ترجمة تحرير: نون بوست
أطلِق عليه اسم “ألف” – مثلما كان يناديه زملاؤه في محطة لندن. واختصار “أ” مربك إلى حد ما، حيث يشير الحرف في اللغة العبرية إلى كلمة تبدأ بحرف “إي” أو “آي” أو “ؤو” أو”يو”. لذلك يمكن استخدام “ألف” – وهو اسم غامض بما فيه الكفاية وقد يعني آفي أو إيلي أو أي عدد من الاحتمالات الأخرى، وهو اسم حركي مثالي في سنة 1960 وذروة الحرب الباردة، التي كانت شديدة البرودة لدرجة أن جاسوس جون لو كاريه لم يحاول العودة إلى حياته الطبيعية بعدها.
كان “ألف” يرمز لضابط المخابرات الإسرائيلي (كاتسا بالعبرية) – وهو اختصار لعبارة موظف جمع بيانات – ولكن بلغة الجوسسة هو ضابط حالة تتمثل مهمته في تجنيد المصادر وإدارتهم.
يلتقي ضباط المخابرات الإسرائيليون بوكلائهم ويكلفونهم بالمهام، وعند تلقي التقارير يسلمونهم أجورهم. يعد هذا أمرًا روتينيًا إلا إذا خان العميل مديره بنصب كمين له يكون أحيانًا مميتًا، أو كشفته سلطات إنفاذ القانون المحلية.
عمل “ألف” تحت غطاء دبلوماسي خارج السفارة الإسرائيلية مما منحه حصانة من الاعتقال والمحاكمة إذا تم ضبطه مخالفًا لقوانين المملكة المتحدة، ولكنه ليس محصنا ضد استياء الحكومات المعنية وأي إجراءات تتخذ في حقه من قبلهم.
تسمح ملفات الأرشيف الإسرائيلي التي رُفعت عنها السرية مؤخرًا بإلقاء نظرة خاطفة على إحدى قصص التجسس المتعلّقة بمحاولات “إسرائيل” السرية بناء علاقات مع حسين ملك الأردن وقصص أخرى ذات صلة مثيرة للاهتمام – وذلك رغم تداعياتها المحتملة والجدل الذي يمكن أن تثيره.
في الثاني من نيسان/ أبريل 1962، وصلت برقية إلى أفراهام كوهين في قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي كان يضطلع بمهام تحليل الشؤون الإقليمية ويعمل كهمزة وصل مع الموساد.
كان كوهين ضابط مخابرات مخضرمًا ومراقبًا في المملكة الهاشمية وخبيرًا في المصادر والمخبرين الأردنيين، وتكفّل بتجنيد العديد منهم وإطلاعهم واستخلاص المعلومات منهم. وفي أربعينيات القرن الماضي، كان كوهين يزور بشكل متكرر بلاط الملك عبد الله. وفي وقت لاحق، أصبح ضابطًا رفيع المستوى في المخابرات العسكرية وترأس وحدة المخابرات العسكرية 504 المسؤولة عن تجنيد العملاء في البلدان العربية، والتي تقلّد العديد من أفرادها على مر السنين مناصب في الموساد أو وزارة الخارجية.
تضمّنت البرقية أنباءً مثيرة حول “هيوغيف” الاسم الحركي لجاسوس أردني يتردد على لندن ومرتبط بصحف وإذاعات عربية. لقد وفّر المعلومات من خارج لندن لمدة عقد للعديد من المديرين، من بينهم مردخاي غازيت، الذي بات فيما بعد المدير العام لوزارة الخارجية وصديق غولدا مئير.
كان اهتمام “إسرائيل” الشديد بالمصادر الأردنية نابعًا من الضرورة الاستراتيجية، حيث كانت عرضة لعمليات التسلل من الحدود المشتركة الطويلة الممتدة على طول الضفة الغربية حتى صحراء وادي عربة، ناهيك عن أنها كانت تعارض تمركز القوات العراقية أو السورية في الأردن.
