعيد السياسي، قدّمت الحكومة التركية الدعم للمعارضة السورية على عدة مستويات، منها الإعلامي والسياسي والإغاثي واللوجستي وحتى العسكري، أما المعارضة التركية فقد استغلت قضية اللاجئين السوريين في صراعها مع الحكومة التركية، فتبنَّت سياسات مضادة للوجود السوري في تركيا.
– على الصعيد الاقتصادي، يعاني الكثير من السوريين في تركيا من صعوبات في مجال العمل، كعدم عدالة الأجور، وسوء المعاملة بسبب عدم وجود إطار قانوني ينظِّم عملهم، وعدم وجود فرص تناسب تخصُّصاتهم الأصلية، وانعكسَ ارتفاع الأسعار وعدم الاستقرار الاقتصادي على معيشتهم.
– على الصعيد الاجتماعي، شكّل حاجز اللغة أهم معوق أمام السوريين والأتراك للاندماج والتقارُب، كما أثّرَ على إيجاد فرص عمل في قطاعات مختلفة تحتاج إلى إتقان اللغة التركية، ولم يَقُم الإعلام التركي بدوره لفتح قنوات للتقارُب، وأدّى إعلام المعارضة التركية دورًا سلبيًّا للغاية بحقّ السوريين.
– على صعيد التعليم، اتّبعت الحكومة التركية منذ عام 2017 سياسة دمج السوريين في التعليم الحكومي التركي، فألغت مراكز التعليم المؤقتة، وتشير بيانات اليونيسف إلى أن ما يقارب 430 ألف طفل سوري خارج المؤسسات التعليمية، ويعاني الكثير من الطَّلَبة السوريين صعوبة فهم المناهج التركية، وكذلك التعامل مع زملائهم الأتراك.
– على الصعيد الصحّي، يواجه السوريون مشكلتَين، الأولى مسألة اللغة، لأن حتى إتقان اللغة التركية لا يكفي للتعامل مع المسائل الطبية؛ ومشكلة “الكيملك”، لأن السوري الذي يستحصل على هذه البطاقة من إحدى المحافظات ويعمل ويقيم في محافظة أخرى بسبب ظروف اضطرّته لذلك، لا يمكنه الاستفادة من الخدمات الصحية في المحافظة التي يعمل ويقيم فيها، لذا يُقبِلُ الكثير من السوريين على العيادات والمراكز الطبّية السورية، وبسبب سهولة التواصل أيضًا.
السوريون في لبنان
وصلت نسبة اللاجئين السوريين في لبنان إلى نحو 20% من عدد السكّان الإجمالي، أي أن كل 4 مواطنين لبنانيين يقابلهم لاجئ سوري، ومع تزايُد أعداد السوريين ازدادت التوترات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية.
وأوضحَ تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان عام 2017، أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية أفقدت معظم اللاجئين السوريين صفتهم القانونية للتواجد في لبنان، ما جعلهم عرضةً للتهميش في المجتمع والاستغلال والإساءة، ففقدوا كل أشكال الحماية، ما وضعهم في عجز شبه كامل.
– على الصعيد السياسي، طالبَ الكثير من السياسيين اللبنانيين بمغادرة اللاجئين السوريين لبنان، وأدّت خطابات عنصرية كثيرة وُجِّهت ضدهم إلى تعرُّضهم لتصرفات وحشية في عدة مناسبات، كما أصبحوا يواجهون صعوبات حقيقية في الحصول على وثائق قانونية، ما يزيد من مخاطر التمييز والاستغلال.
– على الصعيد الاقتصادي، اعتبرَت منظمة العمل الدولية أن دخل العامل السوري في لبنان أقلّ بنسبة 40% من الحدّ الأدنى للأجور، واعتبرَ بعض الخبراء الاقتصاديين أن للجوء السوري أثرًا إيجابيًّا على لبنان، فرغم أن اليد العاملة السورية ذات الأجر المنخفض تضرُّ باليد العاملة اللبنانية، إلا أنها تفيدُ أصحاب العمل من جهة أخرى.
وقد أظهرَ مسح لمنظمة العمل الدولية أن نحو 92% من اللاجئين السوريين في لبنان لا يحملون عقود عمل، وأكثر من نصفهم يعملون على أساس موسمي أو أسبوعي أو يومي بأجور متدنية، كذلك أنعشَ وجود العائلات السورية المقتدرة الحياة السياحية، إضافة إلى أن وجود هذه العائلات أدّى إلى تحرُّك سوق العقارات وارتفاع السيولة في البنوك اللبنانية.
