ترجمة حفصة جودة
تمتلك غالبية الدول زهرةً وطنيةً لعدة أسباب تتنوع بين كونها ترمز لأسطورة ما أو أنها ببساطة أصلية في منطقة معينة، في بعض الحالات، ترتبط الأزهار بأهمية تاريخية تعود إلى العصور الحديدية والبرونزية.
ورغم أنها ليست معروفة بشكل واسع كالأعلام أو لا يُسلط الضوء عليها مثل الأساطير البطولية التي بُنيت حول الحيوانات الوطنية، فإن الأزهار وُصفت كثيرًا في الشعر والفن كعنصر يمثل كل الأمة.
إليكم بعض الأزهار الوطنية في دول من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
التوليب، تركيا
ترتبط أزهار التوليب اليوم بهولندا حيث تغطي فدادين من الأرض في نسق من الألوان يمكن رؤيته على بعد عدة أميال، ومع ذلك زُرعت تلك الأزهار في هولندا فقط منذ القرن الـ16 وقد وصلت هناك من خلال الإمبراطورية العثمانية.
اعتمدت الدولة العثمانية “تركيا الآن” زهرة التوليب رمزًا وطنيًا لها، وكلمة توليب في التركية تعني “لالي” وهو اسم شائع للفتيات، اشتُقت كلمة توليب من الكلمة التركية “تولبينت” التي تعني “موصلين” (نسيج قطني) وهي مشتقة من الكلمة الفارسية “دولباند” التي تعني “عمامة”، ويُعتقد أن الكلمة أصبحت مرتبطةً بالتوليب لأن بتلات الزهرة المطوية تشبه الطيات في قطعة القماش.
زُرعت التوليب لأول مرة في بداية الألفية الثانية بمنطقة شمال إيران الآن، في ذلك الوقت أسست القبائل التركية من وسط آسيا المعروفة باسم “السلاجقة” إمبراطورية تضم معظم الشرق الأوسط ومن بينها الأناضول، وأدخلت زراعة التوليب في تلك المنطقة.
كتب السلطان محمد الثاني – فاتح إسطنبول – عن الزهرة في أشعاره، ويرجع الفضل في انتشار زراعتها على نطاق واسع إلى السلطان سليمان القانوني في القرن الـ16، ويُقال إن الزهرة شقت طريقها إلى أوروبا عن طريق السلطان الذي كان يضع زهرة توليب فوق عمامته ككل العثمانيين.
ورغم أن أصل انتشار التوليب في أوروبا ليس معروفًا، فإن القصة المشهورة تقول إن سفير فيينا في تركيا أوغير غيسلان أُهدي التوليب في أثناء زيارته لمحكمة سليمان، نقل السفير التوليب إلى محكمة هابسبورغ في فيينا ومن هناك انتقلت إلى هولندا حيث درسها عالم نباتات يدعى تشارليز دي لاإيكلوس، واليوم أصبح الهولنديون مسؤولين عن 80% من تجارة التوليب وتصديرها حول العالم.
في تركيا ترمز التوليب إلى عصور السلام والازدهار، فيمثل “عصر التوليب” بين عامي 1718 و1730 – تحت حكم السلطان أحمد الثالث – عصر النمو الاقتصادي والهدوء السياسي مع ازدهار صناعة السجاد والطباعة والفن والتجارة الدولية.
تشكل التوليب جزءًا من الهوية الوطنية التركية ويمكنك أن تراها في الهدايا التذكارية ومنحوتة في العمارة وكذلك المجوهرات، كما تتميز العديد من المنتزهات العامة في تركيا بحدائق التوليب، وتقيم إسطنبول مهرجان التوليب كل ربيع وهو تقليد بدأ عام 2005.
اللوتس، مصر
ترجع زهرة اللوتس إلى العصور القديمة بما في ذلك الكتابة الهيروغليفية وخاصة إكليل الزهور الذي وُجد مع الملك توت عنخ آمون، وتلقب الزهرة أيضًا بـ”سوسن النيل المقدس”.
في أحد الرموز المصرية القديمة، ينبثق إله الشمس من زهرة لوتس، وكان يُعتقد أن العطر القوي للزهرة يشير إلى وجود الإله، بالنسبة للمصريين القدماء، فتلك الزهرة التي تنغلق على نفسها وتغطس تحت الماء ثم تظهر وتتفتح مرة أخرى عند الفجر، أصبحت رمزًا للولادة الجديدة وكذلك الوحدة بين مصر العليا والسفلى.
