ترجمة وتحرير: نون بوست
لمدة ثلاثة ثلاثة أشهر تقريبًا؛ تابعت النساء القطريات وانتظرن الإجابة على السؤال: أين كانت نوف المعاضيد؟؛ حيث قالت نجلاء، وهي خريجة حديثة في جامعة قطر تبلغ من العمر 22 عامًا: “ظهرت شائعات بأنها قتلت على يد والديها”، مضيفة: “مجرد حقيقة أن ذلك يمكن أن يحدث في عصرنا أخافني حقًا، وأخافت الكثير من الفتيات”، مشددة على ذلك بقولها: “هذا هو حقي الأساسي كمواطن؛ أن أضمن السلامة”.
أصبحت نوف اسمًا مألوفًا في الدولة الخليجية بعد أن أخذت جهاز الآيفون الخاص بوالدها سراً، ووصلت إلى تطبيق حكومي ومنحت نفسها الإذن بالسفر إلى الخارج في أواخر عام 2019، فبموجب القانون؛ لا يمكن للمرأة القطرية التي يقل عمرها عن 25 عامًا السفر دون إذن ولي أمرها الذكر.
ومن المملكة المتحدة – حيث طلبت اللجوء – استخدمت نوف وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث عن حياتها التي عاشتها بموجب قواعد وصاية الذكور في البلاد والقيود والعنف المنزلي الذي تعرضت له لسنوات، وقدمت المشورة لنساء قطريات أخريات حول كيفية الهروب.
بعد ذلك؛ في سبتمبر 2021 أعلنت الفتاة البالغة من العمر 23 عامًا أنها ستعود إلى المنزل بعد أن تلقت تأكيدات من السلطات القطرية بأنها ستتم حمايتها، ولكن بعد وقت قصير من وصولها إلى قطر، غردت قائلة بأنها تلقت تهديدات من عائلتها وأخبرت الشرطة، وفي 13 أكتوبر؛ غردت قائلة إنها أصبحت “بخير أكثر قليلاً” ثم اختفت؛ فلا تغريدات، ولا صور أو فيديوهات على إنستاجرام، ولا تيك توك؛ حيث كانت قد حذرت من أنها إذا توقفت عن النشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيجب أن يقلق الناس.
بعد شهرين؛ ومع استمرار نوف كمفقودة أمام الجمهور، قال مركز الخليج لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير ربحية مقرها بيروت تحمي المدافعين عن حقوق الإنسان، إنها قُتلت، مما أثار الرأي العام وأثار قلق النساء القطريات اللواتي كن يراقبون الوضع عن كثب، مثل وضحة، التي تعمل معالجة نفسية في قطر.
وتشاهد وضحة بانتظام الفتيات والنساء الصغيرات اللواتي يعانين من الاكتئاب بسبب السيطرة التي يمارسها الزوج أو أحد الوالدين، ثم يذهبن إلى جناح الطب النفسي في المستشفى الذي تعمل فيه؛ حيث قالت: “إنه بصرف النظر عن أنصار نوف، فإن معظم القطريين لم يأخذوا دعوة نوف للمساعدة على محمل الجد حتى اختفت”.
وأضافت: “كانت تخبرنا عدة مرات، عبر الإنترنت، أن والديها مريضان عقليًا، لكن لم ينتبه لها أحد لأنهم قالوا “أنت لست جيدًا، وليس لديك الحق في تصنيف والديك”، متابعة: “الآن أصبح الناس قلقين فجأة، وكان ذلك في ذهني لأنها ظلت تقول إن والديها لم يكونا مستقرين لهذا أرادت الحماية”.
كانت رؤية نوف تختفي كابوسًا للعديد من النساء القطريات، وخاصة أن الحكومة القطرية التزمت الصمت أسبوعًا بعد أسبوع، مع تراكم الأسئلة: هل كان نوف في منزل آمن؟ هل كانت في مستشفى للأمراض النفسية؟ أين كانت نوف؟
نظام غير شفاف
عندما شرعت روثنا بيغوم من “هيومن رايتس ووتش” في البحث عن نظام الوصاية القطري لأول مرة في عام 2019، لم تكن متأكدة من أنه سيكون ممكنًا، مضيفة: “لقد كافحنا دائمًا للعثور على القطريين المستعدين للتحدث إلينا”، متابعة: “إنه مجتمع مغلق للغاية وليس من السهل الوصول إلى الناس”.