78% من الأطفال السوريين غير الملتحقين بالمدرسة في لبنان لم يتسجّلوا بسبب الفقر، و62% منهم أُجبروا على ترك المدرسة بسبب مشاكل مادية.
– على الصعيد الاجتماعي، تعتبرُ المفوضية العامة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن وجود هذا العدد الهائل للسوريين في لبنان، وهو بلد صغير يكافح من أجل الحفاظ على توازنه الديموغرافي الدقيق واستعادة نموه الاقتصادي، يؤثِّر بشكل متزايد على مساحة الحماية، وعلى الدعوات والإجراءات الموجَّهة نحو العودة السريعة للاجئين إلى سوريا.
كما أن الوجود السوري شكّل ضغطًا كبيرًا على البنية التحتية والخدمات والبيئة، بالإضافة إلى التنافس على فرص العمل، ما يشكّل تحديًا لقدرة التحمُّل لدى دولة صغيرة مثل لبنان، يعيش فيها اللاجئون السوريون على نحو مبعثَر، ما أثّر سلبًا على العلاقات بين المجتمعات السورية واللبنانية وعلى الاستقرار الاجتماعي.
وفي أحوال كهذه يواجه اللاجئون مخاطر متزايدة في مجال الحماية، مع عدم وجود إقامة قانونية الذي من شأنه أن يؤدّي إلى خطر الاعتقال والترحيل والطرد من السكن، والعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس وإساءة معاملة الأطفال.
– بالنسبة إلى التعليم، فقد تمَّ حصره بالنسبة إلى الأطفال السوريين بالقطاع الحكومي، واُستحدث نظام التعليم المسائي لاستيعاب الأعداد المستجدّة، وضمَّ أكثر من 75% من العدد الإجمالي للأطفال السوريين الذين دخلوا نظام التعليم في لبنان.
وأظهرت دراسة لمجلس اللاجئين النرويجي سنة 2020 أن 78% من الأطفال السوريين غير الملتحقين بالمدرسة في لبنان لم يتسجّلوا بسبب الفقر، و62% منهم أُجبروا على ترك المدرسة بسبب مشاكل مادية، و52% منهم لم يلتحقوا بأي مدرسة نظامية أو غير نظامية من قبل، مع التذكير أن 42% فقط من الأطفال السوريين في لبنان قد تمكّنوا من الذهاب إلى المدرسة من أصل 660 ألف طفل سوري خلال العام الدراسي 2018-2019.
– على الصعيد الصحّي، تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن 89% من اللاجئين السوريين يحصلون على الرعاية الصحية الأوّلية التي يحتاجون إليها، وأن نسبة 80% منهم يتلقّون الرعاية الاستشفائية التي يحتاجون إليها، وتشكّل الكلفة المادية المرتفعة العائق الأبرز أمام عدم الحصول على الرعاية الصحية.
السوريون في الأردن
يواجه اللاجئون السوريون تحديات اقتصادية واجتماعية ضخمة في الحصول على المأوى والتعليم والرعاية الصحية والعمل، وقبل اندلاع الأزمة السورية كان الأردن يواجه أصلًا تحديات تنموية جمّة، بما في ذلك نقص المياه وجمود النمو الاقتصادي.
ابتداءً من عام 2012، نُقل اللاجئون السوريون الذين دخلوا الأردن من معابر قانونية إلى مخيمات رسمية للاجئين، وجرى تسجيلهم في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنحهم وثيقة إثبات طلب اللجوء.
لكن 4 فئات جرى رفض دخولهم دوريًّا، ما حرمهم مبدأ عدم الإعادة القسرية؛ وهم اللاجئون الفلسطينيون، والعراقيون المقيمون في سوريا، والرجال غير المتزوجين في سنّ القتال، والذين لا يحملون أوراقًا ثبوتية، فأجبرت هذه القيود الكثيرين على التسلُّل بواسطة شبكات تهريب، فكانوا أكثر عرضة إلى أخطار الاستغلال والإساءة.
