في نفس هذا اليوم من العام الماضي، أمام مبنى الكابيتول في واشنطن، أقيمت مراسم تنصيب جو بايدن، الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، ليسدل الستار على أربعة أعوام من حكم الجمهوري دونالد ترامب، أثارت الكثير من الجدل على المستويين المحلي والعالمي، وسط تفاؤل نسبي بأن هذا الفوز بمثابة الملاذ الآمن وعودة مرة أخرى للمسار الصحيح.
اليوم وبعد مرور عام كامل على حكم بايدن، هناك أسئلة بدأت تفرض نفسها على ألسنة الشارع الأمريكي على رأسها: هل حقق الرئيس الديمقراطي وعوده التي قطعها على نفسه قبيل دخوله البيت الأبيض؟ وما التقدم الذي أحرزه مقارنة بسلفه الملياردير الخاسر؟ وما التحديات التي واجهته خلال عام حكمه الأول؟
يعاني المشهد الأمريكي من انقسام إثر تباين الرأي في تقييم أداء بايدن خلال السنة الأولى من السلطة، غير أن الحقيقة الأبرز التي لا تقبل الانقسام تراجع شعبية الرئيس الديمقراطي يومًا بعد الآخر، الأمر الذي يضع مستقبله على وجه الخصوص ومستقبل حزبه بصفة عامة على المحك.
في هذا التقرير نسعى قدر الإمكان لتقديم كشف حساب عن سنة أولى حكم للرئيس الأمريكي، الإنجازات التي حققها من وجهة نظره وردود الفعل حيالها، والإخفاقات التي منيت بها إدارته خلال الأشهر الـ12 الماضية، مع إطلالة على أبرز التحديات التي تواجهه وتمثل تهديدًا صريحًا لاستمراريته على رأس السلطة في الولايات المتحدة.
الانفراجة والأزمة
وفق المؤشرات فإن الاقتصاد الأمريكي خلال العام الماضي بدأ في التعافي تدريجيًا من صدمة الجائحة، وهو ما تبرهن عليه بعض المؤشرات كمعدلات البطالة التي تراجعت من 6.4% قبل عام إلى 3.9% حاليًّا، فيما أشار البيت الأبيض إلى أن النمو الذي حققه الاقتصاد في السنة الأولى لولاية بايدن يعد الأكبر بين كل الإدارات التي حكمت البلاد منذ خمسين عامًا.
الرئيس خلال مؤتمره الذي عقده أمس بمناسبة بدء عام حكمه الثاني، قال: “جائحة كورونا تسببت في الكثير من التداعيات السلبية على الاقتصاد بما في ذلك ارتفاع الأسعار”، موضحًا أنه “قدم خطة من أجل دعم الاقتصاد في البلاد ويسعى لتقليص العجز في الاقتصاد الأمريكي”.
في يوليو/تموز الماضي خرج بايدن ليعلن قرب السيطرة على الجاحئة، لكن سرعان ما كذب الواقع هذا التصريح، وذلك بظهور متحورات عدة لكورونا
وبالفعل فقد نجحت إدارة الرئيس الديمقراطي في تمرير حزمة إنفاق ضخمة على البنية التحتية بمبلغ تريليون دولار أقرت من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، رغم أنه كان قد طلب 2.3 تريليون دولار في البداية، غير أن ذلك قوبل بالرفض فاضطر لتقليل المبلغ.
لكن في الجهة المقابلة يعتبر آخرون أن الاقتصاد خلال هذا العام – رغم المؤشرات الإيجابية النسبية سالفة الذكر – يعد أحد مساوئ إدارة بايدن وضلعًا أساسيًا في منظومة الإخفاق، مستندين في ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم التي بلغت نحو 7%، وهو المعدل الأسوأ من نوعه منذ أكثر من 40 عامًا، فيما أرجع خبراء مشكلة التضخم إلى أزمات أخرى لا يتحملها الرئيس وحده، مثل مشكلة تعطل شبكة الإمدادات وتقلص إمدادات النفط التي أثرت بشكل كبير على ارتفاع الأسعار.
التحدي المستمر
تعهد بايدن مع بداية تسلمه للسلطة القضاء على الجائحة التي خيمت على البلاد خلال حكم ترامب، لكن الأمور لم تكن كما خطط لها، فبعد عام من الحكم لا يزال الوباء يحاصر الولايات المتحدة بموجات متلاحقة من الوباء ومتحوراته، الذى أصبح من الصعب السيطرة عليها.
وفي يوليو/تموز الماضي خرج بايدن ليعلن قرب السيطرة على الجائحة، لكن سرعان ما كذب الواقع هذا التصريح، وذلك بظهور متحورات عدة لكورونا، البداية كانت بالمتحور دلتا الذى أخذ يضرب من جديد، ومع ظهور أوميكرون، تصاعدت الأزمة بصورة غير متوقعة، ليجد الرئيس نفسه مضطرًا للاعتراف بأنه من الصعب التخلص من الفيروس نهائيًا، لكن هناك إمكانية للسيطرة عليه.
