ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقًا لتحقيق استقصائي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، تم تجديد ترخيص استخدام برنامج التجسس “بيغاسوس” التابع لمجموعة “إن إس أو” في المملكة العربية السعودية، وذلك بعد أن اتصل وليّ العهد محمد بن سلمان مباشرة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأظهر التقرير أن “إسرائيل” استخدمت برامج التجسس كجزء أساسي من سياستها الدبلوماسية وأن الوكالات الأمريكية كانت تُجري محادثات لشراء برامج التجسس وقد عُرض عليها برنامج خاص يمكنه اختراق أرقام الهواتف الأمريكية.
ووفقًا للصحيفة، رفضت وزارة الدفاع الإسرائيلية في البداية تجديد ترخيص الرياض لبرامج التجسس الخاصة بمجموعة “إن إس أو” بسبب إساءة استخدام المملكة للبرنامج – في إشارةٍ واضحة إلى التقارير التي تُفيد بأن كاتب العمود في موقع “ميدل إيست آي” جمال خاشقجي وقد تم تعقبه باستخدام برنامج “بيغاسوس” قبل مقتله في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018.
لم تتمكن مجموعة “إن إس أو” من تزويد الرياض بصيانة روتينية للبرنامج دون ترخيص التصدير، لذلك استمرت الأنظمة السعودية في الانهيار. وحسب ما أفادت به مصادر مطلعة على المكالمة، أجرى وليّ العهد شخصيًا مكالمة هاتفية عاجلة مباشرة مع نتنياهو، طالبًا تجديد الترخيص، وذلك بعد فشل العديد من المكالمات التي أجراها مساعدو بن سلمان لمجموعة “إن إس أو” والموساد ووزارة الدفاع الإسرائيلية.
أمر نتنياهو، الذي لم يكن على علم بأزمة الترخيص إلى حين تلقى تلك المكالمة الهاتفية، وزارة الدفاع على الفور بحل المشكلة. ثم اتصل مسؤول في الوزارة بمجموعة “إن إس أو” وطلب إعادة تشغيل الأنظمة السعودية، ولكن أحد موظفي الشركة رفض وطالب بتفويض مُوقّع، وذلك وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وعندما أخبر المسؤول الوزاري ذلك الموظف أن الأوامر جاءت مباشرة من نتنياهو، قبلت الشركة رسالة بريد إلكتروني من الوزارة وعاد برنامج التجسس “بيغاسوس” للعمل مرة أخرى في المملكة العربية السعودية. ووفقًا للتقارير، سلمت وزارة الدفاع تصريحا لمقر مجموعة “إن إس أو” بعد ذلك بيوم.
دبلوماسية برامج التجسس
جاءت دعوة بن سلمان لنتنياهو قبل الإعلان عن سلسلة اتفاقيات التطبيع في سنة 2020 بين “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان. وكان جزء مهم من تأمين تلك الاتفاقيات يكمن في الحصول على إذن استخدام المجال الجوي السعودي لأول مرة على الإطلاق لتحليق الطائرات التجارية الإسرائيلية من وإلى الخليج.
وفقًا للتقرير، بيع برنامج التجسس “بيغاسوس” لأول مرة إلى الرياض في سنة 2017، مقابل رسوم قدرها 55 مليون دولار. وقد شارك فريق صغير من كبار مسؤولي الدفاع الذين يعملون تحت قيادة نتنياهو في حوار مع الرياض، وقد عُقد الاجتماع “في ظل إجراءات سريّة مشددة”، وذلك وفق ما صرّح به شخص متطلع على القضية.
وذكر التقرير أن “إسعاد السعوديين يعتبر أمرا مهما بالنسبة لنتنياهو، الذي كان في خضم مبادرة دبلوماسية سرية يعتقد أنها ستعزز إرثه كرجل دولة – تقارب رسمي بين “إسرائيل” والعديد من الدول العربية”.
وتوصّل تقرير الصحيفة إلى أن “إسرائيل” استخدمت برامج التجسس الخاصة بمجموعة “إن إس أو” والتي تقول المجموعة إنها تباع فقط للحكومات وتحتاج إلى إذن من الحكومة الإسرائيلية لبيعها، باعتبارها ركيزة أساسية لدبلوماسيتها على امتداد السنوات العديدة الماضية.
ارتبط بيع برامج “إن إس أو” لعدد من البلدان، بما في ذلك المكسيك وبولندا والمجر، بتعزيز العلاقات بين تلك الدول وإسرائيل. ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، عزز برنامج “بيغاسوس” علاقات “إسرائيل” مع دول الخليج، وخاصة مع الإمارات العربية المتحدة.