لكن أحد دوافع بيغوم كان معرفة القواعد بالضبط لأن هذه القواعد ظلت غير واضحة حتى بالنسبة للمرأة القطرية، حيث قالت إن هذا يأتي حسب التصميم الذي يتموضعه، موضحة لميدل إيست آي، “هذا يعني أنه يمكنك سحب حق المرأة في أي وقت لأنه غير منصوص عليه في القانون” وبدلاً من ذلك، تمنح السلطات نفسها هذه السلطة التقديرية للقيام بذلك كما تشاء.
وأمضت بيغوم أكثر من عام في إجراء بحثها، وتحدثت في النهاية إلى 35 امرأة قطرية وطاردت الأساس القانوني للقواعد التي بدا أنها تعطي السلطة من خلال معايير فضفاضة بقدر ما تمارس التوجيه الصريح، قائلة: “أنت تتحدث إلى النساء وسيقول أحدهم لا؛ القانون يقول هذا أو لدينا الحق في فعل كذا وكذا بلاه بلاه”، متابعة بقولك: “حسنًا وأنا كذلك كيف يمكن أن تعرف؟”.
القانون ليس مجموعة واحدة واضحة ومفصلة من القواعد، ولكنه متاهة من القانون والسياسات والممارسات التي تطلب من النساء الحصول على إذن من ولي الأمر الذكر للأنشطة، بما في ذلك السلطة على أطفالهن، والزواج، والسفر إلى الخارج، واستئجار الشقق والعمل في أماكن معينة.
وخلُص تقرير بيغوم إلى أن القواعد تمييزية وتؤجج العنف المنزلي، داعيًا السلطات القطرية إلى تعديل القوانين والقواعد والممارسات لتعكس تمتع المرأة بأهلية قانونية متساوية مع الرجل وإصدار قانون لمكافحة التمييز، وذلك من بين توصيات أخرى.
وقالت الحكومة القطرية عند نشر التقرير في مارس 2021 إنه غير دقيق في تصويرها لقوانين وممارسات البلاد المتعلقة بالمرأة، وقال بيان صادر عنها: “الحسابات المذكورة في التقرير لا تتماشى مع دستورنا أو قوانيننا أو سياساتنا”.
السلطات القطرية – التي رفضت التعليق عند كتابة هذا المقال – تؤكد أنها بذلت جهودًا مستمرة لمعالجة العنف المنزلي، بما في ذلك تعيين مريم المسند، كوزيرة جديدة للتنمية الاجتماعية والأسرة، وذلك بعد أسابيع فقط من عودة نوف؛ حيث قادت المسند سابقًا مركز الحماية والتأهيل الاجتماعي (أمان)، وهي منظمة تديرها الدولة تقدم الدعم والسكن المؤقت للفتيات والنساء اللائي يتعرضن للإيذاء، وكانت معروفة بكونها نشطًة جدًا في هذا الدور وامرأة تحبها النساء المحليات خلال فترة ولايتها القصيرة.
تم إجراء تغييرات على قوانين الوصاية في قطر بهدوء شديد، فعلى سبيل المثال السماح للنساء بالقيادة
أقرت النساء اللواتي تحدثن إلى “ميدل إيست آي” بأن “أمان” كان يبدو – على الورق – مكانًا يمكن أن يلجأ إليه أولئك الذين يحاولون الهروب من سوء المعاملة، لكنه لم يقدم مساعدة كبيرة بما يكفي للحفاظ على سلامة أولئك المعرضين للخطر حقًا، فيما قالت المعالجة النفسية إن أحد مستشارات “أمان” أخبرت إحد عميلاتها التي أرادت الطلاق أن تحاول إصلاح علاقتها بزوجها، كما قال آخرون إنه من الصعب إعطائها سكنًا خاصُّا.
