ترجمة حفصة جودة
تعمل منى عزام معلمةً في مدرسة ابتدائية بقضاء الشوف في محافظة جبل لبنان منذ عام 1996، قالت عزام – 58 عامًا – إنها كانت سعيدة بعملها وبظروف معيشتها كثيرًا معظم الوقت، لكن منذ أن بدأت قيمة الليرة اللبنانية في الهبوط عام 2019، عانت عزام لتغطية احتياجاتها الأساسية.
في هذا الشهر ولأول مرة في حياتها المهنية، شاركت عزام في إضراب للمعلمين يطالبون فيه بزيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل، فمع تراجع قيمة الليرة انخفض راتب عزام الشهري ليصبح معادلًا لأقل من 100 دولار، والآن تكافح لمواكبة أسعار الوقود المرتفعة للحفاظ على الأضواء والمدافئ في الشتاء.
تقول عزام: “يغطي راتبي بالكاد تكلفة الوقود وتغيير الإطارات، فأنا أعيش في قرية تبعد عدة قرى عن مدرستي، وهي منطقة جبلية، لذا إن لم أتمكن من تغيير إطارات السيارة سأقع في حادث بالسيارة”.
في 10 يناير/كانون الثاني بدأ معلمو المدارس العامة في البلاد إضرابًا مفتوحًا، وأغلقت معظم المدارس العامة في البلاد ورفضت أن تفتح أبوابها، إذ يطالب المعلمون برواتب ومعاشات أعلى لكسب معيشتهم.
لم تتغير أجور موظفي القطاع العام في لبنان لتتماشى مع انخفاض قيمة الليرة لأكثر من 90% ومع معدل التضخم المرتفع في البلاد، فخلال عامين من بدء الأزمة الاقتصادية في البلاد، أصبح ثلاثة أرباع السكان تحت خط الفقر، واضطرت معظم العائلات للعمل بميزانيات منخفضة فأصبحت تكلفة الكهرباء والماء والطعام عبئًا كبيرًا.
اضطرت الكثير من الأسر اللبنانية التي كانت ترسل أبناءها لمدارس خاصة، أن تلحقهم بالمدارس العامة، ما أدى إلى زيادة الطلب عليها
تعمل عبير جابر معلمةً متعاقدةً في مدرسة عامة وتحصل على أجرها بالساعة، ومنذ بداية الأزمة انخفضت قيمة راتبها من 13 دولارًا في الساعة إلى أقل من دولار، تقول جابر: “يحاول المعلمون التعامل مع الأمر بمشاركة السيارات لأنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة البنزين، وفي بعض الأحيان كنا ندفع من أموالنا الخاصة لنتأكد أن كل الطلاب يملكون أدوات مكتبية ويستمتعون بالتعليم، لكننا لا نستطيع أن نتحمل ذلك بعد الآن”.
تعاني المدارس كذلك من نقص المعلمين، تقول جابر إن الحكومة لا تملك الموارد الكافية لتعيين المزيد، في الوقت نفسه وبسبب الأزمة الاقتصادية، اضطرت الكثير من الأسر اللبنانية التي كانت ترسل أبناءها لمدارس خاصة، أن تلحقهم بالمدارس العامة، ما أدى إلى زيادة الطلب عليها.
في البداية كان المعلمون يدفعون من جيوبهم لمساعدة الطلاب على تحمل تكلفة الكتب والأداوت المدرسية التي يحتاجون إليها، لكن جابر وعزام تقولان إن ذلك لم يعد ممكنًا، يقول المعلمون إنهم لم يحصلوا على أي تعوضيات من الحكومة للتكاليف الإضافية لفواتير الإنترنت والهاتف في أثناء الجائحة عندما كانوا يدرسون عن بعد.
تقول ديمة وهبي مستشارة الاتصالات والمناصرة والسياسات في لجنة “الإنقاذ الدولية” إن العائلات تواجه العديد من العقبات لضمان تعليم أطفالها.
تشرح وهبي قائلة: “أصبح التعليم تحديًا كبيرًا للآباء الذين يكافحون لتحمل تكلفة المواصلات والأدوات المدرسية وحتى وجبات الطعام، كما أن وقود التدفئة والكهرباء في المدارس أصبح مشكلةً إضافيةً، فانخفاض قيمة رواتب المعلمين خاصة في القطاع العام يؤثر على جودة التعليم وإمكانية الوصول إليه”.
