لم يكن يعتقد قرابة 150 شابًّا سوريًّا أن خروجهم من منازلهم في مدينة إسطنبول التركية سيكون خروجًا بلا عودة، وأن ما اعتقدوا أنه مجرد إجراء روتيني بسيط سيغيّر مسار حياتهم خلال أيام قليلة، انتهت بترحيلهم من تركيا.
حملة أمنية تستهدف المخالفين في إسطنبول
بدأت السلطات التركية منذ قرابة شهر بحملة للتأكُّد من إقامة السوريين في العناوين المسجّلة في أوراقهم الرسمية ضمن عدة ولايات من بينها إسطنبول، حيث زار عناصر من الشرطة التركية كثيرًا من منازل السوريين وتحقّقوا من الأشخاص المقيمين فيها، بالتوازي مع هذه الحملة كانت دوريات للشرطة تتحقّق بشكل عشوائي من الأوراق الرسمية للمارّة في الشوارع التي يكثر فيها وجود السوريين، إضافة إلى أماكن عملهم.
قبل عدة أيام تداولَ السوريون في تركيا مقاطع مصوَّرة يظهر فيها عشرات من الشبّان السوريين، يقولون إنه تمَّ ترحيلهم من تركيا إلى سوريا بالإكراه، رغم أنهم يمتلكون وثائق إقامة مؤقتة نظامية، وبعضهم لديهم إذن عمل نظامي في إسطنبول، كما من بينهم طلاب في الجامعات التركية.
يتحدث محمد حصري، أحد الشبّان المرحّلين، لـ”نون بوست” عمّا حصل معهم، قائلًا: “كنت في عملي في مشغل خياطة في إسطنبول حين دخلت دورية شرطة وطلبت الأوراق الثبوتية للموجودين، وعندما شاهدوا أوراقي طلبوا مني مرافقتهم إلى المخفر للتحقق من البيانات، وبعدما ذهبنا إلى المخفر فوجئت بنقلي إلى سجن توزلا، حيث بقيت هناك 12 يومًا بحجّة أنني مخالف في إقامتي”.
ويتابع حصري: “نقلتنا الشرطة إلى ولاية كيليس على الحدود السورية وكنا قرابة 150 شخصًا، وتمَّ إدخالنا على مجموعات إلى خيمة كبيرة، تجمّع حول كل منا عشرات الموظفين الذين طلبوا منا أن نبصم على أوراق دون أن نقرأها، وبعد أن بصمنا صُدمنا بإدخالنا إلى معبر باب السلامة الحدودي وأمرونا بالتوجُّه إلى الداخل السوري، كوننا بصمنا على أوراق عودة طوعية”.
ترحيل إلى سوريا رغم وجود وثائق سليمة
منذ انتشار المقاطع المصوَّرة وأخبار ترحيل الشبّان، بدأت اللجنة السورية التركية المشترَكة بمتابعة موضوعهم والتواصل مع بعضهم، وتقول إيناس النجار، مديرة الاتصال في اللجنة: “منذ انتشار الخبر أرسلنا مذكرتَين إلى دائرة الهجرة ووزارة الداخلية التركية، شرحنا فيهما أن هناك ترحيلًا لشبّان إلى سوريا رغم أنهم يحملون وثيقة الحماية المؤقتة”.
وتكمل النجار: “ثم أضافني الشبّان إلى مجموعتَين على تطبيق واتساب تضمّان عددًا من المرحّلين، وأعدّوا قائمة بأسمائهم باللغة العربية ضمّت قرابة 90 اسمًا، وطلبنا منهم تزويدنا بأسمائهم باللغة التركية وأرقام هواتفهم وهواتف أهاليهم وأرقام وثائقهم، حيث تواصل معنا حتى الآن 60 شخصًا”.
تحمل النسبة العظمى من المرحّلين وثائق حماية مؤقتة (كيمليك) صادرة عن ولايات غير إسطنبول، ويحملُ آخرون أوراقًا رسمية تتيح لهم الإقامة في إسطنبول، وتوضِّح النجار: “من بين الذين تواصلوا معنا طالبان، أحدهما يدرس في جامعة إسطنبول وإقامته قانونية في المدينة، والآخر طالب في جامعة أنقرة لا يحمل إذنًا لذلك وجوده في إسطنبول غير قانوني، وشاب يحمل إذن سفر نظامي، وشابان لديهما إذن عمل في ولاية إسطنبول، و3 شبان متقدمين بطلب للحصول على إذن عمل في الولاية ولم يحصلوا عليه بعد”.