“ألقي القبض على هيوغيف مع مخبرنا “ألف” ليلة 30 آذار/ مارس من قبل شرطة لندن. وتم اقتيادهما إلى مركز الشرطة، حيث أوضح “ألف” أن هيوغيف يكتب مقالات لإذاعة صوت إسرائيل. وخلال اللقاء الذي جمعهما عندما ضبطتهما الشرطة، عرض عليه [مقالتين] وحصل في المقابل على 10 جنيهات وزجاجتين من المشروبات الكحولية وعلبة سجائر على كرم ضيافته”.
“أوضح “ألف” أنه مستعد للتخلي عن حصانته الدبلوماسية مقابل تسليم المواد حتى يتمكنوا من التأكد من عدم تورطهما في عمليات تجسس. ويؤيد هيوغيف تحسين العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وهو ما يعتبر خيانة بالنسبة للعرب”.
تمسك “ألف” بقصته الأولى. “وحين أفرج عنه، ترك مقالتين ومجلات عربية وطلب لقاء هيوغيف ليحثه على التعاون معه، وكرر له هذه التعليقات في حضور رجال المباحث”.
“تفاجأ الضباط الذين نفذوا عملية الاعتقال بهوية “ألف”، وعلى الرغم من أنه قدم وثيقة وزارة الخارجية، إلا أنهم طلبوا وثيقة إضافية. من المحتمل أنه لحظة لقائهما كان هناك مفتش آخر يراقب المكان بشكل روتيني، وقد شاهد الجاسوسان يتبادلان الملفات”.
كان هناك تفسير آخر محتمل بدلاً من الحكاية التي سردها مفتش الشرطة الذي شاهد تحركات مشبوهة في إحدى الحانات بلندن. قد تكون هذه العملية ضمن جهود مكافحة التجسس، ومدبرة من قبل الفرع الخاص لشرطة العاصمة بتكليف من القسم الخامس في هيئة المخابرات العسكرية (إم آي 5) في المملكة المتحدة خلال الحرب الباردة.
“قد يكون الهدف مرتبطًا بطريقة ما بـ “الشرقيين”. ومن المعروف أن هناك شخصان تتطابق أسماؤهما مع اسم “هيوغيف” تربطهما علاقات بروسيا؛ مع العلم أن هيوغيف كذلك يتحدث اللغة الروسية”.
كان من الطبيعي أن تستضيف لندن اجتماعات سرية بين رعايا بريطانيين سابقين من ضفتي نهر الأردن. وفي خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت بريطانيا العظمى لا تزال تحتل مكانة بارزة لدى المملكة الهاشمية، التي قامت فيها العائلة المالكة بإرسال أبنائها لتعلم الأدب وتلقي تعليمهم في مدارسها الداخلية وأكاديمياتها العسكرية، ناهيك عن امتلاكها مساكن وحسابات مصرفية ليست بعيدة عن وستمنستر. وبالنسبة للهاشميين، ستبقى إنجلترا وجهتهم دائما.
هذا هو السبب في أن أفراهام كوهين، متلقي “برقية ألف – هيوغيف” والملم بالمشهد الشرق الأوسطي في لندن، كان متحفظًا أيضًا على ملف آخر أعلى قيمة له علاقة بالأردن: وهو ملف والدة الملك حسين، الملكة زين.
لماذا تورّط مسؤول في وزارة الخارجية في استقطاب وتقييم المصادر؟ في ذلك الوقت، كانت الحدود الفاصلة بين مختلف أجهزة المخابرات غير واضحة في كثير من الأحيان، وكان الموظفون والوزارات ومختلف الأجهزة السرية يتلاعبون بالمصادر والعمليات.
بينما كان “ألف” على ما يبدو “مخبرًا” للموساد، كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية في تلك الفترة في ذروتها، وهي لاعب رئيسي في مجالس الدولة تحت حكم موشيه شاريت ثم غولدا مئير. وقد شغل رئيس الوزراء دافيد بن غوريون، الذي كان أسلوب إدارته يحاكي ونستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية، منصب وزير الدفاع، وهو ما سمح له بفرض سيطرته على مجمّع الاستخبارات بأكمله بما في ذلك الشاباك والموساد، الذي أصبح فيما بعد – ولا يزال – وكالة المخابرات التابعة لـ “مكتب رئيس الوزراء”.