وقالت الصحيفة إن “إسرائيل” سمحت ببيع برنامج التجسس للإمارات بعد أن ورد أن عملاء الموساد سمموا ناشطا بارزا في حماس في غرفة فندق في دبي سنة 2010. وبعد جريمة القتل هذه، أمر ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بقطع العلاقات الأمنية بين “إسرائيل” والإمارات. ولكن في سنة 2013، عرضت “إسرائيل” على محمد بن زايد فرصة شراء برامج “بيغاسوس”، وقد وافق ولي العهد على ذلك.
وفي بيان صادر عن مكتب نتنياهو يوم الجمعة، نفى رئيس الوزراء السابق تقرير صحيفة “نيويورك تايمز”. وجاء في البيان، حسب ما أوردته صحيفة”تايمز أوف إسرائيل”، أن “المزاعم التي تفيد بأن نتنياهو تحدث إلى زعماء أجانب وعرض عليهم أنظمة التجسس مقابل إنجاز سياسي أو بعض الإنجازات الأخرى، كلها باطلة”. وأضاف البيان أن “جميع مبيعات هذا النظام أو المنتجات المماثلة من الشركات الإسرائيلية إلى دول أجنبية تتم بموافقة وإشراف وزارة الدفاع، كما يقتضي القانون الإسرائيلي”.
برنامج “فانتوم” للتجسس
تعرضت مجموعة “إن إس أو” إلى العديد من الإدانات في السنوات الأخيرة وواجهت موجة انتقادات دولية بسبب التقارير التي تفيد باستخدام برامجها لاستهداف المعارضين السياسيين والنشطاء والصحفيين في جميع أنحاء العالم. وهي تواجه حاليا دعاوى قضائية من خدمة الرسائل “واتساب”، وكذلك شركة “آبل” التقنية العملاقة، بشأن استخدام برامج التجسس الخاصة بها.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، أدرجت وزارة التجارة الأمريكية مجموعة “إن إس أو” على قائمة الشركات الأجنبية التي تشارك في أنشطة إلكترونية خبيثة، ومنعت الشركات الأمريكية من التعامل معها كما مُنعت هذه المجموعة الإسرائيلية من الوصول إلى التكنولوجيات الأمريكية الرئيسية مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف.
قبل ذلك، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن مكتب التحقيقات الفدرالي قد اشترى برنامج تجسس “بيغاسوس”، وخططت مجموعة “إن إس أو” لتزويد الوكالة الأمريكية ببرنامج تجسس جديد لم يسبق له مثيل باسم “فانتوم”. وقد حصل برنامج التجسس على تصريح خاص من هيئة مراقبة الصادرات الدفاعية الإسرائيلية للتجسس على أي رقم هاتف أمريكي، بهدف بيع النظام للأمريكيين فقط.
أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة دفعت ورتّبت لحكومة جيبوتي تأمين صفقة لشراء “بيغاسوس”، وهو ادعاء نفته جيبوتي.
ووفقا لكتيب اطلعت عليه صحيفة “نيويورك تايمز”، يمكن لبرنامج “فانتوم” “تحويل الهاتف الذكي المستهدف إلى منجم ذهب ذكي”. لكن بعد الاختبارات والمناقشات المكثفة التي استمرت حتى السنة الماضية، قرر مكتب التحقيقات الفيدرالي عدم استخدام أحدث برامج التجسس التابعة لمجموعة “إن إس أو”.
قال متحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي للصحيفة إن الوكالة غالبًا ما تدرس إمكانية استخدام تقنيات جديدة، وأنها تقوم “بشكل روتيني بتحديد وتقييم واختبار الحلول والخدمات التقنية لأسباب متنوعة، بما في ذلك المخاوف التشغيلية والأمنية المحتملة التي قد تقع في أيد غير آمنة”.
إلى جانب مكتب التحقيقات الفدرالي، ذكرت الصحيفة أن وكالة المخابرات المركزية، والخدمة السرية الأمريكية، وإدارة مكافحة المخدرات، والقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، أبدوا اهتماما ببرامج التجسس، على الرغم من التقارير التي وثقت إساءة استخدامها من قبل العملاء في جميع أنحاء العالم. كما أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة دفعت ورتّبت لحكومة جيبوتي تأمين صفقة لشراء “بيغاسوس”، وهو ادعاء نفته جيبوتي.
المصدر: ميدل إيست آي