لم يعد بائعو الصحف والمجلات في شوارع ستوكهولم، وأغلبهم من المتسولين والمُشرَّدين، يطلبون من المارة أي عملات نقدية، فهُم يأخذون بدلًا منها بطاقات إلكترونية. نعم، كما قرأت بالضبط! السويد تتحول تدريجيًا إلى مجتمع بدون كاش، حيث انتشرت بشدة بطاقات الدفع الإلكتروني (أو الدفع الافتراضي)، ووصلت إلى الدفع للمتسولين وحتى البنوك ذاتها.
تقول بيا ستولت، أحد العاملات بمجلة سويدية: “تزايدت أعداد الباعة الذين يشكون رغبة الناس في مساعدتهم والحصول على نسخة من الصحف، غير أنهم أحيانًا لا يحملون نقود كاش للدفع. كان يجب أن نفعل شيئًا لمساعدتهم. لذلك، عملنا مع شركة الدفع عبر المحمول “أي زِتِّل”، وقُمنا بابتكار طريقة لبيع المجلة بشكل إلكتروني. لم نكن نعلم ما إذا كانت التجربة ستنجح، حيث يصعب تخيّل رضا الناس بأن يعطوا بطاقات إلكترونية ومعلومات عنها لشخص متسوّل، لكن النتائج كانت مُذهلة. فقد ارتفعت المبيعات بسنبة 59٪”
يثق السويدون ببعضهم البعض بشكل كبير، وهم معتادون على تبنّى أحدث أنواع التكنولوجيا. ليس غريبًا إذن أن تنطلق حملة “مجتمع بدون كاش” من السويد. تتم أربعة من كل خمسة معاملات مالية اليوم إلكترونيًا في السويد، طبقًا لنيكلاس أرفيدسون، أستاذ الديناميكا الصناعية بالمعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد، والتحوّل بشكل شامل نحو اقتصاد بلا كاش هو الخطوة التالية.
أحد أبرز مروجي الحملة هو بيورن أولفَيوس، المغنّي بفريق آبا السويدي الشهير ABBA، فبعد أن تمت سرقة ابنه منذ عدة سنوات، أصبح بيورن من المبشّرين بالدفع الإلكتروني. هكذا إذن، الرجل الذي غنّى يومًا ما أغنية آبا الشهيرة، Money, Money, Money، يعيش بدون كاش منذ أكثر سنة، وهو لا يفتقد سوى إحساس استخدام العملات النقدية للحصول على عربة تسوّق. “على السويد أن تكون بالفعل أول مجتمع بدون كاش في العالم”، هكذا يقول بيورن.
المواصلات العامة طبقّت هذا النظام بالفعل في السويد، وقد انضمت بريطانيا إلى القائمة مطلع هذا العام. كانت هناك موجة من سرقات البنوك منذ سنوات، ولذا، قررت البنوك هي أيضًا التحوّل بعيدًا عن الكاش من أربع سنوات. الآن تتعامل خمسة من أكبر ستة بنوك بالسويد قدر استطاعتها بدون كاش في تعاملاتها المالية، وأصبح القطاع المالي السويدي أكثر كفاءة، ووصلت سرقات البنوك لأقل مستوى لها منذ ثلاثة عقود، طبقًا لاتحاد المصرفيين السويديين.
يقول أرفيدسون أن الناس والبنوك والحكومة في السويد يثِقون في بعضهم البعض أكثر ربما من غيرها من البلدان، بالإضافة إلى أن الفساد محدود جدًا، ولذلك لا يحتاج السويديون إلى أموالهم بين أيديهم مباشرة للشعور بالأمان.
تحظى حملة بدون كاش بدعم تحالف “أفضل من الكاش” التابع لصندوق الأمم المتحدة لتنمية رأس المال، والذي يسعى لتسريع هذا التوجه نحو الدفع الإلكتروني، وتموّله جهات عدة مثل مؤسسة بيل ومِليندا جيتس، ماستر كارد، وفيزا. غير أن السويد هي من يقود فعليًا هذه الثورة نحو مستقبل بلا كاش.
يقول بِنغت نيلِرفال، عضو اتحاد التجارة السويدي، أن التجارة بلا كاش أكثر أمانًا وتوفر المال، لأن التعامل النقدي ونقل الأموال بحد ذاته يكلّف الكثير، وقد اتخذت الجهات الرائدة في مجال الدفع بالبطاقات إجراءات أمنية عدة لضمان الأمان وحماية الأموال، وهو ما دفع السويديين للثقة في الدفع إلكترونيًا.
بيد أن هناك مخاوف بشأن تكيّف 1.8 مليون متقاعد في السويد مع النظام الجديد، إذ يشعر الكثير من كبار السن بأنهم مهمشون في هذا النظام حين يضطرون لاستخدام هواتفهم أو بطاقاتهم الائتمانية في ركوب المواصلات أو استخدام المراحيض العامة، هذا ما تقوله يوهانّا هَيلين، العاملة بالمنظمة السويدية الوطنية للمتقاعدين، والتي تطالب الحكومة بالتريّث في سياساتها الجديدة، إذ يستخدم 50٪ فقط من المتقاعدين الأعضاء بالمنظمة بطاقاتهم في كافة التعاملات، في حين لا يستخدمها أبدًا حوالي 7٪.
تمثل ثورة اللاكاش هذه أيضًا تحديًا للسائحين، والذين سيحتاجون هاتفًا محمولًا سويديًا لإجراء تعاملاتهم المالية، أو بطاقات مثل الكوبون مدفوعة سلفًا قبل الوصول إلى السويد. يقول بيورك إريكسون، خبير أمني بشركة خاصة في ستوكهولم، أن هناك مخاوف من عمليات النصب، والتي تضاعفت على مدار العقد الماضي طبقًا للمجلس الوطني لمكافحة الجريمة في السويد. أيضًا، بالنظر لما كُشِف مؤخرًا عن تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية، يشعر الكثيرون بعدم الراحة من قابلية تجسس شركات أمريكية كبرى على كل تعاملاتهم المالية الصغيرة والكبيرة.
العائق الوحيد أمام تحقق تلك الثورة المالية بالكامل، هو أن السويديين عاطفيين نوعًا ما فيما يخص حق البشر في التعامل بعملات وأوراق نقدية، إذ يعتقد حوالي ثلثا السويديين أن حمل الكاش حق من حقوق الإنسان. يقول أرفيدسون: “نحن السويديون نحب أن تكون لدينا عملاتنا الخاصة؛ بل إننا خططنا بالفعل لأوراق نقدية جديدة ستُطرَح العام المقبل. الناس هنا يفضلون أن تكون العملات موجودة، حتى وإن لم يستعملوها. العُملة السويدية بحد ذاتها ركن أساسي من كونك سويدي” (السويد، مثل بريطانيا، لم تتبنى اليورو رُغم عضويتها بالاتحاد الأوربي، وتحتفظ إلى اليوم بُعملتها الكرونا.)
المصدر: الغارديان