ترجمة وتحرير: نون بوست
يُظهر مقطع فيديو حصلت عليه “الغارديان” عناصر من الأمن المصري يعذبون عددا من المحتجزين في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة، وتقول منظمات حقوقية إن الفيديو يؤكد مدى انتشار التعذيب في السجون المصرية وإفلات الجناة من المساءلة.
يُظهر مقطع الفيديو الذي سجله أحد المحتجزين سرا عبر باب زنزانته، سجينين معلّقَين في أوضاع مؤلمة للغاية. كانا عاريي الصدر، وقد كُبّلت أيديهما بسلاسل حديدية وثُبتت خلف ظهورهما.
يقول أحد المحتجزين في الفيديو: “انظر كيف يعذبوننا نحن وزملاءنا. لقد جاءوا وأخبرونا أننا اللاحقون”. وأضاف المحتجز مخاطبا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: “سيدي الرئيس، نريد أن نعرف لماذا يفعلون بنا هذا في قسم شرطة السلام أول”.
يعتبر هذا الفيديو واحدا من مقطعين يُعتقد أنه تم تسجيلهما في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة الماضية داخل قسم للشرطة في حي السلام شمال القاهرة.
في مقطع الفيديو الثاني، الذي تحتفظ به صحيفة “الغارديان” لحماية هوية المعتقلين، يصطف السجناء في زنزانة مكتظة لعرض الإصابات التي يقولون إن ضباط الشرطة والمحققين تسببوا بها، بما في ذلك جروح مفتوحة في رؤوسهم وكدمات في صدورهم وظهورهم. يقول السجناء “إنهم يضربوننا بالعصي”.
أكدت منظمات حقوقية أن مقاطع الفيديو تعتبر دليلا ملموسا جديدا على الانتهاكات واسعة النطاق التي تم توثيقها في أقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز في مختلف أنحاء مصر على امتداد العقد الماضي.
اتخذت صحيفة “الغارديان” التدابير اللازمة للتحقق من صحة مقاطع الفيديو، بما في ذلك الاستعانة بخبير مختص في هذا المجال. كما ذكر المحتجزون الذين ظهروا في الفيديو أسماء العديد من ضباط شرطة الذين ورد ذكرهم في تقارير إخبارية على أنهم يعملون في قسم شرطة السلام أول.
بعد مرور 11 سنة على الثورة المصرية، تؤكد الشهادات والأدلة التي جمعتها المنظمات الحقوقية أن انتهاكات أجهزة الأمن المصرية انتشرت مجددا على نطاق واسع
ظهرت مقاطع الفيديو بعد مرور حوالي 12 سنة على مقتل الشاب المصري خالد سعيد عن عمر يُناهز 28 سنة على يد ضباط الشرطة في الاسكندرية في حزيران/ يونيو 2010. شكّلت وفاة سعيد نقطة تحول، حيث أثار مقتله موجة غضب شعبية إزاء إفلات قوات الأمن من العقاب وطريقة معاملتهم للمصريين، وأطلق شرارة الاحتجاجات التي بدأت في 25 كانون الثاني/ يناير 2011، تزامنا مع عيد الشرطة في مصر.
أطاحت الاحتجاجات التي استمرت 18 يوما بحكم الديكتاتور حسني مبارك الذي استمر عقودا، وانتشرت خلاله انتهاكات الأجهزة الأمنية على نطاق واسع.
لكن بعد مرور 11 سنة على الثورة المصرية، تؤكد الشهادات والأدلة التي جمعتها المنظمات الحقوقية أن انتهاكات أجهزة الأمن المصرية انتشرت مجددا على نطاق واسع.
منذ توليه مقاليد الحكم في مصر بعد الانقلاب العسكري سنة 2013، أطلق السيسي حقبة جديدة من الإفلات قوات الأمن من العقاب، من أعلى الرتب في سلك الشرطة إلى أدناها.
رغم حظر كل أشكال التعذيب في الدستور المصري لسنة 2014، إلا أن محاكمات وإدانات مسؤولي الأمن بتهم التعذيب أو القتل خلال الحجز لا تزال نادرة للغاية، بينما يتم توثيق الانتهاكات بانتظام. تكافح المنظمات الحقوقية المحلية، التي ترصد عمليات التعذيب والانتهاكات أثناء الاحتجاز، من أجل مواصلة عملها، في خضم حملة قمع ممنهجة لنشطاء المجتمع المدني.
يقول علي حسين مهدي، وهو معتقل سابق وناشط يعيش في المنفى حاليا، عن تجربته في الحجز: “مراكز الشرطة أسوأ من السجون. لقد اندلعت الثورة بسبب هذه الانتهاكات، وبعد مرور 11 سنة نراها تتكرر مرة أخرى”.
