عندما تُفكر في زيارة إيطاليا، من المؤكد أنه سيتبادر إلى ذهنك الأماكن التي تود زياراتها وترتبها حسب الأولويات، ستُقرر الذهاب إلى العاصمة روما للاستمتاع بالهياكل الرومانية القديمة والساحات الشهيرة والمعالم ذات الطابع الرومانسي، ستفكر أيضًا بالذهاب إلى البندقية للاستمتاع بجسورها الجميلة وقنواتها الخلابة، ليس هذا فحسب ستفكر كذلك في زيارة نابولي وميلانو وصقلية.
الكثير من الأماكن في إيطاليا لا تُنسى، لكن في “نون بوست” سنأخذك إلى مكان آخر وهو القرى الخمسة المعلقة بين البحر والسماء، تلك القرى الساحرة التي تتغنى بروعة الطبيعة في منطقة مليئة بالجمال، بُنيت على جوانب منحدرات عالية على تلال شديدة الانحدار مطلة على البحر الأبيض المتوسط.
بلا شك، هي واحدة من أجمل المناطق في إيطاليا، حتى إنه لا يوجد شيء أكثر جمالًا منها لاكتشافه هناك، واجهات مشرقة ومتعددة الألوان تطل على البحر وكروم العنب وحقول أشجار الزيتون والحمضيات، حتى إن الناظر يخيل إليه أنه أمام قوس قزح.
مناطق طبيعية خلابة
يمكنك أن تتخيلها الآن، ستزور أول منطقة طبيعية محمية يتم إنشاؤها في إيطاليا عام 1999، تقع هذه الحديقة في مقاطعة لا سبيتسيا شمال البلاد، وهي أصغر حديقة وطنية في كامل إيطاليا، لكنها الأجمل.
تم إنشاء هذه الحديقة للحفاظ على المظاهر الطبيعية الخلابة هناك وللحفاظ على التراث الهائل الموجود في المنطقة من المدرجات والمعالم والمباني الأثرية المختلفة، فضلًا عن تنمية السياحة في المنطقة من خلال إنشاء منتجع حيوي مجهز لاستقبال الزوار واستيعاب أعداد هائلة.
قرى جريئة لا يمكن فهمها ببساطة على البحر، إذ تم بناؤها في تحد لكن في وئام مع العقبات التي تمثلها الطبيعة، تتألف الحديقة من خمس قرى ملونة، وهي مونتيروسو وفيرنازا وكورنيجليا ومانارولا، وأخيرًا ريوماجيوري، بُنيت القرى فوق التلال والمنحدرات الوعرة والخلجان على ساحل الرفييرا الإيطالية بين بونتا ميسكو و”بونتا دي مونتينيرة” في منطقة ليغوريا.
وجهة مشهورة بين محبي الطبيعة والعاشقين أيضًا، فأصالتها والحضارة التي ما زالت تحافظ عليها منذ القرون الوسطى منحتها إطلالات رومانسية
عند وصولك إلى القرى الخمسة ستكون أمام خيارين فقط للتنقل هناك: إما المشي وإما ركوب القطار بين الخمسة أراضٍ، ولكليهما فوائد كثيرة، فيعتبر المشي لمسافات طويلة طريقة رائعة لمشاهدة أجزاء من هذه المنطقة من المحتمل أن تكون فاتتك في القطار، ومن ناحية أخرى فإن القطار سريع للغاية ويوفر لك الوقت الكثير.
لكن العديد من السياح يفضلون المشي، فلا يزال النظام القديم لممرات المشاة أفضل طريقة لزيارة القرى الخمسة، رغم أن هذا الأمر يمثل نوعًا من التحدي، فالمسارات جبلية ضيقة وشديدة الانحدار ومتعرجة، لكن في سبيل الاستمتاع بالمناظر الرائعة لسنك تير تسهل كل الصعاب، فقط تأكد من حزم بضع زجاجات كبيرة من الماء، إلى جانب ارتداء حذاء رياضي وقبعة للوقاية من الشمس، فشمس إيطاليا قوية.
ما إن تنطلق في المشي، حتى تبدأ المتعة، فأنت أمام واحدة من أجمل المناظر الطبيعية في إيطاليا إن لم يكن في أوروبا، ويرجع ذلك أساسًا إلى أسباب تاريخية وجيومورفولوجية حالت دون التوسع المفرط في البناء وإنشاء المزيد من الطرق الرئيسية.
تُقدمُ مسارات السير لمسافات طويلة بعضًا من أجمل الإطلالات الساحلية الأكثر روعة في إيطاليا، فهي تمكن من رؤية البحر الجميل والشواطئ الرملية الصفراء وجوانب المنحدرات الحادة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، فضلًا عن الكروم الممتدة على مساحات كبيرة، ما ساهم في إنشاء منظر طبيعي فريد في العالم.
قد يبدو لك في البداية أن القرى الخمسة المعلقة تشبه بعضها البعض، فلا يمكن تمييزهم بسهولة، فكل قرى المنطقة صغيرة ويسكنها عدد قليل من السكان، ولديهم تصميم مماثل من الأزقة شديدة الانحدار والضيقة بجانب البحر، لكن هناك بعض الاختلافات من قرية إلى قرية، فكل قرية من القرى الخمسة تتمتع بسحرها الخاص.