ترتبط الزهرة بالنقاء والألوهية كذلك، وفي العصور القديمة لعبت دورًا بارزًا في الجنازات حيث تُوضع زهور اللوتس في الكفن لترمز إلى دخول الميت العالم الآخر.
ورغم نعومة بتلات الزهرة، فإنها معروفة بصلابتها وقدرتها على التكيف في البيئات المختلفة، استُخدمت الزهرة كذلك لأغراض تزيينية في باقات الزهور والفن.
كانت اللوتس الزرقاء مرغوبةً بشكل خاص لدورها في تعزيز الخصوبة والشهوة الجنسية، ووجدت الأبحاث بعد ذلك أن المركب الكيميائي الموجودة في الزهرة – أبومورفين – يساعد على استرخاء العضلات وإزالة القلق.
الخشخاش، فلسطين
ظهرت أزهار الخشخاش في الفن الفلسطيني، وفي الربيع تنتشر حقول الأزهار في المنطقة بلونها الأحمر الزاهي، تتميز الزهرة بألوانها الأربع التي تشكل ألوان العلم الفلسطيني، وقد أصبحت رمزًا للصمود والتراث الفلسطيني الأصيل، يمثل اللون الأحمر دماء الشهداء الذين حاربوا من أجل فلسطين.
يقول ناصر أبو فرحة – البروفيسور الفلسطيني بجامعة ويسكونسن ماديسون بأمريكا -: “يرمز الخشخاش إلى العلاقة التبادلية بين حياة الفلسطينيين وأرض فلسطين، حيث تقدم أجساد الفلسطينيين الحياة لأرض فلسطين”.
سُميت الزهرة بأسماء مختلفة في مختلف مناطق فلسطين، ففي الشمال تسُمى “حنون” وفي الجنوب “شقائق النعمان”، واليوم ينشر النشطاء على مواقع التواصل صورة الزهرة لإظهار تضامنهم مع البلاد.
الياسمين، سوريا
ترجع أصول الكلمة إلى الكلمة الفارسية “ياسمين” التي تعني “هبة من الله”، وقد انتشرت الياسمين في سوريا لأجيال طويلة وما زالت مزدهرةً في البلاد حتى اليوم، عُرفت عاصمة البلاد دمشق بـ”مدينة الياسمين” لانتشار الزهرة هناك حيث تغطي الجدران وتنتشر في الحدائق.
زُرعت الزهرة ببتلاتها البيضاء أو الصفراء الناعمة لصنع الزيوت المستخدمة في العطور ومستحضرات التجميل لعقود، وترجع أصولها إلى المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في أوراسيا وأوقيانوسيا وقد ساهم نموها وتصديرها بشكل كبير في الاقتصاد السوري حتى بداية الحرب السورية عام 2011.
يشير انتشار أسماء مثل ياسمين وجاسمين – المشتقة من اسم الزهرة – إلى أهمية الزهرة ثقافيًا.
براعم قهوة آرابيكا، اليمن
رغم أن اليمن لا يمتلك زهرةً وطنيةً، فإن براعم قهوة “آرابيكا” ترتبط بالبلاد على نطاق واسع نظرًا لأهميتها المركزية في زراعة البن وانتشاره، ففي الزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية، يعد اليمن أول مكان خارج القرن الإفريقي تنمو فيه حبوب البن.
تتميز براعم قهوة “آرابيكا” بشجيراتها الخضراء وأوراقها اللامعة بلونها الأخضر الداكن، وأزهارها البيضاء على شكل نجوم مع بعض التجعيد، تنتج الزهرة ثمارًا خضراء داكنةً تنضج في النهاية ليتحول لونها إلى ظل أحمر عميق.
في اليمن، كانت القهوة جزءًا من تقاليد البلاد لقرون طويلة واستُخدمت تلك الحبوب لأول مرة كمنبه في منتصف القرن الـ15، حين استخدمها الصوفيون أملًا في البقاء مستيقظين طوال الليل للصلاة.
تعد الزهرة كنزًا وطنيًا في اليمن، فرغم زراعة القهوة على نطاق واسع خارج المنطقة، فإن البلاد تتميز بإنتاج محصول عالي الجودة.
لكن استمرار البلاد في زراعة تلك الحبوب أصبح موضع نقاش، ففي المنطقة الجبلية التي تزدهر فيها تلك النباتات، يقل الإنتاج عامًا بعد عام نظرًا لتغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة.
المصدر: ميدل إيست آي