يقول عمرو مجدي، الخبير المصري في هيومن رايتس ووتش، بعد مراجعة مقاطع الفيديو التي حصلت عليها “الغارديان”، إن إصابات المعتقلين واستخدام الأوضاع التي تسبب الإجهاد تتفق مع نماذج موثقة للتعذيب في مراكز الاحتجاز المصرية.
يضيف مجدي: “ظهرت عليهم جميعا علامات الضرب المبرح، الناجمة عن الضرب بالهراوات والعصي الخشبية التي تعتبر أدوات تعذيب روتينية.. تُظهر مقاطع الفيديو هذه الحقيقة المأساوية والمروعة لمنظومة الاحتجاز في مصر، حيث تتمتع الشرطة بحصانة شبه مطلقة”.
يوضح مجدي أن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في أقسام الشرطة المصرية يعد أمرا شائعا، لأنها أماكن بعيدة عن الأنظار، ويتابع قائلا: “نعلم أن معظم جرائم التعذيب الجسدي تحدث في مراكز الشرطة ومراكز الاعتقال السرية التابعة لجهاز الأمن الوطني خلال الأيام أو الأسابيع الأولى بعد الاعتقال، وقبل نقل المعتقلين إلى السجون الكبرى”.
في تقرير لها سنة 2017، تحدثت هيومن رايتس ووتش عن استخدام الأوضاع التي تسبب الإجهاد والتعذيب الممنهج في أقسام الشرطة المصرية، واصفة الوضع بأنه قد يرتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. يستشهد التقرير بنحو 19 حالة فردية “تعرض فيها معتقلون للتعذيب في أقسام الشرطة ومكاتب الأمن الوطني في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الإسكندرية وأسوان ومدن في دلتا النيل”.
يؤكد بعض المعتقلين تعرضهم للتعذيب في أماكن احتجاز متعددة، مشيرين إلى أن” الأدوات الأساسية المستخدمة للتعذيب هي الصعق بالكهرباء والوضعيات التي تسبب الإجهاد، مع الضرب بقبضات اليد أو بالعصي الخشبية أو بالقضبان المعدنية”.
وأوضح معتقلون سابقون أن ضباط الشرطة وجهاز الأمن الوطني يقومون “بتقييد أيدي المشتبه بهم خلف ظهورهم، ورفع أذرعهم ووضع الأصفاد على الحافة العلوية للباب وتعليقهم، وهو وضع غير طبيعي يسبب آلام مبرحة في الظهر والكتفين، وفي بعض الأحيان خلع المفاصل. يشد بعض الضباط قدمي المشتبه به إلى أسفل لزيادة الألم”، كما أن المعتقلين غالبًا ما يُتركون في هذه الأوضاع لفترات طويلة.
رفضت الهيئة العامة للاستعلامات ووزارة الداخلية ومسؤولون حاليون وسابقون في الوزارة طلبات “الغارديان” للتعليق على مقاطع الفيديو والانتهاكات في مراكز الشرطة المصرية
كما وثقت منظمات حقوق الإنسان عدد حالات وفاة بين المحتجزين. سنة 2015، قدمت منظمة العفو الدولية أدلة على وفاة تسعة أشخاص على الأقل في الحجز في قسم شرطة المطرية بالقاهرة. بعد ثلاث سنوات، طالبت المنظمة بفتح تحقيق بعد الوفاة المريبة لجمال عويضة (43 سنة) أثناء اعتقاله في حي منشية ناصر بالقاهرة.
في حالات نادرة شهدت محاسبة عناصر من الأمن المصري خلال العقد الماضي، صدرت أحكام على عدد صغير من ضباط الشرطة بسبب إطلاق النار على المدنيين في أماكن عامة. سنة 2016، أصدر السيسي تعليمات لوزارة الداخلية بحظر انتهاكات أجهزة الشرطة في أعقاب احتجاجات شهدت مقتل سائق سيارة أجرة برصاص أحد الضباط. خلال السنة الماضية، حُكم على ضابط شرطة من قسم السلام الثاني بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة بسبب إطلاق النار على مدني في صدره وإصابة آخر.
في المقابل، تعد الإدانات في حالات الوفاة أثناء الاحتجاز نادرة، حتى بالنسبة لضباط الشرطة من الرتب المتدنية. سنة 2020، أصدرت النيابة حكما بالسجن في حق أربعة ضباط صف بسبب تعذيبهم محتجزا حتى الموت بأحد أقسام الشرطة بالجيزة. في كانون الثاني/ ديسمبر 2020، حُكم على تسعة من ضباط الشرطة بالسجن ثلاث سنوات بتهمة ضرب بائع متجول حتى الموت أثناء احتجازه في القاهرة سنة 2016.
رفضت الهيئة العامة للاستعلامات ووزارة الداخلية ومسؤولون حاليون وسابقون في الوزارة طلبات “الغارديان” للتعليق على مقاطع الفيديو والانتهاكات في مراكز الشرطة المصرية.
المصدر: الغارديان