– على الصعيد السياسي، تميّزت الاستراتيجية الأردنية تجاه الأزمة السورية منذ البداية بالدعوة إلى الحل السياسي والدبلوماسي، وتجنُّب الحل العسكري والتدخل الأجنبي، وأتَت هذه الرؤية بسبب الوضع الجيوسياسي الأردني الذي فرضَ توجُّهًا يسعى إلى عدم الانحياز لأي طرف من أطرف الصراع.
ولم يطلب الأردن مغادرة السفير السوري في عمّان كما فعلت الحكومات العربية المحيطة، وكانت الآثار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية التي نتجَت عن حجم التدفُّق الكبير للاجئين السوريين على الأردن، سببًا في تحول الاهتمام من اتخاذ السياسات الآنية إلى إيجاد حلول بعيدة المدى، وأهمها تنظيم الدعم المادي للحكومة الأردنية كي تقوم بدورها في احتواء أزمة اللجوء السوري الفائض إلى أراضيها.
– على الصعيد الاقتصادي، يعيش 84% من السوريين اللاجئين إلى الأردن في المجتمعات المضيفة بدلًا من مخيمات اللاجئين، ولقد لعبَ قدومهم دورًا في كبح نمو الرواتب في القطاع غير الرسمي، وزادَ من حدّة الفقر بين الفئات والطبقات الأردنية الأكثر هشاشة وضعفًا، وبشكل عام أدّت أزمة اللاجئين السوريين إلى تفاقم التحديات السياسية والاقتصادية، ومعها تحديات الموارد المزمنة في الأردن، وهذا ما تشير إليه بعض الدراسات.
لكن يرى بعض الباحثين أن الرأي العام الأردني يبالغ في الحديث عن السلبية لتدفُّق اللاجئين السوريين، بينما تحظى الآثار الإيجابية اهتمامًا أقل بكثير، ما يُبرز الطبيعة السياسية لأزمة اللاجئين في الأردن، كما أن للشعور العام تجاه اللاجئين السوريين تأثيرًا ضارًّا على قدرة الحكومة على الاستجابة بصورة مثمرة لتدفُّق اللاجئين، خاصة مع فقدان الثقة في دعم الجهات المانحة الدولية.
تكلفة الرعاية الصحية الثانوية والأدوية والفحوصات الطبية اللازمة (بما في ذلك تلك المتعلقة بالأمومة) لا تزال غير مناسبة لعائلة سورية لاجئة.
– على الصعيد الاجتماعي، أظهرت دراسة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نظرة 94% من الأردنيين نحو اللاجئين السوريين “إيجابية”، و73% على استعداد لمساعدة اللاجئين بشكل فردي، و40% تبرعوا بالمال لدعم الفئات الأكثر ضعفًا، وذلك رغم زيادة الضغط الذي ولّدته الأزمة على البنية التحتية للأردن، وقطاعات العمل والمياه والصحة والتعليم وغيرها.
وفي عام 2016، سُجِّلت انفراجة لمصلحة اللاجئين السوريين، بعدما سمح الأردن سواء للمقيمين داخل المخيمات أو القاطنين في محافظات المملكة بالعمل في السوق المحلي ضمن مهن معيّنة.
– على صعيد التعليم، أشار تقرير صادر عن منتدى الأردن للمنظمات غير الحكومية (JIF) إلى أن عدد الأطفال من اللاجئين السوريين، الذين تلقّوا التعليم الرسمي وغير الرسمي عام 2018، بلغ حوالي 83.920 طفلًا، يتضمّنهم المراهقون والأطفال ذوو الإعاقة والأشخاص المقيمون خارج المخيمات، لكن الالتحاق والحضور يتناقصان بشكل كبير مع تقدُّم الأعمار، فمعدلات الالتحاق تصل إلى 99% من الأطفال السوريين دون سنّ الـ 11، و15% للأطفال البالغين (16 عامًا)، وقلة من الشباب السوريين يتلقون التعليم العالي.
ومن أهم التحديات في قطاع التعليم اكتظاظ المدارس، وضعف الصيانة، والعنف ضد الأطفال، وعدم وجود المعدّات التربوية الأساسية، وعدم كفاية تدريب المعلمين، ومجموعة من الأسباب الكامنة الأخرى أهمها المصاعب الاقتصادية وعمالة الأطفال، وزواج القاصرات، والمسافة إلى المدرسة، ويتلقّى الأطفال السوريون في المخيمات أوقات تدريس غير كافية.