عن وضعه القانوني كمثال عن المرحّلين، يشرح محمد حصري: “أحمل وثيقة حماية مؤقتة صادرة عن ولاية أنقرة، ولدي إذن عمل في ولاية إسطنبول صادر منذ أكثر من شهر، وأدفع الضرائب المترتّبة على إذن العمل وليس لدي مخالفات في تركيا، ورغم ذلك تمَّ ترحيلي، ويوجد في المجموعة التي رحّلوها عدة أشخاص مثل وضعي يحملون أذونات عمل وآخرون أصحاب محال تجارية ولديهم سجلّ تجاري إضافة إلى طالبَين جامعيَّين”.
هناك ثغرة قانونية لدى حاملي إذن العمل توضّحها إيناس النجار: “لا يحقّ للحاصل على إذن عمل في إسطنبول أن ينقل قيود وثيقة حمايته المؤقتة إلى الولاية إلّا بعد حصوله على إذن العمل بـ 3 شهور، لكن في العادة تعيد الشرطة هؤلاء الأشخاص إلى ولاياتهم، وترحيلهم إلى سوريا أمر خاطئ، خاصة بالنسبة إلى الشاب الذي يحمل إذن سفر”.
تضيف النجار: “من بين المرحّلين طفل عمره 15 عامًا، وآخرون بصموا في مراكز الهجرة في إسطنبول للحصول على بطاقة حماية مؤقتة من هذه الولايات، ولم ينتقلوا إليها بعد، وهناك 3 شبّان لا يملكون أية أوراق ثبوتية في تركيا”.
ويلفت خبراء قانونيون إلى أن وجود شخص في ولاية غير التي تتبع لها وثيقة حمايته المؤقتة، لا يستدعي -بحسب قانون الحماية المؤقتة- الترحيل إلى سوريا، إنما من المفترض أن تكتفي السلطات التركية بترحيله إلى ولايته.
حالات إنسانية وقانونية تستدعي حلولًا
الشبّان المرحّلون لديهم عائلاتهم والتزامات عمل أو دراسة في تركيا، وكل منهم يحمل قصة إنسانية ووضعًا قانونيًّا بحاجة إلى حلول، وعن وضعه الشخصي والعائلي يتحدّث الشاب المرحّل حصري: “هناك عقود والتزامات عمل من المفترض أن أنفّذها في إسطنبول للزبائن، وترحيلي تسبّب لي في خسائر وغرامات تأخير تزيد كل يوم”.
متابعًا: “يوجد لدي أخ وأختان في إسطنبول، ووالدي والدتي في مناطق سيطرة النظام في سوريا، ويعاني والدي من الشلل وأحاول منذ سنوات إحضاره إلى تركيا لعلاجه، لكن بعد ترحيلي إلى الشمال السوري فقدت عملي ومصدر رزقي، ولن أستطيع تأمين تكاليف علاج والدي في سوريا”، ويناشد الحصري الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية التركية لإعادته إلى تركيا كون إقامته قانونية فيها، وأن ورقة العودة الطوعية تمَّ تبصيمه عليها “دون علم منه وبالإكراه”.
توضِّح إيناس النجار أن المشكلة الأساسية الآن هي أن الشبّان بصموا على ورقة العودة الطوعية، ما يضعهم في مأزق، وعن الخطوات العملية لإيجاد حلول للمرحّلين، تشرح النجار: “السلطات التركية تتحقق الآن من وضع الشبّان، من حيث وجود سوابق جرمية في سجلّاتهم أو أحكام جزائية أو جنائية وتمَّ ترحيلهم لهذا السبب، أم أن الشرطة رحّلتهم فقط لأنهم لا يملكون وثائق حماية مؤقتة صادرة عن ولاية إسطنبول، حيث إن هناك خطأ في المعلومات الواردة إليهم، وليس لدينا كلجنة معلومات حاليًّا عن مصير هؤلاء الشبّان، ونتمنّى أن يتمَّ حلّ وضعهم وإعادتهم إلى عائلاتهم في تركيا في أقرب وقت”.
وتنوِّه النجار إلى أن اللجنة السورية التركية المشتركة أرسلت قائمة المرحّلين إلى رئيس لجنة اللاجئين في البرلمان التركي، وتتابع الأمر مع منظمات حقوقية وعدد من الحقوقيين الذين يرون أن ترحيل هؤلاء الشبّان غير قانوني.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتمُّ فيها ترحيل سوريين يحملون وثائق حماية مؤقتة إلى سوريا، حيث شهدت ولاية إسطنبول في أواخر عام 2019 ترحيل الآلاف من السوريين إلى الداخل السوري لأن وثائق الحماية المؤقتة الخاصة بهم صادرة عن ولايات أخرى، وذلك ضمن حملة أمنية كبيرة آنذاك.
وتمكّن عدد قليل من أولئك المرحّلين من العودة بشكل قانوني إلى تركيا بعد رفعهم دعاوى قضائية، بينما اضطرَّ كثيرون إلى نقل عائلاتهم إلى الداخل السوري بعد وصولهم إلى اليأس من العودة القانونية إلى تركيا.