وعلى نطاق واسع؛ قالت بيغوم – وهو ما وافقت عليه نساء قطريات تحدثت إلى ميدل إيست آي – إن الافتقار إلى الوضوح حول النظام يعني أن النساء غالبًا لا يجربن أشياء معينة، فعلى سبيل المثال، لا يمكنهن استئجار غرفة في فندق لاستضافة حفلة لصديقاتهن، لأنهم يفترضون، بناءً على القصص التي سمعن بها، أنهم لا يستطيعون ذلك.
يُفترض وجود حقوق أخرى،؛ مثل أنه من الممكن تولي وظيفة في وزارة معينة دون إذن الأب، ولكن بدون محاولة فعلية، لا أحد يعرف على وجه اليقين؛ حيث قالت بيغوم: “عدم معرفة هذه الأشياء يعني أنه لا يمكنك معرفة ما إذا كانت لديك هذه التجربة بالفعل، فأنت تجرب شيئًا ثم تُحرم منه وعندها فقط ستعرف”، وحتى ذلك الوقت تبقى الأمور رمادية، حيث تضيف بيغوم: “هل هذا الشخص ليس لطيفًا معك ؟ أم أنه القانون الفعلي أم القاعدة ؟”.
وتم إجراء تغييرات على قوانين الوصاية في قطر بهدوء شديد، فعلى سبيل المثال السماح للنساء بالقيادة؛ ففي أيلول/سبتمبر 2017، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستسمح للنساء بالقيادة دون إذن قريب ذكر، وذلك في بيان على التلفزيون الحكومي بالتزامن مع حدث إعلامي في العاصمة الأمريكية واشنطن العاصمة.
وعندما رفعت قطر نفس القيود بعد ما يقرب من ثلاث سنوات – تحت ضغط من النساء القطريات اللواتي أشرن إلى إصلاحات أسرع في الجوار – غطى مقال واحد فقط باللغة العربية التغيير، ولم يذكر في وكالة الأنباء القطرية الرسمية، وهو ما علقت عليه بيغوم بقولها: “إنهم لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يتنازلون عن الإصلاحات، سواء من خلال مطالب المرأة القطرية، أو من قبل المجتمع الدولي”، مضيفة: “أولويتهم الرئيسية هي التأكد من أن مجتمعهم سعيد بهم، أولاً وقبل كل شيء”.
خطوات الأطفال
هذا المجتمع؛ كما وصفته النساء القطريات اللواتي تحدثن إلى ميدل إيست آي، لا يزال تقليديًا للغاية؛ حيث يعتقد الكثيرون أن المرأة يجب أن تكون تحت حماية والدها ثم زوجها، وهو أيضًا صغير جدًا؛ فهناك ما يقدر بنحو 335000 مواطن قطري فقط. كما أنها مجتمع لا يتجاهل أي شيء بل يتحدث ويجبر الآباء والأزواج والزوجات والبنات على الاستمرار في اتباع تلك التقاليد المحافظة تمامًا؛ حيث قالت نجلاء، وهي خريجة جامعية: «يعرف الناس كل شيء عن الجميع”.
وفي غضون ذلك، يتساءل بعض القطريين؛ بشكل متزايد عن الوضع الراهن، وخاصة أولئك الذين درسوا مع الأجانب في المدارس الدولية المحلية أو في الخارج وحتى الذين يتواجدون على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتحدثون علانية على الإنترنت
وتسير عائلة آل ثاني الحاكمة بين العناصر المحافظة والليبرالية في المجتمع؛ حيث حافظت حتى الآن على سلطتها من خلال ترك الاهتمامات المحلية إلى حد كبير ليتم التعامل معها من قبل العائلات؛ حيث قالت نجلاء إنها ترى بعض التغييرات الإيجابية فيما يتعلق بقوانين الوصاية، لكن وتيرة الإصلاح بطيئة، مضيفة: “إنها حقًا مثل الخطوات الصغيرة، لكنها تحدث. لكن إذا لم تكن في قطر ولم تكن تعيش فيها، فأنت لا ترى ذلك”، متابعة: “إنهم لا يريدون حقًا صدمة المجتمع. إنهم يريدون تنفيذ التغيير، صحيح أنه يحدث بوتيرة بطيئة، لكنه يحدث”.