تعتبر مونتيروسو أكبر وأقدم قرية في سنك تير، كما أنها موطن لأكبر شاطئ في المنطقة، حتى لو لم تكن من محبي الشواطئ والسباحة فهذه وجهة رائعة، أما في مانارولا، فستجد أفضل شرفة بانورامية في الأراضي الخمس.
قوس قزح
تعود كل قرية من هذه القرى إلى العصور الوسطى، وتمثل كل واحدة منها تفاعل الإنسان مع المناظر الطبيعية وتعايشه مع المكان، منازل حجرية وأزقة صغيرة تتطلب معرفة مسبقة بها حتى لا تضيع بينها فهي أشبه بالمتاهة، وساحات صغيرة ذات مداخل خاصة.
إحدى الميزات المشتركة للقرى الخمسة، تلك المنازل الملونة، ويقول بعض ساكني المنطقة إن السبب وراء تلوين المنازل تسهيل رؤية القرى من البحر للصيادين الذين تشتهر بهم الأراضي الخمس.
تتدحرج المنازل الملونة وقلاع القرون الوسطى والقلاع التقليدية نحو البحر الأبيض المتوسط، منعكسة على المنحدرات والتراسات التي تم بناؤها بعناية لزراعة العنب والزيتون، وصولًا إلى المناظر الخلابة للموانئ الواقعة أسفل الساحل البري، مشكلة لوحة جميلة أشبه بقوس قزح.
جمال بِكر وألوان نابضة بالحياة تجعل زيارة القرى الخمسة حدثًا لا يمكن للإنسان أن ينساه، فرغم أن هذه القرى تم بناؤها كي تأوي بضعة مئات، فإنها تستقبل سنويًا ملايين الزائرين للتمتع بجمالها الطبيعي بعيدًا عن ضوضاء الأماكن السياحية التقليدية.
أصالة ورومانسية
وجهة مشهورة بين محبي الطبيعة والعاشقين أيضًا، فأصالتها والحضارة التي ما زالت تحافظ عليها منذ القرون الوسطى منحتها إطلالات رومانسية، ما جعل كل زائر إليها يحرص على عدم تضييع أي دقيقة، فهذه المميزات عادة لا تجتمع في مكان واحد.
فإذا كنت من مُحبي الأجواء الرومانسية عليك بالقرى الخمسة، فهناك لك أن تكون مع موعد مع تجربة رومانسية شاعرية، تُنسيك تعب العمل والحياة اليومية، فأنت في مكان يجمع البحر والجبل والشجر والعمارة القديمة والممرات الجميلة.
الشاعرية والرومانسية لا تكون فوق التلال وبين البيوت الملونة فقط، ففي البحر أيضًا فرص كثيرة لذلك
هناك يمكنك الاسترخاء بجانب الماء الدافئ وفوق الرمال الذهبية، وتناول المأكولات البحرية الطازجة التي يتم اصطيادها محليًا، إلى جانب التمتع بمناظر مزارع الكروم القديمة والقلاع الشاهقة التي تعانق السحاب.
صحيح أن اليوم كله جميل هناك، لكن من المحبذ الاستمتاع بمشاهد غروب الشمس، ولك أن تختار بين العديد من الأماكن للاستمتاع بهذا المشهد البهي، لكن من أجمل المناطق على الإطلاق قرية كورنيجليا، فإطلالات هذه القرية تمكنك من رؤية انسياب الذهب في أشعة الشمس وهي تنسدل بستارتها على البحر الأزرق والبيوت الملونة والمنحدرات الحادة، تفيضُ بالألوان المتدرجة، فتروي قصصًا من الجمال اللامُتناهي.
ليس هذا فقط، فالمشي لمسافات طويلة، صعودًا وهبوطًا بين القرى ومزارع الكروم الجميلة المتدرجة فوق المنحدرات وعلى سفوح التلال، يمثل فرصةً شاعريةً يصعب أن تتكرر في مكان آخر، لذلك يُنصح أن تستغل ذلك.
الشاعرية والرومانسية لا تكون فوق التلال وبين البيوت الملونة فقط، ففي البحر أيضًا فرص كثيرة لذلك، والطريقة الأكثر إمتاعًا للتوجه إلى البحر هي القيام برحلة خاصة أو جماعية بالقارب لبضع ساعات، تمنحك فرصةً ذهبيةً للتمتع بمنظر غروب الشمس على الساحل، لكن للحصول على أفضل المناظر، ضع في اعتبارك اتجاه سفرك وحاول الحصول على مقعد على جانب القارب يكون مطلًا على الساحل.
تعتبر الأراضي الخمس أو ما تُعرف بالسنك تير من الوجهات السياحية المرغوبة بشكل متزايد من الإيطاليين والأجانب، ولم يكن هذا نتيجة حملة ترويجية ناجحة بقدر ما هو اعتراف تلقائي بتفرد المكان وجماله والمتعة التي تأتي من البقاء هناك أو زيارتها حتى ليوم واحد فقط.