تشهد محافظة الحسكة شمال شرق البلاد، اشتباكات مسلحة بين عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وعناصر قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، لليوم الثالث على التوالي، عقب اقتحام خلايا التنظيم سجن الصناعة أو ما يعرف بـ”سجن غويران”، بغية تحرير عناصره المحتجزين داخل السجن الذي تديره “قسد”.
أثار الاختراق الأمني المنظم الذي نفذته عناصر تنظيم داعش، في مناطق سيطرة قسد، العديد من التساؤلات عن الإمكانات المتاحة لدى التنظيم وقدرته على شن حملات عسكرية في ظل سيطرة قسد التي لطالما أعلنت مواصلتها تشديد الحملات الأمنية لملاحقة فلول التنظيم، فهل هناك دور لقسد في العملية؟ وما أهدافها؟
تواصل الاشتباكات
بدأت خلايا تنظيم داعش هجماتها العسكرية مستهدفةً سجن غويران، مساء الخميس 20 يناير/كانون الثاني، عبر تنفيذ عمليات انتحارية ودراجة نارية ضربت المناطق المحيطة في السجن بهدف إرباك عناصر قسد الذين يفرضون حراسة أمنية مشددة على السجن.
ونقلت وكالة أعماق المقربة من التنظيم، الجمعة 21 يناير/كانون الثاني، أن عناصر التنظيم يشنون هجومًا واسعًا يستهدف سجن غويران بهدف تحرير الأسرى المحتجزين بداخله، بحسب مضمون البيان.
وخلال ساعات من بدء العمليات، استطاعت خلايا التنظيم اقتحام السجن وتحرير مئات الأسرى المحتجزين لدى “قسد” في سجن غويران، ومع وصول عناصر التنظيم الذين هاجموا السجن نفذ المحتجزون عملية استعصاء، داخل السجن، لمساندة المهاجمين، في عملية الهجوم المحكمة التي نفذها نحو الـ100 عنصر من الخلايا النائمة التابعة للتنظيم.
وتزامنًا مع العملية، حصل معظم الفارين على أسلحة فردية من داخل السجن إضافة إلى الأسلحة التي حصل عليها الأسرى من الخلايا المهاجمة التي سيطرت لاحقًا على مخازن السلاح داخل السجن، فقد توجه أفراد التنظيم الفارين نحو الأحياء السكنية محيط السجن، كحي الزهور والنشوة والعزيزية وحوش الباعر في مدينة الحسكة.
من جانبها أرسلت قوات سوريا الديمقراطية تعزيزات عسكرية لملاحقة عناصر تنظيم داعش الفارين من سجن غويران، إضافة إلى قصف جوي نفذه طيران التحالف الدولي على أجزاء من السجن، بينما صرحت قسد، أنها ألقت القبض على أكثر من 100 أسير فار من سجن غويران، بينما قتل العشرات منهم في عمليات الاشتباك الدائرة.
قائد قسد، مظلوم عبدي، قال إن قواته نجحت في صد هجمات التنظيم واعتقال جميع الهاربين، لكنه لفت إلى أن الأقسام الداخلية في السجن ما زالت بيد عناصر التنظيم، مؤكدًا أن قواته بمساعدة التحالف تمكنت من صد الهجوم واعتقال جميع الهاربين.
الصحفي زين العابدين العكيدي، من دير الزور، قال لـ”نون بوست”: “أعداد الفارين من سجن غويران تفوق الأعداد التي صرحت عنها قسد، كون الاشتباكات لا تزال دائرة وقد تزداد رقعتها في ظل انتشار عناصر التنظيم، بين الأحياء الشعبية المحيطة بالسجن، وما عرضته قسد من استعادتها الأسرى يظهر أن معظمهم من كبار السن والمرضى غير القادرين على الفرار، ومن الواضح غياب العناصر الفتية، التي فرت”.
داعش ينشر فيديو لـ”هدم أسوار” سجن غويران بالحسكة السورية
نشر تنظيم #داعش الإرهابي، لقطات مصورة للهجوم الذي استهدف سجن #غويران بحي الصناعة بمحافظة #الحسكة السورية، والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية#أخبار_الآنhttps://t.co/rgmpuVjIfK pic.twitter.com/9XkmVNVAnK
— Akhbar | أخبار الآن (@akhbar) January 23, 2022
وأوضح أن “عناصر التنظيم يمتلكون التدريب الكامل على قتال الشوارع وإذا حصلوا على السلاح فإنهم لن يسلموا أنفسهم طالما أنهم يمتلكون القدرة على المجابهة، لذلك فإن استمرار الاشتباكات وتوسع رقعتها أمر معقول بعد مرور ثلاثة أيام من بدء الهجوم وعدم قدرة قسد على إحكام الأمن في المنطقة”.