– على الصعيد الصحي، أشار التقرير نفسه إلى أنه رغم السياسات التي طُبِّقت في هذا القطاع لدعم اللاجئين السوريين، فإن تكلفة الرعاية الصحية الثانوية والأدوية والفحوصات الطبية اللازمة (بما في ذلك تلك المتعلقة بالأمومة) لا تزال غير مناسبة لعائلة سورية لاجئة، ولا يزال توفير خدمات الصحة العقلية وغيرها محدودًا، وهناك نقص في الخدمات الخاصة بالأطفال والمراهقين وكبار السن وذوي الإعاقة.
السوريون في العراق
حذّرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، في بيان مُشترَك لها نُشر بمناسبة مرور 10 سنوات على اندلاع الثورة السورية؛ من ظروف معيشية قاسية يرزح تحت وطأتها نحو ربع مليون لاجئ سوري في العراق.
وقال البيان إنه رغم مرور 10 سنوات على بدء الحرب في سوريا، لم تصبح حياة اللاجئين السوريين في العراق من النساء والرجال والفتيات والفتيان أسهل، بل في الواقع مع مرور كل عام يزداد وضعهم صعوبة، وأنَّ نحو ربع مليون لاجئ وطالب لجوء سوري يعيشون في العراق في ظل ظروف معيشية صعبة منذ بداية الأزمة الإنسانية السورية.
موجة اللجوء السوري الأكبر نحو العراق اتجهت نحو إقليم كردستان العراق، وكان أغلب اللاجئين من السوريين الأكراد، بسبب الجغرافيا المشتركة وقرب الحدود وسهولة تنقُّل العائلات والأطفال والمسنين دون مقابل مادي أو اعتماد على شبكات تهريب، فهناك أكثر من 225 ألف سوري ممّن لجأوا إلى إقليم كردستان العراق، أي ما يمثّل 97% من اللاجئين السوريين في العراق، بعد أن منعَت المنطقة المركزية العراقية دخول اللاجئين السوريين إلى أراضيها.
لذلك إن أكثر من 90% من اللاجئين السوريين في إقليم كردستان هم من السوريين الأكراد، ويعاني اللاجئون السوريون في مخيمات اللجوء في كردستان العراق من مشكلات اقتصادية وسياسية مع الحكومة المركزية، ومن ضعف الدعم الدولي المقدَّم بخصوصهم إلى حكومة الإقليم.
– على الصعيدَين السياسي والاجتماعي، فالتقارب بين مجتمع اللاجئين السوريين والمجتمعات المُضيفة في كردستان العراق، هو تقارب سابق للأزمة السورية وأزمة اللجوء، ويبدو أن فرص الاندماج هي الأعلى حظًّا بالمقارنة مع اللجوء السوري إلى بقية دول الجوار.
– على الصعيد الاقتصادي، سمحت الحكومة الكردية للاجئين بالعمل، وأتاحته للسوريين الحاصلين على هوية الإقامة، ومع أنَّ الحكومة لا تجدِّد هويات الإقامة حاليًّا، ما زال مسموحًا للسوريين بالعمل ما داموا يحملون تلك الهوية، حتى لو انتهت صلاحيتها.
– على صعيدَي الصحة والتعليم، تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنه بإمكان اللاجئين السوريين في إقليم كردستان العراق الوصول إلى الأراضي والخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم وإجراءات التوثيق، ما يؤدّي إلى وجود بيئة حماية مواتية بشكل عام، وتدعم المفوضية التعاون بين حكومة العراق وسلطات حكومة إقليم كردستان بشأن تسجيل اللاجئين وطالبي اللجوء، الأمر الذي من شأنه تنظيم وجودهم في العراق، وحمايتهم من الإعادة القسرية، وتحسين سُبُل وصولهم إلى الخدمات.
بالمحصلة، لا يلوح في الأفق أي حلٍّ لأزمة اللاجئين السوريين، وقد تستمرُّ محنتهم أكثر من فترة الحرب نفسها، ففي العامَين الأخيرَين كانت حركة النزوح طفيفة، نتيجة التوقُّف النسبي للأعمال الحربية، إلا أن مأساة اللاجئين في دول الجوار قائمة ومستمرة، ولم يجرِ إطلاق حلول فعلية لتحسين أوضاعهم في بلدان لجوئهم، أما عودتهم إلى بلادهم قريبًا، فالأمر ليس أكثر من وهم.