لقد أثرت القواعد على حياة نجلاء؛ فقد قادت السيارة لفترة طويلة بدون ترخيص لأن والدها لم يمنحها إذنه، ثم حصلت على ترخيص من خلف ظهره في اللحظة التي تم فيها إسقاط شرط إذن الوصي في عام 2020، وهي تود الدراسة في الخارج، لكن والدها أيضًا لن يسمح بذلك.
“ماذا يمكنني أن أفعل إذا تعرضت للإيذاء؟ أين يمكنني الذهاب؟ ماذا يمكنني أن أفعل؟ تشعر أن الشيء الوحيد الذي يمكنهم فعله هو مغادرة البلد وهو أمر محزن للغاية ومحبط للغاية
وغردت نجلاء عن قضية نوف، واستمرت في ذلك على الرغم من الرسائل التي وردتها من نساء قطريات أخريات يسألن عما إذا كانت لا تخاف من أن إعلان آرائها، ولكن لم تكن تكن هناك أي عواقب حتى الآن؛ حيث قالت: “إن بعض النساء لا يبدو أنهن يمانعن في قواعد الوصاية مثل ابنة عمي التي يبدو أنها سعيدة بما يكفي، على الرغم من أنه يسمح لها بزيارة العائلة أو الذهاب إلى الأماكن العامة مع والدتها فقط”.
وأضافت: “إن آخرين أبرموا صفقات ضمنية مع والديهم؛ حيث يتم منحهم أي أموال يريدونها مقابل استعدادهم للعيش في ظل قيود، لكنها قالت إنها قلقة بشأن عدم وجود خيار في كل هذا، وعلى وجه الخصوص، للفتيات والنساء القطريات العالقات في مواقف مسيئة وليس لديهن مكان يلجأن إليه.
وتابعت قائلة: “إن هناك نساء يهربن من قطر مثل نوف ولم نسمع منهن أبدًا لأنهن لا ينشرن للجمهور”؛ حيث تم منح ست نساء قطريات وفتاتين حق اللجوء في المملكة المتحدة العام الماضي، وفقًا لسجلات وزارة الداخلية.
واستطردت نجلاء قائلة: “عليهم (أي السلطات القطرية) التفكير في هذا: لماذا تهرب النساء وهن في العشرينات من العمر؟ إنهن يبحثن عن ملجأ في بلدان أخرى، ولماذا هذا؟ لانهم لم يوفروا لهن الأمان هنا في الدوحة”، مضيفة: “ماذا يمكنني أن أفعل إذا تعرضت للإيذاء؟ أين يمكنني الذهاب؟ ماذا يمكنني أن أفعل؟ تشعر أن الشيء الوحيد الذي يمكنهم فعله هو مغادرة البلد وهو أمر محزن للغاية ومحبط للغاية”.
“الملاذ الأخير”
وهذا أيضًا يقلق وضحة، المعالجة النفسية القطرية، التي تساعد النساء والفتيات الصغيرات عندما ينتهي بهن الأمر في جناح الطب النفسي بالمستشفى في محاولة للهروب مما يحدث معهن؛ حيث قالت: “هذا هو الملاذ الأخير لهن؛ فإما أن يؤذين أنفسهن أو يدخلن المستشفى ويقولن: “لا أشعر أنني بحالة جيدة. أنا لا أحب والدي. هل يمكن فقط ان تقبلوني؟”.
كثير من هذه الفتيات والنساء لديهن احتياجات تتجاوز العلاج، ولكن بدون ملاجئ طويلة الإقامة وموارد أخرى لمساعدة النساء على ترك المعتدين عليهن بشكل دائم، فإن قوة المعالجين والأخصائيين الاجتماعيين محدودة، وهو ما عبرت عنه وضحة بقولها: “لا يمكننا مساعدتهن حقًا، هذا هو ما يحدث، وبعد ذلك ينتهي الأمر بهن في المستشفى لأنهن يريدن أن يكنَّ بجانبنا، ويردن الابتعاد عنهم”.
وأضافت: “لذلك ينتهي بهن الأمر إما بمحاولة الهروب أو يحاولون القيام بمحاولة (انتحار) حتى يتمكنَّ من الهروب من بيئتهن السامة”.