عملية محكمة.. ومحاولات سابقة
نفذت عناصر تنظيم داعش العملية بإحكام، فاستطاعوا الوصول إلى الأحياء المحيطة بالسجن قبل أيام من عملية الهجوم التي شنتها الخلايا النائمة التي كانت على اتصال مباشر ببعض العناصر المحتجزين داخل السجن الذين يمنحون إمكانية التواصل مع ذويهم لقاء المال الذي يحصل عليه السجانون، بحسب ما أشار إليه العكيدي، خلال حديثه لـ”نون بوست”.
ويبدو أن هذه العملية ساهمت في إحداث ثغرة أمنية كبيرة مكنت عناصر التنظيم من سرعة الدخول إلى السجن والانتشار بين الأحياء السكنية، ما يبرهن على قوة التكتيك الذي اتبعته عناصر التنظيم لنجاح العملية التي أحدثت خرقًا أمنيًا كبيرًا في مناطق سيطرة “قسد”.
يقع سجن الصناعة بحي غويران بالحسكة من بين 7 سجون منتشرة في شمال شرق سوريا يُحتجز فيها 5 آلاف أسير من عناصر تنظيم داعش، وهو عبارة عن بناء كبير يضم عشرات المهاجع الضخمة والزنازين وتحيط به أسوار عالية تخضع لحراسة مشددة من قوات قسد.
ويبدو أن السجن في منطقة عسكرية متشابكة ومعقدة حيث تنتشر إلى جانب قوات قسد وقوات التحالف الدولي والجيش الأمريكي، قوات نظام الأسد ووحدات من الجيش الروسي، وهذه القوات الأخيرة تحكم السيطرة على جيب حكومي يقع في مركز مدينة الحسكة.
ويبدو أن المشهد مختلف تمامًا، فيظهر أن العملية مخطط لها لتحقيق مصالح عدة أطراف، لأن خرق الجدار والدخول إلى السجن وتوجه المهاجمين والأسرى إلى الأحياء السكنية، عوضًا عن التوجه إلى الصحراء، يدل على خطة منظمة ومحكمة لخلق فوضى داخل المدينة.
ويرى الصحفي سامر الأحمد خلال حديثه لـ”نون بوست” “أن الهدف من ظهور التنظيم إحداث فوضى وتوتر في المدينة، التي تشهد صراعًا دوليًا مستمرًا منذ عدة أشهر بين موسكو وطهران ودمشق من جهة وواشنطن وقسد من جهة أخرى، ورغم أن التنظيم ليس لديه القدرة العسكرية على السيطرة، فإن شبكاته الأمنية قادرة على خلق الفوضى، خاصةً مع امتداد الاشتباكات إلى عدة أحياء، ما يعني أن هدف التنظيم خلط الأوراق من جديد، وبالتالي فإن العملية معدة بتخطيط عالي المستوى”.
وحاول عناصر تنظيم داعش، مرارًا الوصول إلى السجن واستهدافه بالعربات المفخخة خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن الأجهزة الأمنية التابعة لـ”قسد”، كانت تحبط المحاولات، فقد نشرت قسد في 25 ديسمبر/كانون الأول 2021 اعترافات لقيادي في الخلايا النائمة التابعة للتنظيم.
ويعتبر القيادي مسؤولًا عن تنفيذ مخطط الهجوم على سجن غويران، الذي لم يحدث بسبب إفشال العملية من “قسد” التي لم تتخذ إجراءات احترازية تمنع تنفيذ هذا الهجوم المخطط وبدأ بتنفيذه تنظيم داعش، رغم إمكانية أخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة.
ومع ذلك تبدو الخطة التي نفذها التنظيم خلال الخميس الفائت، مماثلةً للخطة التي تحدث عنها القيادي في عناصر التنظيم بعد إلقاء القبض عليه، ما يرجح إمكانية إفساح المجال أمام التنظيم من عناصر وقيادات قسد لإحداث فوضى أمنية في مدينة الحسكة، بحسب ما أكد الصحفي سامر الأحمد خلال حديثه لـ”نون بوست”.