كان كل من بن غوريون ومائير مخضرمين في المفاوضات مع شخصيات عربية بارزة قبل سنة 1948 وما بعدها. وكان الإطار الجيوسياسي لهذه الاتصالات واضحًا: كانت مصر أقوى دولة تواجه “إسرائيل” ومفتاح الحرب والسلام؛ بينما الأردن، الذي كان يحتل آنذاك الضفة الغربية والقدس الشرقية، الأكثر خطورة.
نُبذ الملك عبد الله، الذي وافق سرًا على التطبيع مع “إسرائيل” باعتباره خائنا للقضية العربية واغتيل على يد فلسطيني في الحرم الأقصى سنة 1951. واعتلى حفيده حسين العرش الهاشمي بعد أن تم إقصاء والده طلال باعتباره غير مؤهل عقليًا لتولي زمام الحكم. ورغم ما فعلته النخبة السياسية الإسرائيلية، كان الملك عبد الله ليكون محاورًا مرحبا به لو نجا.
وُلد حسين سنة 1935، واعتلى العرش وهو في الثامنة عشرة من عمره. وأطلقوا عليه اسم “هاينوكا” الطفل. تعرض حسين لمحاولة اغتيال وكان بينه وبين الموت “رصاصة واحدة” – على حد تعبير بن غوريون – بعد إحباط واحدة من بين العديد من المؤامرات في عمان. وكان من المستحيل تخيّل أن يحكم الأردن لمدة 46 سنة ويموت في ظروف طبيعية.
تفوّق حسين على القتلة وعاش أكثر من بن غوريون وشاريت وليفي أشكول ومئير ومناحيم بيغن وأخيرًا شريكه في السلام إسحاق رابين الذي أصيب بثلاث رصاصات مثل أنور السادات والعديد من الحكام العرب الآخرين الذين لقوا حتفهم في عمليات اغتيال وحشية.
منذ بداية حكمه، لم تكن “إسرائيل” منبوذة بالنسبة للحسين. كان يخشى من رغبتها المشاعة للتوسع باتجاه الشرق، لكنه كان أكثر اهتمامًا بمخططات مصر وسوريا والعراق ضد مملكته الصحراوية الهشة وغير الساحلية تقريبًا، سواء عن طريق الغزو أو التخريب أو مزيج من الاثنين. لقد اعتبر “إسرائيل” أهون الشرين وحليفا محتاجًا، وهو ما أكدت عليه “إسرائيل” من خلال منح القوات البريطانية والأمريكية جواز التحليق في مهمتها الطارئة لإنقاذ الأردن من ثورة قومية عربية في سنة 1958.
حفل تتويج العاهل الأردني، الملك حسين، سنة 1953 نقلته وكالة الأنباء البريطانية باثي.
في ذلك الوقت، أرسل حسين مساعده العسكري لإجراء اتصال سري مع كولونيل في الجيش الإسرائيلي يدعى حاييم هرتسوغ، الذي كان من المقرر أن يشغل منصب رئيس المخابرات العسكرية عن قريب. وهكذا تم إنشاء شبكة سرية بين ضباط الجيش كانت تقدم تقاريرها إلى الحسين وبن غوريون، في إعادة سرد لأحداث سنة 1948، عندما كان موشيه ديان وعبد الله التل أطراف الحوار. ولكن “إسرائيل” أرادت تعزيز التواصل المباشر مع الملك. وكان هناك حاجة إلى نهج آخر أكثر إبداعًا.
كان يجب أن يتم ذلك خطوة بخطوة، لأنه في أواخر الخمسينات من القرن الماضي كان لقاء مسؤول عربي مع نظيره الإسرائيلي ينطوي على مخاطر شخصية هائلة. ولم يكن بالإمكان الاعتماد على “إسرائيل” للحفاظ على سرية العلاقة، لأنها اشتهرت بتسريبات كبار مسؤوليها وصحافتها الاستفزازية.
