ترجمة وتحرير: نون بوست
في طفولتي، كان أفراد عائلتي يستخدمون تعبير “إن شاء الله” كثيرًا. ويقترن هذا المصطلح بالنسبة للمسلمين بالتفاؤل خيرًا. وإذا أردت لأمرٍ أن يتحقق، فيجب عليك أن تقول “إن شاء الله”. وقد وردت هذه العبارة في سورة الكهف في قوله تعالى: “ولا تقولن لشيء إني فاعلٌ ذلك غدا، إلا أن يشاء الله”.
تستهل عائلتي العديد من الجمل بعبارة “إن شاء الله”، على الرغم من أننا لا نتحدث اللغة العربية (فنحن مهاجرون من سريلانكا ويتحدث والداي لغة التاميل). لقد ربطنا هذه العبارة بكل شيء سواء بالأهداف طويلة الأمد (سوف أعيش في منزل كبير يومًا ما إن شاء الله) أو المستقبل القريب (سوف أحصل على الأجر غدًا إن شاء الله).
وكلما أرادت مني والدتي تنظيف غرفتي أو كنس السجاد، كنت أماطل بقول إني سأفعل ذلك لاحقًا. لكنها كانت تأمرني بإضافة عبارة “إن شاء الله” في نهاية وعودي، موضحةً أنه “إذا لم أقل إن شاء الله لن يتم ذلك”.
لكن معنى عبارة “إن شاء الله” ليس ثابتًا. وفي هذه الأيام، بات يطغى على معناها الورع المليء بالتفاؤل استخدام آخر أكثر تداولا بعيد كل البعد عن هذا السياق وأكثر ميلا إلى السخرية إلى حد ما. فقد أصبحت هذه العبارة تُقال لإرضاء الآخرين أو كإشارة لتغيير الموضوع، أو عندما يُدعى شخص لحضور حفل زفاف ولا يكون لديه نية الحضور، فقد يجيب بـ”إن شاء الله”، وقد يستعملها البعض في إشارة ساخرة تدل على عدم إيمانهم.
وفي بعض الأحيان، وجد هذا الاستخدام الأخير طريقه إلى أفواه غير المسلمين: فقد استخدم الرئيس بايدن هذا التعبير – ربما بغير إدراك منه لأهميته الدينية – في الإشارة إلى خطة بيرني ساندرز “الرعاية الطبية للجميع”، ومرة أخرى أثناء نقاشه مع دونالد ترامب في سنة 2020. وعندما اقترح ترامب أن يُفرج عن إقراراته الضريبية أجاب بايدن بنفس منقطع: “متى؟ إن شاء الله؟”.
بغض النظر عن هذه الاستخدامات الأكثر تشاؤمًا، لطالما كان السياق الديني لعبارة “إن شاء الله” يعطي شعورًا بالأمل. ولا ينفرد الإسلام وحده بهذا المفهوم. فغالبًا ما أجد أثناء تصفحي لتويتر أشخاصًا “يُظهرون إيمانهم” و يعقدون الآمال “في فسيح الكون”. وهناك ارتياح لفكرة وجود قوة أسمى، سواء كنت متدينًا أم لا، تُنظم وتؤثر في حياتك. لكن تطبيقاتها تعتمد على نظرة عالمية إيجابية تركز على تحقيق الناس لطموحاتهم المادية في المقام الأول.
لم أستطع كطفل إدراك ما تعنيه هذه العبارة التي تتردد على مسامعي كثيرا. في ذلك الوقت، لم أستوعب مفهوم التواضع المطلوب من المؤمن والإيمان بحقيقة أن مصائرنا يقدرها الله في النهاية
إن عبارة “إن شاء الله” تتطلب منا تقبّل احتمال أننا قد لا نحقق آمالنا، وأن تصوراتنا للمستقبل تافهة مقارنة بما يُقدره الله لنا. قد لا نكون قادرين على إدراك هذا الأمر حتى بعد سنوات وقد لا تكون فوائد ما حدث معنا مادية دائمًا. إن فهم عبارة “إن شاء الله” يتطلب صبرًا واقتناعًا بإرادة الله، والتخلي عن الكبرياء أمام القوى الكونية التي من شأنها توفير القليل من النظام لما يمكن أن يكون حياة فوضويةً – مع إيمان راسخ بأنك على الطريق المقدّر لك سواء كان حسب توقعاتك أم لا.
