ترجمة حفصة جودة
لم يتمكن صلاح من النوم لعدة أيام، فقد كان هذا المواطن من مدينة جدة الساحلية بالمملكة العربية السعودية قلقًا بشأن المستقبل بعد أمر إخلاء مفاجئ حدد منزله بالطلاء الأحمر قبل عدة أيام، يقول صلاح: “لا أعلم ماذا سأفعل ولا أين سأذهب”.
يعد صلاح واحدًا من بين مليون شخص على الأقل في جدة، وفقًا لتقديرات محلية، انقلبت حياتهم رأسًا على عقب في الثلاثة أشهر الأخيرة وسط عمليات هدم تقوم بها الحكومة على نطاق واسع.
هذا الهدم جزء من خطة للتخلص من عشوائيات المدينة والمنازل غير المخططة لأجل سلسلة من مشاريع إعادة التطوير الكبرى وفقًا لما ذكرته الصحيفة السعودية الحكومية “سبق”.
هُدمت 10 أحياء على الأقل تمامًا وما زال العمل مستمرًا في 10 مناطق أخرى، تستهدف الخطة 60 منطقة تقع معظمها في الجزء الجنوبي للمدينة ومن المتوقع أن يستمر الأمر لعد أشهر.
لكن السكان يقولون إن عمليات الهدم كانت مفاجئة ولم تمنحهم وقتًا كافيًا للتخطيط للانتقال إلى مكان آخر أو توديع أحيائهم التي عاشوا فيها لأجيال، يقول صلاح: “أشعر بحزن شديد، لا يمكنني أن أصف ما يحدث هنا، إنه أمر غير مفهوم”.
ولزيادة الوضع سوءًا، يقول السكان إن السلطات لم تضعهم في منازل مؤقتة تابعة للحكومة أو تعرض عليهم تعويضًا، ما حولهم فعليًا من أصحاب منازل إلى مستأجرين.
تسبب النزوح في أزمة سكن، فقد ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل صاروخي في أنحاء المدينة، وفي بعض الحالات تضاعف الإيجار خلال عدة أيام فقط كما يقول السكان، وهناك كثيرون لا يمكنهم تحمل هذه التكلفة.
بحسب شهود عيان، فقد أُجبر بعض الناس على إخراج أثاثهم في العراء فاحتموا بالجسور، بينما اضطرت بعض الأسر للنوم في سياراتها، يقول أحد مواطني جدة: “هناك أسر سعودية لا تملك المال ولا يمكنها حتى تحمل تكلفة نقل أثاثها”.
“هناك أطفال بحاجة للمدارس، وهناك كبار في السن وأرامل وأشخاص من ذوي الإعاقة، لقد رأيت نساءً يبكين في الشوارع”.
تظهر الصور على الإنترنت وصور الأقمار الصناعية عمليات الهدم واسعة النطاق لأحياء بأكملها تحولت إلى غبار، في حي غليل – من أوائل المناطق التي هُدمت – تظهر صور الأقمار الصناعية قبل وبعد الهدم كيف تحولت منطقة تاريخية وشعبية إلى أنقاض.
أظهرت صور الطائرات من دون طيار مناطق شاسعة تمتلئ بالحطام، ويقارنها السكان بمناطق الحرب، يقول أحد السكان: “الأمر مأساوي، فقد حدثت عملية الهدم لأحياء كاملة بطريقة لا يمكن وصفها، وعدد النازحين غير معقول”.
لا مكان نذهب إليه
منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول، فوجئ سكان جنوب جدة بكلمة مفاجئة غير معتادة حيث كُتبت كلمة “إخلاء” على جدران منازلهم وأعمالهم، كتب الكلمة موظفو البلدية كإشعار للسعوديين الذين يعيشون في المناطق المحدد هدمها.
مع وجود وقت قصير للمغادرة – في بعض الحالات 24 ساعة – تدافع السكان لنقل متعلقاتهم والعثور على مكان جديد للعيش، وبمجرد انتهاء مهلة الإخلاء انقطعت خدمات الكهرباء والمياه في المنطقة.
تحولت منازل السكان والمدارس والمساجد ودور العجزة وذوي الإعاقة إلى أنقاض، نشر بعض السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي صورهم في الأسابيع الأخيرة وهم يودعون مساجدهم وشوارعهم وأسواقهم.
قالت قناة العربية – المملوكة للسعودية – في تقرير لها، إن الحكومة منحت المواطنين مهلة شهر للإخلاء ووضعت خطة تعويض للذين يستطيعون إثبات ملكيتهم للمنازل، لكن السكان قالوا إن القوانين لم تكن واضحةً، ولم يتم تقييم قيمة أي ممتلكات أو تُتخذ أي إجراءات عندما وصلت الجرافات لهدم المنازل.
قُدمت مقترحات لهدم الأحياء الفقيرة منذ عام 2007، لكنها لم تتم لعدة أسباب، من بينها عدم رغبة الحكومة في إثارة السكان
رفض بعض السكان حديث وسائل الإعلام المحلية التي سخرت من الأحياء ووصفتها بمناطق عشوائية غير مخططة، فقد أشار بعضهم إلى أن المناطق المبنية حديثًا تضررت أيضًا.