بعض النظر عما تم مناقشته أثناء الاجتماع أو ما إذا تم رفض المقترحات الإسرائيلية، فإن الضرر حدث لا محالة. فحقيقة الاتصال بإسرائيل من شأنها أن تضر بسمعة الحسين – كما حدث مع السادات – في نظر الجماهير ويمكن أن تؤدي إلى سقوطه. وكان من الضروري إجراء فحص أولي من قبل وسيط موثوق به، أو بالأحرى مصدر أردني يمكنه أن يضمن نوايا “إسرائيل” الجادة.
في ظل الانقلابات والمكائد المشبوهة، التي قد يكون لها مبرر أحيانًا، لم يكن ممكنا لتلك العلاقة أن تكون مبنية على الثقة فقط. ويمكن أن تعتبر خيانة ويتم التخلص منها في أي وقت. ولا يمكن أن تقوم هذه العلاقة سوى على إطار واحد معين، وهو الدائرة الأسرية المباشرة.
من المعروف أن هذه المنطقة مثّلت في كثير من الأحيان منشأ تنافس مميت بين الأشقاء. ربما تكون عمان التي سُميت قديما بفيلادلفيا مدينة الحب الأخوي، لكن الملك الحالي عبد الله الثاني لا يكِنّ سوى قدر محدود من المودة لأخيه غير الشقيق الأمير حمزة، الذي سبق أن اُتهم السنة الماضية بالتخطيط لانقلاب. وفي المملكة العربية السعودية، أظهر وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان رأفة أقلّ تجاه إخوته وأبناء عمومته من آل سعود، الذين احتجز عددًا منهم دون توجيه أي اتهامات لهم.
بغض النظر عن الأساطير اليونانية والدراما الشكسبيرية، هناك فرد واحد من العائلة يمكن للملك الاعتماد عليه وهو الملكة الأم. من الناحية النظرية، تفكر الأم دائمًا في مصلحة أطفالها، التي توائم مصلحة الأمة أيضًا. وكان هناك مساعي لإقناعها للعمل كقناة له.
كانت والدة حسين، الملكة زين، قريبةً منه بشكل خاص باعتباره ابنها البكر والأكثر نجاحًا. وكان شقيقها شريف ناصر بن جميل صديق حسين. وقد وصفت ملفات المخابرات الإسرائيلية ناصر بأنه متنمر فاسد يحمي ظهر حسين، وهو ثناء كبير عندما يتعلق الأمر ببلاط عمان الموبوء بالسياسة.
سُجلت تحركات زين ضمن “ملف الملكة”، وأُضيفت التقارير الصحفية عن سفرها إلى الخارج إلى أي ثرثرة أو تكهنات (“تبلغ أكثر من 50 سنة وتعبت من أسلوب حياتها”) من شأنها أن تساعد في إيجاد خيط يساعد على معرفة ما إذا كانت ستفتح باب الملك أمام إسرائيل.
في أيلول/ سبتمبر 1960، اُدرجت مذكرة سريّة للغاية ضمن ملف الملكة. قام كوهين بإطلاع نائب وزير الخارجية، دي جي موريس فيشر – الذي شارك في جهود التواصل مع الأنظمة العربية في المناصب الذي شغلها سابقًا في فرنسا وتركيا – على آخر المستجدات.
قال كوهين: “فيما يتعلق بجهود إعادة إقامة اتصال مباشر مع الملك حسين، فإننا ننظر في إمكانية القيام بذلك عن طريق والدته الملكة زين. ومع أننا نتلقى من وقت لآخر أخبارًا عن توتر العلاقة بين الأم وابنها، إلا أن علاقتهما في الوقت الراهن على ما يرام على حد علمنا”.
أوصى كوهين بالتقرّب من حسين بهذه الطريقة، لأن “المناشدة المباشرة للملك من خلال أحد رجاله يمكن أن يفسّرها على أنها خدعة، أما إذا كانت والدته الموجودة حاليا في لندن هي من تفعل ذلك فلن يشعر بالقلق”.
مثّلت الملكة زين، التي كانت آنذاك في لندن، هدفًا رئيسيًا في جهود الوصول إلى الملك حسين، ولكن الأمر المحيّر هو كيفية التواصل معها؟ وهنا استعان كوهين بطبيبها (اليهودي).