ما دور قسد في العملية؟
عمليًا تستفيد قسد من عودة ظهور تنظيم داعش، في مناطق سيطرتها لكن ليس بهذا الزخم غير المتوقع بغية تحقيق العديد من المصالح المحلية التي تسهم في استمرار حكمها مناطق شمال وشرق سوريا، إلى جانب الحصول على دعم دولي يمكنها من ذلك.
وعن الموضوع قال الأحمد: “قسد لديها أسباب قريبة وبعيدة تريد تحقيقها من خلال إفساح المجال أمام التنظيم لإجراء العملية على سجن غويران، القريبة: إظهارها للأهالي أنها تدافع عنهم وما زالت موجودة، وإذا حدثت أي احتجاجات على سوء الأوضاع المعيشية، فإن عودة داعش ممكنة، لذلك يجب أن توقفوا الاحتجاج”.
وأضاف “الأهداف البعيدة تذهب إلى جلب المزيد من الدعم لأن قسد أوقفت عملياتها ضد داعش قبل أعوام، لذلك انخفض الدعم اللوجستي المقدم لقواتها، إضافة إلى تأخير الانسحاب الأمريكي من سوريا، الذي دفع بأنظار روسيا وتركيا وإيران ونظام الأسد نحو مناطق سيطرتها”.
واعتبر الأحمد، أن الاختراق الأمني الحاصل، سيضع قسد في موقف حرج أمام حليفتها واشنطن التي ستتخلى عنها كونها ليست أهلًا لاستلام زمام الأمور الأمنية والعسكرية، لذلك ستلجأ الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف عشائري عربي تعتمد عليه مشابه لصحوات العراق، وهي تجربة ناجحة إلى حد ما.
الأهالي ضحية سائغة!
ومع تواصل الاشتباكات وتوسع رقعتها، بين داعش وقسد، شهدت أحياء غويران والمقبرة والعزيزية، محيط سجن غويران في مدينة الحسكة، حركة نزوح جماعي لأعداد من المدنيين، نحو مناطق سيطرة نظام الأسد في المربع الأمني داخل المدينة بينما توجه آخرون إلى القرى والبلدات المحيطة.
وقال الصحفي سامر الأحمد: “تشهد ثلاثة أحياء في مدينة الحسكة حركة نزوح للأهالي جراء الاشتباكات الدائرة، من قصف وتدمير، رغم عدم انتقال التحالف الدولي إلى القصف الجوي العشوائي، إضافة إلى وجود محتجزين من الأهالي وغير قادرين على مغادرة الأحياء التي تدور فيها الاشتباكات بعد حظر التجوال”.
ويخشى الأهالي في مدينة الحسكة من حصول تغيير ديموغرافي، كون الأحياء التي تدور بها الاشتباكات ذات الغالبية العربية، وذلك عبر التضييق على المدنيين بعد انتهاء المواجهات العسكرية، لا سيما أن قسد استخدمت سياسات تمييزية وعنصرية تمنع النازحين من دخول الأحياء ذات الغالبية الكردية تحت ذريعة منع تسلل عناصر التنظيم.
وأضاف الأحمد “العرب لا يساندون التنظيم كما أنهم لا يساندون قسد، لكن لديهم احتجاج قوي يرفض سياسات قسد التمييزية والإقصائية للعنصر العربي في المنطقة، وفي حال عدم مساندتهم لها فمن الطبيعي أن تلقي اتهامات بتبعيتهم لتنظيم داعش”.
وتزامنًا مع نزوح الأهالي عمل نظام الأسد على استغلال هذا الجانب وحاول تصوير المدنيين بأنه يقدم المساعدة لهم، في المربع الأمني بالحسكة في محاولة لتحرير الشارع ضد قسد في المدينة، رغم أنهما وجهان لعملة واحدة في سياسة القمع والترهيب.
نهايةً، المدنيون هم الخاسر الوحيد في ظل تقلب سلطات الأمر الواقع، التي أصبحت تفرض نفسها على الأهالي، وتوجه اهتمامها نحو ما يضمن استمرار وجودها وبحثها، أي الأطراف المحلية والدولية، عن مصالحها دونما اهتمام بالسويين الذين يعانون آثار الحرب المستمرة منذ عقد مضى، لذلك فإن فتح ملف تنظيم داعش، مجددًا، هو أمر ممكن لطالما كان التنظيم ذراعًا ينفذ الأجندات الاستخباراتية لمختلف الدول التي تسعى إلى استمرار الصراع السوري الذي أسهم في تغيير خريطة السيطرة في مختلف أنحاء البلاد.