يقول أحد السكان: “هذا الحديث عن العشوائيات والمنازل غير المرخصة خاطئ تمامًا، فهناك منازل حديثة بُنيت قبل عام أو اثنين ومكونة من 5 أو 6 طوابق، وقد تعرضت للهدم أيضًا”.
قلب جدة
تعد جدة – ثاني أكبر مدينة سعودية – موطنًا لنحو 4.5 مليون مواطن، وهي مركز اقتصادي مهم، وبوابة ملايين الأشخاص الذين يزورون المدينة سنويًا في طريقهم لأداء شعائر الحج في مكة.
تقع المناطق المهدومة جنوب جدة، وهي منطقة يراها الكثيرون كقلب وروح المدينة المطلة على البحر الأحمر، كانت المنطقة مهملة بسبب مشاريع التنمية حيث توسعت المدينة شمالًا عبر السنين، لكنها كانت مركزًا اجتماعيًا نابضًا بالحياة يتشكل من خليط من الجماعات العرقية التي استوطنتها قبل عقود.
يرتبط جنوب جدة بالمدينة القديمة العتيقة وسط المدينة المعروف بـ”البلد”، وقد أصبح في خطط الحكومة التنموية منذ سنوات، قُدمت مقترحات لهدم الأحياء الفقيرة منذ عام 2007، لكنها لم تتم لعدة أسباب، من بينها عدم رغبة الحكومة في إثارة السكان، لكن الحكومة السعودية الحاليّة التي تتابع خطتها الاقتصادية الشاملة “رؤية 2030″، تضع أحياء جنوب جدة صوب أنظارها.
أعدت وزارة الشؤون البلدية القروية وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية تقريرًا في 2019 بعنوان “جدة: ملف المدينة” كجزء من “رؤية 2030″، وهو يقدم تحليلًا للتخطيط الحضري للمدينة ويقترح توصيات للتطوير المستقبلي.
تتضمن التوصيات عرض نظام لمترو الأنفاق الذي يمر عبر جنوب جدة، لكن ليس واضحًا إذا كانت هذه المشروعات التطويرية مرتبطة بأعمال الهدم الجارية أم لا.
في ديسمبر/كانون الأول، أعلن صندوق الاستثمارات العامة برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان عن خطط بناء “جدة المركزية” وهو مشروع يهدف إلى إنشاء جهة عالمية تطل على البحر الأحمر شمال المدينة.
سيضم المشروع المبني في قلب جدة – بتكلفة نحو 20 مليار دولار – متحف ودار أوبرا وإستاد رياضي ومربى مائي، سيتم بناء مرسى عالمي ومنتجعات شاطئة ساحرة كذلك، إضافة إلى 17 ألف وحدة سكنية وفنادق توفر أكثر من 2700 غرفة.
عندما سُئل السكان عن المشاريع التطويرية لتغيير المدينة، قالوا إنهم ليحبون ذلك، لكن ذلك لا يبرر طريقة الهدم في الأشهر الأخيرة، يقول أحد السكان: “لسنا ضد التطوير، فنحن نريد أن تصبح السعودية أفضل مكان في العالم وندعم هذه المشروعات، لكن ليس مقبولًا طرد الناس بتلك الطريقة”.
المدينة الضخمة المستقبلية
في 2020 وقعت أحداث هدم مشابهة شمال محافظة تبوك وتصدرت الأخبار بعد مقتل عبد الرحيم الحويطي – ناشط قبلي احتج على إخلاء منزله – برصاص قوات الأمن، ففي مقطع فيديو نشره على الإنترنت قبل مقتله، ندد الحويطي بإجلائه من منزله لإفساح المجال لتشييد مدينة “نيوم” الضخمة المستقبلية.
رفض الناشط مغادرة منزله الذي يقع في منطقة استوطنتها قبيلة الحويطي لمئات السنين، عندما وقع الحادث، وقالت السلطات السعودية في ذلك الوقت إن الحويطي رفض الاستسلام لقوات الأمن وفتح عليهم النار، ثم فقد حياته لاحقًا في أثناء تبادل لإطلاق النيران.
من المتوقع أن ينتهي مشروع نيوم – الذي سيكلف مليارات الدولارات – عام 2025 على ساحل البحر الأحمر في تبوك، خضعت المدينة – المصممة لجذب المستثمرين الدوليين – لفحص دقيق منذ الإعلان عنها في 2017، فقد قال النقاد إنها تنم عن إسراف شديد وغير فعالة في معالجة مشاكل السعودية الاقتصادية بما في ذلك البطالة والاعتماد على النفط.
أثارت تفاصيل المشروع موجة من ردود الفعل الساخرة والمرتبكة على وسائل التواصل الاجتماعي عند الإعلان عنها لأول مرة، فقد اتهم الناس محمد بن سلمان باستخدام التكنولوجيا المكلفة للتغطية على انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان.
المصدر: ميدل إيست آي