لم تكن السفارات الإسرائيلية تخصص طبيبًا للموظفين، بينما تُقدم الرعاية الطبية للدبلوماسيين حسب الحاجة. لكن في بعض الأحيان تتطلب الحالات الحساسة توفر “طبيب موثوق” أو أطباء محليين يعتنون بالمرضى بأنفسهم أو يحيلونهم إلى زميل مختص دون طرح أي أسئلة.
في لندن، ذكّر كوهين فيشر أن الطبيب الذي يمكن الوثوق به هو إيمانويل هربرت، “وهو يهودي وصهيوني اعتنى أيضًا بالملكة”. علاوة على ذلك، كان هربرت صديقا للسفير الإسرائيلي السابق الذي شغل المنصب لفترة طويلة، و”استدعى مؤخرًا المستشار السياسي للسفارة شومرون، وتطرّق مرة أخرى إلى مسألة علاقته بالعائلة الملكية في الأردن”.
إن دور الدكتور هربرت في تيسير الاجتماعات الأولى بين حسين وكبار الإسرائيليين معروف منذ سنوات عديدة. وقد ذُكر اسم الملكة زين في هذا الصدد من قبل كاتب السيرة الذاتية للملك حسين آفي شلايم. لكن تكشف مذكرة كوهين-فيشر عن جانب مدهش لهذا التيسير فائق النجاح: كان على هربرت أن يأخذ بزمام المبادرة ويضايق الإسرائيليين لاستخدام الصلة التي كان يعرضها بسهولة، وهي طريقة في استغلال المصادر كان أي ضابط حالة ليحصل على الأوسمة للنجاح في تنفيذ مهمته بفضلها.
تابع كوهين: “نطلب الإذن بأن يقترب شومرون من الدكتور هربرت وننظر معه في إمكانية أن يسأل الملكة في ظل الظروف الراهنة في الأردن، كما لو كان ذلك بمبادرة شخصية منه، ما إذا كانت ستلتقي بممثل إسرائيلي”.
“إذا رفضت الملكة ذلك، لن يحدث أي ضرر، ذلك أنها بذلك تكون قد قررت عدم قبول اقتراح صديق خاص. أما إذا وافقت على التشاور مع ممثلنا، سنقدم اقتراحًا مفصلا بشأن هويته ومكان اللقاء والترتيبات الأمنية”.
بعد خمسة أيام، ردّ فيشر من وزارة الخارجية لكن بشكل غير كتابي. كل ما نتج عن هذه العملية لا يزال يمثل الحلقة المفقودة في سلسلة الأحداث التي تُوجت بعد أربع سنوات باستضافة الطبيب الصالح للملك حسين ووزير الخارجية الإسرائيلي يعقوب هرتسوغ – شقيق حاييم وعم إسحاق الرئيس الحالي لإسرائيل – في أول لقاء للعاهل الأردني مع مبعوث الحكومة الإسرائيلي.
ترتّب عن ذلك اللقاء اجتماعات رفيعة المستوى، وُصفت بأنها الأكثر أهمية على الإطلاق في بيت ضيافة الموساد قبل أسبوعين من حرب يوم الغفران، عندما حذّر حسين رئيسة الوزراء آنذاك غولدا مئير من أن الجيش السوري “متأهب في مواقعه”.
لم يتم إدراج التفاصيل المتعلقة بما قيل في المحادثة بين الطبيب الودود ومريضته الملكية، وبين الأم وابنها، وإلى أي مدى عكست الشكوك المطروحة أو الاهتمام المقيّم بحذر، ضمن السجل حتى الآن. هل تحدثت الملكة زين مع الملك حسين حول المخاطرة بلقاء مبعوث أشكول؟ وكما يقول شعار إعلان كلارول الكلاسيكي في خمسينيات القرن الماضي: “هل فعلت ذلك أم لم تفعل؟ وحده طبيبها من يعلم ذلك حقًا”. ولكن ما هو مؤكد هو أن أطول تحالف غير رسمي بين “إسرائيل” ودولة عربية وُلد في تلك الغرف الاستشارية في لندن.
المصدر: هآرتس