صدمت صدمة شديدة، واحترق قلبي وعقلي، وازداد قلقي واضطرابي وخوفي بعد سماعي خبر انتحار الناشطة السياسية “زينب المهدي” شنقًا في غرفتها بعد أن مرت بفترة اكتئاب شديدة الشهر الماضي وانعزلت عن الجميع ولم يسأل عليها أحد! “زينب” صاحبة الوجه البريء والابتسامة الصافية والتاريخ الثوري الجميل، زينب شابة القلب والعقل، حلمت كحلم جيل كامل ببناء وطن جميل ومستقبل باهر ننعم فيه بالأمل في غد مشرق تتفتح فيه أزهار وأحلام من ضحوا بدمائهم وأرواحهم من أجل أن نحيا جميعًا.
زينب فتاة جميلة صغيرة السن لكنها كبيرة القدر والمقام والأفكار، نشأت متدينة ملتزمة، محبوبة من الجميع، كانت من أبناء جماعة الإخوان المسلمين ثم انشقت عنها بعد ثورة يناير، وانضمت إلى حملة أبوالفتوح لانتخابات الرئاسة.
وبعد الانقلاب العسكري وتواتر أخبار اعتقال البنات والنساء وكثرة الانتهاكات التي تتعرض لها البنات في السجون والمعتقلات؛ قررت أن تكون هي البداية في نشر أخبارهن وصورهن ومشاكلهن والترويج لقضاياهن والانتهاكات التى يتعرضن لها؛ فبدأت – كما يقول عمار مطاوع – الاتصال بالنشطاء وإمدادهم بالبيانات والمعلومات وكيفية التواصل مع المنظمات الحقوقية وكيف يتم تفعيل القضايا ونشرها؟ ويشهد لها بذلك جميع نشطاء المجال الحقوقي مثل “هيثم غنيم” وغيرهم وينسبون لها الفضل في بذرة أعمالهم ويرجون لها الأجر والثواب من الله.
ثم أن أدركت أن لا قيمة لقانون في زمن اللادولة التي نحياها، وأن لا قيمة للإنسان أساسًا مع العصابة الحاكمة فضلاً عن احترامه وحفظ كرامته وعدم إهانته؛ فأصابها اليأس وتمكن منها الاكتئاب وانعزلت عن الدنيا حتى فارقتها، وهى صاحبة قلب متألم متوجع من هول ما رأى وعايش، منذ أن دبت فيه الحياة حتى أن سكنت نبضاته.
رسالة زينب نشرها عمار مطاوع في صفحته على الفيسبوك
ولم تسلم "زينب" من الدنيا ووجعها، حتى بعد وفاتها بسويعات قليلات أخذت تنهال عليها ألسنة حداد من أصحاب القلوب الغلاظ الشداد، وأخذوا يصدرون الأحكام عليها ويطلقون القرارات أنها من أهل النار!
لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون!
مالى أرى أقوامًا تألهوا على الله؟!
اتركوها لرب غفور رحيم يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور هو العدل – سبحانه وتعالى – وهو الرحمن الرحيم.
أكنتم مع ملك الموت حين قبض روحها؟!
أكانت هي في مناط التكليف وقت قتلها لنفسها؟!
ألم تكن تمر بظروف نفسية أليمة وعصيبة لا يعلم مداها إلا الله؟!
ألم يكفكم أنكم تركتموها لمجرد أنها اختلفت معكم؟!
ولما لا تصدروا أحكامكم وقرارتكم وتوجهوا سهام قلوبكم الغليظة ونبال نفوسكم المريضة لمن تسبب في آلامها ووجعها حتى وصلت هي وجيلها لما نحن فيه؟!
أليس أولى بسهامكم وأحكامكم من تسببوا فيما وصلت له”زينب” ومعظمم جيلها؟!
لماذا يبقى مبارك والجنزوري وفايزة أبوالنجا وتنتحر “زينب “وجيلها؟!
لماذا يبقى السيسي وعصابته أحياء ونموت نحن وننتحر نحن ونعتقل نحن وتسفك دماؤنا نحن؟!
لماذا يموت أهل الفكرة والرسالة وأهل العوز والحاجة، ولا يموت المستبدون والطغاة وأعوانهم؟
ولم تنج “زينب “حتى من شركاء الثورة الذين كانوا يلومون عليها اختياراتها وانحيازاتها السياسية، حتى إن أحدهم قال فيها “اقلبوا صفحتها واطلبوا الرحمة لغيرها فإنها كانت تدعم أبو الفتوح”.
سبحان الله!
لم يعرف أحد “زينب”إلا وشهد لها ولجمال خلقها وحرقة قلبها وتألمه على ما يحدث لنا، كانت ذات عون كبير للناس ولم تجد عون لها وهي في أشد الحاجة لهم، تركوها تعاني وحدها، تتألم وحدها، تسأل أسئلة ولا مجيب لها إلا نفسها، تركوها حتى أصدقائها وأخواتها فريسة سهلة لنفسها وآلامها والآن يحاكمونها بعد وفاتها!
بل أنفسكم وقادتكم ونهجكم ووسائلكم هي الأولى أن تُحاكم!
أرجوكم خوضوا معارككم الحقيقية وهي مع عدوكم وعدو هذا الجيل، الجيل الفريد الذي ضحى بنفسه وحياته ومستقبله وتكبد الآلام والأوجاع من أجل حلم بسيط في حياة جميلة يحياها بحرية واستقلال وكرامة وعدل، فكم بيننا مثل “زينب” وكم بيننا من الشباب الذي حلم بالوطن ومستقبله وكم بيننا من خطط لمستقبله وحياته في ظل حرية وكرامة، وكم بيننا من هتكت أستار حياته وآماله رصاصة غدر وخيانة، وكم بيننا من المعتقلين والمشردين والمطاردين والمغتربين وكم وكم؟!
رحمة بنا وبهذا الجيل الفريد توحدوا واتحدوا ورصوا صفوفكم من جديد بروح يناير وثوب غضب ثوري جديد يكنس الظلم وأهله.
اللهم عفوك وحلمك وسترك بهذا الجيل وآماله وأحلامه.