في عيادة المعالجة وضحة الخارجية؛ تخبرها كل امرأة بنسخة من قصة عن السيطرة عليها، وإحدى آليات التأقلم التي توصي بها وضحة هي إعداد روتين؛ حيث قالت “بمجرد أن يعرفوا أنه يتم التحكم فيهن، فإنهن يتوقفن عن فعل الأشياء التي يحبونها بالفعل”، مضيفة: وقالت: “إنهن يشاهدن التلفزيون ويجلسن في المنزل”.
وقالت وضحة إنها قبل العمل كمعالجة؛ لم تكن لتصدق أبدًا أن هذا كان يحدث في البلاد؛ حيث لا تغطيها وسائل الإعلام المحلية، والأشخاص مثل نوف، الذين يتحدثون عن تجاربهم، يعتبرون مرضى أو مجانين.
وأضافت: “لم أعد أعيش في الوهم، وأدرك الكثير من الأشياء، وأقول لوالدي دائمًا: انظروا، هذا يحدث في بلدنا، افتحوا أعينكم”.
وأكدت وضحة أنها كلما رأت أكثر كلما شعرت بأنه يجب أن تتحدث بشكل علني. ولكن على عكس نجلاء طالبة الدراسات العليا التي غردت مؤخرًا بدون أي عواقب؛ فقد قالت وضحة إنه تم استجوابها من قبل شرطة الجرائم الإلكترونية في قطر بعد تغريدات نشرتها حول قضايا حقوقية.
وبينت وضحة – التي أمرتها الشرطة بحذف التغريدات -: “لم أذكر حتى كلمة قطر، لذا لا أفهم ما الذي يقومون به”.
ولم تكن وضحة المرأة القطرية الوحيدة التي استدعتها شرطة الجرائم الإلكترونية على خلفية التغريدات، ففي آب/أغسطس 2019، تزامنًا مع بدء السعودية في إجراء إصلاحات على نظام الوصاية بعد ضغوط من نشطاء حقوق المرأة في السعودية، بدأت العديد من القطريات في التغريد من حسابات مجهولة دعت من خلالها السعودية لمواصلة فرض قواعد الوصاية الخاصة بالمرأة.
وبحسب بيغوم، التي تطرّقت إلى الموضوع في تقريرها، فقد أغلقت النساء الحساب في غضون 24 ساعة بعد أن استدعت شرطة الجرائم الإلكترونية إحداهن للاستجواب، فيما قالت المُعالِجة النفسية وضحة إن إحدى صديقاتها تم استجوابها لأنها امتلكت حسابًا على غرار هذا الحساب واحتُجزت لمدة أربعة أيام.
وأضافت وضحة: “لا أرى أي تقدم في ذلك؛ فحتى الآن علينا إعادة التفكير في كل تعليق نُدلي به وكل تغريدة نقوم بنشرها”، متسائلة: “هل يجب أن أنشر هذا أم لا يجب أن أنشره؟ أم يجب أن أُبقيه في المسودات الخاصة بي؟”
شعور بالكبت
يسرا عمران تشعر بالحرية الآن في قول ما تريده عن قطر؛ ففي سنة 2020، نشرت “رواية الحجاب وأحمر الشفاه”، وهي رواية شبابية تستند إلى الفترة التي عاشتها في قطر بين سنتي 2003 و 2018.
ولدت عمران، وهي بريطانية ومصرية، وترعرعت في لندن، لكنها انتقلت إلى قطر عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وكانت تحت سيطرة شديدة من والدها، الذي تم منحه حق الوصاية من قبل نظام الوصاية في البلاد.
وكتبت عمران السنة الماضية عن ذلك فقالت: “كنت أتعرض للتهديد المستمر في المنزل من قبل والدي الذي قال إنه سيمنعني من الذهاب إلى الجامعة أو – في وقت لاحق – إلى العمل”.
كان والدها يصادر هاتفها أو يقطع الانترنت عنها إذا لم تتصرف بالطريقة التي يريدها؛ حيث قالت: “لم يكن هناك شيء يمكنني القيام به حيال ذلك” مشيرة إلى إنها أمضت سن المراهقة المتأخرة ومعظم العشرينات من عمرها “في اكتئاب وقلق مزمن وشعور بالكبت القاتل”.