بدأت منذ عدة سنوات في استخدام هذا التعبير في محادثاتي مع أصدقائي غير المسلمين، الذين بدأوا أنفسهم باستخدامه خلال محادثات لا أكون طرفًا فيها. يظهر جمال عبارة “إن شاء الله” من خلال استخدامها ضمن المجتمعات لجلب الراحة للآخرين ومواساتهم والاحتفاء بهم، فهي لغة تواصل مشتركة بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، وتخلق رابطًا مشتركًا بين اللغات والثقافات المتباينة. ومهما كانت اللغة التي تتحدثها، فإن العاطفة دائمًا هي ذاتها: الأفضل قادم لك ولي وللجميع، حتى لو لم نتمكن من معرفة ماهيته.
لم أستطع كطفل إدراك ما تعنيه هذه العبارة التي تتردد على مسامعي كثيرا. بلا شك كنت مؤمناً بالله، الذي يمثل أسمى هدف من عبادتي وصلاتي. في ذلك الوقت، لم أستوعب مفهوم التواضع المطلوب من المؤمن والإيمان بحقيقة أن مصائرنا يقدرها الله في النهاية. كنت أستخدم هذا التعبير بشكل أساسي في الجامعة قبل الحديث عن أهدافي، وخصوصًا عندما كنت أحاول التقدم لكلية الطب.
في استخدام عبارة “إن شاء الله” تذكير بالتوازن الدقيق بين التوكل والإيمان
كنت أردد: “أريد الالتحاق بالكلية لأصبح طبيبًا، إن شاء الله”. لكن، بعد خوض ثلاث دورات تقديم فاشلة، اضطررت لتقبّل حقيقة أن إرادة الله وإرادتي لن تكونا دائمًا على نفس المسار. قد يكون دافع استخدام “إن شاء الله” في التعبير عن آمالك وأحلامك هو تعبير عما تحمله من أمل في داخلك، لكن هذا لا يعني أنك ستحصل دائمًا على ما تتمنى. إن الفهم الحقيقي لعبارة “إن شاء الله” يقتضي ما يدعوه الإسلام “التوكل على الله” أو “الثقة بالله”، أي أن تسلّم لإرادة الله مهما كانت.
لقد وجدت نفسي أستخدم عبارة “إن شاء الله” كثيرًا خلال حديثي اليومي في الآونة الأخيرة، مع انتشار الوباء والكوارث المناخية وتعرض الديمقراطية للخطر. لقد ساعدني ذلك على مواساة نفسي لأنه يذكرني أن أضع ثقتي في الله وفي الطريق الذي رسمه لي. لكن في وقت وقع فيه البعض ضحية الطوائف المضللة من خلال الإعلان عن إيمانهم “بالله بدلًا من اللقاح”، قد تبدو هذه الثقة ساذجة.
في الحقيقة، إن الثقة في الله لا تعني التوقف عن الأخذ بالأسباب. ولعل ذلك ما نفهمه من قول النبي (عليه الصلاة والسلام) “اعقل وتوكل” في إجابته عن رجل لا يعقل ناقته بحجة أنه يتوكل على الله فحسب.
في استخدام عبارة “إن شاء الله” تذكير بالتوازن الدقيق بين التوكل والإيمان، وعلامة على أن العمل على تحسين أنفسنا والمجتمع يجب أن يتواصل حتى لو لم نكن متأكدين مما يحمله لنا المستقبل، وهذا نوع من الاعتراف بأهمية الإيمان بقدرة البشرية على المضي قدمًا في وجه دوافعنا الأكثر تشاؤمًا.
المصدر: نيويورك تايمز