في آخر مؤتمر صحفي للمتحدث باسم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، العميد تركي المالكي، في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2021، كشفَ أن جماعة الحوثي، الموالية لإيران، أطلقت 430 صاروخًا باليستيًّا و851 طائرة مسيَّرة مسلحة نحو السعودية منذ بدء الحرب عام 2015، ما أسفرَ عن مقتل 59 مدنيًّا سعوديًّا، وهو ما يخالف إعلانًا سابقًا صدرَ عن وزارة الدفاع السعودية بتدمير كل القدرات الصاروخية الحوثية.
ففي 21 أبريل/ نيسان 2015، أعلنَ التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن عن عملية “إعادة الأمل” وانتهاء عملية “عاصفة الحزم” في اليمن، بعد إعلان وزارة الدفاع السعودية تدمير الصواريخ البالستية والأسلحة الثقيلة التي تشكّل تهديدًا لأمن السعودية والدول المجاورة، والتي كانت بحوزة ميليشيا الحوثيين والقوات الموالية لصالح في ذلك الوقت.
قبل اجتياح الحوثيين صنعاء، والانقلاب على مخرجات الحوار الوطني والدولة، كان الجيش اليمني يملكُ 500 صاروخ سكود (بالستية) زوّده بها الاتحاد السوفيتي في مطلع الثمانينيات، وكان قد ظهر الكثير منها في عروض عسكرية، وعملت اللجنة الفنية في القوات المسلحة اليمنية على تطوير نحو 80 منصة إطلاق صواريخ (سكود وغيرها)، واُستخدمت هذه المنصات خلال الحرب الأهلية في اليمن عام 1994 بين الانفصاليين الجنوبيين والقوات الحكومية.
بما أن اليمن يمتلك 500 صاروخ بالستي، والتحالف العربي أعلن عن إطلاق الحوثي إلى السعودية منذ بدء الحرب 430 صاروخًا، وأكثر من 400 صاروخ على الداخل اليمني، فهذا يعني أن الحوثيين وصلهم صواريخ إضافية من خارج البلاد.
لا يمكن الجزم أن التحالف العربي استطاع تدمير كل القدرات العسكرية الحوثية، بقدر ما دمّر البنية التحتية في اليمن، حيث كان قادرًا على إنهاء الحرب سريعًا من خلال عملية عسكرية صادقة للقضاء على الحوثي، دون انتظار الأمم المتحدة لإقناع الجماعة بالسلام، التي اتخذت ذلك وسيلة لإطالة الحرب في البلد المنكوب منذ أكثر من 10 سنوات.
يقول التحالف العربي إنه نجح على الأرجح في تحييد القدرات الحوثية، لكنّ الحوثيين لا يزالون يعلنون عن “عمليات عسكرية” داخل العمقَين السعودي والإماراتي، وتعترف بذلك أحيانًا المملكة العربية السعودية أو الإمارات، اللتان تتحدثان بشكل متكرر أن تلك الصواريخ لم تخلِّف أضرارًا مادية أو بشرية إلا فيما ندر.. فهل بالفعل نجح التحالف بتدمير ذلك؟ ومن أين يحصل الحوثي على هذا السلاح؟
ضربات دقيقة
يقول سكّان محليون في العاصمة اليمنية صنعاء، وبعض المحافظات اليمنية التي أغارت طائرات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن على مواقع فيها، أن غالبية الضربات الجوية للتحالف العربي تصيب مخازن أسلحة، ويُعتقد أنها قطع للطيارات المسيَّرة أو الصواريخ البالستية أو المتفجّرات، نتيجة للانفجارات التي تحدث بعدها، وهو ما يشير إلى دقة المعلومات التي يحصل عليها التحالف العربي.
هناك أدلة على أن مكونات أسلحة ومعدات عسكرية أخرى “يستمر تزويدها برًّا إلى القوات الحوثية من خلال أفراد وكيانات مقرّها سلطنة عُمان، التي تربطها حدود مع اليمن”.
ورغم الضربات الجوية المستمرة على المخازن الحوثية أو المواقع التي حصّنت جماعة الحوثي سلاحها فيه، إلا أن الجماعة لا تزال لديها القدرة على إرسال الصواريخ البالستية إلى السعودية والمناطق اليمنية المحرَّرة، وآخرها فاجأت العالم باستهداف الإمارات العربية المتحدة، ما يشير إلى أن جماعة الحوثي ما زالت تمتلك أو ربما حصلت على نوع جديد من الصواريخ والطيران.
مصادر السلاح الحوثي
يزعم الحوثيون أن الصواريخ التي يستخدمونها هي صنع محلي، أو كانت من أملاك الجيش اليمني قبل اجتياحهم لصنعاء والسيطرة على سلاح الدولة، غير أن إعلان التحالف أن الحوثيين أطلقوا نحو 430 صاروخًا، ومثلها قد يكون أطلقتها الميليشيا الحوثية داخل اليمن، يشير إلى زيادة بمقدار 80% عمّا تمتلكه اليمن من مخزون صاروخي الذي لا يتجاوز الـ 500 صاروخ، وهذا ما يعيدنا إلى تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي الذي سلّمه إلى مجلس الأمن يوم السبت 19 يناير/ كانون الثاني 2022، مفنّدًا مصادر السلاح الحوثي.
يكشف تقرير خبراء الأمم المتحدة عن توريد السلاح للحوثي من خلال شركات ووسطاء، بما فيهم وسطاء من أوروبا وآسيا يقومون بسلسلة من الإجراءات الهدف النهائي منها هو التحايل على القرار 2216 الصادر من مجلس الأمن بالإجماع في أبريل/ نيسان 2015، والذي يحظر توريد أي أنواع من السلاح والذخيرة للجماعة الحوثية باعتبارها جماعة انقلابية استولت بالقوة على البلاد واغتصبت السلطة بقوة السلاح.
ويفرض القرار 2216 عقوبات على أي دولة أو شخص أو شركة، تقدم أو تساهم في وصول السلاح للحوثيين، ويزيد من مسؤولية هذه الأطراف التي تتلاعب بالقانون الدولي و بقرار الأمم المتحدة الصادر وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أن جماعة الحوثي تستهدف المدنيين بهذه الأسلحة، حيث قال التحالف العربي إن هجمات الحوثي على السعودية قتلت 59 مدنيًّا، كما قُتل 3 مدنيين مقيمين في الإمارات نتيجة الطائرات المسيَّرة والصواريخ التي يحصل عليها الحوثي من الخارج.
وقال خبراء الأمم المتحدة في التقرير إن هناك أدلة على أن مكونات أسلحة ومعدات عسكرية أخرى “يستمر تزويدها برًّا إلى القوات الحوثية من خلال أفراد وكيانات مقرّها سلطنة عُمان، التي تربطها حدود مع اليمن”.
العديد من الصواريخ الجديدة التي وصلت الحوثيين إلى صنعاء عبر طُرُق وشبكة مهرِّبين معقدتَين، لم تعلن الميليشيا الحوثية عن نوعها.
كشفَ التقرير الأخير أن جماعة الحوثي لم تعتمد كما تقول على ترسانة الأسلحة التي استولت عليها من الجيش اليمني، وإنما تعتمد اعتمادًا كاملًا على ما يصلها من إيران، أو الشركات الأوروبية والآسيوية التي تزودها بالسلاح، ما يساعد الحوثي على الصمود والبقاء أكثر.
الصواريخ الحوثية
تواصل إيران تزويد الحوثي بالصواريخ البالستية والطيران المسيَّر، بحسب مصادر حوثية، وتصريحات الحكومة الشرعية اليمنية والتحالف العربي، إضافة إلى تقرير خبراء مجلس الأمن الدولي الذي قال إنه اختبر العديد من الصواريخ البالستية التي أُطلقت على محافظة مأرب (شمال شرق)، وتبيّن أنها صناعة إيرانية، بعضها بلاروسية كانت قد أُرسلت إلى إيران كصفقة عسكرية، وهو ما يؤكّد مواصلة إيران دعم الحوثيين بهدف السيطرة على اليمن.
من ضمن هذه الصواريخ:
الصرخة: يبلغ مداه 17 كيلومترًا، ويحمل رأسًا وزنه 15 كيلوغرامًا، وطوله يبلغ مترَين و40 سنتيمترًا، ويحمل صاعقًا أماميًّا، وآخر خلفيًّا يمكن تفجيره عن بُعد.
النجم الثاقب 1 و2: يبلغ مدى “النجم الثاقب 1” 45 كيلومترًا، وهو مزوَّد برأس متفجِّر يبلغ وزنه 50 كيلوغرامًا من المواد شديدة الانفجار، ويُطلق من منصات صواريخ إفرادية وثلاثية، متحرِّكة وثابتة.
الزلزال 1: يبلغ مدى هذا النوع من الصاروخ 3 كليومترات، ويحمل رأسًا متفجِّرًا زنته 80 كيلوغرامًا من المواد شديدة الانفجار، وتُطلق المنظومة من منصة إفرادية ثلاثية الفوهات.
الزلزال 2: طول الصاروخ مترَان ونصف، ووزنه 350 كيلوغرامًا، فيما يبلغ طول الرأس الحربي 90 سنتيمترًا، ووزن الرأس 140 كيلوغرامًا، ويبلغ مداه 15 كيلومترًا.
الزلزال 3: من عيار 650 ملیمترًا ويصل مداه إلى 65 كيلومترًا، ويبلغ وزن الرأس المتفجِّر نصف طنّ من المواد المتفجِّرة، طوله 6 أمتار وعدد شظاياه يبلغ 10 آلاف شظية.
قاهر إم: يبلغ مداه 400 كيلومتر ويحملُ رأسًا حربيًّا يزنُ 350 كيلوغرامًا، وتصلُ دقّة الإصابة من 5 الى 10 أمتار، بحسب ما أعلنته قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين.
صمود: يبلغ مداه 38 كيلومترًا، وطوله 4 أمتار وقطره 555 ميليمترًا، ووزن الرأس الحربي 300 كيلوغرام والوزن الكلي للصاروخ طن، وعدد الشظايا 10 آلاف شظية.
المندب 1: وهو صاروخ جديد أعلن الحوثيون عنه مطلع هذا الشهر، مضاد للسفن ومزوَّد بتقنية لن تستطيع السفن العسكرية فكّ شفراته، وفقًا لما أُعلن، لكن لم يتمَّ توجيهه ضد أي سفينة حتى الآن.
إضافة إلى العديد من الصواريخ الجديدة التي وصلت الحوثيين إلى صنعاء عبر طُرُق وشبكة مهرّبين معقدتَين، لم تعلن الميليشيا الحوثية عن نوعها، خوفًا من كشف حقيقتها، لكنها تكتفي بالإعلان عن أنها صواريخ مجنّحة وفقًا لاستخدامها في الهجوم على الإمارات العربية المتحدة الذي وصفه بيان مجلس الأمن بالإرهابي.
الطيران المسيَّر
تقول الأمم المتحدة إن ترسانة الحوثي تشمل صواريخ كروز المضادة للسفن وصواريخ باليستية ومركبات مائية محمَّلة بالمتفجرات، وكذلك أنواع مختلفة من الطائرات من دون طيار التي زوّدت إيران بها للحوثيين، بهدف مساندتهم في الحرب التي يخوضونها ضد الشرعية اليمنية والتحالف العربي.
ووفقًا لما يعلنه الحوثيون، وتؤكده الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، فإن تلك الطائرات هي ذاتها التي أعلنت إيران عن صناعتها، حيث لدى الحوثيين أنواع مختلفة من الطائرات المسيَّرة يُستخدَم بعضها في الاستطلاع، مثل طائرتَي الهدهد وراصد اللتين يتراوح مداهما بين 30 و35 كيلومترًا، أما رقيب فلا يزيد مداها عن 15 كيلومترًا لكن يمكنها البقاء في الجو 90 دقيقة.
وهناك نوع آخر يُعرَف بالطائرات الانتحارية، وأبرزها قاصف 1 وقاصف K2، يبلغ مداهما 150 كيلومترًا ويمكنهما البقاء في الجو 120 دقيقة، إضافة إلى الطائرات الانتحارية مثل صماد 2 وصماد 3 اللتين يتراوح مداهما من 1500 إلى 1700 متر، ورأسهما الحربي يزن 50 كيلوغرامًا.
التصعيد الحوثي المتزامن مع تقرير الخبراء الأممين الذي أثبتَ بالأدلة أن الحوثيين يرتكبون أعمالًا إرهابية وأدانَ إيران بخرق القرارات الأممية، هو تحدٍّ لتلك القرارات، وكأن الحوثيين يريدون القول للمجتمع الدولي لا يهمنا ما تقولونه.
ورغم إعلان التحالف العربي بشكل مستمر أنه استهدفَ هذه المخازن، إلا أن بقاء ميناء الحديدة والطريق بين اليمن وسلطنة عمان آمنان لتحرُّكات المهرِّبين، يعني أن تهريب السلاح إلى الحوثي لن يتوقف.
تصعيد متواصل
أعلن الحوثيون الموالون لإيران يوم الاثنين 31 يناير/ كانون الثاني 2022، عن استهداف ما وصفوه بالعمق الإماراتي، وتحدّثوا عن ضرب أهداف نوعية وهامة في إمارة أبوظبي بعدد من صواريخ “ذو الفقار” البالستية، وأهداف حساسة في إمارة دبي بعدد من طائرات صماد 3، لكن الإمارات أعلنت أنها اعترضت صاروخًا بالستيًّا ولم تتحدث عن الطائرات المسيَّرة.