وفي الثانية والعشرين من عمرها، عندما تقدم شاب لخطبتها رفض والدها هذا الزواج، ولخشيته من هروبها خارج البلاد للزواج منه، قدّم الورقة التي تشخص حالتها العقلية إلى محكمة قطرية واستخدمها كمبرر لفرض حظر سفر عليها.
كانت عودة نوف إلى قطر في تشرين أول/أكتوبر “مُفزِعة للغاية”؛ حيث صرّحت وقالت “سمعت ما يكفي من القصص أثناء دراستي في الجامعة عن فتيات هربن من الخليج، وعندما عثرت عليهن أسرهن قتلتهنّ”.
وبعد أربع سنوات؛ عندما أرادت عمران حضور دورة تدريبية للياقة البدنية في دبي، وافق والدها على رفع الحظر، ما استدعى عقد جلسة استماع في المحكمة بحضور والدها لتأكيد وجوده على متن الطائرة، لكن الغريب في الأمر أن القاضي انتقد عمران لعدم ارتدائها الحجاب؛ حيث قالت معلّقة على الأمر: “شيء لا علاقة له بقضيتي على الإطلاق”.
وفي سن السادسة والعشرين؛ تمكنت عمران من الخروج من بيت عائلتها وأصبحت مستقلة، وهو أمر قالت عمران إنه كان مستحيلاً بالنسبة لصديقاتها القطريات، وحيث إنها لم تستطع استئجار غرفة بدون إذن والدها، فقد عاشت في غرفة إضافية لصديقة لها، ومع الوقت، تحسنت علاقتها بوالدها.
تعيش عمران الآن في يوركشاير بإنجلترا، وهي في الثلاثينيات من عمرها، وتقول إنها حاولت أن تضع نفسها في مكان والدها لفهم سبب تحكمه الشديد؛ حيث ذكرت لموقع “ميدل إيست آي” إن: “هذا يعود إلى تأثره بالرجال العرب الآخرين الذين اختلط معهم، وكذلك الرغبة في الامتثال للأعراف والقواعد الاجتماعية في قطر”، مضيفة: “كان يفعل ما هو مفضل اجتماعيًّا ومقبولًا هناك”.
بالنسبة لها؛ كانت عودة نوف إلى قطر في تشرين أول/أكتوبر “مُفزِعة للغاية”؛ حيث صرّحت وقالت “سمعت ما يكفي من القصص أثناء دراستي في الجامعة عن فتيات هربن من الخليج، وعندما عثرت عليهن أسرهن قتلتهنّ”.
وسأل موقع “ميدل إيست آي” بيغوم عما إذا وجدت دليلًا أثناء بحثها فيما يتعلق بصحة قصص قتل لفتيات قطريات أثناء إعداده للتقرير؛ ردت بيغوم بالإشارة إلى عمليتي قتل حديثتين؛ امرأة يمنية، تُدعى أروى الصانع، قُتلت بالرصاص في كانون الثاني/يناير 2021 على يد زوجها السابق خارج محكمة في الدوحة لصدور قرار بمنحها حضانة ابنها بعد معركة قانونية استمرت أربع سنوات؛ مُضيفة أن سيدة قطرية وزوجها السوداني قُتلا سنة 2018 على يد إخوانها لأنهما تزوجا خلافًا لرغبة العائلة.
لكنها قالت إن عدد القتلى غير واضح؛ حيث لا تحظى هذه الحوادث بتغطية إعلامية كافية، وأن القصص التي تظهر للعلن هي التي حدثت على مرأى العامة.
“نوف هنا”
اتضح أن نوف لم تمت؛ ففي 9 كانون الثاني/يناير، عادت إلى الظهور في العديد من مقاطع الفيديو المنشورة على “تويتر” قائلة: ”نوف هنا، على قيد الحياة، لم تمت”.
وبعد عشرة أيام؛ قالت إنها عادت إلى جامعتها كارنيجي ميلون في الدوحة، والتي يُقال أنها تفوقت فيها أكاديميًّا قبل هروبها.
