ترجمة حفصة جودة
قبل أقل من 10 سنوات، تحدث وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة عبد الله بن زايد ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد لقتله المدنيين، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني تعانقا، هذا العناق – في أول زيارة من مسؤول إماراتي لدمشق منذ اندلاع الثورة السورية – بدا كأنه نعمة للأعمال الوحشية لنظام الأسد وطعنة في ظهر هؤلاء الذين عانوا من الحرب والنزوح.
ورغم أن العديد منا كسوريين شاهدنا هذا العناق وأحسسنا بالخيانة، فإننا لم نتفاجأ، فهو مجرد خطوة أخيرة لموجة من الخطوات الدولية لإصلاح العلاقات مع نظام الأسد.
ففي يونيو/حزيران عينت منظمة الصحة العالمية سوريًا في مجلسها التنفيذي، بينما أعادت منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” سوريا إلى شبكتها في أكتوبر/تشرين الأول، وضغطت كل من مصر والجزائر لإعادة دعوة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية، بينما أشارت بقية الدول العربية إلى تقاربها مع نظام الأسد، وخلال ذلك كله، يبدو أن علاقات الأسد مع إيران وروسيا ازدادت عمقًا.
يبدو أن هذه الهيئات الدولية والدول اختارت إما المسامحة وإما النسيان وإما تجاهل الأسباب التي أدت إلى طرد سوريا من مجتمعاتهم، لكن قيامهم بذلك يطبع الأعمال الوحشية التي ارتكبها نظام الأسد أو ارتُكبت بالنيابة عنه ويخاطرون بتشجيع القادة الآخرين على ارتكاب ذلك دون خوف من لوم أو عقاب، مثلما نرى في حالة الروهينغا في ميانمار والإيغور في شينغيانغ.
بالمخاطرة بإعادة الشرعية للنظام الذي ربطته الأمم المتحدة عام 2013 بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وضد شعبه، فإن المجتمع الدولي يحطم العادات والتقاليد التي تجمع العالم معًا، يجب على القوى الغربية والعربية إبقاء الأسد في عزلة والضغط على أي دولة أو منظمة تتردد في الالتزام بذلك، نحن بعيدون عن نقطة البداية، ولفترة قصيرة من الوقت بدا العالم كأنه معنا.
شهد حي القابون قتالًا عنيفًا بين قوات المقاومة وقوات الأسد في منتصف 2012، وأسقطت مروحيات الحكومة القنابل في الجوار، ما حول المباني وواقعنا إلى أنقاض
كان عمري 13 عامًا عندما اندلعت الاحتجاجات في حي القابون غرب دمشق في 2011، أتذكر الشعور بالأمل عند رؤية السوريين يطالبون بتحرر البلاد من عائلة الأسد التي حكمت لأكثر من 40 عامًا.
عندما بدأ الأسد بقمع المتظاهرين بوحشية، قطعت الدول علاقاتها معه وجمدت أصول النظام في الخارج، كما علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا.
اتضح بعد ذلك أن الأسد على استعداد لفعل أي شيء للبقاء في السلطة، لم يفعل العالم الكثير لإيقافه إلا فرض العقوبات وتسليح المعارضة انتقائيًا.
شهد حي القابون قتالًا عنيفًا بين قوات المقاومة وقوات الأسد في منتصف 2012، وأسقطت مروحيات الحكومة القنابل في الجوار، ما حول المباني وواقعنا إلى أنقاض، كنا نخشى أن يصبح الدور على منزلنا.
بعد النجاة من شهرين من الحصار غادرت عائلتي البلاد، حزمنا ذكرياتنا في الحقائب وسحبناها على الإسفلت المتهدم بجوار ثقوب الرصاص الحديثة في جدران الحي، بعد عام كانت الحكومة ترمي صواريخ محملة برؤوس كيميائية على أحياء دمشق ومن بينها حي جوبر الذي يبعد أميالًا قليلةً عن منزلنا.
في هذا الوقت، شعرت بخيانة عائلة الأسد الذين كانوا يخبروننا دائمًا أنهم حماة سوريا، والآن بعد 9 سنوات من فراري من المنزل، أشعر بخيانة المجتمع الدولي الذي دعا نظام الأسد مرة أخرى إلى أحضانه.
هذا التطبيع يتجاوز حدود سوريا، فهو يعيد تشكيل وكتابة المعايير الدولية لكيفية معاملة حكام الدول لمواطنيهم.