وثقت اليونسيف والجماعات الإنسانية آلاف حالات الاعتداء على الأطفال خلال العام الماضي، بما في ذلك ارتفاع معدل زواج الأطفال وعمالة الأطفال لتأمين المال لعائلاتهم
لكن الحكومة اللبنانية التي أوشكت على الإفلاس تقول إنها لا تستطيع القيام بالمزيد، قال وزير التعليم عباس حلبي: “مطالب المعلمين بتحسين رواتبهم وظروف العمل مبررة”، يضيف حلبي “لا شك في ذلك، لكن هناك مطالب مشابهة من الجيش والنظام القضائي وسائقي المواصلات العامة، إنها مشكلة لا تخص المعلمين فقط إنها مشكلة البلاد بأكملها”.
“تحتاج الحكومة بأكملها أن تعمل على حل تلك المشكلة، إنها مشكلة أكبر من وزارة التربية والتعليم وليس لدي القدرة على حلها، فأنا لست وزير المالية ولا أحدد سياسات الوزارة وحدي”.
سعى الوزير للحصول على مساعدة الوكالات الإنسانية لمساعة المدارس في إجراءات الصحة المتعلقة بكوفيد-19 والمنشآت ومساعدة الأسر المحتاجة لإبقاء أطفالهم في المدارس.
كان لأزمة لبنان تأثير هائل على ملايين الأطفال، فقد وثقت اليونسيف والجماعات الإنسانية آلاف حالات الاعتداء على الأطفال خلال العام الماضي، بما في ذلك ارتفاع معدل زواج الأطفال وعمالة الأطفال لتأمين المال لعائلاتهم، قدرت الجماعات أن نحو 15% من العائلات توقفوا عن إرسال أطفالهم للمدارس.
حاولت بعض المنظمات غير الربحية مثل “CodeBrave” تقديم فرص لهؤلاء الأطفال، فقد وفرت المنظمة تعليمًا فنيًا للأطفال المحرومين في محاولة لمساعدتهم على تأمين فرص عمل وتعليم أعلى.
لا تخطط السلطات اللبنانية لزيادة رواتب المعلمين أو أي من موظفي القطاع العام الآن وفقًا للمشرعين ومشروع ميزانية الحكومة 2022
قالت كليمنتين براون مدير “CodeBrave” وشريك مؤسس: “تعرفنا إلى 30 طفلًا في أثناء التطوع في أحد الملاجئ عام 2018، غادر معظمهم وشاركوا في أعمال عسكرية أو جنسية لعدم وجود فرص عمل، أحد هؤلاء الأطفال اقترح تعلم البرمجة”.
يمتلئ مكتب “CodeBrave” في بيروت بأجهزة الحاسب المحمولة والأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة ومعدات أخرى لطلابهم، تقول براون إنهم توسعوا سريعًا بسبب المطالب المتزايدة من المدارس والمنظمات غير الحكومية، دعمت المنظمة أكثر من 400 طالب في 2021 ولديها الآن تمويل لدعم 100 طالب إضافي هذا العام.
في الوقت نفسه، لا تخطط السلطات اللبنانية لزيادة رواتب المعلمين أو أي من موظفي القطاع العام الآن وفقًا للمشرعين ومشروع ميزانية الحكومة 2022، لكن الحكومة ستناقش خطة لزيادة بدل انتقالات المعلمين وتوفير حوافز نقدية مؤقتة يوم الإثنين في أول اجتماع لها منذ أكثر من 3 أشهر، ويقول المشرعون المقربون من رئيس الوزراء إنه من المتوقع الموافقة على هذه الإجراءات.
تقول عزام إنها ممتنة لأن ابنها – الذي يعيش في الخارج – يرسل بعض العملات الصعبة التي تشتد الحاجة إليها لمساعدتهم في نفقاتهم الشهرية، كما أجلّ زوجها تقاعده وقرر مواصلة العمل بعد انخفاض قيمة مدخراته.
لكنها تقول إن الحكومة لا يجب أن تسمح للمعلمين بالاستمرار كذلك، بينما تقول جابر إن المعلمين سيواصلون إضرابهم إذا لم تتحسن الظروف، وتضيف “يحتاج معلمو المدارس للعمل في ظروف أفضل وإلا فإن العام الدراسي سيكون قد انتهى”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية