ترجمة حفصة جودة
قبل عدة أسابيع، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت على تلة في صحراء النقب تطل على بلدة رهط البدوية الفلسطينية، وأعلن تحول “إسرائيل” إلى إستراتيجية الهجوم، هذا يعني اعتداءً متجددًا على ما تبقى من الحضور العربي في هذا الجزء من فلسطين.
اكتسبت المنطقة أهميةً إستراتيجيةً جديدةً في مطلع الخطط الإسرائيلية الاقتصادية والأمنية في المنطقة خاصة المتعلقة بالتجارة الدولية والعلاقات الإقليمية مع الإمارات العربية المتحدة وولي العهد السعودي الذي قدم وعودًا لـ”إسرائيل” وينوي الوفاء بها بمجرد أن يخلف والده.
عبر السنين، حاولت “إسرائيل” اقتلاع وطرد سكان النقب بهدم المنازل وتدمير محاصيل القمح برشها بالمواد الكيميائية، كما دمرت المحاصيل الزراعية بجرف الأراضي الزراعية سنويًا، بينما صادرت الماشية وقطعان الماعز من البدو.
عملت أيضًا على إضعاف المجتمع وتفتيته بالسماح بالجريمة وانتعاش بيع السلاح وإرهاق السكان في المنطقة بتحويل حياتهم لوضع لا يُطاق، أملًا في أن يمهد ذلك الطريق لخططها التوسعية.
عملت “إسرائيل” حتى على كسب دعم المجموعات العربية الداعمة لـ”أبو يائير” – لقب بنيامين نتنياهو بين الناخبين العرب – الذي يتماشي مع التاريخ الاستعماري الإسرائيلي الواسع لمشاركة العرب في الاختيار الذي طبقه حزب ماباي لأول مرة (اندمج الحزب لاحقًا مع حزب العمل).
رغم أنهم شركاء في التحالف، فإن السياسيين العرب لم ولن يكونوا شركاءً في الحكم
مع ذلك، فبينيت – المؤيد الشديد للاستعمار الاستيطاني الذي يعتقد أن المستوطنين هم “طليعة صهاينة اليوم” ورئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية السابق – بدأ هجومه الأخير على النقب من تلك التلة.
يرجع ذلك – بالنسبة له وبالنسبة للتاريخ الصهيوني – إلى أن المستوطنات تبدأ من التلال، وفي حال فشل ذلك فإنهم يتبنون إستراتيجية “السور والبرج” حيث يؤسسون معسكرًا عسكريًا بالقرب من الأراضي العربية التي يرغبون في مصادرتها لقمع أي انتقام من أصحاب الأرض الشرعيين.
إعلان الولاء
جاء بينيت مسلحًا بتحالفه مع القائمة العربية الموحدة وحزب ميريتس اليهودي العربي اليساري الذين أعلنوا ولاءهم له ولحكومته، هذه الأحزاب لن ينقذها الشعار السياسي المعروف الذي يرددونه – “أن تكون في تحالف أصعب ألف مرة من أن تكون في المعارضة، ومسؤوليتنا تجاه مجتمعنا تجعل عضوية التحالف إلزامية” -، كما لو أن الانضمام للتحالف الإسرائيلي الحاكم على حساب المبادئ الوطنية، تضحية مقبولة مقابل تأثيرهم المزعوم الذي سيفرضونه على الدولة.
ورغم أنهم شركاء في التحالف، فإن السياسيين العرب لم ولن يكونوا شركاءً في الحكم، الذي يجب أن يكون اقتراحًا مرفوضًا في الأساس كمسألة مبدأ وطني.
حاولت الحكومة أن تبدو كما لو أنها لا تنفذ أوامر رئيس الوزراء، واستعانت بدلًا من ذلك بأهم أدوات الاستعمار الصهيوني في فلسطين: الصندوق القومي اليهودي “JNF”.
بمباركة حاخامية، أُعفي الصندوق القومي اليهودي من الاحتفال بعام “شميتا”، وهو العام السابع من دورة سبع سنوات في الشريعة اليهودية “الهالاخاه” يُحظر فيه أي نوع من الأنشطة الزراعية في الأراضي المقدسة.