هناك حالة من التناقض في التصريحات الرسمية والخاصة بشأن السيطرة على الجائحة، الأمر الذي يشير إلى فوضى وغياب شبه تام للشفافية، وهو ما سيكون له تأثير على شعبية الرئيس كما سيرد لاحقًا، ففي الوقت الذي تقول فيه المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إن عدد البالغين الذين تلقوا اللقاح بالكامل ارتفع إلى 74%، أظهر تحليل لوكالة أسيوشيتد برس أن أمريكا حلت في مرحلة متأخرة نسبيًا بعد بعض البلدان فيما يخص معدلات التطعيم.
السياسة الخارجية
الباحث السياسي في صحيفة “واشنطن بوست” ستيفن ليفينغستون، علق على السياسة الخارجية الأمريكية بعد عام على حكم بايدن بأنها عادت إلى “الحالة الطبيعية” للولايات المتحدة، معتبرًا أن تخلصه من النزعة القومية الترامبية “أمريكا أولًا” خطوة جيدة لإعادة بناء العلاقات مع الحلفاء وتعزيز المؤسسات الدولية، لافتًا إلى أنه تمكن من ترميم الشروخات التي مني بها “الاتفاق النووي الإيراني” كما حاول في الوقت ذاته ترويض الصين.
وفي الجهة الأخرى يرى مدير مركز السياسة الأمنية، فريدريك فليتز، المدير السابق لمركز الأمن القومي خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أن العام الأول لحكم بايدن كان سيئًا على مستوى السياسة الخارجية: “لا قرارات حاسمة ولا سياسة خارجية متماسكة، وهو ما ظهر في أفغانستان وأظهر إلى العديد من الدول، بما في ذلك خصوم أمريكا، مدى عدم كفاءة الإدارة الحاليّة”.
الانسحاب من أفغانستان: هناك توجه يرى أن هذا القرار من مفاخر العام الأول لإدارة بايدن، التي نجحت فيما فشلت فيه 3 إدارات سابقة حددت “أهدافًا عظيمةً للغاية” في العراق وفي أفغانستان ولم تنجح، بحسب “فورين بوليسي”، وهو ما يتناغم مع ما قاله الرئيس في كلمة الأمس بأنه “لم يكن هناك سبيل لخروج سهل من أفغانستان بعد 20 عامًا من الوجود”، مضيفًا “لو بقينا في أفغانستان لكان يتعين علينا نشر 20 إلى 50 ألف جندي آخر هناك”.
وفي المقابل يقول البعض وفي المقدمة منهم الجمهوريون إن هذا القرار كان خاطئًا بشكل كبير على صعيد السياسة الخارجية، كما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” التي أشارت إلى أن “الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان اختبر التحالفات الأمريكية في الخارج وألقى بظلال من الشك في أعين العديد من الأمريكيين”، فيما قال فليتز: “ما حدث في أفغانستان وغيرها من أخطاء السياسة الخارجية لبايدن شجع أعداء أمريكا وجعل الصين أكثر عدوانية في تهديداتها تجاه تايوان، ودفع الإيرانيين إلى التعنت في مفاوضات الاتفاق النووي، وشجع فلاديمير بوتين على حشد القوات على الحدود الأوكرانية”، حسب تصريحاته لموقع “الحرة“.
يعد الملعب الأوكراني أحدث ساحات التنافس بين القطبين، لا سيما بعد حشد الرئيس فلاديمير بوتين لقوات بلاده على الحدود الأوكرانية، وهو التحرك الذي أرجعه البعض لسياسة بايدن الهادئة
الاتفاق النووي الإيراني: تبنت إدارة بايدن نهجًا مغايرًا تمامًا في التعاطي مع هذا الملف مقارنة بما كانت عليه إبان حكم ترامب، فيميل الرئيس الديمقراطي إلى الحل الدبلوماسي لإنهاء هذا الملف، معتبرًا أن قرار الانسحاب الأحادي خطيئة يجب تداركها قبل فوات الأوان.
بايدن يرى أن هناك تقدمًا ملحوظًا في المحادثات مع طهران، وأن هناك توافقًا نسبيًا بين مجموعة الدول التي تتفاوض إلى جانب الولايات المتحدة مع الجانب الإيراني، وقال إنها جميعًا “تقرأ في نفس الصفحة، لكن لا أحد يعلم ما الذي ستفضي إليه الأمور”، مشددًا على أن هذا ليس وقت الاستسلام فيما يتعلق بالحل الدبلوماسي.