تلاشت الهبة الإعلامية، لكن العديد من الأسئلة بقيت دون إجابة: أين كانت نوف؟ هل كانت حقًّا حرة؟ فيما رفض المسؤولون القطريون الإجابة على الأسئلة المتعلقة بقضية نوف، مشيرين إلى أمور تتعلق بالخصوصية.
وقالت نجلاء إنها ومن حولها كانوا يفكرون بجدية في إجراءات عامة يمكن اتخاذها دون اللجوء إلى الإنترنت قبل ظهور نوف مرة أخرى، ولا تعتقد أنهم كانوا لوحدهم؛ حيث قالت “إذا كانت قد قُتِلَتْ فعلاً وتبين ذلك لمجتمعنا، أعتقد أن هذا ما كان سيحدث بالفعل”.
ولهذا السبب تعتقد أن الحكومة تدخلت لمساعدة نوف قائلة: ” لقد علموا أنه إذا حدث لها شيء، فسوف يتسبب ذلك في ثورة في العلن”، مضيفة: “لقد أرادوا إسكاتنا”.
وتعتقد نجلاء أن تشجيع الحكومة نوف على العودة إلى الوطن هو مؤشر إيجابي؛ حيث قالت: “كان بإمكانهم قول ابْقَيْ هناك، لأن ذلك سيكون أسهل بالنسبة لهم، لكنهم لم يرغبوا في الانخراط في مشاكل مع عائلتها”.
ثمة سؤال على الطاولة في أعقاب ظهور نوف: “إذا كانت شخصية بهذه الشهرة الواسعة تختفي بهذه الطريقة، ما هي وسائل الحماية التي يمكن أن تلجأ إليها النساء القطريات الأُخريات؟”
ومع ذلك؛ تعتقد المعالجة النفسية وضحة أنه في خضم الحديث حول اختفاء نوف وعودتها للظهور يُنسى السبب الذي دفعها للهروب في بادئ الأمر؛ حيث قالت: “أشعر أنها مجبرة على إظهار أن البلاد تنقذها وتحميها، وهذا لا يجوز”، مضيفة: “نعلم جميعًا مدى الصدمة التي واجهتها، فيما يحاول الناس الاستخفاف بالصدمة التي تعرضت لها قائلين ” إنها بخير الآن، لم يعد لديها مشكلة”.
وطلبت “ميدل إيست آي” من الحكومة القطرية التعليق على كيفية استجابتها لقصص الفتيات والنساء القطريات اللائي يتعرضن للعنف المنزلي، وليس لديهن مكان يلجأن إليه للحصول على مساعدة حقيقية في البلاد، وكما هو الحال مع الأسئلة الأخرى التي طرحها موقع “ميدل إيست آي”؛ فقد رفض المسؤولون التعليق على السجل.
وقالت بيغوم من “هيومن رايتس ووتش” إنه على الرغم من أن حالة نوف كانت فريدة وحظيت بدعم كبير عبر الإنترنت، إلا أن ظهورها تبعه عودة الهدوء بشأن نظام الوصاية في قطر؛ حيث قالت بأن القصص ستتوالى وتحدث ضجة ثم تخمد، مضيفة: “سنرى بين الحين والآخر نساء يخرجن ويتحدثن عن سبب منعهن من حضور المؤتمرات أو سبب عدم قدرتهن على السفر”.
وتابعت قائلة: “وبعد ذلك سيكون هناك أشخاص آخرون يخبرون عنهم، وسيهاجمهم المتصيدون عبر الإنترنت أو سيتم إبلاغ الأمن الإلكتروني عنهم. أما باقي النساء فإن مجرد السماع عن تعرض امرأة أخرى للهجوم يكفي لإخافتهن”.
وبعيدًا عن الأنظار العامة، تكافح النساء في قطر من أجل الهروب من القيود وسوء المعاملة، لكن ثمة سؤال على الطاولة في أعقاب ظهور نوف: “إذا كانت شخصية بهذه الشهرة الواسعة تختفي بهذه الطريقة، ما هي وسائل الحماية التي يمكن أن تلجأ إليها النساء القطريات الأُخريات؟”
المصدر: ميدل إيست آي