بإعفائه من هذا الواجب، أُطلق العنان للصندوق لممارسة أنشطته في النقب بحجة أن زراعة عشرات ملايين الأشجار في المنطقة ضرورة قصوى وفي مصلحة الشعب اليهودي.
بالنسبة للدولة، فواجبها حماية تلك المناطق المشجرة حديثًا مع تجريف 55 ألف دونم من أراضي العرب الفلسطينيين وبناء تلال وسدود اصطناعية وإقامة أسوار لإبعاد أصحابها، ثم يأتي دور القانون عندما تصبح تلك الأراضي محميةً بقانون الزراعة والغابات.
جزء أصيل من الصهيونية
لا شيء من ذلك يبدو جديدًا بالطبع، فهو جزء من الميراث الصهيوني المتجسد في جريمته الكبرى “نكبة 48” التي تعد جزءًا من الروح التأسيسية للدولة والنظام العسكري الذي أعقب ذلك حتى عام 1966.
خلال تلك الفترة استخدمت الدولة نظام “مناطق عسكرية مغلقة” لمنع الناس من العودة إلى أراضيهم وقراهم وبيوتهم وأملاكهم، قبل أن يصبحوا لاجئين دائمين سواء في الشتات أم داخل فلسطين.
جدير بالذكر أن “إسرائيل” – التي استغلت بالفعل ضباب الحرب لسرقة الأراضي والتطهير العرقي والمذابح – استخدمت العديد من اتفاقات السلام مع الدول العربية لمواصلة مصادرة الأراضي وسرقة المزيد منها.
هذا الهجوم الحاليّ على الأراضي العربية في النقب والقمع المصاحب له يعد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية
في أثناء معاهدة كامب ديفيد عام 1978 مع مصر، صادرت “إسرائيل” ملايين الدونمات من الأراضي العربية في النقب، واليوم تبني مشاريع إستراتيجية بالشراكة مع الإمارات لنقل الغاز الطبيعي من خلال صحراء النقب إلى أوروبا.
وغني عن الذكر أن مدن الجليل والنقب الفلسطينية العربية التي وقع فيها تطهير عرقي وطرد للسكان، تعد من أغنى الأراضي الزراعية خصوبةً في البلاد.
سياسة الدولة العميقة
هذا الهجوم الحاليّ على الأراضي العربية في النقب والقمع المصاحب له يعد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، إذ يتضمن إرهابًا وتطهيرًا عرقيًا برعاية الدولة، هكذا يجب وصف الوضع للجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة التي تحقق في الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بالإضافة إلى المحافل الدولية.
هذا الهجوم الحكومي لن يتوقف بالتغيب عن جلسات الكنيسيت، بل بعرقلة تلك الجلسات وإلغائها، فمجرد الغياب لا وزن له، في الوقت نفسه، يجب أن لا تنخدع الأحزاب العربية بتصديق أن ما يحدث على الأرض هو نتاج سياسة الحكومة بمفردها، إنه سياسة الدولة العميقة المدعومة بتاريخها الاستعماري العدواني من ديفيد بن غوريون وحتى بينيت.
الرادع الوحيد لتلك السياسة الآن كفاح شعبي وصمود عربي فلسطيني في النقب وما حولها، تعمل النقب اليوم كساحة معركة والنقب ليست ملك سكانها فقط بل ملكنا جميعًا، الأمر نفسه بالنسبة للجليل والساحل والمثلث (مجموعة المدن والقرى المختلطة المجاورة للخط الأخضر) وفلسطين بأكملها.
أكثر الأشياء المبهجة التي نراها اليوم، الحضور القوي للجيل الجديد في النقب الذي يحمل راية الكفاح ويفي بوعد استمراره، هذا ما سيردع المشروع الاستعماري، بالإضافة إلى نضالنا من أجل الحرية والكرامة الوطنية.
المصدر: ميدل إيست آي