يأتي التصعيد الحوثي في أوقات متزامنة مع الحديث الإيراني حول جهودها بما تسميه وقف العدوان على اليمن، وزيارة الأمير القطري إلى أمريكا، والرئيس الإسرائيلي إلى الإمارات، وهي رسائل حوثية تتّسق مع التحركات الإيرانية، لانتزاع نصر سياسي في المفاوضات النووية وعسكري في اليمن.
فالحديث الإيراني المتكرِّر حول أن بلاده تبذل قصارى جهدها فيما يخصّ الأزمة اليمنية، وإرسال الأمير القطري الذي تحدث عن توسُّطه بين طهران وواشنطن، يعنيان محاولة منها لتوسيط قطر بإيقاف التحركات الأمريكية لإعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية.
ولا نغفل أن التصعيد من قبل الحوثيين، الذي تزامنَ مع زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى الإمارات، هو رسالة داخلية إلى أنصارها أنها ضربت رغم وجود الرئيس الإسرائيلي، على اعتبار أن الإمارات هي الجبهة الأمامية لـ”إسرائيل”، والهدف من ذلك تقوية عزيمة الحوثيين المنهارة بعد الهزائم الكثيرة.
ومن زاوية أخرى، إن التصعيد الحوثي المتزامن مع تقرير الخبراء الأممين الذي أثبت بالأدلة أن الحوثيين يرتكبون أعمالًا إرهابية وأدانَ إيران بخرق القرارات الأممية، هو تحدٍّ لتلك القرارات، وكأن الحوثيين يريدون القول للمجتمع الدولي لا يهمنا ما تقولونه أو ما ستصفوننا به، وهم يدركون أن لهم تحركات إقليمية تساعدهم على ذلك كقطر وإيران.
كيف يمكن أن يتوقف الهجوم الحوثي؟
في الحقيقة لا يمكن أن تمنح الأمان لجماعات عقائدية أو طائفية مسلحة وعنيفة وتدين بالولاء للخارج، فالمهادنة معها تكون مؤقتة وشكلية، تهدف منها لاستجماع قواها والاستعداد لمهاجمتك مرة أخرى.
سيوقف الحوثيون مهاجمة الإمارات، وسيزول الخطر بأحد طريقين: الأول، أن توافق الإمارات العربية المتحدة على شروط الحوثي وتقبل بالخروج من اليمن، وتتخلّى عن دعم طارق صالح والمجلس الانتقالي الجنوبي، ومن ثم إثارة الخلاف بينهم بهدف القضاء على هذه القوة التي يخشى الحوثي منها، ولكن هذه الطريقة ستدفع الإمارات ثمنها غاليًا بعد سنوات، وقبل ذلك المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني استسلام إماراتي للحوثي.
الثاني: إذا تحركت الدبلوماسية الإماراتية والعربية، وصُنّف الحوثي كتنظيم إرهابي، وجرى التحرك العسكري والقضاء على هذه الجماعة، فبذلك سيزول الخطر عن اليمن والمنطقة برمّتها، وهذا ما يرجوه اليمنيون في هذا الوقت، لأن التأخير في ذلك يزيد من خطر الحوثيين وإرهابهم، وهو ما حصل عندما سمح لهم التحالف العربي بالوصول إلى هذه الخطورة من خلال منح فرصة للسلام.
لا يجب أن يستمرَّ ما يمكن أن نقول عنه تماهيًا التحالف العربي مع الخطر المتعاظم لدى الحوثيين، فإن ذلك قد يقود التحالف العربي إلى الفشل، وذلك يعني الاستسلام والخسارة في الحرب، وهو ما قد يترتّب عنه أثار عكسية كبيرة، ربما تدفع دول الخليج العربي فاتورتها، ولن يكون اليمن وشعبه المتضرران بعيدَين عن ذلك، بل سيعمُّ الضرر المنطقة برمّتها.
فالخطر الذي كان يُمارَس ضد أبناء اليمن، واعتبره المجتمع الدولي أنه خلاف سياسي على الكرسي، باتَ خطره يعمّ كل المنطقة، ليس نظريًّا فحسب وإنما يهدد المصالح التجارية والملاحة الدولية، وهذا أصبح يمسُّ الأمن والاستقرار الدوليَّين وفقًا لبيانَي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخيرَين.. والصمت لوقت أطول قد يصعّب فيما بعد تحجيم هذا الخطر.