وفي المقابل يرى آخرون أن طريقة تعاطي إدارة بايدن مع هذا الملف شجعت الإيرانيين على تعزيز مكاسبهم في المفاوضات النووية، غير أنه ورغم عدم نجاح الإدارة الأمريكية في مساعيها للعودة بشكل كامل للاتفاق المبرم في 2015، فإنه قد يتم التوصل إلى اتفاق جديد أو تعديل الاتفاق القديم بشكل يجمد تحركات طهران لامتلاك السلاح النووي، هكذا يمني الجمهوريون أنفسهم.
أوكرانيا والعلاقات مع الروس: يسير بايدن عكس عقارب الساعة الترامبية في التعامل مع موسكو، فمنذ اليوم الأول يصعد الرجل خطابه الخشن إزاء القطب الشرقي، فيما شهدت العلاقات خلال العام الأخير موجات متتالية من الصدامات الدبلوماسية والسياسية، وأحيانًا الاقتصادية.
ويعد الملعب الأوكراني أحدث ساحات التنافس بين القطبين، لا سيما بعد حشد الرئيس فلاديمير بوتين لقوات بلاده على الحدود الأوكرانية، وهو التحرك الذي أرجعه البعض لسياسة بايدن الهادئة، التي شجعت بوتين على هذا التحرك في هذا الوقت تحديدًا.
وبينما لا يعتقد البعض غزو موسكو لأوكرانيا مجددًا لا يستبعد بايدن هذا التحرك، قائلًا في كلمته أن بوتين “يرغب في امتحان الولايات المتحدة والحلف الأطلسي، لكنه سيدفع ثمنًا باهظًا”، معتقدًا أن “الرئيس الروسي سيتحرك”، مضيفًا “سنجعل روسيا تدفع ثمنًا باهظًا في حال غزت أوكرانيا”.
تراجعت شعبية بايدن بصورة لم يشهدها رئيس سابق في عام حكمه الأول، إذ وصلت إلى 40% فقط في كثير من الأحيان، رغم النجاح الكاسح الذي حققه في الانتخابات الرئاسية
دخول واشنطن على خط الأزمة الأوكرانية كلاعب أساسي داعم للموقف الأوروبي الأطلسي، سواء سياسيًا أم التلويح بتسليح الأوكرانيين أسوة بدول أوروبا، وضعها في صدام مباشر مع موسكو التي ترفض أي وصاية أجنبية عليها، معتبرة أن تحركاتها على الحدود حماية لأمنها القومي، وهو ما يتعارض بالطبع مع التجارب السابقة في القرم وغيرها.
التصعيد الأمريكي الروسي حلقة واحدة في سلسلة الصدام بين الشرق والغرب، إذ يضع الأمريكان الروس والصينيين والإيرانيين في سلة واحدة، وأمام هدف واحد، وإن تباين في الأدوات المستخدمة من معركة لأخرى، غير أنه من المبكر الحكم على إدارة بايدن لهذا الملف، إذ لا تزال المعركة في بدايتها دون مؤشرات واضحة على لمن تكون الغلبة.
الطعنة الأبرز
اللافت للنظر خلال العام الأول لبايدن أنه فشل في تضميد جراح الانقسام التي خلفها ترامب، وعززت الانقسامات وأججت مشاعر العنصرية بين أبناء الشعب الأمريكي، فلا تزال الأوضاع في مستواها الحرج دون أي تغيير يذكر رغم الإجراءات التي اتخذها الرجل سواء عبر خطاباته أم التعيينات التي قام بها على مستوى إدارته وداخل البيت الأبيض التي حاول من خلالها تقديم صورة جديدة لبلاده.
ونتيجة لما سبق، تراجعت شعبية بايدن بصورة لم يشهدها رئيس سابق في عام حكمه الأول، إذ وصلت إلى 40% فقط في كثير من الأحيان، رغم النجاح الكاسح الذي حققه في الانتخابات الرئاسية، فيما كانت استطلاعات رأي أخرى أكثر تشاؤمًا حين أشارت إلى شعبية الرئيس الديمقراطى إلى نحو 33%، وهي النتيجة التي أثارت حفيظة البيت الأبيض.
وهكذا وبعد مرور 12 شهرًا فقط على حصول الرئيس الديمقراطي على النسبة الكبرى في تاريخ البلاد في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2020، ها هو يودع عام حكمه الأول على رأس قائمة الرؤساء الأقل شعبية، ما سيكون له تأثير بالغ وثمن باهظ ربما يدفعه الحزب الديمقراطي خلال انتخابات التجديد النصفى للكونغرس فى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لم يتبق أمام بايدن الكثير من أجل تحسين صورته وإقناع كوادر حزبه بالاستمرار كمرشح للديمقراطيين في الماراثون القادم، وعليه فليس أمامه إلا شهرين تقريبًا على خطاب “حال الاتحاد” المتوقع أمام الكونغرس في الأول من مارس/آذار القادم، فإما أن ينجح في تغيير الأجواء قبل هذا الموعد وإما يضع مستقبله على المحك، خاصة في ظل توقعات فوز الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي وبالتالي السيطرة الكاملة على الكونغرس بغرفتيه.