هناك أدلة كثيرة على ارتكاب نظام الأسد جرائم وحشية وأكثرها وضوحًا استخدام أسلحة كيميائية، هذا العمل وحده يتطلب تدخل المجتمع الدولي وفقًا لمبدأ الأمم المتحدة بمسؤولية الحماية
ظهرت آليات المحاسبة مثل المحاكم الخاصة ومعايير معاقبة الجرائم ضد الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية بالتوقيع على ميثاق لندن 1945 ومحاكمات نوريمبرغ والمحاكمات الخاصة لرواندا ويوغسلافيا، وُضعت تلك القوانين لمنع مذابح جماعية أخرى ضد المدنيين وليعلم الطغاة ومجرمو الحرب أنهم لا يستطيعون الإفلات بأعمالهم الوحشية واستخدام جيوش الدولة لقمع المعارضة بشكل مميت وممنهج.
ومع ذلك، فما يحدث في سوريا يكشف عيوب وتناقضات عميقة في نظام حقوق الإنسان الدولي، فهناك أدلة كثيرة على ارتكاب نظام الأسد جرائم وحشية وأكثرها وضوحًا استخدام أسلحة كيميائية، هذا العمل وحده يتطلب تدخل المجتمع الدولي وفقًا لمبدأ الأمم المتحدة بمسؤولية الحماية.
لكن حق الفيتو الذي تملكه الصين وروسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منع الأمم المتحدة من التدخل لإنقاذ السوريين الواقعين تحت القصف أو إنهاء سفك الدماء في سوريا.
إن الخطوات الأخيرة للإمارات وغيرها من تطبيع العلاقات مع سوريا تذهب لأبعد من ذلك، فهي تكشف أنه بمرور الوقت سيتم احتضان الطغاة ثانية إذا كان الأمر ملائمًا لمصالح الدول القومية.
قد تحتضن الدول العربية الأسد لعدة أسباب، فربما يحاولون مواجهة النفوذ الاقتصادي والسياسي لإيران في المنطقة، أو ربما يرون أن الأسد أقل شرًا من مواجهة الميليشيات الإسلامية مثل داعش، أو أن تردد أمريكا في دعم حلفائها الاستبداديين يدفع دول الخليج للبحث عن أرضية مشتركة مع قوى أخرى مثل روسيا حليفة الأسد، وربما قرروا أن الفرص الاقتصادية المحتملة – مثل الاستثمار في مشاريع إعادة إعمار سوريا – أكبر من أن تُرفض.
سوريا ليست قوةً نوويةً أو قوةً إقليميةً كما كانت سابقًا، كما أنها ليست موردًا كبيرًا للطاقة، لذا فالوقوف بحزم أمام إعادة تأهيل النظام لن يكلف الكثير
لكن تكلفة إضفاء الشرعية على نظام متهم بارتكاب جرائم حرب أعلى بكثير من أي فوائد اقتصادية أو سياسية بعيدة المنال، فالنظام الذي قصف المستشفيات لا يمكن أن يكون عضوًا في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، والنظام الذي عذب وتعقب معارضيه في البلاد وخارجها بواسطة الاستخبارات لا يمكنه الوصول مرة أخرى لقاعدة بيانات الإنتربول.
لم يُبد نظام الأسد أي نية للتغيير، فهذا الشهر في أول محاكمة عالمية لمتهم بالتعذيب في سوريا برعاية الدولة، أدانت محكمة ألمانية ضابط مخابرات سوري سابق لجرائمه ضد الإنسانية، ما زال النظام متهمًا بانتهاك حقوق الإنسان بما في ذلك ضد السوريين العائدين للبلاد.
لا يجب أن تمنح الهيئات الدولية الأسد شيئًا مقابل لا شيء، يجب أن يضغطوا عليه لوقف انتهاك حقوق الإنسان، ولا بد من تطوير وتطبيق آليات مثل مبدأ سلطة القضاء العالمية – مثلما فعلت ألمانيا مؤخرًا – سعيًا وراء بعض العدالة.
أكدت أمريكا وفرنسا وبريطانيا أنهم ضد التطبيع مع الأسد، لكنهم خجلون من حث حلفائهم والمنظمات الدولية على عدم القيام بذلك، يجب أن تكون هذه القضية على قمة أجندتهم للسياسة الخارجية لأن إعادة تأهيل نظام الأسد يشكل تهديدًا مباشرًا لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي يواجه بالفعل تحديات على جبهات أخرى مثل التوترات الأوكرانية الروسية الحاليّة.
من السهل اتخاذ موقف من تلك القضية، فسوريا ليست قوةً نوويةً أو قوةً إقليميةً كما كانت سابقًا، كما أنها ليست موردًا كبيرًا للطاقة، لذا فالوقوف بحزم أمام إعادة تأهيل النظام لن يكلف الكثير.
إذا طبّعت الحكومات والمنظمات الدولية مع نظام الأسد، فنحن نخاطر بإعادة قصة سوريا في كل مكان آخر، وستصبح أنقاض القابون معيارنا الجديد.
المصدر: نيويورك تايمز